الاثنين 28 أبريل 2025
وصفت الصحافة الدولية، ومعها عدد من المراقبين، لقاء الدوحة ب "الاختراق الدبلوماسي اللافت"، رغم أنه ليس بالجديد، فالدوحة على خط الوساطة منذ عام 2022. لكن هذا التطور الدبلوماسي يبقى غير متوقع، لأنه جاء عكس المنحى التصاعدي للأحداث الذي عرف توترا حادا، وتصريحات عدائية متبادلة، بلغت درجة المطالبة بفرض عقوبات دولية من ناحية. ولأنه يأتي من ناحية أخرى، بعد فشل مساعي عدد من الدول؛ الأفريقية والغربية، وحتى بعض المؤسسات الأفريقية، في تحقيق هذا التقارب بين أطراف الصراع.
نجحت الوساطة القطرية في إيقاف مسلسل التصعيد بين الطرفين، بجمعها الثنائي كاغامي تشيسكيدي حول طاولة واحدة، منهية حربا كلامية حامية بين الزعيمين، إذ سبق للرئيس الرواندي أن وصف نظيره الكونغولي بأنه "غير كفئ في إدارة البلاد"، ما جعل هذا الأخير يعلن أن "لقاءه الوحيد مع كاغامي سيكون في الجنة" في إشارة إلى استحالة الجلوس معه في أي اجتماع.
كما حظيت بدعم وتأييد دوليين كبيرين، حيث أشاد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في بيان رسمي، بالجهود الحثيثة التي تبذلها قطر في مجال الوساطة بين الدول الأفريقية، واصفا دور قطر في هذا الاجتماع بالمؤثر، معربا عن رغبته في تحقيق هذه الجهود تقدما ملموسا نحو إنهاء النزاع المستمر في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
أعرب فرحان حق، نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة من جهته، عن الامتنان لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على وساطة بلاده بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، مؤكدا على ضرورة الالتزام بوقف إطلاق النار. وأضاف قائلا: "ندعم تماما الاتفاق على استمرار المناقشات على النحو المتوخى في إطار عمليتي لواندا ونيروني، مؤكدا على أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2773".
نجحت الوساطة القطرية في إيقاف مسلسل التصعيد بين الطرفين، بجمعها للثنائي كاغامي تشيسكيدي حول طاولة واحدة، منهية حربا كلامية بين الزعيمين، إذ سبق للرئيس الرواندي أن وصف نظيره الكونغولي بأنه "غير كفئ في إدارة البلاد"
أكد الاتحاد الأفريقي بدوره، على لسان رئيس مفوضية الاتحاد محمود علي يوسف، دعم المساعي القطرية، مرحبا بجهود الدوحة التي تمثل، بتعبير يوسف، خطوة مهمة نحو تعزيز الاستقرار في منطقة البحيرات العظمي، واعتبر ذلك فرصة سانحة لتحقيق تسوية شاملة عبر الدبلوماسية.
حتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان سباقا إلى الدخول على خط الأزمة، بإيفاد وزير خارجيته جان نويل بارو إلى المنطقة، في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي، دون النجاح في إحراز أي اختراق في الأزمة، أعلن عبر حسابه على منصة "إكس" عن دعم اجتماع الدوحة، معربا عن أمله في إسهام اللقاء في تحقيق تقدم في عملية السلام بالمنطقة.
يُعد لقاء الدوحة الأول من نوعه - بشكل حضوري ومباشر - بين قائدي البلدين، منذ قمة الاتحاد الأفريقي في فبراير/ شباط عام 2024، والذي توج ببيان مشترك أكد "التزام جميع الأطراف بوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار"، واتفق قادة الدول على "الحاجة لاستمرار المناقشات التي بدأت في الدولة لبناء أسس متينة من أجل تحقيق السلام المستدام". وعبّر الرئيسان، في ذات البيان، عن شكر خاص لدولة قطر وأميرها "الذي ساهم في بناء الثقة بين الدولتين والالتزام المشترك بمستقبل آمن ومستقر لجمهورية الكونغو الديمقراطية والمنطقة".
يشكل توقيت المبادرة القطرية مفاجئة كبرى، بالنسبة للكثيرين، حيث جاءت في غمرة الأجواء المشحونة، ومزيد من التصعيد، ففي 17 مارس/ آذار الجاري، أعلنت رواندا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع بلجيكا، وأمرت جميع الدبلوماسيين البلجيكيين بمغادرة البلاد خلال 48 ساعة، بعد اتهامات لبروكسيل ب "الكذب والتلاعب لتشكيل وجهة نظر عدائية غير مبررة تجاه رواندا". من جهتها، وصفت بلجيكا القرار ب"غير المناسب"، معلنة أن الدبلوماسيين الروانديين غير مرحب بهم في فوق أراضيها.
تدخل الدوحة على خط الوساطة، وفق مصادر دبلوماسية لصحفية "العربي الجديد"، بطلب من الطرفين وبدعوة من الاتحاد الأفريقي، ما يؤكد ثقة الطرفين في قطر. ثقة يعززها غياب أجندة سياسية خفية من جانب، والعلاقات الثنائية من جانب أخر. هذا ما أكده الكونغولي بوب كابامبا؛ الأكاديمي في جامعة لييغ البلجيكية، الذي اعتبر "العلاقات الوثيقة بين قطر ورواندا تعني أن كاغامي ربما وجد صعوبة في رفض دعوة لحضور اجتماع الثلاثاء، وهو الأمر الذي أدركه تشيسكيدي أيضا".
تساهم المصالح الاقتصادية بنصيبها في نجاح هذه الدبلوماسية الناعمة، فلدى الدوحة حضور اقتصادي راسخ في البلدين معا. ففي رواندا مثلا تملك الخطوط الجوية القطرية 49٪ من الخطوط الجوية الرواندية، كما تملك أيضا 60٪ من شركة مطارات بوجيسيرا، إضافة إلى تشييد مطار في كيغالي بقيمة إجمالية تصل إلى 1,6 مليار دولار، ما يمثل أكبر استثمار قطري في أفريقيا، يأتي كل ذلك في إطار سعيها لتحويل كيغالي إلى أهم مراكز الطيران في شرق أفريقيا.
تدخل الدوحة على خط الوساطة، وفق مصادر دبلوماسية بطلب من الطرفين، وبدعوة من الاتحاد الأفريقي، ما يؤكد ثقة الطرفين في قطر. ثقة يعززها غياب أجندة سياسية خفية من جانب، والعلاقات الثنائية من جانب أخر
كذلك الأمر بالنسبة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث أبدت الدوحة اهتماما بتطوير مشاريع البينة التحتية في مجالي الموانئ والمطارات، فقد وقعت مذكرة تفاهم لتجديد ثلاثة مطارات في الجمهورية، وهي: ندجيلي وندولو ولوانو. كما ترنو قطر إلى تسجيل حضورها في البحر أيضا، بإنشاء ميناء بحري عميق في منطقة بانانا في أقصى جنوب غرب البلاد عند مصب نهر الكونغو.
قد تكون المصالح الاقتصادية سببا يُعمد في تفسر الحضور القطري المبكر في الأزمة بشرق جمهورية الكونغو، وعلى فرض صحته في هذه الحالة، بالنظر لاستثمارات قطر في البلدين، فإنه لا يستقيم في الكثير من الأزمات الأفريقية التي نجحت الدبلوماسية القطرية في وأد نزاعاتها، وإحلال سلام بين أطرافها بفضل وساطتها الناجعة.
كانت قطر سببا في تهدئة نزاع في واحد من أكثر العلاقات تعقيدا في منطقة القرن الأفريقي، وهو النزاع الحدودي بين جيبوتي وإريتريا، بفضل مبادرتها في يونيو/حزيران 2010 التي توجت بتوقيع رئيسي البلدين على اتفاقية في الدوحة، تضمنت تكليف شركة دولية بترسيم الحدود وفقا للقوانين الدولية، وهو بند يعكس التطلعات نحو حل قانوني ودائم للنزاع.
تبدو الدوحة مصممة على إضافة الأزمة في شرق الكونغو إلى قائمة الأزمات الأفريقية التي استطاعت بفضل دبلوماسيتها الناعمة فرز ما تشابك من خيوطها، وتزيد المصالح الاقتصادية القطرية في البلدين هذه من هذه الرغبة
أفريقيا دائما، نجحت الوساطة القطرية التي امتدت لأزيد من ثلاثين شهرا، في إنهاء أزمة ممتدة بين الحكومة السودانية وحركة التحرير للسلام، بتوقيع الطرفين على "وثيقة الدوحة للسلام"، في 14 يوليو/ تموز 2011، إضافة إلى ممثلين عن بوركينافاسو والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. وانضمت في أبريل/ نيسان 2013 حركة "العدل والمساواة" المتمردة في إقليم دارفور إلى اتفاق السلام لعام 2011، بوساطة قطرية أيضا.
تبقى "اتفاقية الدوحة للسلام ومشاركة الحركات السياسية العسكرية في الحوار الوطني الشامل السيادي في تشاد" أحدث النجاحات القطرية في أفريقيا التي جاءت ثمرة خمسة أشهر من المفاوضات، وانتهت بتوقيع المجلس العسكري الانتقالي وعدد من فصائل المعارضة المسلحة على اتفاق سلام في أغسطس/ آب 2022، يضع حدا للفوضى السياسية والأمنية، ويمهد الطريق نحو ترتيب المشهد السياسي في تشاد، وإعادة الاستقرار للبلاد.
تبدو الدوحة مصممة على إضافة الأزمة في شرق الكونغو إلى قائمة الأزمات الأفريقية التي استطاعت بفضل دبلوماسيتها الناعمة فرز ما تشابك من خيوطها، وتزيد المصالح الاقتصادية القطرية في البلدين هذه من هذه الرغبة، وما الدخول المبكر للدبلوماسية القطرية على خط الأزمة، وبعيدا عن الأضواء، سوى دليلا آخر على عزم قطر نزع فتيل صراع يهدد بإشعال حرب في المنطقة برمتها.