تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 17 يوليو 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

تداعيات التصعيد الإسرائيلي الإيراني على الدول الأفريقية

14 يونيو, 2025
الصورة
التصعيد الإسرائيلي الإيراني على الدول الأفريقية
Share

تفيد المؤشرات الأولية إلى أن التصعيد العسكري الإسرائيلي الأخير ضد إيران قد تكون له انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على القارة الأفريقية، في وقت بالغ الدقة يشهد فيه النظام الدولي اضطرابات متصاعدة في أسعار الطاقة، وتراجعاً حاداً في قيمة العملات المحلية لدى العديد من الدول النامية.

تأتي هذه التطورات فيما تسعى طهران إلى توسيع حضورها الجيوسياسي والاقتصادي في أفريقيا، عبر توطيد تحالفات استراتيجية مع عدد من الحكومات والنخب المحلية، مستفيدة من فجوات النفوذ التي تتركها القوى الغربية والصين في بعض المناطق. غير أن هذه المساعي باتت تواجه بيئة إقليمية مضطربة، ما يضع القارة الأفريقية في قلب معادلات دولية متقلبة، تزيد من هشاشتها البنيوية أمام تداعيات الصراع، سواء في مجالات الطاقة أو الأمن أو التنمية الاقتصادية.

أعاد هذا الهجوم غير مسبوق، مع بدء الضربات الجوية التي نفذتها إسرائيل فجر الجمعة ضد منشآت نووية وعسكرية داخل الأراضي الإيرانية، وأسفرت - بحسب ما أعلنته طهران- عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين وستة علماء نوويين، شبح المواجهة الإقليمية المفتوحة بين قوتين كبيرتين في الشرق الأوسط، خاصة بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الضربات تهدف إلى تقويض ما وصفه بـ"الطموحات النووية الإيرانية"، والحد من قدراتها الصاروخية، بينما توعّد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بالرد، بـ"عقاب أليم ومرّ" لإسرائيل.

انعكست هذه الضربات فوراً على الأسواق المالية العالمية، في دلالة واضحة على الترابط بين التصعيد العسكري والتقلبات الاقتصادية. إذ تراجعت مؤشرات الأسهم، لا سيما في آسيا والعقود الآجلة للأسواق الأمريكية، وسط حالة من القلق إزاء اتساع نطاق الصراع. في المقابل، قفزت أسعار الذهب بنسبة 1٪ لتتجاوز 3420 دولاراً للأونصة، في مؤشر على ازدياد الإقبال على الملاذات الآمنة. أما أسعار النفط، فقد سجلت ارتفاعاً كبيراً، حيث صعد خام برنت بنسبة 5.8٪ ليبلغ 73.38 دولاراً للبرميل، مدفوعاً بمخاوف جدّية من تعطل الإمدادات الحيوية القادمة من الشرق الأوسط.

التداعيات الاقتصادية على القارة

في أفريقيا، بدأت تداعيات التصعيد الإسرائيلي ضد إيران تُلقي بظلالها الثقيلة على الاقتصادات المحلية، التي تعاني أصلاً من هشاشة بنيوية، واعتماد مفرط على الواردات الطاقية. ففي غانا، الدولة التي بدأت بالتقاط أنفاسها بعد شهور من التضخم المدفوع بارتفاع أسعار الوقود، أعادت الضربات الإسرائيلية الغموض إلى المشهد الاقتصادي، وأثارت مخاوف من انتكاسة وشيكة في مسار التعافي. وأوضح المحلل السياسي والمالي، إيديم كوجو، في حديث لصحيفة "أفريكا ريبورت": أن "إسرائيل قد تكون عطّلت تعافي غانا الاقتصادي تماماً"، مشيراً إلى أن ارتفاع أسعار النفط بنسبة 7٪ سيضع ضغوطاً كبيرة على البنك المركزي لتوفير المزيد من الدولارات اللازمة لتغطية واردات الوقود، وهو ما قد ينعكس سريعاً على أسعار الوقود محلياً بزيادة تُقدّر بين 5 و7٪ خلال أسبوعين فقط.

تواجه الحكومة الغانية تحدياً مزدوجاً، إذ كانت قد فرضت مؤخراً رسماً جديداً على الوقود بهدف دعم قطاع الطاقة المتعثر، غير أن هذه السياسة باتت مهددة بردود فعل شعبية غاضبة أو بزيادة التراجع المالي، بحسب كوجو، الذي حذر من أن أي اضطراب إضافي في الأسعار قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

في أفريقيا، بدأت تداعيات التصعيد الإسرائيلي ضد إيران تُلقي بظلالها الثقيلة على الاقتصادات المحلية، التي تعاني أصلاً من هشاشة بنيوية، واعتماد مفرط على الواردات الطاقية

أما في جنوب أفريقيا، فقد كانت الأسواق أكثر حساسية للصدمات الخارجية، حيث تراجعت العملة المحلية "الراند" بنسبة 1.6٪ أمام الدولار الأمريكي، بالتزامن مع ارتفاع عوائد السندات الحكومية، في مؤشر واضح على انسحاب المستثمرين من الأسواق الناشئة، وتفضيلهم للأصول الآمنة في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية. تعكس هذه التحولات هشاشة الوضع المالي في دول الجنوب الأفريقي، التي غالباً ما تكون أول من يتأثر بارتدادات الأزمات الدولية، سواء من بوابة الطاقة أو من خلال تقلبات أسواق المال.

أمن البحر الأحمر في مرمى التصعيد

على الصعيد الأمني، تبدو منطقة البحر الأحمر وخليج عدن مرشحتان لأن تتحولا إلى بؤر توتر متقدمة في حال استمرار التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، لا سيما في ظل التصاعد المتزامن في أنشطة الحوثيين باليمن، الذين كثّفوا هجماتهم على السفن التجارية العابرة للمضيق، في ما تقول طهران إنه يأتي رداً على العدوان الإسرائيلي والدعم الغربي له. وتبرز أهمية البحر الأحمر باعتباره أحد أهم شرايين التجارة العالمية، حيث تمر عبره قرابة 41٪ من التجارة البحرية الدولية، كما يشكل نقطة وصل حيوية بين المحيط الهندي والبحر المتوسط من خلال قناة السويس، ما يجعله هدفاً استراتيجياً لأطراف الصراع.

يهدد عسكرة هذا الممر، سواء من خلال التحشيد العسكري المباشر أو الحروب بالوكالة، بفرض حالة من عدم الاستقرار الدائم، تؤثر مباشرة على الدول المطلة على الساحل الغربي، وفي مقدمتها الصومال وصوماليلاند وجيبوتي. ففي الصومال، تشير تقديرات أمنية واستخبارية إلى حدوث نوع من "التواطؤ العملياتي" بين الحوثيين و"حركة الشباب" المرتبطة بالقاعدة، في ظل تقاطع العداء مع التحالفات الغربية والخليجية، وتبادل الخبرات في استهداف المصالح الإقليمية. كما قد تؤدي فوضى الملاحة وتوترات التحالفات إلى تمكين الجماعة من استغلال الثغرات الأمنية، وتوسيع نطاق هجماتها داخل الأراضي الصومالية أو عبر سواحلها.

لم تنحصر تداعيات الأزمة على القارة في أبعادها النووية أو النفطية فحسب، بل تمتد لمجالات الأمن الغذائي وقطاعات الطاقة في شرق أفريقيا، في تطور يعكس الطبيعة المركبة لتأثيرات النزاعات الدولية على مناطق الهشاشة الجغرافية

أما صوماليلاند، التي تتبنى موقفاً براغماتياً في سعيها نحو الاعتراف الدولي، فقد تجد نفسها أمام خيارات معقدة في حال احتدمت الاستقطابات الإقليمية، خصوصا أن موانئها باتت محل تنافس استثماري وأمني من قوى مثل: الإمارات وإثيوبيا والولايات المتحدة وروسيا، وسط حديث عن خطط لتوسيع قواعد لوجستية أو حتى وجود عسكري أمريكي غير معلن.

تبقى جيبوتي، التي تستضيف عدداً غير مسبوق من القواعد العسكرية الدولية، من أكثر الدول عرضة للضغط، إذ أن التوتر بين الغرب والصين، في ظل وجود القواعد الأمريكية والفرنسية من جهة، والقاعدة الصينية الوحيدة خارج آسيا من جهة أخرى – يجعل منها نقطة تقاطع محتملة لأي تصعيد دولي، ويدفعها إلى حافة خطر دائم.

أفريقيا تحت ضغط الصراع الإيراني الإسرائيلي

من الواضح، أن التصعيد الإسرائيلي الأخير يقوض مساعي إيران الرامية إلى تعزيز نفوذها في القارة السمراء، ولا سيما في الدول التي تسعى إلى تنويع تحالفاتها بعيداً عن الهيمنة الغربية. ففي يوليو/تموز 2023، قام الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي بجولة دبلوماسية شملت كينيا وأوغندا وزيمبابوي، وُصفت بأنها الأجرأ لطهران في شرق أفريقيا منذ أكثر من عقد، في مؤشر على توجه واضح نحو تعميق الحضور الإيراني في القارة.

تبرز كينيا، في هذا السياق، كثاني أكبر شريك تجاري لإيران في أفريقيا بعد جنوب إفريقيا، بعلاقات اقتصادية تتركز على تصدير الشاي واستيراد النفط والمواد الكيماوية. كما وسّعت طهران نطاق علاقاتها مع حكومات أفريقية تتبنى مواقف مناهضة للنفوذ الغربي، مثل حكومة بوركينا فاسو العسكرية بقيادة الكابتن إبراهيم تراوري، التي طردت القوات الفرنسية وسعت لبناء تحالفات مع أطراف غير غربية، إلى جانب تنامي الشراكات الإيرانية مع النيجر في أبعادها الاقتصادية والأيديولوجية.

في امتداد لهذا الانقسام، بدأت تبرز تباينات في المواقف داخل التكتلات الدبلوماسية الأفريقية نفسها. فقد أدانت جنوب أفريقيا، التي تُعد من الداعمين التاريخيين للقضية الفلسطينية وأحد الحلفاء التقليديين لطهران، الهجوم الإسرائيلي، واعتبرته "انتهاكاً غير مقبول لسيادة إيران". هذا الموقف يتناقض بشكل واضح مع دول أخرى مثل السودان، حيث تتبنى مليشيا الدعم السريع خطاباً أكثر تشدداً وعدائية تجاه طهران، وتتهمه بدعم الجيش والإسلاميين.

تبدو منطقة البحر الأحمر وخليج عدن مرشحتان لأن تتحولا إلى بؤر توتر متقدمة في حال استمرار التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، لا سيما في ظل التصاعد المتزامن في أنشطة الحوثيين باليمن، الذين كثّفوا هجماتهم على السفن التجارية العابرة للمضيق

لم تنحصر تداعيات الأزمة على القارة في أبعادها النووية أو النفطية فحسب، بل تمتد لمجالات الأمن الغذائي وقطاعات الطاقة في شرق أفريقيا، في تطور يعكس الطبيعة المركبة لتأثيرات النزاعات الدولية على مناطق الهشاشة الجغرافية. إذ تواجه دول مثل: السودان وإثيوبيا والصومال ضغوطاً متصاعدة بفعل اضطرابات متواصلة في طرق الشحن الحيوية عبر البحر الأحمر وقناة السويس، نتيجة لهجمات متكررة يشنها الحوثيون على السفن التجارية، ما دفع عدداً متزايداً من الناقلات الدولية إلى تغيير مساراتها والالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، في رحلات أطول وأكثر كلفة زمنياً ومالياً.

لا يضيف، هذا التحول في حركة الملاحة فقط أعباءً مالية على واردات الغذاء والوقود، بل يفاقم اختلال الميزان التجاري، ويُعمق أزمات الاستيراد في دول تعاني أصلاً من نقص العملة الصعبة وتضخم مفرط. وفي ظل هشاشة البنية الاقتصادية لهذه البلدان، تبدو قدرتها على امتصاص مثل هذه الصدمات محدودة، ما يهدد بتعطيل مسارات التعافي الاقتصادي الهشّ، ويزيد من احتمالات الاضطراب الاجتماعي.

في المحصلة، تُظهر الأحداث الأخيرة كيف أن التصعيد في منطقة واحدة من العالم يمكن أن يفرض كُلفاً باهظة على مناطق بعيدة، لا سيما في أفريقيا التي تجد نفسها، مرة بعد أخرى، في قلب العاصفة الجيوسياسية والاقتصادية دون أن تكون لاعباً مركزياً فيها. وبينما تتشابك مصالح الطاقة والتجارة والتحالفات الدولية، تبقى القارة عُرضة للتقلبات، وساحة اختبار حقيقية لمدى قدرة دولها على المناورة وسط نظام عالمي متحول، لا يعترف كثيراً بهشاشة الأطراف ولا يمنحها ترف الحياد.