تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

السبت 19 أبريل 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
رأي

تهيُؤات إيلون ماسك حول جنوب أفريقيا

1 مارس, 2025
الصورة
geeska cover
Share

بينما يعيد إيلون ماسك الاتصال بوطنه الأم، ثارت حالة من ذعر عالمية، خلال الأسابيع الأخيرة، في الأوساط اليمينية بشأن قوانين ملكية الأراضي، وسياسات التمييز الإيجابي في جنوب أفريقيا؛ مما أدى في النهاية إلى إصدار دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا بإنهاء المساعدات المالية الأمريكية لجنوب أفريقيا، والترحيب بالأفريقانيين العرقيين، الذين يُفترض أنهم "ضحايا التمييز العنصري الجائر"، لإعادة توطينهم في أمريكا. وجدت مزاعم ماسك صدى لدى الجماعات القومية اليمينية الأفريقانية في الداخل، والتي قضت سنوات في تأجيج الهلع بأن البيض في جنوب أفريقيا هم أقلية تواجه الاضطهاد.

إن هذا الجدل برمته سخيف، ولا يبت للواقع بصلة. ذلك أن القانون المُنتقد (قانون الاستملاك) والذي وقّعه رئيس جنوب أفريقيا؛ سيريل رامافوزا، أواخر يناير/كانون الثاني، لا يمنح الدولة تفويضًا مطلقًا لمصادرة الممتلكات دون تعويض. بل يسمح فقط بإمكانية "عدم دفع تعويض" في ظروف محددة، لا سيما عندما يتم الاستملاك للصالح العام. وقد ينطبق ذلك على الأراضي غير المستغلة، أو العقارات التي لا تحتوي على خطط تطوير أو ربح، أو العقارات التي تشكل خطرًا على المجتمع.

يهدف قانون الاستملاك إلى تصحيح المظالم التاريخية في ملكية الأراضي بجنوب أفريقيا، من خلال استبدال القوانين القديمة التي تعود إلى حقبة الفصل العنصري، بإطار يضع المصلحة العامة فوق الامتيازات الخاصة. وهو قائم على مبادئ دستورية، وينأى عن نموذج "رضى البائع ورضى المشتري"، الذي كان تاريخيًا يحمي ملاك الأراضي البيض. بدلًا من ذلك، يضمن أن يحدث الاستملاك بتعويض عادل ومنصف، عكس الادعاءات بأنه يسمح بمصادرة الأراضي دون دفع، فالقانون يتبع تقليدًا قانونيًا عالميًا طويل الأمد، يسمح للدول بالاستملاك من أجل المنفعة العامة.

أعاقت البيروقراطية غير الفعالة والفساد والاستغلال السياسي تنفيذ سياسات الإصلاح الزراعي في جنوب أفريقيا. وقد أدى سوء الإدارة وعجز الحكومة إلى نزاعات استفاد منها النخب السياسية قبل الفقراء. كما أن نقص الدعم بعد إعادة توزيع الأراضي، مثل: التمويل والبنية التحتية والتدريب، جعل ملاك الأراضي الجدد غير قادرين على الحفاظ على الإنتاج الزراعي. ونتيجة لذلك، فشل الإصلاح الزراعي في تصحيح التجريد التاريخي من الأراضي، وأصبح أداة لإثراء النخب مع استمرار تهميش معظم السكان السود اقتصاديًا.

غالبًا ما يُطرح خطاب الاستملاك دون تعويض، باعتباره نضالًا للطبقة العاملة. لكن هذا النقاش قاد أصواتا من الطبقة الوسطى والنخبة، لا سيما داخل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وحزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية، بدلًا من التركيز على الفقراء الذين لا يملكون أراضي. ورغم أن ثلثي سكان جنوب أفريقيا يدعمون الإصلاح الزراعي من حيث المبدأ، إلا أنه يمثل أولوية وطنية لأقل من خمسة في المئة من البالغين، بينما تهيمن قضايا الوصول إلى الوظائف الرسمية والخدمات الأساسية على الاهتمامات.

استغل اليمين العالمي- وإيلون ماسك على وجه الخصوص - إصلاح الأراضي بوصفها أداة لأجندته الأيديولوجية الواسعة: تأجيج مخاوف "اضطهاد البيض"، وتشويه صورة جنوب أفريقيا ما بعد الفصل العنصري كدولة فاشلة، وتعزيز السردية القائلة بأن سياسات التنوع تؤدي حتمًا إلى الفوضى والانحدار

يُعد حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية (EFF)، وهو حزب شعبوي راديكالي أسسه يوليوس ماليما عام 2013، أحد أهم الأصوات المطالبة بالاستملاك، مستخدمًا خطابًا ناريًا حول "استعادة الأرض" لحشد الشباب المتعثر اقتصاديًا، والعاطلين عن العمل، وأفراد الطبقة الوسطى السوداء الساخطين. وعلى الرغم من أن الحزب يروج لنفسه على أنه حركة للمحرومين، إلا أن قيادته -التي باتت تفقد أعضاءها لصالح الأحزاب المنافسة - تتكون من أعضاء سابقين في رابطة شباب حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ومهنيين سود، يعملون داخل التيارات السياسية السائدة في جنوب أفريقيا. وغالبًا ما تكون التزاماته الأيديولوجية متناقضة، فهي تركز على الصراع العرقي أكثر من النضال الطبقي، وتفتقر إلى تفاعل عميق مع الحركات العمالية، وتعمل ضمن هيكل قيادة مركزي للغاية يحد من الديمقراطية الداخلية.

لا تكمن قوة "قضية الأرض" في أي خطة جادة لدعم صغار المزارعين، أو توفير مساكن حضرية جيدة الموقع، وضمان أمن الحيازة (وهو ما تناضل من أجله حركات العدالة الأرضية الشعبية)، بل في صداها التاريخي، باعتبارها العلامة الأبرز على التجريد من الحقوق. ومع شعور حزب المؤتمر الوطني بالضغط الانتخابي من حزب المناضلين، تبنى الاستملاك دون تعويض في برنامجه، ليس لأنه وجد ذلك منطقيا كسياسة مدروسة جيدًا، وإنما كتنازل سياسي أمام تنامي المشاعر القومية. وفي هذه الأثناء، تبقى القضايا الحقيقية، مثل: كيفية ديمقراطية ملكية الأراضي، ومنع احتكارها من قبل النخب، وضمان الإصلاح الزراعي الحضري، وتوفير البنية التحتية لمتلقي الأراضي، في الظل، بسبب الاستعراض السياسي. في النهاية، لم يكن الاستملاك دون تعويض أداة فعالة لإعادة توزيع الأراضي، بقدر ما كان مشروعًا رمزيًا لاستعادة السيادة السوداء داخل دولة ما بعد الفصل العنصري، التي لا يزال العديد من سكان جنوب أفريقيا يشعرون بأنها مكبلة بهيمنة اقتصادية بيضاء.

مع ذلك، ليس هذا هو السبب الذي أثار غضب اليمين. في الواقع، قام اليمين العالمي – ولا سيما إيلون ماسك – باستغلال إصلاح الأراضي بوصفها أداة رئيسية لتعزيز أجندته الإيديولوجية الواسعة. تأجيج مخاوف "اضطهاد البيض"، وتشويه صورة جنوب أفريقيا ما بعد الفصل العنصري كدولة فاشلة، وتعزيز السردية القائلة بأن سياسات التنوع تؤدي حتمًا إلى الفوضى والانحدار. هذه الضجة لا علاقة لها بالتحديات الحقيقية لإصلاح الأراضي، بقدر ما هي محاولة لتقديم أي سعي لمعالجة الظلم التاريخي على أنه اعتداء على حقوق الملكية البيضاء.

يتجلى هذا الدافع الرجعي نفسه في الهستيريا المصطنعة حول غناء يوليوس ماليما لأغنية " Kill the Boer". هذا الهتاف، الذي يعود إلى حقبة النضال ضد الفصل العنصري، كان موضوع نزاعات قانونية وجدالات سياسية. ومع ذلك، لا يوجد دليل يربطه بأعمال عنف ممنهجة ضد المزارعين البيض. لكن بالنسبة لماسك وحلفائه - الذين يدّعون أنهم مدافعون عن حرية التعبير المطلقة - يعد الهتاف أداة مثالية في روايتهم عن "اضطهاد البيض". وذهب بعضهم حد الترويج لفكرة "إبادة جماعية للبيض"، وهو ادعاء مبالغ فيه حتى بالنسبة لرابطة مكافحة التشهير.

لا يتعلق غضب ماسك وحلفائه بكلمات الأغنية أو سياقها التاريخي، بقدر ما يرمي ترسيخ الفكرة القائلة بأن القوة السياسية السوداء في جنوب أفريقيا تشكل تهديدًا بطبيعتها. والمفارقة أن هذا يخدم ماليما تمامًا - فسياساته تعتمد على الاستفزاز، وكل رد فعل مبالغ فيه من اليمين العالمي يعزز صورته كمعارض شرس للرأسمال الأبيض. فكلما زاد تهجم اليمين العالمي، زادت قدرة ماليما على تقديم نفسه على أنه الشخصية التي تزعج "الأشخاص المناسبين"، مما يحافظ على صورته الشعبوية. إنه عرض متبادل التعزيز، لا يفعل شيئًا يذكر لتحسين الأوضاع المادية للجنوب أفريقيين المحرومين من الأراضي.

يُغذَّى جزء من الهستيريا المحيطة بسياسات إصلاح الأراضي في جنوب أفريقيا بهاجس "التحول إلى زيمبابوي". لطالما استخدم اليمين العالمي عمليات مصادرة الأراضي في زيمبابوي، في أوائل الألفينيات، بمثابة تحذير مما قد يحدث عندما تتحدى الحكومات ذات الأغلبية السوداء ملكية البيض للأراضي. وتزعم الرواية أن انهيار الاقتصاد الزيمبابوي كان نتيجة مباشرة لمصادرة الأراضي، متجاهلة العوامل الأخرى مثل سوء الإدارة والفساد والقيود الهيكلية الاقتصادية. هذا التشبيه الساذج يتجاهل الاختلافات الجوهرية؛ فعلى عكس المصادرات القسرية في زيمبابوي، فإن قانون الاستملاك في جنوب أفريقيا لا يزال مقيدًا بأحكام دستورية، تضمن العدالة والمصلحة العامة. والأهم من ذلك، أن هذا التشبيه يفترض ضمنيًا أن الحكومات ذات القيادة السوداء غير قادرة على إدارة إصلاح الأراضي بمسؤولية، مما يعزز نزعة أبوية عنصرية تكمن في صلب انتقادات اليمين.

إن غضب ماسك بشأن إصلاح الأراضي في جنوب أفريقيا لا يتعلق بالعدالة، بل يهدف إلى تأجيج جنون الارتياب اليميني والحفاظ على الامتيازات الاقتصادية

يظهر المشروع الأيديولوجي في الهجوم على سياسات التمييز الإيجابي في جنوب أفريقيا. صحيح أن قوانين تحقيق العدالة في التوظيف والتملك قد تم تطبيقها بشكل غير متسق، وأحيانًا تم استغلالها للمحسوبية، لكن الادعاء بأن البيض في جنوب أفريقيا يتم استبعادهم، بشكل ممنهج من الاقتصاد، لا أساس له من الصحة. فلا يزالون يشغلون أكثر المناصب ربحية، ويسيطرون على معظم الثروة الخاصة، ويستفيدون من الامتيازات الاقتصادية المتراكمة على مدى أجيال، وهي امتيازات فشلت عقود من الإصلاح البطيء في القضاء عليها. لم تتمكن سياسات التمييز الإيجابي من تفكيك هذا التفاوت المتجذر، بل ساهمت في تكوين نخبة سوداء صغيرة، بينما بقيت البنية الاقتصادية القائمة على التفاوت العنصري كما هي. ولكن هذا ليس ما يثير غضب ماسك وحلفائه؛ فمخاوفهم الحقيقية ليست العدالة الاقتصادية، بل الحفاظ على الهيمنة الاقتصادية للبيض.

المفارقة أن بعض الجنوب أفريقيين البيض، وخصوصًا أولئك الذين يرفضون اهتمامات اليمين الرجعي، يجدون أنفسهم محاصرين في نوع من الكآبة الذاتية. فكثيرون يزعمون دعمهم لمبدأ "اللاعنصرية"، لكنهم لا يتقبلوا تمامًا حقيقة أن تحقيق هذا المبدأ يتطلب تفكيك الامتيازات الاقتصادية التي لا يزالون يتمتعون بها. فمثلا، يعارض التحالف الديمقراطي، الذي يحكم بتوازن هش في ائتلاف مع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، السياسات "المبنية على العرق"، لكنه في الوقت نفسه لا يقدم بدائل أكثر دقة لتحديد الفئات المحرومة بشكل حقيقي.

بدلاً من ذلك، أتقن التحالف الديمقراطي فن المراوغة - فهو ينأى بنفسه علنًا عن اليمين العالمي، بينما يغازل مخاوفه بين الحين والآخر. يرى نفسه مركزًا ليبراليًا قائمًا على الجدارة، يدافع عن الفرص الفردية ضد فساد حزب المؤتمر الوطني الأفريقي والشعبوية العرقية لحزب مقاتلي الحرية الاقتصادية. ومع ذلك، فإن نسخته من الجدارة تتجاهل التفاوتات الهيكلية، إذ تعتبر معالجة الظلم العنصري شكلًا من أشكال "القومية العرقية" بدلًا من كونها استجابة ضرورية للحرمان التاريخي. ينخرط الحزب بشكل انتقائي مع شكاوى اليمين - فينتقد التمييز الإيجابي وإصلاح الأراضي، وإلغاء تسليع الرعاية الصحية بطرق تؤكد ضمنيًا مخاوف البيض - بينما يرفض في الوقت نفسه القومية العرقية الصريحة في حالة ذعر ماسك أو جماعات الضغط الأفريقانية. إن هذه الاستراتيجية من المهادنة والمراوغة تعمق أزمته فقط، إذ تتركه عالقًا بين قاعدة ناخبة غير مرتاحة للتغيير، وجمهور أوسع يراه حزبًا يفتقر إلى رؤية حقيقية لإعادة التوزيع.

حتى بين أولئك الجنوب أفريقيين البيض الذين يرون أنفسهم ضحايا، قلة فقط مستعدة للهجرة. وعلى سبيل المثال، صرحت جماعة الضغط الأفريقانية الأبرز، أفريفوروم، بأن تكلفة المغادرة ستكون "مرتفعة للغاية"، وتراجعت عن بعض ادعاءاتها السابقة حول حجم مصادرة الأراضي. أما عرض إدارة ترامب بـ "إعادة توطين" الأفريكان، فهو مجرد مسرحية سياسية - فحتى أولئك المحبطون من وضع البلاد، من غير المرجح أن يتخلوا عن حياتهم المريحة نسبيًا مقابل مستقبل غير مؤكد في الولايات المتحدة.

لطالما كانت فكرة نزوح البيض من جنوب أفريقيا هربًا من "الاضطهاد" لبناء حياة جديدة في الخارج مجرد وهم، وهو وهم متداول منذ نهاية الفصل العنصري، لكنه لم يتحقق إلى حد كبير. والسبب بسيط؛ رغم التحديات، لا تزال جنوب أفريقيا توفر مستوى معيشة أعلى للعديد من المواطنين البيض مقارنةً بما قد يواجهون كمهاجرين اقتصاديين في الولايات المتحدة أو أوروبا. وبالتالي، فإن شعورهم بالاضطهاد لا ينبع من الحرمان المادي، بل من عدم ارتياحهم النفسي في بلد لم تعد هيمنتهم فيه غير قابلة للتحدي.

في غمرة حالة الذعر التي تنتاب اليمين تكمن حقيقة غير معلنة: جنوب أفريقيا بلد أسود. هذا واضح في قيادته السياسية وحياته الثقافية، وواقعه الاجتماعي اليومي. فالدولة والإعلام والفنون كلها تتشكل بشكل كبير على أيدي الجنوب أفريقيين السود، حتى مع استمرار القوة الاقتصادية في التركز بأيدي البيض. لكن هذا الخلل الاقتصادي ليس ثابتًا، بل يتغير، وبمرور الوقت سيتحول حتمًا. لا يمكن لمجتمع حيث الأغلبية العظمى من السكان - 81٪ و91٪ إذا احتسبنا الملونين والهنود-  أن يظل إلى الأبد خاضعًا لامتيازات أقلية بيضاء صغيرة. سواء كان ذلك من خلال الإصلاح التدريجي أو التغيير الجذري، فإن القوة الاقتصادية ستتحول، ويجب على البيض في جنوب أفريقيا قبول ذلك (أو ببساطة، قبول عرض ترامب). ولكن يجب على السود أيضًا إدراك أن تحديد توجهاتهم السياسية بناءً على معارضة البيض فقط، لم يعد يعكس ديناميكيات البلد، حيث أصبحت الانقسامات الطبقية والإيديولوجية أكثر حسمًا من الصراع العرقي التقليدي.

عرض إدارة ترامب بـ "إعادة توطين" الأفريكان، فهو مجرد مسرحية سياسية - فحتى أولئك المحبطون من وضع البلاد، من غير المرجح أن يتخلوا عن حياتهم المريحة نسبيًا مقابل مستقبل غير مؤكد في الولايات المتحدة.

الواقع هو أن مستقبل جنوب أفريقيا سيتشكل بشكل أقل من خلال الصراعات بين البيض والسود، وأكثر من خلال التناقضات والصراعات داخل الأغلبية السوداء نفسها. ومع استمرار السود في تحقيق تقدم في مجالات الأعمال والصناعة، ستصبح الانقسامات بينهم - بين الطبقة العاملة والنخبة، بين المناطق الحضرية والريفية، وبين التوجهات السياسية والثقافية المختلفة - أكثر تأثيرًا من الخطوط العرقية. وهذا يحدث بالفعل إلى حد ما: الانقسامات الداخلية في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، والتوترات داخل حزب مقاتلي الحرية الاقتصادية، وصعود حزب "إم كيه" القومي الزولو، بقيادة الرئيس السابق جاكوب زوما، كلها مؤشرات على مشهد سياسي متغير، حيث ينقسم السود بشكل متزايد، وفقًا للمصالح الطبقية والأيديولوجية، وليس فقط بسبب تاريخ مشترك من القمع العنصري.

لا يعني هذا أن العرق لم يعد مهمًا، بل على العكس. فلا تزال الهياكل التي أوجدها الحرمان في حقبة الفصل العنصري تلقي بظلالها على الحياة في جنوب أفريقيا. لكن السؤال الأساسي مستقبلا ليس عن قدرة السود في السيطرة على السلطة السياسية والاقتصادية (فهم سيفعلون)، بل كيف سيتم توزيع السلطة، ومن سيستفيد منها، وهل سيتم استخدامها لصالح الأغلبية أم ستُختطف من قبل نخبة جديدة؟ هذا هو جوهر النقاش، وليس الانحرافات المتعلقة بسياسات الضغينة البيضاء أو العروض المسرحية العرقية التي يقتات عليها بعض السياسيين.

تدخل ماسك، إذن، ليس مجرد تحريف لواقع جنوب أفريقيا، بل هو عرض لمرض سياسي أوسع. فادعاءاته بشأن إصلاح الأراضي والتمييز الإيجابي ليست معزولة، بل هي جزء من استراتيجية يمينية عالمية، تهدف إلى تقويض جهود العدالة العرقية، ونزع الشرعية عن الدول ما بعد الاستعمارية، وإعادة تصوير السكان البيض على أنهم أقليات مضطهدة. إن هذه الرواية التي لاقت صدى لدى الحركات الرجعية في جميع أنحاء العالم، لا تعكس حقيقة الواقع الفعلي في جنوب أفريقيا بقدر ما تعكس مخاوف أوسع للنخب العالمية، التي تكافح للحفاظ على امتيازاتها في عصر يتسم بعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.

إذا كان ماسك وحلفاؤه حريصين على استخدام جنوب أفريقيا ساحة لحروبهم الثقافية، فذلك لأنهم يشعرون بوجود فرصة؛ حكومة أخفقت في تحقيق تحول اقتصادي حقيقي، ومعارضة منقسمة وانتهازية للغاية، بحيث لا يمكنها تحدي الوضع الراهن، وخطاب سياسي لا يزال عالقًا في استقطاب الهوية بدلاً من مناقشات جوهرية حول العدالة الاقتصادية.

في غمرة حالة الذعر التي تنتاب اليمين تكمن حقيقة غير معلنة: جنوب أفريقيا بلد أسود. هذا واضح في قيادته السياسية وحياته الثقافية، وواقعه الاجتماعي اليومي. فالدولة والإعلام والفنون كلها تتشكل بشكل كبير على أيدي الجنوب أفريقيين السود

إذا كان هناك طريق للمضي قدمًا، فلا يمكن أن يكون عبر ردود فعل دفاعية أو مناشدات ليبرالية لعصر "أمة قوس قزح" الماضي. ولا يمكن أن يكون من خلال كبش فداء عرقي يحول السياسات الاقتصادية إلى استعراض للرمزية السياسية. التحدي الحقيقي هو تقديم رؤية للعدالة لا تقوم على استغلال النخبة أو المظالم العرقية، بل على تحول مادي حقيقي - رؤية تعيد تأكيد إصلاح الأراضي، وإعادة التوزيع الاقتصادي كمشاريع للنهوض الجماعي، وليس كأدوات لتعزيز مصالح الصفوة.

هذا يعني إحياء سياسة قائمة على الطبقة، لا تسمح لشخصيات مثل ماسك بتحديد شروط النقاش. كما يعني إدراك أن العدالة الاقتصادية في جنوب أفريقيا لن تتحقق عبر الشعارات القومية، بل عبر سياسات ملموسة تفيد الجميع. ويعني أيضا رفض الثنائيات الزائفة التي تهيمن على الخطاب الحالي.

سيتلاشى تدخل ماسك الانتهازي، تمامًا كما ستتلاشى أحدث حيلة سياسية لترامب من دورة الأخبار. لكن التحدي الأكبر هو ما إذا كان اليسار في جنوب أفريقيا قادرًا على تجاوز الملهيات، وبناء برنامج اقتصادي يخاطب الأغلبية. لأنه حتى ذلك الحين، ستظل البلاد عرضة لأولئك الذين يرونها ليس كمكان للتحول، بل كساحة لمعركة أيديولوجية تخصهم.