تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الثلاثاء 11 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
تحليلات

تشاد وإسرائيل: ضائقة مالية أم أزمة سياسة وراء إغلاق السفارة؟

14 سبتمبر, 2025
الصورة
تشاد وإسرائيل: ضائقة مالية أم أزمة سياسة وراء إغلاق السفارة
Share

تقع جمهورية تشاد في قلب القارة الأفريقية؛ بلد غير ساحلي في مفترق الطريق بين شمال ووسط القارة، يمتد على مساحة شاسعة تقدر بنحو 1,284,000 كلم². نالت الاستقلال عن فرنسا عام 1960، وكان فرنسوا تومبالباي المعروف ب "أنقارتا تومبالباي" (القائد الحقيقي) أول رئيس للبلاد، مسيحي الديانة من قبيلة سارا في جنوب البلاد، حكم تشاد بقبضة حديدية ما أدى إلى اغتياله عام 1975.

تتسم تشاد بتركيبية سكانية متنوعة تقدر بحوالي 12 مليون نسمة، تتوزع في مختلف أقاليم البلاد، مع تركيز للغالبية في المناطق الجنوبية والعاصمة أنجمينا، لتنخفض الكثافة كلما اتجاهنا شمالا. عرقيا، يتشكل الشعب التشادي من 200 قبيلة و120 لهجة محلية، ففي الجنوب حيث الديانة المسيحية نجد قبائل: السارا والمندق والفولان والكتوكو (قبائل مسلمة). وفي الوسط قبائل البلالة الكوكا والمدقو والحجراي والداجو التي تدين بالإسلام مع قبائل الشمال مثل: الكانبو والقراعان والدوما، وفي الشرق قبائل الزغاوة والمساليت والفور والتامة والاسنغور.

انعكس التنوع الإثني على اللسان في تشاد، فلكل مجموعة لهجتها الخاصة، لكن اللغة الدارجة في البلاد هي العربية المحلية التي تبقى لغة الشارع. فيما تعتبر الفرنسية والعربية الفصحى لغات رسمية في البلاد.

يمثل الدين الإسلامي الغالبية في تشاد، بأكثر من نصف سكان البلاد، ويدير شؤون المسلمين المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. تأتي المسيحية في المركز الثاني، وتنشر بين حوالي ثلث سكان البلاد، وتتولى الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية إدارة الشؤون الدينية لهم. وهناك أيضًا تواجد لديانات أفريقية قديمة واللا دينيين ممن يمثلون أقلية في البلاد.

شكلت التعددية الدينية والتنوع العرقي أحد المعايير التي تتحرك بموجبها إسرائيل لنسج علاقات مع الدول، فهذا المعطى مرادف موضوعي لسهولة الاختراق والتغلغل داخل البلد، وحتى لي عنق الأنظمة الحاكم باستخدام هذه الأوراق ضدها.

بواكر العلاقات التشادية مع إسرائيل

مع بداية الاستقلال، بادرت الدول إلي فتح سفاراتها في تشاد، وكانت من ضمنها إسرائيل التي قامت بفتح سفارتها في البلاد عام 1962، في عهد الرئيس أنقرتا، مدشنا بذلك بداية العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. سنوات بعد ذلك، سيقوم الرئيس بزيارة رسمية إلى إسرائيل، وذلك عام 1965، حيث كان في ذلك الوقت، يسعى إلى الحصول على دعم عسكري من تل أبيب لمحاربة المتمردين ضده، فيما سعت هذه الأخيرة حينها إلى إنشاء قاعدة عسكرية لها في شمال البلاد.

قررت تشاد قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 1972، وكان التضامن مع الشعب الفلسطيني من من بين ما جاء في تبريرها لهذا القرار، لتوقف بذلك العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل في تلك الفترة، حتى عهد الرئيس الحاج حسين حبري (1982-1990) الذي طالب من إسرائيل دعمه ضد ليبيا في ما بات يعرف تاريخيا بالحروب الأربعة (1978-1987) بين تشاد وليبيا.

يسعى إلى الحصول على دعم عسكري من تل أبيب لمحاربة المتمردين ضده، فيما سعت هذه الأخيرة حينها إلى إنشاء قاعدة عسكرية لها في شمال البلاد

لكن العلاقات الدبلوماسية لم تُستأنف رسميا حتى عهد الرئيس إدريس ديبي إتنو (1990-2021)، الذي قام بزيارة رسمية إلى إسرائيل في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، وهي ثاني زيارة لرئيس من تشاد منذ الاستقلال. ناقش الطرفان خلال الزيارة قضايا أمنية واقتصادية وتكنولوجية، واعتبر الإسرائيليون الزيارة بأنها "اختراق دبلوماسي آخر"، رغم عدم رضى أغلبية الشعب التشادي على استئناف تلك العلاقات.

قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد عام فقط، بزيارة رسمية إلى تشاد، وذلك في 20 يناير/ كانون الثاني 2019، وتحدث على هامش الزيارة مؤكدا أن "تشاد دولة إسلامية عملاقة تتاخم ليبيا والسودان"، وأضاف بأن "هذا جزء من الثورة التي نحدثها في العالمين العربي والإسلامي. وأعدكم بأن تكون هناك دول أخرى"، وكانت تلك أول زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي ذات الأغلبية المسلمة.

قام إدريس ديبي الأب بإحياء هذه العلاقات بناءً على مصالحه، وسعيا لتعزيز الأمن وتثبيت ركائز نظامه، بعد شعوره بأن فرنسا تبحث عن بديل له. وقد كان تبادل الزيارة رسالة مباشرة لباريس، مضمونها أن الرجل يسعى وراء حماية أخرى بعيدا عن مظلة فرنسا، وذلك ما أدركته جيدا حينها.

بعد رحيل ديبي الأب في عام 2021، تولى ديبي الابن السلطة، وسار على خطى والده، خصوصا أن خصومته مع باريس كان واضحة. لذا لم تتوقف الاتصالات، وحتى الزيارات السرية بين الحكومتين، والتي خرجت إلى العلن بزيارته إسرائيل في 2 فبراير/ شباط 2023، مؤكدا استمرار سعيه لإكمال خطة والده، حيث وقع عددا من الاتفاقيات الثنائية مع الحكومة الإسرائيلية، وتوجت الزيارة بافتتاح السفارة التشادية في تل أبيب لأول مرة في تاريخ البلاد.

تأهيل دبلوماسي وليس قطيعة

أعلن الحكومة التشادية عبر وزارة الخارجية عن إغلاق السفارة التشادية في إسرائيل، حيث نشرت منصة تشاد أون الإلكترونية بتاريخ 5 سبتمبر/ أيلول 2025، بعد أقل من عامين على افتتاحها في رامات غان قرب تل أبيب. وجاء البيان موضحا أن الأمر يتعلق بثلاث سفارات: الغابون وساحل العاجل وإسرائيل، إضافة إلى إغلاق القنصلية العامة في إسطنبول، كما ألغت منصب المستشار الاقتصادي في السفارات التشادية، وبررت بحجة ضعف الميزانية.

قام إدريس ديبي الأب بإحياء هذه العلاقات بناءً على مصالحه، وسعيا لتعزيز الأمن وتثبيت ركائز نظامه، بعد شعوره بأن فرنسا تبحث عن بديل له

فسرت الدبلوماسية التشادية القرار بكونه أنه مجرد تنفيذ لخطة الوزير عبد الله صابر فاضول التي أطلقها منذ شهر مارس/ آذار الماضي، قصد تنظيم جيد وإعادة انتشار للدبلوماسية التشادية بحثا عن الأداء والفعالية. ونقلت إذاعة RFI عن مصدر دبلوماسي تشادي قوله إن المعاملة بالمثل من بين دوافع بعض هذه التغييرات، خصوصا مع ساحل العاجل حيث لا توجد سفارة في تشاد.

اعتبر البعض ما يجري إعلان قطيعة بين أنجامينا وهذه العواصم، غير أن البيان نفى ضمنيا هذه المزاعم حين تحدث عن نقل الاختصاص الدبلوماسي لهذه التمثيليات إلى دول أخرى، فالاختصاص الدبلوماسي المتعلق بإسرائيل مثلا تم نقله إلى سفارتها في أبوظبي.

ما وراء إغلاق أنجامينا السفارة في تل أبيب

تحاول قراءة ربط الفتور الدبلوماسي مع تل أبيب بتطورات الأحداث في قطاع غزة، فقبل قرار الإغلاق كانت هناك تحركات دبلوماسية تكشف وجود توتر بين الطرفين. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 كانت تشاد قد استدعت سفيرها للتشاور احتجاجا على ما اعتبرته "عنفا غير مسبوق" في قطاع غزة. وتكرر الأمر مرة أخرى في 4 سبتمبر/ أيلول الجاري بسبب استمرار الأزمة الإنسانية في القطاع، والتي أعقبها مباشرة قرار الإغلاق، ما يعني أن الأمر أبعد ما مجرد إجراء تقشفي.

هل اكتشف النظام مساعي إسرائيل تنصيب عبد الكريم في السلطة، فقام بإغلاق بعض السفارات حتى يخفي الصراع داخل أسرة آل ديبي، ويتجاهل التشاديون الموضوع

يبقى اللافت في هذا التحليل أن تشاد لم تعلن قطع العلاقات، فنقل الأعمال إلى أبوظبي، بما تحمله من دلالات سياسية، دليل على استمرار العلاقات بين الطرفين. ما يجعل البعض يتحدث عن دواعي أخرى غير هذا الإسقاط، الذي وعلى فرض أن قائم فحتما ليس هو السبب المباشر.

تتحدث تفسيرات عن تدخل إسرائيلي في شؤون تشاد، برغبة تل أبيب في إحلال الجنرال عبد الكريم إدريس ديبي محل الرئيس الحالي محمد إدريس ديبي، وقد حصل الرجل، وفق موقع تشاد أون، على هذه الفرصة نتيجة لعلاقاته مع الحكومة الإسرائيلي، والتي أنشأها خلال زياراته السرية إلى هناك.

ليبقى السؤال هنا: هل اكتشف النظام مساعي إسرائيل تنصيب عبد الكريم في السلطة، فقام بإغلاق بعض السفارات حتى يخفي الصراع داخل أسرة آل ديبي، ويتجاهل التشاديون الموضوع الذي نشرته المنصة، أم أن الأمر مجرد مصادفة؟ لن يكون الأمر مستحيلاً بالنسبة لإسرائيل، فهي الدولة التي لا تحترم القوانين الدولية، ولديها القدرة على إشعال الفوضى في تشاد، ناهيك عن انقلاب أو ما شابه ذلك.

يبقى الشعب التشادي المتضرر الأكبر من هذه العلاقات، فلا أثر ملموس لما يشاع من اتفاقيات اقتصادية وزراعية، ناهيك عن كونها تشوش على وقوفه إلى جانب الفلسطينيين وقضيتهم العادلة. فالطرفين؛ الحكومتين التشادية والإسرائيلية، المستفيد الحقيقي بسعي الأولى نحو تعزيز الأمن والبحث عن معدات متطورة مثل أجهزة التجسس وغيرها. فيما تسعى إسرائيل إلى أن يكون لها موطئ قدم في تشاد، بناءً على موقعها الاستراتيجي في القارة الأفريقية، وتبحث عن قواعد عسكرية في المنطقة.