تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 16 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
رأي

تشاد على أعتاب تعديل دستوري جديد.. الدوافع والتداعيات

10 سبتمبر, 2025
الصورة
تشاد على أعتاب تعديل دستوري جديد.. الدوافع والتداعيات
Share

تتجه تشاد الدولة الواقعة في غرب أفريقيا نحو تعديل دستورها الجديد، الذي تم إقراره قبل عامين فقط عقب حوار وطني، شاركت فيه قوى سياسية ومنظمات مدنية وفصائل مسلحة، في حين قاطعته مجموعات واسعة من الحركات المسلحة والمعارضة الداخلية قبل أن يُعرض على استفتاء شعبي في أواخر عام 2023.

غير أن الدستور الذي رأت المعارضة أنه صيغ على مقاس الرئيس محمد إدريس ديبي إتنو، أصبح اليوم محل مراجعة جديدة بعدما ظهرت فيه ثغرات، يرى أنصاره أنها غير كافية لضمان السيطرة الكاملة على مفاصل الحكم، خصوصاً على المديين القريب والمتوسط، ومن هنا برزت محاولة سد الفجوة لتعزيز موقع الرئيس في هرم السلطة، وتحييد أي منافسين محتملين حتى من داخل الحزب الحاكم نفسه.

وقد أثار هذا التعديل السريع جدلا واسعا في الساحة السياسية، وأعاد إلى الواجهة مسألة احترام الدستور وقدسيته، في بلد مر كثيراً بتجارب مماثلة، أضعفت بنيته المؤسسية وزادت هشاشته السياسية، ويخشى مراقبون أن تؤدي هذه الخطوة إلى مزيد من الاستقطاب الداخلي في وقت تواجه فيه البلاد تحديات جسيمة على صعيدي الاستقرار والتنمية.

عن دوافع التعديل

بدأ الحديث حول التعديل الدستوري في وقت مبكر، بعدما برزت الحاجة إليه داخل صفوف النظام الحاكم، عقب تولي الرئيس محمد إدريس ديبي إتنو رئاسة حزب الحركة الوطنية للإنقاذ، فقد اعتبرت هذه الخطوة خرقاً صريحاً للمادة 77 من الدستور، التي تنص بوضوح على أن مهام رئيس الجمهورية "تتعارض مع أي نشاط داخل حزب أو مجموعة أحزاب سياسية أو منظمة نقابية". وذلك لضمان حياد مؤسسة الرئاسة، وإبعادها عن أي تبعية حزبية مباشرة باعتبار أن الرئيس يمثل جميع التشاديين لا قواعد حزبه فقط.

وقد أثارت هذه الخطوة نقاشا حادا في الأوساط السياسية والقانونية، حيث اعتبرها البعض انتهاكاً للدستور، بينما اختارت السلطة الصمت، ما قرأه الكثيرون إشارة إلى أن الخطوة تحمل أبعادا سياسية واضحة.

أصبح الدستور محل مراجعة جديدة، بعدما ظهرت فيه ثغرات يرى أنصاره أنها غير كافية لضمان السيطرة الكاملة على مفاصل الحكم، خصوصاً على المديين القريب والمتوسط

يبدو أن الهدف من تولي الرئيس قيادة الحزب الحاكم هو قطع الطريق أمام أي طموحات سلطوية محتملة داخل الحزب، خصوصاً بعد بروز تكتلات وصراعات داخلية سعت لفرض نفوذها. بهذه الخطوة ينهي الرئيس التجاذبات الداخلية، ويضمن حماية استقرار قيادة الدولة، إضافة إلى منع أي طرف آخر من استخدام الحزب منصة للوصول إلى السلطة. بذلك يضمن إحكام سيطرته على الحزب والدولة معاً، ويقضي على أي منافسة محتملة حتى من أقرب أنصاره.

فرص نجاح التعديل وعوامل القوة

تمتلك الحركة الوطنية للإنقاذ الحزب الحاكم أغلبية مريحة داخل البرلمان، إذ تسيطر على ثلثي مقاعد الجمعية الوطنية (124 من أصل 188 مقعداً)، ونحو 97٪ من مقاعد مجلس الشيوخ المنتخب، فضلا عن تلك المقاعد المعينة من قبل رئيس الجمهورية. هيمنة تمنح التحالف الرئاسي قوة كافية لتمرير أي مشروع، بلا عراقيل جدية من الكتل السياسية الأخرى التي تُحسب معظمها أيضاً للتحالف.

من الناحية القانونية تنص المادة 280 على أن مبادرة مراجعة الدستور يمكن أن تأتي من رئيس الجمهورية أو من أعضاء البرلمان، شريطة موافقة ثلثي أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ. وتنص المادة 281 على أن المراجعة تتم أساساً عبر الاستفتاء الشعبي، غير أنها تتيح أيضا إجراء مراجعة تقنية يقرها البرلمان بموافقة أغلبية ثلاثة أخماس أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ مجتمعين في مؤتمر.

هذا المبدأ لم يكن مجرد تفصيل قانوني، بل ضمانة أساسية لحماية الدولة من أي استحواذ حزبي على السلطة، معتبراً أن المساس به يشكل خطر على الاستقرار الاجتماعي والمسار الديمقراطي

لكن الإشكالية تكمن في تصنيف طبيعة المراجعة، هل هي تقنية أم أنها تمس جوهر الدستور وروحه؟ فالمادة 77 المراد تعديلها ترتبط مباشرة بالأنشطة التي تتعارض مع مهام رئيس الجمهورية باعتباره رئيساً لكل التشاديين، وتعيد إلى الواجهة جدل سابق حول اتهامات بخرقها، لذا ترى المعارضة أن الخطوة لا تقتصر على تعديل فني، بل تمثل استجابة مباشرة لرغبات الرئيس وتوجهاته المستقبلية.

كما يثير توقيت التعديل - بعد عامين فقط من اعتماد الدستور- تساؤلات جدية حول احترام مبدأ سمو الدستور واستقراره، فمدى قوة دولة القانون تقاس بالتزام الحاكم بالدستور لا بتعديله وفقاً لاعتبارات ظرفية أو مصالح شخصية، وهذا الوضع يفتح الباب أمام مخاوف من أن يتحول الدستور إلى وثيقة قابلة للتغيير المستمر مع تبدل الظروف السياسية أو نزوات السلطة.

المعارضة ترفض بقوة

في حين انطلقت مبادرة التعديل الدستوري من الجمعية الوطنية عبر تنصيب لجنة لدراسة المشروع قبل عرضه على البرلمان، أعلنت مجموعات من المعارضة رفضها القاطع لهذه الخطوة، واعتبرتها محاولة للانقلاب على الدستور.

وكشف زعيم المعارضة الديمقراطية في البرلمان ورئيس الوزراء الأسبق، باهيمي باتاكي ألبيرت، أن مشروع التعديل المطروح يستهدف أساساً إعادة العمل بعقوبة الإعدام، وإلغاء مبدأ حياد رئيس الجمهورية، وهو المبدأ الذي أُقر لأول مرة في دستور 1996، ثم أصبح قاعدة مرجعية في كل الدساتير اللاحقة.

وأكد باتاكي أن هذا المبدأ لم يكن مجرد تفصيل قانوني، بل ضمانة أساسية لحماية الدولة من أي استحواذ حزبي على السلطة، معتبراً أن المساس به يشكل خطر على الاستقرار الاجتماعي والمسار الديمقراطي، وأضاف أن "حياد الرئاسة يضمن موقع الحكم الأعلى فوق التجاذبات الحزبية، ويحول دون انخراط الرئيس في الانقسامات السياسية التي قد تمس الوحدة الوطنية".

وشدد زعيم المعارضة على أن أي تعديل يمس هذا المبدأ لا يمكن اعتباره إصلاحاً تقنياً، بل تعديلاً جوهرياً يستوجب العودة إلى الشعب عبر استفتاء دستوري جديد وشفاف، باعتباره الجهة الوحيدة المخولة لإضفاء الشرعية على مثل هذا التغيير. كما تتخوف المعارضة من أن يشمل التعديل مواد تتعلق بالولاية الرئاسية التي حددت وفق الدستور الحالي في ولايتين فقط، ما قد يتيح للرئيس البقاء في السلطة لفترة أطول.

تجد القوى الكبرى نفسها أمام معضلة بين دعم الاستقرار الأمني الذي توفره تشاد، وبين الحرج السياسي والأخلاقي في مساندة نظام يبتعد عن مسار الديمقراطية

في المقابل يرى مؤيدو التعديل أن المادة 77 التي من المحتمل تعديلها، خلقت تناقضاً مع الواقع العملي، إذ يعتبرون أن الرئيس يقود الحزب في الخفاء، ويظهر في العلن محايدا. يقول عمر أحمد دابي عضو في حزب الحركة الوطنية للإنقاذ في حديثه لجيسكا: "إذا كان رئيس الجمهورية ينتخب على أساس برنامج سياسي مرتبط بحزب أو تحالف، فمن غير المنطقي أن يظل هذا الارتباط محجوباً"، ويستشهد دابي بتجارب دولية مثل: فرنسا والسنغال والولايات المتحدة حيث يقود الرؤساء أحزابهم أثناء وجودهم في السلطة دون أن ينظر إلى ذلك باعتباره تهديدا للديمقراطية.

التداعيات المحتملة

داخلياً، يأتي هذا التعديل في ظرف سياسي يتسم بغياب التوازن، حيث تشهد الساحة السياسية فراغاً كبيراً وضعفاً في أداء المعارضة، التي تركت المجال فارغا أمام الحزب الحاكم وأحزابه الموالية. كما يصعب التمييز بين المعارضة الحقيقية والمعارضة المصنوعة، ما يعمق حالة الارتباك، ويضعف إمكانيات مواجهة السلطة. يضاف إلى ذلك شعور المواطن التشادي بفقدان الثقة في الطبقة السياسية، وتزايد حالة اليأس من إمكانية إحداث تغيير حقيقي، في وقت تتعاظم فيه الحاجة إلى إصلاحات جادة واستقرار سياسي، يضمن مشاركة أوسع في الحياة العامة، وبالتالي قد يشكل مشروع التعديل اختباراً لقدرة المعارضة بمختلف أطيافها على تجاوز الانقسامات، ومواجهة منطق هيمنة الحزب الواحد.

غير أنه في الوقت نفسه لا يستبعد أن تنعكس حالة الاستياء العام على المشهد السياسي الهش، في بلد يملك تاريخاً مثقلاً بالتعديلات الدستورية ومساعي السلطة الحاكمة لتفصيل النصوص على مقاسها، فقد ارتبطت أبرز موجات التمرد خلال العقدين الأخيرين في جوهرها بمحاولات تعديل الدستور للهيمنة على السلطة، وهو ما يثير المخاوف من أن يعيد التعديل الدستوري المرتقب إنتاج أزمات الماضي، ويغذي نزعات التمرد والانقسام بدلا من أن يفتح آفاق جديدة للإصلاح والاستقرار.

خارجياً، ستتابع دول الجوار والشركاء الدوليون لتشاد هذه الخطوة باهتمام كبير، بحكم حساسية الدور الذي تضطلع به أنجمينا في معادلة الأمن الإقليمي، فبينما تغرق دول الساحل في أزمات الانقلابات المسلحة، وتصاعد نشاط الجماعات المتطرفة، تبقى تشاد الدولة الوحيدة التي تحافظ على حد أدنى من الاستقرار، ما يجعل أي اهتزاز داخلي فيها خطراً مباشراً على المنطقة بأكملها.

كما أن استمرار سياسة تركيز السلطة في يد الرئيس قد تضعف ثقة الشركاء الدوليين في مسار الانتقال السياسي، وتثير الشكوك حول التزامات أنجمينا بالإصلاحات الديمقراطية المطلوبة، وقد تجد القوى الكبرى نفسها أمام معضلة بين دعم الاستقرار الأمني الذي توفره تشاد، وبين الحرج السياسي والأخلاقي في مساندة نظام يبتعد عن مسار الديمقراطية.

إن التعديل الدستوري المرتقب في تشاد يحمل في طياته تداعيات مزدوجة، داخلياً بتكريس هشاشة النظام السياسي، وإضعاف التطلعات الشعبية نحو الديمقراطية. وخارجياً بتعريض صورة تشاد كحليف استراتيجي للتآكل، إذا ما اعتبر أن النظام الحالي يسعى لتكريس حكم الفرد أكثر من بناء مؤسسات مستقرة، وهو ما قد يضع البلاد أمام مفترق طرق حاسم بين خيار الاستقرار المستند إلى الشرعية الشعبية، وخيار الاستقرار القائم على القوة الذي يظل قصير الأمد، وعرضة للاهتزاز في أي وقت.