تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 17 مارس 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

صوماليلاند وإثيوبيا: جرائم "ليو بوليس” وأزمة الحدود الاستعمارية

1 يناير, 2025
الصورة
geeska cover
Share

ارتكبت القوات الخاصة التابعة لإدارة الحكم الذاتي للإقليم الصومالي الغربي، أحد أقاليم إثيوبيا الفيدرالية، المعروفة بـشرطة ليو "Liyu Police" مجزرة بحق سكان منطقة دعولي، التي تقطنها عشيرة متفرعة عن قبيلة الإسحاق، التي يعيش معظمها في صوماليلاند، وتمثّل أغلبية سكانها. يثير توقيت الهجوم العديد من الأسئلة، خاصة أنّ معظم أعضاء شرطة ليو ينحدرون من قبيلة دارود الكبيرة، التي تتشارك الانتماء مع المتمردين في إقليمي سول وسناج. فالبعض يرى أنّ الهجوم أحد أدوات الضغط على حكومة صوماليلاند الجديدة، للعمل على منح إثيوبيا منفذًا بحريًا، بطريقة مغايرة، تتفق مع إعلان أنقرة، وتحت السيادة الصومالية.

جرائم شرطة ليو

أسفر هجوم قوات ليو الذي وقع في 25 ديسمبر/ كانون الثاني، بمشاركة ميليشيا قبلية محلية من مقاطعة يوعالي "Yoale" المجاورة، عن مقتل وإصابة العشرات في منطقة دعولي القريبة من الحدود مع صوماليلاند، الجمهورية المعلنة من طرف واحد. لم يكن القتال الأول من نوعه بين العشائر التي تقطن المنطقة حول الموارد، وإن كان الأكبر، من حيث عدد الضحايا، والاستهداف الممنهج لعشيرة بعينها. فقد أقدمت شرطة ليو على إحراق وتدمير منازل السكان، الذين فرّ العشرات منهم إلى الغابات بحثًا عن مأوى.
بدأت الأزمة الحالية بخلاف عشائري بين قبيلة "أرب" وقبيلة "رير إسحاق"، التي ينتمي إليها رئيس الإقليم الحالي مصطفى عمر، حول المراعي. تدخلت السلطة الإقليمية من خلال القوات الخاصة التي انحازت إلى جانب إحدى القبيلتين، حسب راوية وجهاء القبيلة الثانية، وتحول الصراع من مواجهة عشائرية بحتة إلى مواجهة مع السلطة، ما أدى إلى خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.    
كما استهدفت شرطة ليو وفدًا من شيوخ القبائل الذين سعوا للتوسط في الأزمة، وقامت بقتل واختطاف عدد منهم، ونقل بعضهم قسرًا إلى مدينة جيجيجا، عاصمة الإقليم الصومالي في إثيوبيا. أدانت حكومة صوماليلاند بدورها الهجوم، ودعت المجتمع الدولي إلى التدخل، وأرسلت وفدًا برئاسة وزير الأمن الداخلي عبد الله محمد عرب، ضمّ وزراء وقادة عسكريين إلى جيجيجا، التقى مع مسؤولين إثيوبيين فيدراليين وإقليميين، واتفقوا على وقف القتال وتسوية النزاع.


لم تنخرط حكومة الإقليم الصومالي من جانبها، بالقدر الكاف لمعالجة الأزمة، وفق رواية الأهالي في المنطقة، التي أدت إلى مقتل وإصابة العشرات من مواطنيها، حيث انحاز التلفزيون الرسمي إلى رواية مناقضة للواقع، من خلال نشر صور وفيديو دعائي يزعم سلامة وفد شيوخ القبائل، في مدينة جيجيجا، رغم أنّ آثار التعرض للعنف ظاهرة للعيان على العديد منهم.


بدأت شرارة الأزمة الحالية من خلاف عشائري، بين قبيلة أرب الاسحاقية وقبيلة ريراسحاق الدارودية التي ينتمي إليها رئيس الإقليم الحالي، حول مراعي بين القبيلتين، فتدخلت السلطة الإقليمية من خلال القوات الخاصة التي انحازت لإحدى القبيلتين حسب راوية وجهاء القبيلة الثانية، فتحول الصراع من مواجهة عشائرية بحتة إلى مواجهة مع السلطة، مما أدى إلى خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.    
 

(صورة لشيوخ وفد الوساطة خلال ظهورهم رغمًا عنهم في مدينة جيجيجا)

(صورة لشيوخ وفدالوساطة خلال ظهورهم رغمًا عنهم في مدينة جيجيجا)

حدث آخر كشف عن تورط حكومة الإقليم، وهو تجاهل الإشارة إلى مشاركة ضباط من الحكومة الفيدرالية الإثيوبية في الاجتماع مع وفد صوماليلاند، بخلاف رواية الأخيرة التي أكدت مشاركة مسؤولين فيدراليين. تكشف هذه الخطوة عن تعمد حكومة الإقليم التغطية على جرائم شرطة ليو، ذات السجل الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان، بحقّ المواطنين في الإقليم، ومواطني الصومال الفيدرالي وصوماليلاند. سبق لنائب محافظ إقليم تغدير في صوماليلاند أن اتّهم هذه القوات بالتوغل لمسافة 18 كلم داخل المحافظة، وتنفيذ سياسات تتنافى مع العلاقات بين صوماليلاند وإثيوبيا.
تأسست شرطة "ليو" كقوات شبه عسكرية خاصة في الإقليم الصومالي في إثيوبيا عام 2007، بتشجيع من حكومة ملس زيناوي، لقتال المتمردين من جبهة تحرير أوغادين، ولاحقتها اتهامات واسعة بانتهاك حقوق الإنسان منذ تأسيسها، وكان من بين ضحاياها رئيس الإقليم الحالي مصطفى عمر، الذي أُعدم شقيقه خارج إطار القانون.
كان مصطفى عمر الشهير بـ"Cagjar"، الذي عُين رئيسًا مؤقتًا للإقليم في 2018، واُنتخب عام 2021 ضمن موجة التغيير التي قادها رئيس الوزراء أبي أحمد، واحدًا من النشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان، الذين عارضوا انتهاكات شرطة ليو بوليس، وذاق مراراتها، يُتهم اليوم للمفارقة بتوظيفها لصالح قبيلته. 
كان جديرًا بعمر معالجة الخلافات بين القبائل الرعوية بطريقة عادلة؛ فقد عمل مستشارا منسقا للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الصومال، وأستاذ اقتصاد متخصص في الزراعة وسبل العيش في المجتمعات الرعوية، لكنه سار على نهج سلفه عبدي محمود عمر الذي شهد الإقليم في عهده انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.

ماضي استعماري

يمثّل عدوان شرطة ليو على سكان دعولي إخفاقًا وازدواجية من الحكومة الفيدرالية الإثيوبية، التي لم تسع لتطبيق قراراها بحلّ الميليشيات الإقليمية في الإقليم الصومالي، في حين أنّها تخوض حربًا واسعة ضدّ ميليشيات "فانو" الأمهرية، بسبب رفض الأخيرة قرار الحلّ.
كما يكشف عن أزمة الدولة في منطقة القرن الأفريقي، حيث تشكلت الحدود الحديثة دون مراعاة لواقع الحياة الرعوية. فمنطقة دعولي تقع في الجزء الغربي من هضبة "هود" المعروفة سابقًا بـ"Hawd and Reserve Area"، الذي منحته بريطانيا للإمبراطورية الإثيوبية في معاهدة عام 1897، فيما يقع الجزء الشرقي منها في صوماليلاند. 
لم تكن بريطانيا حينها راضيةً عن المعاهدة، التي وقعتها في ظروف غير مواتية، حيث استغل الإمبراطور منليك الثاني انشغالها بإخماد الثورة المهدية في السودان، للضغط من أجل ترسيم الحدود لصالحه. مرة ثانية، وقعت بريطانيا مع إثيوبيا بروتوكول عام 1948، الذي حصلت بموجبه على منطقة أوغادين، التي سيطرت عليها بعد هزيمة الإيطاليين في الحرب العالمية الثانية. 
احتفظت بريطانيا بمنطقة "هود" حتى عام 1954، حين قامت بتنفيذ الاتفاقية الأنجلو – إثيوبية، والتي بموجبها سلمت المنطقة لإثيوبيا، مع النصّ على منح الصوماليين المحميين من قبل بريطانيا (صوماليلاند) حرية التنقل والرعي وسقاية الماشية في المنطقة.
كانت الاتفاقية محط نقاش واسع في مجلس العموم البريطاني، في عام 1955، لعدة أسباب منها؛ عدم التشاور مع ممثلي صوماليلاند، وإبقاء الاتفاقية سرًا حتى قبيل تنفيذها، وضعف ضمانة حقوق الرعي حيث نصّت الاتفاقية على ضمان هذه الحقوق، لكن "متى كان ذلك ممكنًا". واعتبر نواب في المجلس خلال النقاشات، أنّ الحكومة تخلت عن شعب صوماليلاند الذي كان تحت حمايتها، وردتّ الحكومة بأنّ اتفاقيات الحماية لم تنصّ على حدود جغرافية.
تسببت المعاهدات الإثيوبية مع الاستعمار الغربي في إحداث قطيعة جغرافية بين القبائل الصومالية، خاصة الرعوية منها، وفي حالة قبائل صوماليلاند فقد فصلت بين امتدادها في هضبة "هود" التي طالما مثّلت مرعى طبيعي لها. ولا يعني هذا أنّ القبائل الصومالية شكلت دولة واحدة قبل الاستعمار، أو نجحت في تشكيل قومية صومالية واحدة بالمعنى الحديث، لكنها على الأقل كانت تحظى بحياة طبيعية تناسب الطبيعة الرعوية التي لا تعرف الحدود الجغرافية الحديثة.

أسباب عشائرية أم سياسية

استنادًا إلى هذا التاريخ الاستعماري، لا تقتصر أسباب الأزمة في دعولي على التنافس العشائري التقليدي على المرعى والمياه. فتوقيت هجوم شرطة ليو يثير تساؤلات، إذ يتزامن مع عدة أحداث هامة. 
أولها؛ الاشتباكات بين إدارة خاتمة وجيش صوماليلاند في مدينة عيري غابو في إقليم سناج، والتي تعيد إلى الواجهة أزمة محافظتي سول وسناج، اللتين يحظى سكانهما بامتداد قبلي في إقليم الصومال في إثيوبيا. والثاني؛ توقيع إعلان أنقرة بين الصومال وإثيوبيا، والذي بموجبه ستحصل الأخيرة على منفذ بحري سيُحدد لاحقًا من خلال محادثات الطرفين برعاية تركية. والثالث؛ تنصيب حكومة الرئيس عبد الرحمن عيرو، التي لم تعلن موقفًا مؤيدًا لمذكرة التفاهم التي وقعتها الحكومة السابقة مع إثيوبيا.
اعتبر مصطفى عمر قبيل تنصيبه رئيسًا للإقليم الصومالي، أنّ معظم الصراعات في الإقليم ذات دوافع سياسية، على غرار العديد من القضايا في إثيوبيا. لذا يذهب البعض إلى وجود دوافع سياسية وراء أحداث دوعلي، ومنها الضغط على صوماليلاند لتقبل بمنح إثيوبيا منفذًا بحريًا، تحت السيادة الصومالية. 


تدعم الجغرافيا هذه الفرضية، فمنطقة شمال صوماليلاند تعتبر المنفذ الأمثل الذي طالما رغبت فيه إثيوبيا، وسبق وتفاوضت بشأنه مع بريطانيا عام 1946، فعرضت الحصول على شريط يمتد من أراضيها حتى ميناء زيلع، مقابل منح صوماليلاند الجزء الغربي من هضبة هود، ولم تكتمل المفاوضات بعد ضمها إريتريا.
لا يُقارن الحصول على منفذ بحري في شواطئ جنوب الصومال بنظيرتها في صوماليلاند؛ حيث تفصل مسافات كبيرة بين الساحل والأراضي الإثيوبية، كما أنّ تلك المناطق تنشط فيها حركة الشباب التي تعتبر إثيوبيا ألد خصومها، فضلًا عن التكلفة الاستثمارية الهائلة المطلوبة لإنشاء بنية تحتية تربط السواحل بالحدود الإثيوبية، وكذا تربط الحدود بالعاصمة أديس أبابا. بخلاف هذا، يمنح القرب الجغرافي لشمال صوماليلاند لإثيوبيا مزايا هائلة، لقربه من البنية التحتية المرتبطة بالموانئ في جيبوتي، ولقصر المسافة التي تفصل الحدود عن البحر. 
أيًا تكن دوافع ما حدث في دعولي، فإنّ المطلوب عدم تكرارها، وهو ما لا يبدو مضمونًا؛ نظرًا إلى الطريقة التي عالجت بها حكومة الإقليم الصومالي والحكومة الإثيوبية الفيدرالية القضية. يشي هذا بأنّ صوماليلاند تواجه ضغوطًا متزايدةً من محيطها، وهو ما يتطلب من حكومة عبد الرحمن عيرو استشراف المخاطر والفرص، وتوظيفها لصالح بلاده