الخميس 15 مايو 2025
كشف موقع ميدل إيست آى عن قيام الإمارات العربية المتحدة بتثبيت رادار عسكري إسرائيلي الصنع في إقليم بونتلاند في الصومال. نُفذت العملية عبر اتفاق سري بين رئيس الإقليم سعيد عبد الله دني وأبوظبي، دون علم أو موافقة الحكومة الفيدرالية الصومالية أو البرلمان المحلي في الولاية، ما أثار تساؤلات جدية بشأن السيادة الصومالية الفعلية على الأراضي التي تدعيها، وأعاد فتح النقاش حول مستقبل الفيدرالية في البلاد.
تم تركيب نظام الرادار "ELM-2084"، الذي يشكل العمود الفقري لمنظومتي القبة الحديدية ومقلاع داوود الإسرائيليتين، قرب مطار بوصاصو الاستراتيجي. بمقدور هذا الرادار أن يتتبع أكثر من ألف هدف في آن واحد، ويرصد الصواريخ والطائرات والمسيرات، مما يجعله أداة مثالية لمراقبة التحركات الجوية والبحرية في البحر الأحمر وخليج عدن، وكذلك لفرض رقابة واسعة على خطوط الملاحة الاستراتيجية.
أظهرت صور الأقمار الاصطناعية التي نشرها موقع هييران أونلاين إنشاء منشآت عسكرية متطورة، ترتبط بالبنية التحتية للرادار، ما يعزز فرضية أن عملية النشر تأتي كجزء من مشروع دفاعي أوسع، قد يتجاوز حدود التصدي لهجمات الحوثيين.
يعكس موقف الصمت هذا أزمة معقدة تواجه السطات الصومالية في مقديشو برئاسة حسن شيخ محمود، الذي يحاول موازنة علاقاته مع الإمارات من جهة، ومع تركيا الداعمة لحكومته من جهة أخرى
إن الغرض الأساسي من نشر الرادار، وفقًا للخطاب الرسمي الإماراتي، هو حماية مطار بوصاصو من تهديدات محتملة قد تنفذها جماعة الحوثيين، الذين صعّدوا من استهداف السفن والمصالح الإسرائيلية والأمريكية في البحر الأحمر خلال الأشهر الأخيرة.
لكن تحليلات متقاطعة ترى أن هذا التبرير يخفي وراءه أهدافًا أخرى، منها تأمين مصالح تجارية إماراتية ضخمة في البحر الأحمر، مثل الموانئ ومشاريع البنية التحتية البحرية، إضافة إلى دور الرادار المحتمل في توفير مظلة حماية لإسرائيل، ضمن تحالفات آخذة في التشكل في كل من الشرق الأوسط وشرق القارة الأفريقية.
أشارت مصادر متعددة إلى أن مطار بوصاصو لا يستخدم فقط للأغراض الدفاعية؛ بل أصبح معبرًا رئيسيًا لدعم قوات الدعم السريع السودانية بالسلاح والعتاد. هذه القوات التي تخوض منذ عام 2023 حربًا ضروسًا ضد الجيش السوداني في صراع دموي خلف آلاف القتلى وشرد الملايين.
تقدمت السودان بدعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية، حملت بموجبها دولة الإمارات مسؤولية تقديم دعم عسكري مباشر لقوات الدعم السريع، الأمر الذي اعتبرته السلطات السودانية مساهمة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وتحدثت المصادر عن وصول رحلات شحن شبه يومية إلى مطار بوصاصو، مع تسجيل نقل كميات ضخمة من الأسلحة في خرق واضح للحظر الدولي المفروض على تصدير السلاح إلى مناطق النزاع في السودان.
التنافس الصامت بدأ ينعكس على الأرض من خلال عقود أمنية، وصفقات تدريب عسكري، واستثمارات بملايين الدولارات، مما يجعل الساحة الصومالية مرشحة لأن تكون إحدى ساحات المواجهة الباردة بين هذه القوى
رغم خطورة هذه التحركات، لاذت الحكومة الفيدرالية في مقديشو بالصمت. يعكس موقف الصمت هذا أزمة معقدة تواجه السطات الصومالية في مقديشو برئاسة حسن شيخ محمود، الذي يحاول موازنة علاقاته مع الإمارات من جهة، ومع تركيا الداعمة لحكومته من جهة أخرى.
فسر بعض المراقبين هذا الموقف بأنه محاولة لكسب الوقت، أو تفادي التصعيد مع أبوظبي، لا سيما أن الصومال يمر بمرحلة دقيقة في حربه ضد حركة الشباب، إضافة إلى تحضيرات حساسة للانتقال نحو انتخابات عامة يستميتُ حسن شيخ عقدها.
يُعتقد أن سعيد عبد الله دني يسعى لتأمين موقعه السياسي، وضمان دور محوري في مستقبل الصومال عبر التحالف مع الإمارات، التي ترى فيه حليفًا يمكن الاعتماد عليه في منطقة تتمتع بأهمية استراتيجية. ويشير مراقبون إلى أن الدعم المالي والعسكري الإماراتي لدني قد يمنحه تفوقًا انتخابيًا في الاستحقاقات القادمة، مقابل تسهيل النفوذ الإماراتي على السواحل الصومالية. لكن، وبحسب تقديرات، فإن هذا السيناريو يهدد بإعادة الصومال إلى مشهد الانقسامات والتنافسات المحلية، مما قد يقوض استقرار البلاد الهش.
من جهة أخرى، لا يمكن فصل وجود الرادار الإسرائيلي في بوصاصو عن التنافس المتزايد بين قوى إقليمية عدة. فتركيا، التي ترتبط بعلاقات قوية مع مقديشو، تنظر بقلق إلى أي اختراق إماراتي في الصومال، بينما تتحالف مصر ضمنيًا مع الإمارات لكبح النفوذ التركي المتزايد.
هذا التنافس الصامت بدأ ينعكس على الأرض من خلال عقود أمنية، وصفقات تدريب عسكري، واستثمارات بملايين الدولارات، مما يجعل الساحة الصومالية مرشحة لأن تكون إحدى ساحات المواجهة الباردة بين هذه القوى.
هذا السيناريو يهدد بإعادة الصومال إلى مشهد الانقسامات والتنافسات المحلية، مما قد يقوض استقرار البلاد الهش
يحذر خبراء الشأن الأفريقي من أن عسكرة القرن الأفريقي، عبر نشر الرادارات والقواعد العسكرية الأجنبية، ينذر بتقويض الاستقرار الإقليمي الهش أصلًا في المنطقة. ويخشون أن تتكرر سيناريوهات تقسيم النفوذ كما حدث في ليبيا واليمن، إذا استمرت الأطراف الدولية والإقليمية في استغلال هشاشة الدول الأفريقية.
تفتح خطوة نشر الرادار الإسرائيلي في بونتلاند فصلًا جديدًا من فصول إعادة رسم خريطة النفوذ الإقليمي في شرق أفريقيا. فبينما تسعى قوى كبرى لفرض وقائع جديدة على الأرض، يبقى الصومال رهينًا لمعادلات إقليمية معقدة تتطلب وعيًا لحماية استقراره الهش.
مُترجم بتصرف تحريري من المصدر