السبت 19 أبريل 2025
اكتسبت المصالحة بين الصومال وإثيوبيا زخمًا بزيارة الرئيس حسن شيخ محمود إلى أديس أبابا، التي شهدت الاتفاق على إعادة التمثيل الدبلوماسي الكامل، وتعزيز التعاون بين الأجهزة الأمنية في البلدين، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وبحث التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري.
عرف البلدان أزمة استهلكت معظم العام الماضي، منذ توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهم مع صوماليلاند، بشأن الحصول على منفذ بحري، وهو ما اعتبرته مقديشو انتهاكًا لسيادتها. نجحت الوساطة التركية في التوصل لتسوية بين البلدين، تضمّنت اعتراف إثيوبيا باستقلال وسيادة ووحدة أراضي الصومال، مقابل حصولها على امتيازات تجارية، وتسهيلات تتعلق بوصولها إلى البحر، سيُجرى العمل على تحديدها لاحقًا.
جدد الرئيس حسن شيخ محمود ورئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد التزامها ببنود إعلان أنقرة، خلال استقبال الأول في العاصمة أديس أبابا، يوم السبت الماضي (11 يناير/ كانون الثاني). اتفق الزعيمان على تسريع عمل اللجان الفنية المنبثقة عن إعلان أنقرة، والتي تعمل على تنفيذ حصول إثيوبيا على منفذ بحري، تحت السيادة الصومالية. وتضَمن الإعلان بنودًا حول تجنب الخلافات، والاحترام المتبادل لسيادة الدولتين.
لا يزال الإعلان يثير بعض الشكوك، نظرًا لطابع السرية الذي يحكم علاقات البلدين، فقد وُجهت له انتقادات من عدد من الساسة والمعلقين، حول قضيتين؛ الأولى عدم إعلان إثيوبيا الانسحاب بشكل صريح من مذكرة التفاهم مع صوماليلاند، والثانية الاتفاق على منحها وصولًا إلى البحر.
يظهر حسن شيخ مثل المنقلب على عقبيه؛ فأيام قبل التوقيع على الإعلان، كانت إثيوبيا العدو الطامع، الذي يزعزع الاستقرار من خلال تقديم السلاح لخصوم الحكومة الفيدرالية. وسبق لوزير الدفاع أن حذر في تصريح سابق، إثيوبيا من أنّ قواتها ستعتبر "قوات احتلال"، ما لم تنسحب من مذكرة التفاهم مع صوماليلاند. ما يجعل الأحداث حينذاك سائرة نحو الصدام، بعد أنّ رفع حسن شيخ وحكومته سقف المواجهة مع إثيوبيا، رافضين مشاركتها في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة "أصوم".
زاد من تأزم الوضع أنّ الحكومة الفيدرالية لم تسع لتوحيد الجبهة الداخلية، لمواجهة ما اعتبرته أطماعًا إثيوبيةً، حيث تابع حسن شيخ مشروعه السياسي الذي تسبب في القطيعة مع ولاية بونتلاند، بل وأرسل قوات الجيش الوطني إلى ولاية جوبالاند لمواجهة رئيسها أحمد مدوبي، بعد تخليه عن مشروع حسن شيخ السياسي.
يمكن وصف إعلان أنقرة، في هذه الظروف، بأنّه مخرج يحفظ ماء الوجه للرئيس حسن شيخ، الذي وضع نفسه في مأزق، بسبب طريقته في إدارة الأزمة مع إثيوبيا، بأسلوب كاد أن يوصلها إلى المواجهة العسكرية. كما أنّ المصالح الشخصية للرئيس، والمتمثلة في إقرار مشروعه السياسي، لتأمين ولاية رئاسية جديدة في عام 2026، قد تكون وراء القبول بالتسوية مع إثيوبيا، للتفرغ لإدارة الصراع مع خصومه في بونتلاند وجوبالاند والمعارضة السياسية.
لم تنته الأزمة بالكلية، إذ لا تزال معلقة على المحادثات المزمع عقدها في شباط/ فبراير المقبل، والتي تسعى لتحقيق الهدف الإثيوبي بالحصول على وصول أمن ومستدام إلى البحر، تحت إطار السيادة الصومالية. مع ذلك، وضعت التسوية حدًا لحرب التصريحات الحادة، وأوجدت مخرجًا لمقديشو من تعهداتها بطرد القوات الإثيوبية من البلاد.
مقابل هذا، منح حسن شيخ إثيوبيا منفذًا إلى البحر، وقبل ببقاء قواتها. بصيغة أوضح، تخلى عن كل ما انتقد إثيوبيا بشأنه، وعلى رأس ذلك عدم إعلانها الانسحاب من المذكرة مع صوماليلاند.
أما حول الاعتراف الإثيوبي باحترام وحدة واستقلال وسيادة الصومال، فلم يتضمن أي جديد، فمن الناحية النظرية تعترف إثيوبيا بهذا من خلال توقيعها على مواثيق المنظمات الدولية، مثل: الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، كما أنّها لم تصرح ضد هذا المبدأ، حتى حين كشفت عن مذكرتها مع صوماليلاند.
من جهتها، احتفظت أديس أبابا بمذكرة التفاهم، وببقاء قواتها في البلاد، وحازت على اعتراف بحقها في الوصول إلى البحر، وتجنبت الضغوط الدولية. مع هذا، فلا يبدو أنّها واثقة بالقدر الكاف مما ستتمخض عنه المفاوضات المرتقبة مع الحكومة الفيدرالية، ومدى التزام الحكومات التي ستتبعها بالاتفاقيات، فقد سبق لها التوصل إلى اتفاق بشأن الموانئ، في 2018، مع الرئيس السابق محمد عبدالله فرماجو، ولم يترجم إلى واقع ملموس حتى نهاية عهده، وتعرض للإلغاء مع خلفه حسن شيخ عقب تنصيبه في مايو/آيار 2022.
تبدو تركيا أبرز الرابحين، لعدة أسباب، وهي: ارتفاع أسهمها بصفتها وسيطا دوليا، لا سيما بعد الدفعة الكبيرة لمكانتها الدولية بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، على يد المعارضة المسلحة. كما أنّها حافظت على علاقاتها القوية بطرفي الأزمة، وخرجت بالعديد من الاتفاقيات مع الصومال، ومنها الاتفاقية الدفاعية الاقتصادية، التي تمنحها حصة كبيرة من الثروات البحرية الصومالية مقابل التعهد بحماية مياهها الإقليمية، وغير هذا من الاتفاقيات التفصيلية حول استكشاف واستخراج النفط.
يُضاف إلى هذا، تعزيز مكانة تركيا في القرن الأفريقي، وترسيخ وجودها في الصومال وإثيوبيا، كما أنّها ستكون الوسيط بين البلدين في المحادثات المقبلة حول المنفذ البحري، وفي ظل عدم قدرة البلدين على حشد أو ضخ استثمارات مالية لترجمة أية اتفاقيات تتعلق بالموانئ، فإن تركيا ضمنت أسبقية وأولوية في الاستثمار لتنفيذ أي اتفاق حول المنفذ البحري، بما يشمله من موانئ وبنية تحتية وغيرهما.
ينتظر البلدان الكثير من العمل وحسن النية، لترجمة بنود إعلان أنقرة بطريقة مقبولة، دون إخلال بالسيادة الصومالية. من جهتها، علقت حكومة صوماليلاند الجديدة على الموضوع، على لسان المتحدث باسم حزب "وداني" الحاكم، محمد عبدي، معتبرا أنّ صوماليلاند لا علاقة لها باتفاق عقدته دولتان شقيقتان. يتسق هذا مع سياسة حزبه الذي طالب منذ البدء بطرح مضمونها على الرأي العام.وقال: "إذا كانت (الاتفاقية) في مصلحتنا فسنعمل عليها، وإذا لم تكن في مصلحتنا فلن يتم العمل عليها، ولهذا سننتظر لنرى قبل اتخاذ قرار".
إقليميًا، ترك إعلان أنقرة تداعيات غير إيجابية على علاقة الصومال بمصر وإريتريا، الدولتين اللتين أعلنتا موقفًا حازمًا ضدّ إثيوبيا ودعمًا للصومال، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال تأخر ترحيبهما بالإعلان. لكن مقديشو الحريصة على علاقاتها مع البلدين قدمت تطمينات إليهما، من خلال زيارة الرئيس إلى إريتريا، وزيارة وزيري الخارجية والدفاع إلى القاهرة. تدرك مقديشو حاجتها الشديدة إلى البلدين، فهما بمثابة ورقتي ضغط على أديس أبابا، ويبقى تحدى أمام مقديشو لإدارة العلاقات بين أطراف متنافسة.
في المجمل، لا يبدو أنّ تغيرًا كبيرًا سيطرأ على المدى القريب في العلاقات البينية بين دول القرن الأفريقي فيما يخص الموانئ، كما أنّ مستقبل المحادثات الصومالية الإثيوبية حول المنفذ البحري لا تزال في بداياتها، وتواجه تحديات كبيرة تتمثل في الرفض الشعبي وعدم الاستقرار الأمني والسياسي في الصومال، واحتمال تنصل حكومات مقديشو من أية اتفاقيات محتملة. كسب البلدان من تهدئة الصراع بينهما، واختيار المحادثات لحلّ خلافاتهما، حيث سمحت مقديشو لإثيوبيا بالمشاركة في بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة، ويبقى أمامهما طريق طويل للتوصل لاتفاقية تقوم على المصالح المتبادلة.