الأربعاء 9 يوليو 2025
"وها قد أشرقت الشمس، جميلة، صباح مشرق، يوم مَلَكي ولد" ( Waabaa baryay, bilicsan, arooryo baxsan, maalin boqoran) هذه الكلمات كان يُغنيها الفنانون الصوماليون، وعلى رأسهم محمد أحمد كُلُع وفرقة وَابِري، قبل اندلاع الحرب وانهيار الدولة. تصف الأغنية حرفيًا بزوغ يوم جديد، في إيحاء رمزي إلى الأمل والتجدد: بزوغ فجر جميل. عندما أتأمل ما حدث في هرجيسا، خلال الأشهر القليلة الماضية، من عدسة موسيقية، تتردد هذه الأغنية في ذهني.
ربما يكون ذلك بسبب ابتسامة محمد BK المشرقة، وحماسه عند عودته إلى الساحة الموسيقية (بعد غياب طويل لأسباب دينية)؛ أو بسبب حماس فرقة "ديَح باند" وهم يغنون بفخر لبلدهم؛ أو بسبب إحياء فرقة نجوم القرن "xiddigaha geeska" المحبوبة. في كل الأحوال، عاد المشهد الموسيقي في هرجيسا ليضيء بقوة.
كانت الإنتاجات الثقافية المعاصرة في صوماليلاند دوما فريدة، وعاكسة للمناخ السياسي والاجتماعي الخاص بها. فمثلا الأغاني السابقة عن البلد ذات طابع وطني، تركز على النضال من أجل الاستقلال عن الصومال، من قبيل أغنية «مجتمع صوماليلاند» (Bulshada Somaliland)، التي غناها أساطير الفن في المهجر إلى جانب نمعو ياسين، وأغنية «Dhulka Waa La Tolayaa» التي غنتها نمعو ياسين مع نور دالعي... وكلها من ثمار المهجر إنتاجا وغناء.
مع ذلك، فإن الأغاني المعاصرة لفرقة "نجوم القرن" - وهي مجموعة منظمة من المغنين والكتّاب والموسيقيين مقرها في هرجيسا- من يتبادر إلى ذهني عندما أفكر في احتفالات صوماليلاند في 18 مايو/ آيار.
تذكرتُ سابقًا أغنية «Waagaa Baryay»، وإن لم تكن من الأغاني التي أستحضرها عادةً عندما أفكر في صوماليلاند. بل أفكر في أغنية «Allow Noo Tiirisee»، وهي من أولى الأغاني التي أصدرتها فرقة "نجوم القرن" معًا. يظهر الرابط مرسل موسى وهو يغنيها في مينيابوليس عام 2024، لكن أكثر من عشرة مغنين اجتمعوا في الأصل لغناء هذه الأغنية. كما أتذكر فورًا أغنية «الاستقلال» (Gooni Isu Taag)، التي غنتها الفرقة عام 2014 في مدينة جبلي.
الأغنية الأخيرة، «دع طموحك يتجاوز»، كانت جذابة للغاية عندما كنت أسمعها تُعزف، ولم أكن أنتبه للكلمات. ومع ذلك، عندما أسمعها الآن، بعد أن شهدت ما كانت عليه حملة انتخابات 2017، أستمع إلى تحذيرهم. إنها رسالة يجب أن نكون دائمًا على وعي بها
في أوج عطائهم، حثت الفرقة مجتمعهم على التوحد رغم الانقسامات، والفخر ببلدهم؛ تاريخه وإنجازاته. لقد كانت أصوات الجميع تكمل بعضها البعض بشكل جميل، وشجع كل بيت على تعزيز القيم الوطنية. وكان من اللافت أيضًا رؤية معظم أعضاء الفرقة، في ذلك الوقت، يؤدون معًا في أغنية واحدة. لقد تجمع كل من: عبدي هني ونمعان هيلاع ومحمد BK وعبد الرحمن أودي ومحمد بكال "عِرو" وإفراح هرجيسا ويورب جينيو، في أغنية واحدة.
الأغنية الأخرى التي تجسد فن صوماليلاند بالنسبة لي هي «تزدهر بأرضك» (Dhulkaaga Lagu Hodma)، التي كتبها صِدّيق بورمَد، وتضم حمدة كوين وأسماء لوف اللتين لم تكونا في الأغنية السابقة. يظهر الفخر في الفيديو مع كل شخص يغني، وكأن الأغنية قد استولت عليهم، وهم يتمايلون معًا. عندما جاءت شادية شرف إلى هرجيسا عام 2023، غنى الفنانون المعاصرون هذه الأغنية أيضًا، ومعهم الجمهور بحماس لا مثيل له.
بعد أكثر من عشر سنوات، لا تزال هذه الأغاني جذابة، لا بل إنها تلتقط الفخر الفريد والتاريخ المشترك الذي يشكل شعب صوماليلاند. لقد زرت جبلي في العام التالي، ورأيت المسرح الذي أدت فيه فرقة «نجوم القرن»، ولا تزال الزينة الوطنية موجودة منذ ذلك الوقت. شعرت وكأنها طريقة هادئة للقول: لن ننسى أبدًا كل ما مررنا به- سواء كان جيدًا أم سيئًا. أتمنى فقط لو كنت هناك عام 2014 لمشاهدة أداء الفرقة.
الأغاني الأخرى التي أنتجتها فرقة "نجوم القرن"، في ذلك الوقت، والتي تخاطب جمهورهم، هي: «الكدّ» (Tacab) وأغنية «دع طموحك يتجاوز عشيرتك» (Hankaagu ha Dhaafo Reer Hebel). أستخدم كلمة "جمهورهم" لأنه على الرغم من أنهم ليسوا سياسيين، إلا أنهم فنانين حقيقيين استخدموا منصتهم لتوجيه مستمعيهم، وترشيد المجتمع بشكل عام.
الأغنية الأخيرة، «دع طموحك يتجاوز»، كانت جذابة للغاية عندما كنت أسمعها تُعزف، ولم أكن أنتبه للكلمات. ومع ذلك، عندما أسمعها الآن، بعد أن شهدت ما كانت عليه حملة انتخابات 2017، أستمع إلى تحذيرهم. إنها رسالة يجب أن نكون دائمًا على وعي بها.
واحدة من أغاني صوماليلاند المفضلة لدي على الإطلاق هي «Xornimo Sumadale»؛ أغنية ذات أجواء جيدة، تعطي السيدات مقعدًا في المقدمة لقيادة الأغنية. يأخذنا الثنائي الموهوب هودن عبد الرحمن ديري ويورب جينيو من مدينة إلى مدينة عبر البلاد بأكملها. لن أتوقف أبدًا عن الغناء بصوت عالٍ: «Hargeisa oo siraaddin waan suugayeey». إنها أغنية تجعلني أشعر بالحنين والارتباط بصوماليلاند كمكان، إنها تثير مشاعر الانتماء والوطنية بالمعنى الحقيقي.
لقد تم إصدار معظم الأغاني التي ذكرتها سابقًا منذ أكثر من عشر سنوات، إلا أنها لا تزال من بين أولى الأغاني التي تُعزف، كلما بدأت احتفالات 18 مايو/آيار. الحماس والحيوية المحيطتان بالمناسبة واضحتان، من تلك الأغاني الوطنية السابقة إلى الأغاني الشعبية اليوم.
بدا أن احتفال 18 مايو/آيار، في العام الماضي، كان بمثابة مسابقة لمعرفة من سيصدر أفضل الأغاني. كانت المفضلة لدي من بين الثلاثة الأولى مصطفى دولار، وهو يغني «Sanka Taag»، وهي أغنية كتبها الشاعر سار، وتتحدث مرة أخرى عن تقرير المصير لشعب صوماليلاند. كم جميل أن نرى البالغين الذين نشأوا بعد عام 1991- ولم يعرفوا سوى صوماليلاند- يعبرون عن فخر الانتماء لبلدهم.
المفضلة التالية لدي هي الفنانة المتألقة روضة كيف التي أصدرت أغنيتين وطنيتين العام الماضي. أعجبتُ بشكل خاص «Rabow Ictiraaf Helaaye» التي كتبها مبارك عبدي، ولها إيقاع مذهل يجبرك على الوقوف والرقص. إشارة شرف أيضًا إلى «ذكرى مايو/آيار» التي غنتها وكتبها عوالي ديقسي.
الأغنية الأخرى المفضلة لدي في موسم 18 مايو/آيار كانت «صوماليلاند» لمليون مانكا، التي كتبها خالد مينو. في ظل التوتر السياسي في البلاد والانتخابات المقبلة، يجب أن أحيي كتاب الأغاني، الذين حرصوا على تحفيز وتذكير شعبهم، على الرغم من كل الصعاب، بأن صوماليلاند هي لهم وستستمر في الازدهار.
في خضم موسم الانتخابات الرئاسية المتوتر، كانت الأغاني الوطنية مهمة لتذكير الناس بأنه، على الرغم من الانقسامات السائدة في المجتمع، إلا أنهم جميعًا مواطنون في نفس البلد. ومع ذلك، مع الحملات الانتخابية، جاءت مجموعة كاملة من الأغاني لتنشيط الجماهير، وكان ذلك وقتًا رائعًا حقًا.
كانت أُوغباد أرجسنن تغني، وتقوم بحملات مكثفة لصالح الرئيس "عِرو" دون اعتذار، في وقت لم يكن فيه العديد من الفنانين الآخرين يصطفون بأنفسهم معه. أصدرت أغنية «عيرو، إلى الكرسي» في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقضت معظم عام 2024 في الحملات والأداء أينما كان لدى الحزب الوطني الحاكم حينها مظاهرة سياسية. ببطء، بدأ الفنانون الآخرون في الانضمام إليها، بينما غنى آخرون للرئيس السابق بيحي.
بينما كانت فرقة ديَح تغني بشكل أساسي دعمًا لـ«كُلمي» (الحزب الحاكم وقتها)، شهدنا عودة فرقة «نجوم القرن» لتتحدث ضد الرئيس الحالي وممارساته. من كان يتوقع القنبلة المجازية التي كانت «سول الشرقية، إلى أين ذهبت؟»، والتي أصدرتها فرقة «نجوم القرن» في أكتوبر/تشرين الأول 2024. لقد ظهرت الفرقة من الظلال مرة أخرى، لتقول الحقيقة للسلطة وتدين أفعال بيحي (الرئيس السابق) وإدارته التي ابتُليت بها المنطقة.
في ظل التوتر السياسي في البلاد والانتخابات المقبلة، يجب أن أحيي كتاب الأغاني، الذين حرصوا على تحفيز وتذكير شعبهم، على الرغم من كل الصعاب، بأن صوماليلاند هي لهم وستستمر في الازدهار
باستخدام قوة التقليد الشفهي، شاهدنا فرقة «نجوم القرن» تصدر أغنية تلو الأخرى تنتقد بيحي، وتتحدث بصراحة دعمًا للمعارضة. إحدى الأغاني التي استمتعت بها حقًا، خلال موسم الحملة، كانت «ارحل عنا» (Lagu Barayee Naga Baydh)، التي غنتها يُورُب جينيو، أسماء لوف وخضرة سينيمو. إذا كان هناك أي شك في أن بيحي سيعود، فقد جعلت هذه الأغاني الرأي العام واضحًا وصريحًا. تخيّل جرأة أحمد عرشي وهو يغني: "انزل، يا عمي، انزل" بجرأة ودون اعتذار، مؤكدًا أن الكفاية كانت كافية، وأن الناس يريدون التغيير. أعجبت بالفرقة لقول موقفها بوضوح وبدون تردد.
يجب أن أقول إنه لم يكن هناك شيء أكثر تسلية من سماع المغنين يغنون "نريد عيرو المبتسم كقائد لنا" بعد أن تحدث الناس ضده لنفس السبب. يجب على شخص ما أن يصنع ألبومًا يضم كل هذه الأغاني التي صدرت خلال هذا الوقت.
بينما قد لا يكون ذلك ممكنًا، فمنذ أن تم تنصيب الرئيس الجديد، شهدنا تقديرًا متزايدًا لقطاع الفنون والثقافة في هرجيسا، مع حدث في القصر الرئاسي خُصِّص لتكريم هؤلاء الفنانين، لتبدو هرجيسا مستعدة للقبها المستحق كـ”موطن الفن”. تمامًا كما حدث في العام الماضي، يبدو أن المغنين وكتّاب الأغاني قد رفعوا السقف وقدموا أفضل ما لديهم حقًا من أجل الاحتفال بيوم 18 مايو/آيار هذا العام.
بالنسبة لنا نحن في الشتات الذين نتابع من بعيد، هناك نهضة فنية وفرح يعمّ الأجواء هذا العام في احتفالات 18 مايو/آيار. فقد اجتمع الفنانون معًا وأصبحوا أكثر تنظيمًا وظهورًا علنيًا مع مجموعاتهم. في العام الماضي، أطلق أعضاء فرقة ديَح فيديوهات موسيقية تغطي أغانٍ قديمة من صوماليلاند. بينما اجتمعت الفرقة بأكملها، هذا العام، من أجل غناء «Somaliland» و«Ku Qosla Bulshadaydiiyey»، مؤكدين أن كل الخلافات والانقسامات الاجتماعية التي مرت بها صوماليلاند قد أصبحت من الماضي، وأنه يجب على الناس أن يتوحدوا بقوة أكبر.
ما يلفتني بشكل خاص هو هذا التركيز على تعزيز الفرح والسعادة بين الناس، ونحن بالفعل في أمسّ الحاجة إليه، فمجتمع صوماليلاند يحتاج إلى رفع المعنويات. وفي الأغنية الثانية، يسألون بتفاخر واعتزاز: "ما الذي يمكن فعله حيال هذا البلد (صوماليلاند)؟ فالله يؤيده".
تشكل عودة BK وفرقة «Xidigaha Geeska» تحديًا لأعضاء «Dayax Band» الأصغر سنًا، الذين استمتعوا بالأضواء في الفترة الماضية. وقد أدخلت «Xidigaha Geeska» مؤخرًا أعضاءً جدُدًا أصبحوا مشهورين في العامين الأخيرين - منهم قمر سُوغاني، روضة كيف، وعبد الكريم علي شاه، وغيرهم. الفرقة منظمة جيدًا، وترتدي أزياء متطابقة، وهي تملأ مسارح هرجيسا، وتؤدي عروضًا في القصر الرئاسي.
ورغم أن العديد من الأعضاء السابقين قد تركوا الفرقة، إلا أننا شهدنا أيضًا عودة محمد BK غير المتوقعة إلى عالم الموسيقى، وهو بالتأكيد يعوض ما فاته من وقت. فقد أنتجت الفرقة العديد من الأغاني هذا العام احتفالًا بـ 18 مايو/آيار، وتكاد تكون منصة TikTok ممتلئة بأداءات محمد BK.
من أبرز أغاني هذا العام، أطلق BK أغنية «Sooyaal»، وهي أغنية جذابة بإيقاعات تقليدية وكلمات مؤثرة. كتبها عبد الله ديري، وتتتبع تاريخ صوماليلاند من لحظة وحدتها مع الصومال الإيطالي عام 1960 إلى الألم والعنف الذي عاناه شعبها في عهد نظام سياد بري - مؤكدة على "أننا لن نعود [إلى الصومال] مجددًا".
يبدو أنه في كل مرة أبحث فيها عن «Xidigaha Geeska»، أجد أنهم باستمرار يصدرون أغاني جديدة لاحتفالات 18 مايو/آيار. كما يبدو أن الفرقة عادت وبقوة لاستعادة موقعها كأبرز كيان موسيقي في صوماليلاند؛ لكن هذا الموقع لن يُمنح بسهولة.
«Waabaa Baryay, Bilicsan, Arooryo Baxsan, Maalin Boqoran» بدأتُ هذه القطعة بعبارةٍ كان هناك شيء تعلمته من صوماليلاند: وهو أننا لسنا مجبرين على التمسك بنفس اللحن والرواية لمجرد أنها وُجدت في الماضي. أهل صوماليلاند دائمًا شقّوا طريقهم الخاص، وابتكروا ألحانهم بأنفسهم.
يسعدني أن أرى هذا الإبداع والذكاء والفرح المنبعث من فناني صوماليلاند هذا العام. ففي حين أن 18 مايو/آيار 1991 هو اليوم الذي قررت فيه صوماليلاند استعادة استقلالها، فإن 26 يونيو/ حزيران 1960 هو اليوم الذي حصلت فيه -وكانت تُعرف حينها بـ «صوماليلاند البريطانية»- على استقلالها. من المهم التأكيد أن صوماليلاند لم تنشأ في عام 1991.
أختتم معكم بهذه الأغنية الرائجة حاليًا: «Somaliland Kugu Maalay»، من «نجوم لندن» الذين يكررون نفس الرسالة. الأغنية من كلمات طه غاس، ويؤديها كل من: هودن قُرُحسن، سبرينا موسى، عبد الرحمن نصري، أحمد نصري، وصالح عرب.