تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 20 أبريل 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
فكر

ظلال حرب التيغراي على مسجد النجاشي في إثيوبيا

10 فبراير, 2025
الصورة
geeska cover
Share

يعتبر مسجد النجاشي رمزًا للإسلام، لما يحمله من أهمية كبيرة في التاريخين الإسلامي والإثيوبي، يعود تأسيسه إلى حوالي عام 615 ميلادية، وكانت المنطقة التي يقع فيها المسجد وجهة الهجرة الإسلامية الأولى، حيث لجأ صحابة النبي محمد إلى الملك النجاشي-أصحمة- الذي كان يحكم الحبشة وقتئذ. وكان يطلق لقب النجاشي على ملوك حبش القدامى، كما يطلق لقب كسرى على ملوك الفرس، وقيصر على ملوك الروم. حكم أصحمة مملكة أكسوم الواقعة في الشمال الشرقي من القرن الأفريقي بين عامي 614 و630 ميلادية. 

يقع المسجد في مدينة ووقرو، وتحيط به المناظر الخلابة الباعثة في النفوس إحساسًا عميقًا بعراقة تاريخ المنطقة. يعكس المكان الترابط الروحاني العميق بين إثيوبيا والإسلام، كما يكشف أهمية ذلك الترابط. لكن، غالبًا ما يتم تجاهل هذه الحقيقة، بسبب علاقة إثيوبيا القوية بالكنيسة الأرثوذكسية التي تعتبر إحدى أركان الدولة في إثيوبيا. 

 علاقات إثيوبيا والخليج العربي معقدة، ففي الوقت الذي ولد فيه النبي محمد كانت أكسوم دولة قوية، تقع على الساحل الأفريقي للبحر الأحمر، وتحتل أجزاء من اليمن. حتى أن أبرهة، - نائب ملك الحبشة آنذاك في اليمن- سعى إلى تدمير الكعبة التي كانت في ذلك العصر مزارًا وثنيًا، واستبدالها بكنيسة في صنعاء. لقد نزلت سورة الفيل في القرآن عن ذلك الغزو والتدخل الإلهي. في عام 2014، تحدث مجموعة من الشباب السعوديين عن تتبعهم لمسار ذلك الجيش، وزعموا أنهم عثروا على نقوش  باللغة الحميرية.

في صدر الإسلام، عندما بدأ النبي محمد دعوة الناس إلى الإسلام، تعرض أتباعه للاضطهاد ما دفع العديد مهنم، بما في ذلك ابنته رقية وزوجها الخليفة الثالث عثمان بن عفان إلى الهجرة نحو إثيوبيا، والإستقرار فيها تحت حماية الملك النجاشي، مما جعل إثيوبيا ملتقى الإسلام والمسيحية بشكل مستمر. 

في التقاليد الإسلامية، كان يُنظر إلى الأصحمة على أنه ملك عادل، كما يُعتقد أنه أسلم فأخفى إسلامه. أشار إليه النبي محمد بأنه "رجل تقي" وأمر أتباعه بأداء صلاة الغائب عليه عند وفاته. يعتقد البعض أن ما دفع النبي محمد إلى القول: "اتركوا الحبشة ما تركوكم ...". هو ما قدمه الملك في خدمة الإسلام المبكر. دُفن الملك النجاشي إلى جانب اثني عشر من صحابة النبي في ووقرو، حيث يقع مسجد النجاشي اليوم الذي يعتبر رمزًا تاريخيًا للصمود. 

أثناء حرب تيغراي عام 2020-2021 تعرض المسجد لأضرار جسيمة، وقال برنامج أوروبا الخارجي للتعاون مع أفريقيا الذي يقع في بلجيكا، إن المسجد "تعرض للقصف أولاً ثم نهب من قبل القوات الإثيوبية والإريترية". ونقل البرنامج عن مصادر تيغروية تعرض بعض الناس لعملية القتل أثناء محاولتهم حماية المسجد. 

قال أحمد سراج من الرابطة الدولية للمسلمين في تيغراي لموقع ميدل إيست آي: "لقد أكدت مصادرنا أن عددًا من الأبرياء، بمن فيهم أب لأربعة أطفال، قُتلوا على يد جنود إريتريين لمجرد احتجاجهم على نهب المسجد". كما سرقت قطع أثرية من المسجد، وفقًا لمجلس الشؤون الإسلامية الإثيوبي.

وقد أعلنت وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا) عزمها إعادة ترميم المسجد، بعد فحص طبيعة الأضرار. وقد  قامت تيكا بعملية ترميمه في عام 2015. وقال إسماعيل دورهات، منسق الوكالة في إثيوبيا آنذاك لوكالة الأناضول: "نحن سعداء بالحصول على فرصة ترميم هذا المعلم الإسلامي الشهير. وتحدث فاضل أكين أردوغان، رئيس وكالة تيكا في إثيوبيا، في عام 2017، أن جهود الترميم شملت إضافة مطعم، وقاعة تتسع لـ 500 شخص، ومستودعين للمياه بسعة 160 طنًا، ولمسة معمارية عثمانية. وفق فاضل، تهدف عملية الترميم إلى تعزيز السياحة في المنطقة. لكن ورغم جدارة هذه الجهود بالثناء، إلا أن معاناة المجتمع المحلي تمتد إلى ما هو أبعد من الترميم المادي للمسجد.

نقاش مع المجتمع المحلي

للاستقصاء حول دور المسجد في المجتمع المحلي، سألت الشيخ يوسف عن عدد المسلمين في المنطقة فأجابه: "لا يوجد سوى حوالي 200 مسلم في هذه المنطقة". وفيما يخص الدعم الخارجي يقول الشيخ يوسف: "نحن نتلقى القليل من المساعدة، كانت آخرها من المجلس الإسلامي الإثيوبي، الذي أحضر موادًا غذائية. ومنذ ذلك الحين، لم نحصل على أي شيء تقريبًا".

تحدث معي طفلٌ يُدعى "يوسف" الذي تجسد قصته كفاح السكان المحليين عن مقتل والده خلال صراع عام 2020، واضطرار والدته للسفر إلى المملكة العربية السعودية بحثًا عن عمل، ما دفعه إلى الإقامة في المسجد، والاعتماد على تبرعات السكان المحليين من أجل البقاء على قيد الحياة. قصة يوسف واحدة من القصص العديدة التي  تؤكد على الحقائق القاسية التي يواجهها سكان منطقة هذا المسجد التاريخي. 

مسجد النجاشي ليس مجرد معلم تاريخي؛ إنه مثال حي من تراث إثيوبيا وأفريقيا الإسلامي، من حيث الأقدمية، فلا يوجد له سوى نظير واحد في المنطقة، وهو مسجد زيلع العريق الواقع في صوماللاند، والذي يُعتقد بأنه ثاني أقدم مسجد في أفريقيا. تجسد هذه المعالم صور الأيام الأولى للإسلام، وروح التعايش والتضامن وقوة الإيمان. 

عموما، يعتبر المسجد المقدس نصبًا تذكاريًا لجذور الإسلام العميقة في إثيوبيا، كما يذكر بالتحديات التي لا تزال قائمة في المنطقة. مشروع الترميم حيوي، ولكن يجب أن يرفقه تحسين أوضاع المجتمع المحلي الذي يستحق نفس الإهتمام من خلال انشاء مشاريع تنموية مستدامة.