تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الجمعة 17 مايو 2024

سياسة

عقوبة الإعدام في الصومال

29 أبريل, 2024
الصورة
عقوبة الإعدام
نصت العديد من الاتفاقيات الدولية على أهمية التخلي عن عقوبة الإعدام (Getty)
Share

يتناول هذا التقرير السلامة الإجرائية والقانونية لظاهرة الحكم بعقوبة الإعدام، على فئات متنوعة من المتهمين داخل الصومال الجنوبي (الولايات الخمس التي تمارس فيها الحكومة الفيدرالية سلطتها).

ولا تكاد تخلو الصحف الصومالية المحلية من أخبار عن إصدار إحدى المحاكم، من مختلف الدرجات، سواء أكانت تتبع القضاء العادي أو العسكري، أحكاما بعقوبة الإعدام كل شهر. وبشكل خاص في ولاية بونتلاند التي تتمتع باستقلال شبه ذاتي. علما أنّ هناك فرق بين صدور الحكم، والوصول إلى مرحلة التنفيذ، حيث تسقط العديد من الأحكام التي تصدر عن المحاكم الابتدائية بعد الاستئناف أمام المحاكم الأعلى.

واقع عقوبة الإعدام

وفق تتبع أخبار الإعدام في الصحف المحلية، تصدر معظم الأحكام القضائية بعقوبة الإعدام في جرائم تتعلق بتهم الانضمام إلى جماعة إرهابية (حركة الشباب وتنظيم داعش) والمشاركة في أنشطة إرهابية، وجرائم الاغتصاب التي ينتج عنها موت الضحية أو تشمل قتل الضحية، وجرائم القتل العمد.

ينقسم المحكوم عليهم والمُنفذ بحقهم تلك العقوبة إلى المتهمين بالانضمام إلى حركة الشباب وتنظيم داعش، وأفراد القوات الأمنية والعسكرية المتهمين بجرائم قتل، طالت مدنيين وهم خارج الخدمة، أو طالت زملائهم داخل الخدمة، ومدنيين اُتهموا بجرائم قتل واغتصاب أدت إلى وفاة الضحية.

وحول أهم المناطق التي تصدر محاكمها أحكاما بهذه العقوبة، وتنفذها سلطاتها، تأتي ولاية بونتلاند في المركز الأول، ثم إقليم بنادر والعاصمة مقديشو. وبعدها تتساوى بقية المناطق، بحيث أنّها تشهد صدور الأحكام وتطبيقها، لكن بدرجة أقل بكثير.

تصدر معظم أحكام الإعدام عن المحاكم العسكرية الابتدائية في ولاية بونتلاند ومقديشو وغيرهما، وذلك فيما يتعلق بالمتهمين بالانضمام إلى حركة الشباب وداعش، وفي حالة كان المتهمون من أفراد القوات الأمنية والعسكرية. وتتولى محاكم القضاء العادي (غير العسكرية أو المحاكم التي تُنشأ لجرائم محددة بقانون خاص) القضايا الجنائية المُتهم فيها مدنيين، والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام، كما في جرائم القتل العمد.

يستند القضاء في الصومال إلى قانون العقوبات رقم (5) لعام 1962، وفي بونتلاند يستند أيضًا إلى قانون مكافحة الإرهاب لعام 2010، الذي أقره برلمان الولاية، كما وافق مجلس الشعب الفيدرالي في مارس/آذار 2023، على قانون مكافحة الإرهاب، الذي بدأ العمل به منذ عام 2016. بعد مرور عام على تصديق المجلس، لم يُطرح القانون بعد على مجلس الشيوخ الفيدرالي للحصول على الموافقة، وإرساله إلى رئيس الجمهورية للتصديق عليه، ليصبح نافذ المفعول.

يُعاقب قانون العقوبات لعام 1962 على العديد من الجرائم بعقوبة الإعدام، وجاءت مفصلة في مواد القانون. وتنصّ المادة (94) على أنّ "عقوبة الإعدام تُنفذ داخل مكان الاحتجاز أو أي مكان يحدده وزير العدل". وحدد القانون طريقة تنفيذ العقوبة بإطلاق النار على المدانيين. وحدد القانون عددا من الجرائم التي يُعاقب مرتكبها بالإعدام، وتنقسم إلى: الجرائم التي تستهدف الدولة، والجرائم التي تستهدف الأمن العام، والجرائم التي تستهدف الجيش في وقت الحرب، والجرائم التي تستهدف الأفراد.

فيما يخص الجرائم التي تستهدف الدولة، حددت المادة (184) عقوبة الإعدام للمحاولات التي تهدد "استقلال وسيادة ووحدة الدولة، أو التعاون مع جهات خارجية ضدها". كما نصّت المادة (185) على معاقبة من يحمل السلاح ضد الدولة بالسجن مدى الحياة أو الإعدام إن كان له دور قيادي. وفي المادة (221) يُعاقب بالإعدام من يشارك في محاولة الانقلاب أو التمرد ضد الدولة.

وفيما يتعلق بالجرائم التي تخص الأمن العام، تعاقب المادة (329) بالإعدام كل من يشارك في عمل يؤدي لخطر ويهدد الأمن العام، ويتسبب عنه سقوط قتلى. وفي المادة (334) يُعاقب بالإعدام من يهدد الأمن العام على سبيل "اللعب" في حال سقوط قتلى.

وفي شأن الجيش وممتلكاته، نصّت المادة (196) على معاقبة من يخرب ممتلكات الجيش بالإعدام، في حالة العمل لصالح دولة في حالة حرب مع الوطن. وفي الحالة الأخيرة التي تتعلق بالأفراد، نصّت المادة (335) على عقوبة الإعدام لكل من تسبب في تلويث الطعام أو الماء ونتج عن ذلك وفيات. وقالت المادة (434) بمعاقبة "كل من ارتكب جريمة القتل بالموت."

مصداقية القضاء

أجاز القانون للقاضي إصدار أحكام مخففة في القضايا التي نصّ القانون فيها بعقوبة الإعدام، فيما يُعرف بالسلطة التقديرية للقضاة. في المادة (119) يحقّ للقاضي تخفيض العقوبة من الإعدام في حالة وجود ظرف واحد يستدعي ذلك، إلى عقوبة السجن مدى الحياة أو السجن لمدة من 20 حتى 30 عامًا. وفي حال وجود أكثر من ظرف يستدعي التخفيف، نصّت المادة (121) بتخفيف عقوبة الإعدام إلى السجن 15عامًا.

وفقاً لما سبق، تستند محاكم القضاء العادي بمختلف بدرجاتها، في الصومال، في معاقبة المتهمين بعقوبة الإعدام إلى نصّ قانون العقوبات لعام 1962. بينما في الممارسة تقتصر القضايا التي تنظر فيها، وينصّ القانون فيها على عقوبة الإعدام، على تلك التي تتعلق بجرائم جنائية مثل القتل. أما في حالة جرائم الاغتصاب، فإذا لم ينتج عنها وفاة الضحية أو أن يقوم المتهمون بقتل الضحية، ففي تلك الحالة ينصّ القانون على عقوبة السجن فقط.

ورغم توفير القانون ملاءة واسعة للنظر في كافة القضايا المتعلقة بالجرائم ضد الدولة والأمن العام والجيش، وهي التي تؤطر الجرائم التي ترتكبها حركة الشباب وتنظيم داعش، إلا أنّ تلك القضايا تنظرها المحاكم العسكرية في بونتلاند ومقديشو بشكل خاص.

يقول القانوني والعضو السابق في مجلس القضاء الأعلى في بونتلاند، محمد عمر، "إنّ المحكوم عليهم بعقوبة الإعدام لا يحظون بكافة حقوق التقاضي أمام المحاكم."

يضيف لـ"جيسكا" أنّ عقوبة الإعدام في جرائم القتل تحظى بموافقة وتأييد شعبي في الصومال، نظرا لكونها تطبيقاً للشريعة، ووسيلة لتحقيق الردع في بيئة يسهل فيها القتل. وينوه إلى أنّ الأحكام القضائية الصادرة عن محاكم الدولة الفيدرالية لا تُنفذ إذا صدر عفو من أولياء المجني عليه، حسب الشريعة الإسلامية، ويخفف الحكم إلى عقوبة تعزيرية. كما يشير، في ذات السياق، إلى أنّ تنفيذ عقوبة الإعدام وإجراءات محاكمتها تكتنفها العديد من الأسئلة، وتتطلب الترشيد والتصحيح لضمان العدالة، وحفظ حقوق المتهم الدستورية.

وفيما يتعلق بأحكام الإعدام في ولاية بونتلاند بحق المتهمين بجرائم تتعلق بالإرهاب، يذهب محمد عمر إلى أنّها "أحكام تعسفية في الغالب وعلى أيدي قضاة غير مؤهلين، ولا يحظى المحكوم عليهم بتحقيقات وإجراءات عادلة، فضلاً عن ممارسة جهة التحقيق أبشع أنواع التعذيب، لانتزاع الاعتراف من المتهم، ولو كانت باطلة". وبحسبه، يستند هذا التقييم إلى الاطلاع عن كثب على بعض القضايا والاستفسارات والأسئلة التي طرحها على العديد من المحامين الذين مثّلوا بعض المحكوم عليهم.

الإعدام في بونتلاند

يوضح العضو السابق في مجلس القضاء الأعلى في بونتلاند، محمد عمر، أنّ هناك نوعان من القضايا التي يُحكم فيها بعقوبة الإعدام في بونتلاند، الأولى قضايا الإرهاب مثل الانتماء إلى حركة الشباب وتنظيم داعش، وتكون جهة الاختصاص بالنظر فيها هي المحكمة العسكرية، وهو نفس الحال مع الحكومة الفيدرالية. والنوع الثاني هي القضايا التي تتعلق بجريمة القتل، وتنظرها محاكم القضاء العادي، وهي أكثر تسامحًا، وتخفف العقوبة أو تُطلق سراح المتهمين، إذا تنازل أولياء الدم.

يشير محمد عمر إلى أنّ ولاية بونتلاند تطبق قانونًا خاصًا في جرائم الإرهاب، وهو قانون رقم (10) الصادر في 2011 باسم قانون مكافحة الإرهاب. وتنصّ المادة الثانية فيه على "عقوبة الإعدام لكل من يشارك في جريمة الإرهاب إما بالتأسيس أو بالتمويل أو بالتنسيق والتنفيذ والتوجيه". وأما عقوبة التأييد والترويج لفكر الجماعات الإرهابية، وإخفاء عناصرها، فيحكم فيه بعقوبة تتراوح ما بين عشرة أعوام إلى السجن المؤبد.

يعلق عمر بأنّ عناصر جريمة الإرهاب في القانون فضفاضة، وكذلك طرق إثباتها، ما يؤدي إلى سهولة معاقبة كل متهم بعقوبة الإعدام. ومن مثالب هذا القانون، يذكر أنّ المادة (11) تسمح للمحكمة بسلوك إجراءات خاصة للإثبات، مثل إخفاء الشهود أو الاستماع إليهم خارج المحكمة.

يقول لـ"جيسكا" إن تبعات ذلك تؤدي إلى "مشكلات جمة، وانتهاكات لحقوق الإنسان، وتساهل في الحكم بالإعدام". ويلفت إلى أنّه رغم كون بونتلاند ولاية فيدرالية، فإنّ المحكوم عليهم لا يحظون بفرصة الطعن في قرارات المحاكم في الولاية أمام جهة أعلى، كالمحكمة العليا العادية أو العسكرية الفيدرالية، موضحًا أنّ الحكم يكتسب صفة النهائية بمروره بدرجتين من التقاضي في الولاية، وهما المحكمة العسكرية الابتدائية ومحكمة الاستئناف العسكرية. ويشير إلى أنّ تنفيذ عقوبة الإعدام وإجراءات محاكمتها تكتنفها العديد من الأسئلة، وتتطلب الترشيد والتصحيح لضمان العدالة وحفظ حقوق المتهم الدستورية.

كانت العديد من أحكام الإعدام في بونتلاند قد صدرت بحق كثيرين من أبناء القبائل في الولايات الأخرى، ما أثار استياء لدى بعض العشائر الذين نُفذ حكم الإعدام بحق أبنائهم. أبرز الأمثلة على ذلك، تنفيذ الولاية حكم بالإعدام بحق 21 مداناً، في يونيو/حزيران 2021، والذي أثار استياء عشائر في جنوب الصومال، ورأى البعض في كون المدانين من خارج الولاية مبررا لميل القضاة للحكم بعقوبة الإعدام.

تعليقاً على ذلك، يقول القانوني محمد عمر، إنّ ذلك غير صحيح؛ بدليل أنّ نصف المحكوم عليهم بالإعدام في قضية إعدام الـ 21 فردًا من عشائر ولاية بونتلاند. وتابع بأنّ هناك سببًا آخر يجعل دائما الأغلبية من قبائل معينة؛ وهو أن القوى المتاحة للتجنيد عند حركة الشباب هم من قبائل معينة، في جنوب الصومال والوسط، فإذا كانوا الأكثرية فلا غرابة.

خروقات قانونية

وفق تقرير الخارجية الأمريكية لعام 2021، أحيانًا "تقوم السلطات الفيدرالية والإقليمية بإعدام الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام، بعد أيام من صدور حكم المحكمة، لا سيما في الحالات التي اعترف فيها المتهمون بشكل مباشر بعضويتهم في حركة الشباب أمام المحاكم أو في مقاطع فيديو متلفزة". وأضاف التقرير أنّه في قضايا أخرى، منحت المحاكم المتهمين مهلة، تصل إلى 30 يومًا فقط لاستئناف أحكام عقوبة الإعدام. 

إلى جانب ذلك، تناول تقرير منظمة المدافعين عن حقوق الإنسان بالاشتراك مع التحالف العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام، والصادر بتاريخ أكتوبر/تشرين الأول 2022، بعنوان "امتثال الصومال لاتفاقية مناهضة التعذيب: عقوبة الإعدام" وضع تطبيق العقوبة في الصومال. جاء فيه "لا توفر المحاكم العسكرية عمومًا للمتهمين التمثيل القانوني، وتفتقر إجراءاتها إلى الشفافية. ولا يتمتع المتهمون في المحاكم العسكرية التابعة لحكومة الفيدرالية بالحق في الاستئناف".

رغم إشارة التقرير إلى غياب الحق في الاستئناف، إلا أن المتابعة لوسائل إعلام محلية تكشف عن حصول المتهمين على الحق في الاستئناف، وفي حالات محددة تصل القضايا إلى المحكمة العسكرية العليا، كدرجة أخيرة للتقاضي. إلى جانب ذلك، تتهم منظمات دولية المحاكم الصومالية بمعاقبة العديد من القُصر، من تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاماً بالإعدام، فضلًا عن الاتهامات بالحصول على الاعتراف عن طريق التعذيب، أو اتخاذ الاعترافات المسجلة عبر التلفزيون كدليل نهائي يحرم المتهمين من الحق في الاستئناف.

تعتبر سرعة تنفيذ حكم الإعدام من أهم الانتهاكات التي تطال حقوق المتهمين، بسبب عدم توفير وقت كاف للدفاع، لإعداد مذكرات الاستئناف والطعن على الأحكام القضائية.

كان مكتب الأمم المتحدة في الصومال سجل خلال عام 2015 تنفيذ 29 حكمًا بالإعدام، صدرت جميعها عن محاكم عسكرية. ووفق تقرير منظمة المدافعون عن حقوق الإنسان، في عام 2019، تم تنفيذ ما لا يقل عن 12 عملية إعدام. وفي عام 2020 نفذت 11 حكما بالإعدام. وفي عام 2021، نفذت ما لا يقل عن 21 عملية إعدام، ومن غير الواضح إن كانت تلك الأرقام تشمل الإعدامات التي تنفذها حركة الشباب أم لا، كما أنّ تلك الأرقام لا تعتبر إحصائيات نهائية.