تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

السبت 19 أبريل 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

توقف "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية".. فرصة أفريقيا للنهوض الذاتي

11 فبراير, 2025
الصورة
geeska cover
Share

وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أمر تنفيذي، في 21 يناير/ كانون الثاني المنصرم، يقضي بوقف عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) لمدة 90 يومًا، في خطوة واضحة للتحول الحاد نحو الموقف الحمائي الذي وعد به الرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة، خلال حملته الانتخابية المتمثل في شعاره "أمريكيا أولا".

كان سلفه جو بايدن قد أعلن قبل شهر، أثناء زيارته لأنغولا، عن أكثر من مليار دولار من المساعدات الإنسانية للأفارقة النازحين، بسبب الجفاف التاريخي. وكانت الوكالة إحدى قنوات الحضور الأمريكي في القارة الأفريقية، رغم سقوطها هذه الأخيرة في أولويات الإدارة الأمريكية منذ حكم الرئيس باراك أوباما.

تعريف للوكالة ونطاق عملها 

تأسست الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (United States Agency for International Development) في عام 1961 على يد الرئيس جون ف. كينيدي، وكان الهدف منها توحيد المساعدات الخارجية الأميركية تحت وكالة واحدة. كانت أميركا في ذلك الوقت تخوض الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، وكان كينيدي يعتقد أن وكالة للمساعدات يقودها المدنيون من شأنها أن تساعد في مواجهة النفوذ السوفييتي، وإثبات أن الديمقراطية والنمو الاقتصادي يمكن أن يسيرا جنباً إلى جنب.

منذ ذلك الحين، عملت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية كقناة رئيسية للحكومة الأميركية للعمل التنموي العالمي، الذي يشمل الإغاثة الطارئة بعد الزلازل ومجالات الصحة والبنية الأساسية والتعليم. تعتبر الوكالة اليوم أكبر وكالة مساعدات خارجية في العالم، حيث تقدم نحو 40٪ من التمويل العالمي للمساعدات الإنسانية.

يغطي نطاق عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أكثر من 130 دولة، بميزانية سنوية تتراوح ما بين 40 و50 مليار دولار أمريكي، على الرغم من أن هذا يمثل أقل من 1٪ من إجمالي الميزانية الفيدرالية الأمريكية. وتوظف الوكالة حوالي 10 آلاف شخص، ثلثاهم متمركزون خارج الولايات المتحدة الأمريكية.

نقاش داخلي أمريكي حول دور الوكالة

يزعم الكثير من المحافظين الأمريكيين أن الولايات المتحدة يجب أن تركز على الأولويات المحلية أولاً، لدرجة أن بعضهم يصف أجزاء من المساعدات الخارجية بأنها إسراف. بينما يرى الاتجاه الليبرالي الأمريكي أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية من أدوات القوة الناعمة، التي تعزز الأمن الأمريكي من خلال دعم الاستقرار والنمو الاقتصادي والحوكمة في المناطق المعرضة للخطر. 

كانت ميزانية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وعملياتها محل جدل متكرر، في المناقشات الداخلية الأمريكية بشأن الإنفاق الفيدرالي. قبل أن يسند ترامب مهمة الإشراف على إغلاقها إلى الملياردير إيلون ماسك، فحاليا هناك مناقشات حول إدماجها في وزارة الخارجية لتقليل حجم القوى العاملة بها.

يقول المراقبون إن ماسك يستخدم نفس التكتيكات التي استخدمها في تويتر (إكس الآن)، لدفع نحو خفض الوظائف والمطالبة بالولاء الكامل. ويرى المنتقدون أن هذا بمثابة تجربة جذرية في تقليص حجم الحكومة، مع وجود الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في قلب العاصفة.

ويقود، حاليا، رجل الأعمال الملياردير إيلون ماسك "وزارة كفاءة الحكومة" (DOGE)، وهي مكتب جديد أنشأه ترامب لخفض الإنفاق الفيدرالي. وحدد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية كأولى أهدافه الرئيسية في هذه المهمة، ووصفها بأنها "منظمة إجرامية". وقد عمد إلى منع فريق الموظفين من العودة إلى المبنى، وأخذ عددا من الملفات السرية، وبدأ في تفكيك عمليات الوكالة.

الدول الأفريقية المتلقية للمساعدات الأمريكية

يتركز اهتمام واشنطن في المقام الأول على الدول الناطقة باللغة الإنجليزية الواقعة في شرق أفريقيا، مع استثناءات قليلة مثل: نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. هذا ما تكشفه قائمة الدول الخمس المتلقية لأكبر حصة من المساعدات الأمريكية، وهي: مصر وإثيوبيا والصومال ونيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

لا تقتصر هذه المخصصات على البرامج الإنسانية أو برامج التنمية الاقتصادية؛ بل يشمل بعضها أيضا أغراضًا عسكرية. وينطبق هذا بشكل خاص على مصر، حيث تم تخصيص 80٪ من الأموال المرسلة في عام 2023 عبر وزارة الدفاع، والتي بلغت 1.2 مليار دولار، لبرنامج تمويل عسكري.

على صعيد المساعدات الغذائية، بلغت المساعدات الطارئة 3 مليارات دولار، وزعتها الوكالة عام 2023 على الدول الأفريقية. تعد الولايات المتحدة من أكبر مقدمي المساعدات الدولية من حيث الحجم، لكن ليست كذلك عند قياسها بالفرد؛ فعلى مدى العقود القليلة الماضية، لم يتجاوز هذا الرقم 0.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، في حين توصي الأمم المتحدة بنسبة 0.7٪ من الناتج المحلي الإجمالي للدول الغنية.

اتكالية وتأثيرات سلبية

بلغ إجمالي المساعدات الأمريكية، في السنة المالية 2023، ما قدره 1.21 مليار دولار للصومال وحدها، مما أدى إلى تشكيل سوق يتكون من المنظمات الدولية والمقاولين والمنظمات غير الحكومية التي حولت الاعتماد على المساعدات إلى صناعة متكاملة. فقد تلقت منظومة الأمم المتحدة وحدها 897.7 مليون دولار من هذه الأموال، مما يوضح كيف استطاعت البيروقراطيات الدولية أن تبرز كوسطاء دائمين بين أموال المانحين والمستفيدين الصوماليين.

يجسد الصومال ما أسماه وزير الخارجية الأمريكي روبيو "الوهم الخطير" للسياسة الخارجية في فترة ما بعد الحرب الباردة، حيث حلت "خدمة النظام العالمي الليبرالي" محل المصالح الوطنية الحقيقية. ويوضح قطاع المساعدات الإنسانية هذا الخلل تمامًا. عام 2023، استهلكت المساعدات الدولية في حالات الكوارث 873.3 مليون دولار، تدفقت في المقام الأول من خلال وكالات الأمم المتحدة، التي أتقنت فن تحويل المساعدات الطارئة إلى بنية تحتية مؤسسية دائمة، حيث أصبحت المركبات النظيفة والمركبات الفاخرة الرموز الأكثر وضوحًا للمساعدات في مقديشو.

ينطبق الأمر نفسه على قطاع الأمن في الصومال، ففي نفس العام، بلغت المساعدات الأمنية الأمريكية 159.6 مليون دولار، بما في ذلك 128.2 مليون دولار لعمليات حفظ السلام. لكنها لم تنتج أي تحسن ملحوظ في الوضع الأمني ​​في البلد، رغم استهلاك إدارة عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة حصة الأسد من هذه الأموال، في حين لم يتلق التدريب العسكري الفعلي للقوات الصومالية سوى 349.826 دولارًا.

لا تختلف المساعدات الغذائية المقدمة إلى الصومال عن ذلك المسار، فقد تم تخصيص 88.8 مليون دولار من خلال لها. مر هذا الاستثمار الضخم عبر مجموعة من الوسطاء؛ تلقت المنظمات غير الحكومية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها 152.5 مليون دولار في المجموع عبر جميع القطاعات، فيما استهلكت المنظمات المتعددة الأطراف 933.9 مليون دولار. لقد جمع المقاولون من القطاع الخاص 77.4 مليون دولار، في حين بلغ الدعم المباشر للمؤسسات الحكومية الصومالية 18.3 مليون دولار فقط - وهو مؤشر واضح على عدم ثقة المانحين بعد عقود من "بناء القدرات" المزعومة.

لا يجب أن تكون المساعدات قدر أفريقيا

تدق المنظمات الأجنبية، المستفيدة من سوق "صناعة المساعدات"، كما رأينا في الحالة الصومالية ناقوس الخطر بشأن أفريقيا، ففي تصريحات لوكالة فرانس برس، أفاد عاملون صحيون بأن عيادات فيروس نقص المناعة البشرية، ومشاريع البحث في دول مثل كينيا وإثيوبيا ستغلق أبوابها. كما وجد مرضى كانوا في منتصف العلاج ــ مثل أولئك الذين يختبرون عقاقير جديدة للوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية ــ أنفسهم فجأة بلا رعاية. كما يهدد هذا التجميد أيضا تدخلات رئيسية أخرى، بما في ذلك برامج صحة الأم، وعيادات سوء التغذية وحملات التطعيم.

لكن بعض الأصوات ترى أن غياب المساعدات الخارجية يعد فرصة للدول الأفقر أيضًا، على غرار ما جاء في تصريح للرئيس الكيني السابق أوهورو كينياتا حين قال: "دعونا نقف على أقدامنا. لماذا تبكون؟ فهذه ليست حكومتكم وهذا ليس بلدكم. ولا يوجد لديه [ترامب] أي سبب ليمنحكم شيئًا ما. فأنتم لا تدفعون ضرائب في أمريكا. وهذا مُنبِّه لتستيقظوا وتتساءلوا: ماذا نفعل نحن لنساعد أنفسنا؟".

لقد أدى ترسيخ صناعة المساعدات في أفريقيا جنوب الصحراء إلى خلق اقتصاد موازٍ، يخدم المنظمات الدولية بدلاً من الاحتياجات المحلية. ويجسد سوق العقارات في مقديشو مثالا صارخا على هذا التشويه. فقد شهدت الأحياء المحيطة بمجمعات المنظمات غير الحكومية ومكاتب المنظمات الدولية ارتفاعًا هائلاً في قيمة العقارات، في حين ظلت الخدمات الأساسية غير متاحة لمعظم السكان. وقد تم تقسيم المدينة فعليًا إلى اقتصادين: اقتصاد المساعدات، الذي يتميز بالمطاعم الراقية وسيارات الدفع الرباعي الفاخرة والمجمعات السكنية باهظة الثمن، والاقتصاد الصومالي الفعلي، حيث يكافح معظم المواطنين للوصول إلى الخدمات الأساسية.

جاء إعلان إنهاء عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في وقت يشهد العالم اضطرابات كبيرة، نتيجة لتغير المناخ وتصاعد الأزمات الإنسانية، ما يمثل فرصة مثالية للأفارقة لأخد كلام الزعيم الكيني أوهورو كينياتا على محمل الجد، والقطيعة مع الاتكالية والمّن وغيرها من الأساليب التي تُفقر الأفارقة وتُغني الأجانب.