تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأربعاء 19 فبراير 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

صعود “كاه” وسقوط “هلاع”: هل نحن أمام انتهاء السياسة في صوماليلاند؟

26 نوفمبر, 2024
الصورة
محمود حاشي عبدي
مؤسس ورئيس حزب KAAH السياسي محمود حاشي عبدي
Share

يبدو أنّ مطلب التغيير الذي هيمن على انتخابات صوماليلاند لم يجد في النتائج تعبيرًا عنه بالقدر الكاف، التي حافظت فيها القوى التقليدية على مواقعها، فالناخبون لم يدعموا بالقدر الكاف قوى جديدة لديها رؤى مغايرة، وغير مستندة إلى الحشد القبلي والمال السياسي، مثل جمعية "هلاع" المرتبطة بالبروفيسور أحمد إسماعيل سمتر، الأكاديمي الستيني الذي قضى عشرات السنين في المهجر.

عبرت صوماليلاند مع ذلك اختبار الانتخابات الرئاسية والحزبية بسلام، بعد عامين من التأجيل والصراعات السياسية، دفع ثمنهما حزب كولميه الحاكم منذ عام 2010، بخسارة مرشحه للرئاسة موسى بيحي عبدي، حيث حل في المركز الثالث في الانتخابات الحزبية. كما رفعت الانتخابات من مكانة حزب وداني المعارض، بفوز مرشحه عبد الرحمن عيرو بالرئاسة، وتبوئه المركز الأول، وفي المركز الثاني صعدت جمعية كاه التي أسسها منشقون عن الأحزاب السياسية، وخاصة حزب كولميه. بذلك تصبح أحدث أحزاب البلاد، بينما خسر حزب أوعيد الأطول عمرًا، منذ تأسيسه في 2001 السباق الرئاسي والحزبي معًا، ليودع المسرح السياسي بعد أكثر من عقدين من الأداء السياسي الموصوف بأنه غير جدي.

كاه: تدوير القديم

حلّت جمعية التحالف من أجل المساواة والتنمية المعروفة بـ "KAAH" في المرتبة الثانية في انتخابات الأحزاب، التي عُقدت في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية، وحصلت على 20.8٪ من إجمالي الأصوات الصحيحة البالغة 631 ألف صوت تقريبًا. فيما حقق الحزب الوطني "Waddani" المرتبة الأولى بنسبة 34٪، وفي المرتبة الثالثة حلّ حزب السلام والوحدة والتنمية "Kulmiye" الحاكم بنحو 17٪، وتوزعت بقية الأصوات على المنافسين السبعة الآخرين، ومنهم حزب العدالة والرفاه "UCID" الذي فقد أهليته كحزب قانوني، بعد حصوله على بنسبة 1.6٪؛ ما منحه المركز السابع.

تأسس حزب – جمعية سابقًا – كاه عام 2022، الذي يتولى رئاسته محمود حاشي عبدي، القيادي السابق في حزب كولميه، ووزير الطيران المدني، ثم وزير شؤون الرئاسة في عهد الرئيس الراحل أحمد محمد سيلانو (2010 - 2017).

يشكك فوز حزب حاشي عبدي في معنى التغيير الذي رفعه الكثيرون، فمن غير المنطقي صعود واحد من المتهمين بالفساد واختلاس المال العام، مقابل إخفاق جمعية هلاع بقيادة البروفيسور سمتر غير المحسوب على المنظومة السياسية التقليدية.  

يعلق الكاتب علي جوبان على فوز حاشي بأنّه صاحب شخصية انتهازية فاسدة، ويحمله مسؤولية تردي قطاع الطيران الذي تولى حقيبته الوزارية بين 2010 حتى 2015، حيث قام خلالها بالاستيلاء على أصول القطاع، واستبدال الكفاءات بالموالين، وقبول الرشاوى وبيع الممتلكات العامة بأسعار زهيدة. كتب جوبان "في أي بلد آخر، كان السيد محمود ليُسجن مرتديا بدلة برتقالية اللون، ويواجه المحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم الفساد والاحتيال والاختلاس والسرقة وإساءة استخدام السلطة، أو كان ليُدان ويقضي عقوبة السجن عن جرائمه".

دعم حاشي ترشح الرئيس موسى بيحي عبدي في انتخابات 2017 التي فاز فيها، لكن علاقة الرجلين توترت لأنّ الثاني استفاد من حاشي في الانتخابات، ثم أقصاه من مسرح النفوذ السياسي والمالي، بسبب الرفض الشعبي له، ولما هو معروف عنه من فساد ونهب للمال العام. ظهرت خلافات الرجلين الحادة إلى السطح قبيل عقد مؤتمر الحزب العام في سبتمبر/ أيلول 2020، فقام حاشي بتأسيس جمعية كاه في عام 2022، كخطوة أولى سيتبعها ترشحه إلى الرئاسة في الانتخابات المقبلة.

عُقدت الانتخابات الحزبية للمرة الأولى عام 2002، والثانية في عام 2012، ثم الأحدث في أواسط الشهر الجاري. اختلفت الأخيرة عن الأوليين في كونها تصويت على الأحزاب والجمعيات السياسية معا، بينما كانت في المرتين السابقتين تصويت على مرشحي الجمعيات والأحزاب في الانتخابات البلدية.  

نفوذ المال السياسي

حضر التصويت العقابي بقوة في الانتخابات الرئاسية والحزبية، فصوت ناخبون طالما أيدوا حزب كولميه لصالح المعارضة ممثلة في عبد الرحمن عيرو، واستفادت جمعيات مثل كاه أيضًا، ونجحت من خلال قدراتها المالية الكبيرة من الانتشار في جميع مناطق صوماليلاند.  

حظي حزب كاه بانطلاقة قوية منذ تأسيسه، حيث شارك نحو 600 مندوب في مؤتمر التأسيس، من بينهم سياسيون بارزون وأعضاء في البرلمان ووزراء سابقون ونواب وزراء وزعماء تقليديون ورجال دين وشباب ونساء، من مختلف مناطق صوماليلاند. وأدارت الجمعية حملة انتخابية واسعة النطاق، أثيرت بشأنها الأسئلة حول مصادر التمويل، وحتى الشكوك عن ما إذا كانت جهات خارجية قد قدمت جزء من التمويل.

أما البرنامج الانتخابي، فلا يزيد عن كونه شعارات براقة تكاد تكون مخادعة، تقول وتعد بكل شيء، دون أن تتلوها جملة واحدة واقعية حول كيفية تطبيق هذه الوعود. قدم كاه برنامج عمل من عدة سطور، دون أية تفاصيل، تضمن توفير الرعاية الصحية المجانية والضمان الاجتماعي وحقوق المحاربين القدامى، وفرص التعليم للجميع على قدم المساواة ومساعدة الطبقة الوسطى. علاوةً على إقامة حكومة يملكها جميع المواطنين لتحقيق الاستدامة السياسية، ورأب الصدع في بنية المجتمع وتعضيد وحدة الأمة وتضامنها، وإصلاح وتحديث وإبعاد الجيش عن السياسة الداخلية، وخفض تكاليف المعيشة وتمكين الإنتاج المحلي والاستثمار في البنية التحتية.  

لكن ما لم يتحدث عنه قادة الحزب أو زعيمه، في لقاءاتهم العديدة التي اشتهرت قبيل الانتخابات، هي كيفية تحقيق هذه الوعود، والتي للغرابة لا يشتمل رئيس الحزب على الحد الأدنى من متطلباتها، وهي الكفاءة والنزاهة، وما تجربة حاشي في قطاع الطيران المدني ببعيد. كما يتفق الكثيرون على أن محمود حاشي يجيد اللعب بالوتر القبلي، لحشد الأنصار وفق النمط التقليدي، وذلك بتوظيف الفزع العشائري وخطاب "نحن" و"هم"، وهي إستراتيجية خطرة على مؤسسات الدولة الحديثة، ومفهوم التعددية السياسية المؤسسة لنظام الأحزاب في صوماليلاند.

في السياق ذاته، واجه الرئيس المُنتخب عبد الرحمن عيرو نفس المشكلة، فحين سُئل حول الفرق بينه والرئيس بيحي عبدي لم يستطع الإجابة، سوى بالحديث عن اختلاف العمر ومكان الميلاد. إن غياب القدرة على تحديد المشكلة بدقة يعني الافتقاد إلى بداية صحيحة، وصعوبة الإتيان بحلول ناجعة. إلى ذلك، ورغم الانتقادات التي طالت حاشي، استطاع كاه أنّ يكون رقمًا صعبًا في المشهد الانتخابي، مستفيدًا من الانتشار الجغرافي المدعوم قبليًا، والمال السياسي، وربما اقتنع العديدون بالحزب أو وجدوا فيه ضالتهم أو غير ذلك.

دفعت هذه المكانة بحزب وداني إلى عقد اتفاق مع كاه، تضمن العمل سويةً لدعم عبد الرحمن عيرو في الانتخابات الرئاسية، مقابل حصول كاه على حصة 30٪ في تركيبة الحكومة، وهو ما يعني أنّ عيرو الذي قدم نفسه على أنّه التغيير المنشود الذي سيكافح الفساد المتفشي، وضع يده مع واحد ممن تُثار حولهم شبهات الفساد.

جدوى التغيير الذي جرى

هذه الازدواجية لم تؤثر سلبًا على حظوظ عيرو الذي فاز بأغلبية مريحة على خصمه الرئيس بيحي عبدي، وهو أمر يستوجب التوقف؛ ومساءلة من يتطلع لعيرو باعتباره رمزا للتغيير عن الاتفاق مع كاه! من زاوية أخرى، قد يكرر عيرو ما فعله بيحي مع حاشي، حين استفاد من تأييده في انتخابات الرئاسة في 2017، ثم أغلق الأبواب دونه، ولم يمنحه منصبًا قياديًا في الحزب أو الحكومة.

مقابل نموذج كاه التقليدي برز نموذج آخر من خارج المنظومة، وهي جمعية "هلاع" التي أسسها البروفيسور أحمد إسماعيل سمتر؛ أحد الوافدين على المنظومة السياسية، فهو أستاذ جامعي ومثقف ومفكر عاش أعواما طويلة في أمريكا الشمالية، وصاحب خبرات كبيرة في مجالات الاقتصاد السياسي العالمي، والفكر السياسي والاجتماعي، والتنمية الأفريقية، وأسس ويتولى الإشراف على مجلة " "Bildhaan(بيلدان) الدولية المتخصصة في الدراسات الصومالية.  

يلخص سمتر العقبات التي واجهت تجربته السياسية في مقابلة تلفزيونية بأنّها المنظومة السياسية التقليدية المستندة إلى العشائرية والمال السياسي منذ عام 1991، والتي همشت مناطق مثل أودال التي ينحدر منها. كما لفت إلى أنّ حزب وداني تأمر مع قوى عشائرية تُعرف بمليشيات "غعان لباح" للإطاحة بالجمعيات السياسية والرئيس بيحي.  

حاول سمتر الترشح للانتخابات الرئاسية الماضية، لكن مُنع لكونه لم يُرشح من أي الأحزاب الثلاث المُعترف بها، ورُفض طلب الالتماس الذي قدمه، كما أنّ جمعيته هلاع "Hilaac" عزلته من رئاستها، بسبب ما قالوا إنّه احتكار للقرار دون بقية الأعضاء، وظهوره مع مغنية على إحدى القنوات التلفزيونية.  

وُجهت انتقادات إلى البروفيسور سمتر، منها أنّه لم يبذل الوقت والمجهود الكافيين للترويج لجمعيته، كما فعل قادة كاه، ولم يشترك في الحملات الانتخابية داخل المدن والقرى. كما أنه تردد كثيرا في حسم موقفه من العملية السياسية في بداية الأمر، مما شكك كثيرا من أنصاره المفترضين في جديته بشأن خوض غمار السباق الانتخابي.

وفقًا لدستور صوماليلاند، سيتعين على نواب حزب أوعيد الخاسر الالتحاق بأحد الأحزاب الثلاثة الفائزة أو الاختفاء عن المشهد. اللافت مع كاه أنّها حين كان جمعية، وقبيل الانتخابات، امتلكت 25 نائبًا في مجلس النواب. يعزى ذلك إلى المادة التي تقصر الأحزاب على ثلاثة فقط، ما يجعل كل حزب عبارة عن عباءة تضم الكثير من التوجهات والمشارب والأهداف الشخصية تحت مظلتها، وربما يفسر هذا سهولة تفكك الأحزاب، وتبدل قواعدها الشعبية.

ستملك كاه كتلة في مجلس النواب يقودها رئيس الحزب محمود حاشي عبدي، كما أنّها موعودة بنسبة 30٪ من مقاعد الحكومة، وفق اتفاق لم يُعرف مضمونه كاملًا. يرى البعض أنّ عيرو وحزبه قد يعيدان النظر في اتفاقهما مع كاه. فعلى الرغم مما قدمته من دعم لعيرو، إلا أنّه لم يفز به فقط، بل اجتمعت عوامل عدة لتحقيق فوزه، وعلى رأسها التصويت العقابي، لذا فإن أخذ عيرو هذا في الاعتبار قد يدفعه للتراجع عن منح كاه الحصة الموعودة في الحكومة، أو على الأقل سيكون من الأيسر له التملص من الاتفاق دون خشية على شعبيته.

خرجت صوماليلاند من عنق زجاجة الانتخابات، لكن لا يزال الطريق طويلا للانعتاق من عنق زجاجة الطبقة السياسية العشائرية، التي توظف القبيلة لخدمة مصالح مجموعة ضيقة من الأفراد. يرى الكثيرون أنّ الحاجة باتت ماسة لإدخال تعديلات واسعة على الدستور والقوانين المتعلقة بالانتخابات، ومنها:  

أولا؛ حل مجلس الشيوخ، واستبداله بغرفة منتخبة مثل باقي المجالس، والنظر في سلطة التمديد التي يحوزها المجلس. ثانيا؛ فتح المجال السياسي للترشح الفردي في المجالس، وعدم حصرها على نظام الأحزاب. ثالثا؛ منع الترحال الحزبي، ففي حال استقال النائب من الحزب أو القائمة أو الائتلاف الانتخابي الذي ترشح فيه أو الكتلة التي انضم إليها، فالمنطق يقتضي أن يفقد بشكل آلي صفته نائبا للشعب.

خرج بيحي بسلام، معلنًا تسهيل تسلم خلفه عرو السلطة، بسلاسة نادرة الحدوث في أفريقيا، وكان من اللافت قبوله الصريح للنتائج بدون تعلثم، بخلاف ما فعله حزب وداني في قبول النتائج. بهذا يقطع موسي مع مرحلة فارقة في مسيرة صوماليلاند السياسية واستدامتها، وبقى أنّ تكشف الأيام المقبلة عن نوع التغيير الذي اختاره الناخبون لأجل التغيير، وهو ما يتحدد من شكل الحكومة المقبلة.