تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 17 مايو 2024

حوارات

عبدي إسماعيل سمتر: الدستور الجديد يمثل "مرحلة انتكاسة" بالنسبة للصومال

1 أبريل, 2024
الصورة
Samatar
Cabdi Ismaaciil Samatar
Share

يقول الأكاديمي والسيناتور الصومالي عبدي إسماعيل سمتر أن الدستور الجديد قد يكون خطوة مشؤومة تجعل البلاد تتقهقر إلى الوراء.

 

عقد البرلمان الصومالي عشية الثلاثين من شهر مارس جلسة مشتركة أقر خلالها المشرعون من مجلسي النواب والشيوخ مشروع قانون يتضمن تعديلات رئيسة على دستور البلاد، من بينها منح الرئيس صلاحية تعيين رئيس الوزراء بدلا من البرلمان، إضافة إلى اعتماد نظام التصويت المباشر للجمهور بدلا من النموذج غير المباشر المتبع حاليا. ووصف رئيس البرلمان الصومالي آدم محمد نور مذوبي - في حسابه على موقع X (تويتر سابقا) - هذا الحدث بـ "التاريخي"، في حين قال نائب رئيس مجلس الشيوخ عبد الله حرسي تيماعدي بأن هذا التغيير كان "خطوة حاسمة نحو مستقبل أكثر إشراقا."

بشكل إجمالي؛ فقد صوَّت 212 عضوا في مجلس النواب المؤلف من 275 مقعدا و42 عضوا في مجلس الشيوخ المؤلف من 56 مقعدا لصالح التعديلات، ومع ذلك فإنها لم تسلم من الاعتراض. الجدير بالذكر أن الدستور المؤقت للصومال تم تقديمه في عام 2012 ليدشن بذلك انتهاء حقبة الحكومات الانتقالية. وعلى الرغم من الانتقادات الحادة؛ فقد حظي بتأييد واسع النطاق بين النخب السياسية في الصومال، وقوبل قرار إجراء تعديلات كبيرة عليه بمعارضة شديدة من الرؤساء ورؤساء الوزراء السابقين، وخاصة من ولاية بونتلاند الفيدرالية.

يشمل نطاق التعديلات الفصول الأربعة الأولى من الدستور الصومالي التي تتناول هيكل الحكومة والحقوق الأساسية وحقوق الأرض والملكية والتمثيل السياسي، وفيما يلي بعض أبرز التعديلات:

  • يحق لرئيس الجمهورية تعيين رئيس الوزراء مباشرة دون الحاجة لموافقة البرلمان.

  • يُشار إلى رؤساء الولايات الفيدرالية باسم "القادة" وليس "الرؤساء".

  • سوف يتم اعتماد نظام الاقتراع العام بديلا عن نظام الانتخاب غير المباشر القائم على العشيرة لاختيار ممثلي الحكومة الصومالية.

  • لن يُسمح إلا بوجود ثلاثة أحزاب سياسية في الصومال.

  • يمارس الرئيس سلطة أكبر في تعيين لجنة الانتخابات.

كان عبدي إسماعيل سمتر - العضو البرلماني في مجلس الشيوخ الصومالي - من أشد المنتقدين لهذه الخطوة، ووصفها بأنها تمثل "مرحلة انتكاسة" تقلل من دور البرلمان في الشؤون العامة. سمتر هو أيضا أستاذ في جامعة مينيسوتا وجامعة بريتوريا في جنوب أفريقيا، له عدة مؤلفات منها: كتاب (الديمقراطيون الأوائل في أفريقيا: آدم عبدالله عثمان وعبدالرزاق حاجي حسين في الصومال)، وكتاب (تشكيل الصومال: ما وراء تجار البؤس في أفريقيا). وقد تحدث إلى جيسكا عن الدستور الجديد وتداعياته على الصومال.

 

جيسكا: لقد عرضت الحكومة هذا التغيير أمام الجمهور والمجتمع الدولي بوصفه حدثًا تاريخيا، ما هي مرئياتك حول التعديلات؟

عبدي إسماعيل سمتر: حسنًا، إنها بالتأكيد لحظة تاريخية. هذه هي المرة الأولى في تاريخ أفريقيا - وليس الصومال فقط - التي تقرر فيها القيادة البرلمانية وأعضاء البرلمان التنازل رسميا عن سلطتهم التشريعية لرئيس الجمهورية وللسلطة التنفيذية، وبهذا المعنى فهي انتكاسة تاريخية بغاية الخطورة. إن تركيز كل هذه الصلاحيات في يد الرئيس - الذي لم يستطع أن يبرهن على اتصافه بالعدل والإنصاف والإخلاص للوطن والدستور عبر النأي بذاته عن النزاع - ليس سوى أمارة على نكوص ملحوظ.

 

جيسكا: لقد ركز الناس على تعديلات مختلفة؛ ولكن أيُّها لفت انتباهك؟

سمتر: هناك عدة نقاط في غاية الأهمية؛ الأولى تتمثَّل في تقليص دور البرلمان في إدارة الشؤون العامة للبلاد كما أشرت للتو.  وتتمثَّل الثانية في أنه لم يكن هناك إجماع من مختلف الفصائل السياسية، بعض هذه الفصائل - كما هو الحال بالنسبة للحكومة الفيدرالية - تعاني من اختلال وظيفي، ولكن على الأقل لو كان هناك جهد مبذول للوصول إلى الناس بحيث يتشكل مستوى من الإجماع والتماسك لأضفى على هذا المسعى التزاما إضافيا. النقطة الثالثة تكمن في التوقيت؛ إذ أنه في الوقت الذي يواجه فيه الصومال تهديدا كبيرا من إثيوبيا - في صورة مذكرة تفاهم مع موسى بيحي - فإن فتح جبهة جديدة قد تزيد من زعزعة الاستقرار وإرباك المسار السياسي للوطن ربما تكون خطوة مشؤومة تجعل البلاد تتقهقر إلى الوراء.

                                                             

جيسكا: بوصفك أحد المشرِّعين المشاركين في سنِّ القوانين؛ هل يمكنك التوسع قليلاً في الحديث عن الآثار المترتبة على العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية للحكومة؟

سمتر: لقد أدليت بتعليق منذ وقت مبكر - قبل عامين تقريبا - ذكرت فيه أن هذا قد يكون أسوأ برلمان في تاريخ البلاد وربما القارة بأكملها، أصدقائي حينها رأوا أني كنت متشائما للغاية، لكن ما رأيتموه البارحة هو دليل واضح على مدى إفلاس هذا البرلمان الذي أصبح أشبه بسوق نخاسة. لقد خانت قيادة المجلسين قَسَمَها بأوضح وأقسى طريقة ممكنة، وحكم المُشرِّعون في كلا المجلسين على مكاتبهم بأن تصبح عديمة الأهمية في السياسة الصومالية.

 

جيسكا: صرحت بونتلاند بانفصالها عن الدولة المركزية - وهو أمر كان متوقعا - لكنها ذكرت أنها منفتحة على الحوار إذا تراجعت الحكومة الفيدرالية عن موقفها، فما هي احتمالات حدوث ذلك؟

سمتر: الإجراء الأحادي من هذا النوع في بلد يعاني العمل السياسي فيه من انعدام الثقة لن يساهم إلا في تعميق سوء الظن والارتياب بين الناس والمناطق، وقد يظن الرئيس حسن شيخ أن هذا انتصار له لكنه انتصار عقيم وفارغ. أعتقد أن شعب بونتلاند؛ مثله مثل الولايات الأخرى؛ لديه الحق في المشاركة والتشاور بطريقة تعود بالنفع على الطرفين، ولكن تصريح الرئيس بأن القطار قد غادر المحطة ولا يمكن لأحد إيقافه يمنح مبررا للحكومات الإقليمية لتطلب منه أن يأخذ قطاره ويلقيه في المحيط الهندي حتى لا يتسبب بإشعال الحرائق. لذا يتعين على المرء أن يمارس النضج السياسي، وأن يكون عاقلا وسمحا بما يكفي ليفهم شعبه كما يقول المثل الصومالي القديم: dad waxay ku dhaamaan ma jiro, walalo "إن أفضل طريقة للتعامل مع الناس هي مخاطبتهم كأخوة". إن غياب التشاور هو عار على الحكومة الفيدرالية.

 

جيسكا: ما هي دلالات انفصال بونتلاند بالنسبة للدولة الصومالية؟

سمتر: إذا نظرت إلى الإحصائيات التي تتعلق بجميع جوانب الحياة الإنسانية والبيئية - كالتعليم ومستوى الأمية وموت الأمهات أثناء الولادة والصحة والاقتصاد والبطالة - فإن الصومال هو من أكثر البلدان التي تعاني في العالم. وهكذا، سواء كانت بونتلاند، أو صوماليلاند، أو جوبالاند أو أي إقليم آخر، فلا أحد منهم بمفرده يملك ما يكفي من الموارد لخلق حياة كريمة لجميع أفراد شعبه. إذا نظرت إلى العالم على نطاق أوسع، فستجد أن المؤسسات السياسية تتوسع ويتعاظم نطاق فاعليتها من خلال العولمة، لذا يبدو الأمر كما لو أن هذه السلطات تتحرك في الاتجاه الخاطئ من التاريخ بشكل لن يُسفر إلا عن التهميش والنسيان. وهنا سوف يعاني شعبنا، وسوف يصبحون عملاء للإمارات وغيرهم، وسيتحولون إلى متوسلين لأنظمة حاكمة تستوجب الشجب في الشرق الأوسط، أنظمة أهانت مواطنيها فكيف لها أن تحترم حقوق الناس في البلدان الأخرى.

 

جيسكا: إحدى التعديلات تنص على الاكتفاء بثلاثة أحزاب، وقد لاحظنا هذا الأمر في أماكن أخرى في صوماليلاند وبونتلاند أيضا. ما هي مرئياتك حول هذا الإجراء على المستوى الوطني؟

سمتر: إحدى مآسي السياسة الصومالية على مدى الخمسين سنة الماضية هي عدم وجود أفكار سياسية متنافسة ترتكز على آمال الناس بشأن المستقبل. لذا، فإن مسألة الأحزاب ليست مهمة سواء أكانت هذه الأحزاب ثلاثة أو أربعة أو أيًا كان عددها، طالما أنها لن تقوم بما يفترض بها القيام به، وهو وضع أجندة سياسية للبلاد، فالتفاهات لا تتحول إلى بدائل للحقيقة والواقع.

 

جيسكا: كان الافتقار إلى المساهمة العامة بخصوص الدستور مشكلة كبيرة في نظر بعض المراقبين، ولم يكن هناك استفتاء أيضا. وعلى أقل تقدير - وبغض النظر عن تقييماتنا للنتيجة - كان من الممكن أن يصبح هذا الدستور تعبيرا عن إسهام متكامل للشعب الصومالي. ما الذي كان يمكن فعله بشكل مختلف هنا؟

سمتر: على الأقل كان بإمكان قادة المجلس ممن يمثلون المحافظات الذهاب إلى الناس الذين يُفترض أنهم يمثلونهم للوقوف على حقيقة مشاعرهم  في هذا الشأن والسماح لهم بالتعبير عن اعتراضاتهم ونقل انطباعاتهم إلى البرلمان.