تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 20 أبريل 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

تهديدات ورسائل.. هل نحن أمام قائد جديد للدعم السريع؟

12 أبريل, 2025
الصورة
Geeska Cover
Share

لم يكن القائد الثاني للدعم السريع، عبد الرحيم دقلو، شخصية معروفة بالنسبة للسودانيين عند بداية تكوين قوات الدعم السريع، ولكن صيته ذاع بعد سقوط نظام الإنقاذ في أبريل/نيسان 2019، وعُرف بخطاباته الهوجاء وأحاديثه المليئة بالتهديدات، بعد اندلاع الحرب في السودان.

ظهر عبد الرحيم دقلو في صورة قائد قوات الدعم السريع، بعد غياب القائد محمد حمدان "حميدتي" عن ميدان القتال بصورة غامضة ومثيرة للتساؤلات، وغيابه أيضًا عن مؤتمر توقيع الميثاق التأسيسي في مدينة نيروبي لتشكيل حكومة موازية، حيث ظهر أعلن عبد الرحيم هناك عن خطوات جادة لتشكيل حكومة خاصة بالدعم السريع والحركات المتحالفة معه.

يحاول عبد الرحيم الظهور في ساحات المعارك مرة تلو الأخرى، وتتداول الأخبار حول قيادته لعدد من هجمات الدعم السريع على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور التي يسيطر عليها الجيش السوداني. كما ظهر يلقي خطاباته المليئة بالتهديد في مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور، مهددًا الإدارات الأهلية التي ترفض الانصياع له، ومعها الضباط الذين انسحبوا من ساحات القتال بعد الهزائم الساحقة التي نالوها في ولاية الخرطوم والجزيرة وسنار وغيرها. فهل نحن أمام قائد جديد للدعم السريع؟

يجيب عن هذا التساؤل مصدر مقرب من عبد الرحيم دقلو قال لجيسيكا: "عبد الرحيم ظل يسعى لقيادة قوات الدعم السريع منذ فترة طويلة، بعد تغيير نظام الإنقاذ، ولديه طموحات أكبر من شقيقه حميدتي، وهو أكثر قابلية للتعاون مع الجهات الخارجية، خصوصًا أنه زار إسرائيل، ونسّق معهم العلاقة فضلا عن تزكية من الإمارات بأنه ينفذ ما يوكل إليه".

إن التهديدات جزء من أسلوب الرجل في التعامل وهو خياره الوحيد، وينسجم ذلك مع طبيعته الشخصية، وهو كثير الشكوك، ولا يستطيع أن يثق في أحد، ويشعر أن هناك تحولات تطرأ على تركيبة الدعم السريع، وهناك حالة إحباط كبيرة، وتراجع ملحوظ في الروح المعنوية، وحالات هروب كثيفة، لذا يستخدم أسلوب الوعيد والتهديدات لاعتقاده أنها ستحل المشكلة الماثلة أمامه،      وهو يقصد جميع الضباط والمستنفرين وقيادات الإدارة الأهلية، وبقية حركات دارفور المتحالفة معهم، خاصة حركتي الطاهر حجر والهادي إدريس.

قائد جديد لا يعرف البروتوكولات

ظهر عبد الرحيم في مقطع مصور مبثوث على الوسائط، يعطي قوته الأمر بقتل كل من يتاجر بالسلاح والذخيرة، وقتل كل إسلامي بل حتى قتل كل من يدافع عن الإسلاميين، ربما بكلماته هذه رسم الرجل ملامح حكمه واستبداده، وأن الدعم السريع معه قد دخل لعصر أكثر دموية. فالقائد الجديد قد يفرض نفسه على الإدارات الأهلية، ويشكل حكومته بالترهيب والترغيب، ففي مقطع مرئي آخر بعث دقلو رسائلًا إلى ضباطه الهاربين من القتال، متهمًا إياهم بالجبن والاستسلام، مهددًا إياهم بأن من لم يبلغ المقدمة خلال ساعات سوف يفصله من الدعم السريع، لكن لماذا يرسل دقلو تهديداته لضباط الدعم السريع على الملأ؟

إن التهديدات جزء من أسلوب الرجل في التعامل وهو خياره الوحيد، وينسجم ذلك مع طبيعته الشخصية، وهو كثير الشكوك، ولا يستطيع أن يثق في أحد، ويشعر أن هناك تحولات تطرأ على تركيبة الدعم السريع، وهناك حالة إحباط كبيرة، وتراجع ملحوظ في الروح المعنوية     

في هذه النقطة يؤكد الباحث السياسي حسّان الناصر لموقع جيسكا أن عبد الرحيم بكل تأكيد شخص لا يعرف البروتوكولات العسكرية، ولا يجيد التعامل مع التراتبية التي يعرفها أي شخص، لذلك يمكن أن نقول بأن حديثه هذا موجه إلى القيادات العسكرية التي لم تستجب له أو لديها تحفظ على قيادته، ويضيف حسان: "لكن لنذهب أبعد من ذلك، ويمكنني أن أقول بأن عبد الرحيم أصبح القائد الفعلي لقوات الدعم السريع، لذلك عندما أصدر هذه الأوامر لم يصدرها إلا ليقول لهم لقد ذهب الزمان وجاء زمان آخر".

ديناميكيات مختلفة لتعريف الحرب

عند اندلاع الحرب في منتصف أبريل/ نيسان 2023 حشد الدعم السريع ما يزيد عن مائة عربة مقاتلة لمهاجمة الولاية الشمالية، وتمكنت وقتها من السيطرة على قاعدة مروي الجوية قبل أن يستعيدها الجيش السوداني، ويطردهم من كامل الولاية.

في الوقت الذي تلاحق فيه الهزائم المتوالية قوات الدعم السريع، يأتي اليوم عبد الرحيم دقلو لخلق مبررات أخرى لاستمالة وحشد الشباب للقتال في الدعم السريع، بعد فشل الدعايات القديمة مثل محاربة الإسلاميين ومحاربة "دولة 56" أو حتى الدفاع عن النفس وغيرها، فقد أعلن الزعيم اكتشاف عدو جديد يقبع في "الشمالية" التي كان من المفترض أن تكون مسرحا للحرب، ولكن بالتأكيد لم ينسَ أن الشمالية كانت أول مغامراتهم الفاشلة، وتلقوا فيها هزيمة كبيرة ومؤثرة، غير أنه أراد مخاطبة أهل الغرب ككتلة واحدة، وإقناعهم أن عدوهم واحد  وهو "الشمال"، فيكون التحشيد بذلك على أسس إثنية.

حول هذه النقطة يقول حسان الناصر لجيسيكا: "إنه لا يجب أن نعرف الحرب كشيء واحد أو بشكل خط مستقيم، هذه الحرب حملت ديناميكيات مختلفة، دوافع حميدتي لم تكن مروي، وإنما كانت محاولة إثارة الجلبة مع مصر. وعبد الرحيم هذه المرة، يقصد قيادات وجنود يريدهم أن يقوموا ببناء حكومة في ولايات دارفور التي تقع تحت سيطرته، لذلك الدعم السريع اليوم مختلفا تماما عما كان عليه في أبريل/نيسان 2023؛ في العدة والعتاد والمخيال السياسي أيضًا. وأننا نحتاج إلى فهم بنية الدعم السريع الجديدة، وأنه تاريخ قد بدأ بشكل مختلف، وعبد الرحيم ليس حميدتي وليس القوني، فعبد الرحيم لن يقود معارك خاسرة بل يريد أن يثبت دعائم قبضته على الدعم السريع، وتشكيل حكومة لينطلق بعدها نحو أهداف سياسية بجلباب عسكري".

التهديد باجتياح الولاية الشمالية

عسكريًا،  أعلن عبد الرحيم دقلو عن نيته الهجوم على الشمالية مرةً أخرى، فهل يستطيع الدعم السريع خوض مثل هذه المغامرة؟ يجيب عن هذا السؤال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي إبراهيم شقلاوي، بقوله: "في تقديري إن تهديدات عبد الرحيم دقلو الأخيرة باجتياح ولايتي نهر النيل والشمالية تأتي في سياق تكتيكي، يهدف إلى تضليل الرأي العام، وصرف الأنظار عن تحركات أخرى أكثر أهمية على الأرض. من المعروف أن مليشيا الدعم السريع، ومنذ اندلاع الحرب، اعتمدت على استراتيجيات الخداع والمناورة الإعلامية لخلق انطباع بالقوة والسيطرة، رغم خسائرها المتتالية في مختلف الجبهات".

لم ينسَ أن الشمالية كانت أول مغامراتهم الفاشلة، وتلقوا فيها هزيمة كبيرة ومؤثرة، غير أنه أراد مخاطبة أهل الغرب ككتلة واحدة، وإقناعهم أن عدوهم واحد وهو "الشمال"، فيكون التحشيد بذلك على أسس إثنية

يعتقد شقلاوي أن النظر بواقعية إلى التهديد يكشف أن دقلو لا يستهدف فعليًا نهر النيل أو الشمالية، فلو كان ذلك صحيحًا لما عجز عن السيطرة الكاملة على حجر العسل، التي تقع جغرافيًا ضمن نطاق نهر النيل. كما أن الفشل هناك يوضح مدى صعوبة تحقيق أي تقدم في هذه المناطق، ليس فقط لوجود دفاعات عسكرية قوية، ولكن أيضًا لطبيعة الأرض وسكانها الذين يرفضون وجود هذه المليشيا، جراء الانتهاكات الوحشية التي ظلت تمارسها في أماكن سيطرتها.

هذا التهديد مجرد تمويه مكشوف، فبينما يلوح دقلو شمالًا، فإن عينه الحقيقية على الجنوب، حيث توجد مواقع استراتيجية مهمة، مثل "الفاشر" آخر معاقل الجيش في دارفور، والتي تمثل خط الدفاع الحاسم أمام تمدد الدعم السريع في الإقليم، بالنظر إلى مخطط قيام الحكومة التي يتحدثون عنها، والتي أجازوا وثيقتها في نيروبي مؤخرًا، ومثل "بابنوسة" التي تُعتبر منطقة محورية لوجستيًا، حيث تعد بوابة العبور نحو كردفان الكبرى، بالنظر إلى موقعها المتاخم لجمهورية جنوب السودان أو مواقع أخرى في كردفان ودارفور، حيث تسعى المليشيا لتعزيز وجودها بعد الضربات التي تلقتها في الخرطوم والأبيض وجبل موية.

قائد للانتهاكات

فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على قائد ثان قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، في سبتمبر/ أيلول 2023، لقيادته الدعم السريع في انتهاكات شملت القتل والعنف الجنسي ضد المدنيين أثناء الحرب الجارية في السودان. كما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية بواسطة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لها عقوبات على عبد الرحيم لقيادته قوات شاركت في أعمال عنف، اشتملت على مذبحة للمدنيين والقتل العرقي والعنف الجنسي.

الفشل هناك يوضح مدى صعوبة تحقيق أي تقدم في هذه المناطق، ليس فقط لوجود دفاعات عسكرية قوية، ولكن أيضًا لطبيعة الأرض وسكانها الذين يرفضون وجود هذه المليشيا، جراء الانتهاكات الوحشية التي ظلت تمارسها في أماكن سيطرتها

توعد عبد الرحيم دقلو باقتحام مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، والتي تعرضت لعشرات الهجمات العنيفة من قبل الدعم السريع، والتي صدّتها القوات المسلحة والقوات المشتركة، وبحسب الأمم المتحدة: "فإن أكثر من أكثر من 4000 شخص نزحوا حديثًا في ولاية شمال دارفور خلال الأسبوع الماضي وحده بسبب تصاعد العنف في الفاشر، بما في ذلك مخيم زمزم للنازحين حيث تأكدت حالة المجاعة".

في الأسبوع المنصرم وجهت بعض الحركات المسلحة المتحالفة مع الدعم السريع دعوات لمواطني مدينة الفاشر لمغادرة المدينة، وقد وصف مني أركو مني حاكم إقليم دارفور تلك الدعوات بأنها تنفيذ لمخطط يهدف لتهجير المواطنين في الفاشر ومعسكر زمزم للنازحين.