السبت 8 نوفمبر 2025
تتبّع تحقيق صحفي بريطاني شبكةً منظّمة من الحسابات المزيّفة تعمل عبر منصّات X وفيسبوك وتيك توك، تستخدم صورًا مسروقة وأخرى مُولَّدة بالذكاء الاصطناعي لنساء صوماليات ومؤثّرات، وتدّعي أنهنّ صاحبات الحسابات، ثم توظّف هذه الهويات الوهمية في ضخ رسائل سياسية موجّهة. وبحسب المعطيات المنشورة، ركّزت الشبكة على تلميع سياسات دولة خليجية والترويج لروايات مؤيِّدة لقوات الدعم السريع في السودان، بالتوازي مع محتوى يهاجم الجيش السوداني وخصومه السياسيين، ما حوّل صور نساء من بلدٍ ثالث إلى وقودٍ لحرب نفوذٍ رقميةٍ على نطاق إقليمي.
نمط العمل واحد تقريبًا في هذه الحسابات؛ تُنشئ الهويةُ الرقمية اسمًا عربيًا أو صوماليًا لامرأة محجّبة، وتستعير صورتها من حسابها الأصلي على إنستغرام أو فيسبوك أو من منصّات الصور، ثم تبدأ بنشر محتوى منسَّق بزمنٍ واحد وخطابٍ واحد مع عشرات الحسابات الشبيهة. يتضمن المحتوى مقاطع قصيرة وعبارات ثناء على "دورٍ إنساني وتنموي" للجهة الخليجية في الصومال والقرن الأفريقي، وأخرى تتبنّى روايةً دعائيةً دفاعًا عن قوات الدعم السريع أو تهاجم انتقاداتٍ موجهة لها. ولزيادة الموثوقية الزائفة، تُطعّم الحسابات منشوراتها بصور "سيلفي" لنساءٍ ليس لهن أدنى صلة بما يُنشر بأسمائهن، بعضها مُنتَج بأدوات توليد الصور. ويؤكد التحقيق أنّ هذه الحملة ليست عفوية، بل تُدار وفق جداول نشر منسّقة وتعليمات موحّدة تتبدّى في التزامن اللغوي والموضوعي.
تُظهر الشواهد، وفق التحليل ذاته، أنّ الرسائل استهدفت جمهورًا واسعًا في شرق أفريقيا والشتات الصومالي، ثم انتقلت إلى نقاشات سودانية عبر وسوم مشتركة. هذا الخليط عابر الحدود يخدم هدفين متوازيين: أولًا، بناء صورةٍ إيجابيةٍ لفاعلٍ إقليميٍّ في ساحاتٍ أفريقيةٍ حساسة، وثانيًا، خلق ضجيجٍ رقميٍّ يربك المتابع غير المتخصص ويُضعف قدرة الصحافة ومنظمات التحقق على فرز الحقيقة في زمنٍ قصير. ومع انتشار المقاطع ذاتها عبر عشرات الحسابات "النسخ-اللاصق"، تتضاعف قابلية التضليل بفعل "إعادة التغذية"، أي أن يرى المستخدم الرسالة ذاتها من مصادر يظنّها متعدّدة ومستقلة.
على المستوى الإنساني، خلّف الأسلوب أضرارًا مباشرة بحق نساء صوماليات جرى استخدام صورهن دون إذن، بعضهن تلقّين مضايقات أو تساؤلات جارحة من محيطهن، وأُخريات اكتشفن لاحقًا أنّ صورهن تُرفق بمواقف سياسية أو اتهامات لا علاقة لهن بها. قانونيًا، يدخل هذا الاستغلال في نطاق انتهاك الحقوق الشخصية، وربما الانتحال والافتراء، إذا اقترن بادعاءاتٍ محدّدة؛ وأمنيًا، يضاعف من هشاشة فئاتٍ شابّة في سوق عملٍ رقميٍّ، يستثمر في الواجهة النسائية كـ"علامة ثقة"، بينما يجرّدها من السيطرة على صورتها وهويتها. ويشير مختصون في تتبّع التضليل إلى أنّ السرعة والتكرار والتنسيق عبر منصّاتٍ متباينة هي عوامل الحسم في جعل الرسالة تبدو "رأيًا عامًا"، قبل أن تتمكن أدوات التدقيق من الكشف عنها.
بالنسبة لسياق السودان، تأتي الحملة المزعومة في لحظة استقطاب قصوى؛ إذ تتنافس الروايات حول أصل الحرب ومجرياتها ومسؤولية الانتهاكات، بينما تسعى أطرافٌ خارجيةٌ إلى التأثير في اتجاه الرأي العام الإقليمي. هنا، تتحول المنصات إلى ساحةٍ إضافيةٍ للضغط السياسي، وتبرير الأفعال الميدانية، فيما تتعرض المجتمعات الصومالية التي ليس لها علاقة سياسية مباشرة بالنزاع إلى توظيفٍ انتهاكيٍّ لصور نسائها لإضفاء "شرعية اجتماعية" على خطابٍ سياسي موجَّه. ويُحذّر باحثون من أن هذا التهجين بين "تزييف الهوية" و"تبييض السمعة" يعمّق أزمة الثقة الرقمية، ويدفع بالمستخدمين إلى الانكفاء أو التطرف في مواقفهم، بدل الحوار على أرضية معلوماتية مشتركة.
من جهتها، تُواجه المنصّات تحدّيًا عمليًا في الاستجابة؛ فمع كل موجة إغلاق لحساباتٍ منسّقة، تظهر موجةٌ بديلة بأسماء وصور جديدة. لذلك يقترح مختصون حزمة إجراءات مكثّفة، منها: توسيع آليات الشفافية السياقية (إظهار سجل تغيير الأسماء والصور والبلدان)، وتعزيز واجهات الإبلاغ الجماعي المتخصّصة في قضايا الانتحال، وإتاحة قنوات سريعة لضحايا سرقة الصور لطلب الإزالة والاسترجاع والتحقّق. كما يدعون المؤسسات الصحفية وهيئات التحقق في القرن الأفريقي والسودان إلى تنسيق غرف رصد مشتركة، وتوفير مواد توعية باللغات المحلية تشرح آليات الانتحال الرقمي وكيفية التثبّت قبل إعادة النشر. فالحدّ من التضليل العابر للمنصّات يبدأ من تمكين المستخدم وضحايا السرقة، لا من مطاردة أشباح حسابات بلا نهاية.