تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأربعاء 19 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
رأي

ساحل العاج.. انتخابات على المقاس، لكن بأية ضمانة؟

25 أكتوبر, 2025
الصورة
ساحل العاج.. انتخابات على المقاس، لكن بأي ضمانة؟
Share

يتجه نحو 8,7 ملايين ناخب إيفواري مسجلين في القوائم، اليوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول، إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، في انتخابات رئاسية بساحل العاجل، في مشهد سياسي غاية في التوتر، بعد تخسيس المجلس الدستوري لقائمة المرشحين بقبوله 5 فقط من أصل 60 مرشحا، واستبعاد أسماء وازنة في الساحة السياسة الإيفوارية (لوران غباغبو وتيجان تيام وشارل بلي غوديه...)، ما يعبد الطريق للرئيس الحالي الحسن واتار لولاية أمام ولاية رابعة منذ وصوله إلى الحكم عام 2011، رغم الجدل الدستوري بشأن عدد الولايات الرئاسية.

يشارك الإيفواريون اليوم في محطة انتخابية باختيارات جد محدودة، فغياب شبه كامل لمنافسة حقيقة في السباق الانتخابي مؤشر دال على طبيعة الديمقراطية السائدة في البلد، حيث يتنافس مع الرئيس لحسن واتارا (83 عاما) كل من: رجل الأعمال جان لويس بيلون (60 عاما)، وسيمون غباغبو (76 عاما)؛ السيدة الأولى سابقا، مرشحة باسم "حركة الأجيال القادرة"، ورئيس حزب "الجبهة الشعبية الإيفوارية" باسكال آفي نغيسان (72 عاما)، والمرشح المستقبل، والقيادي الأسبق في حزب "الشعوب الأُفريقية"، أهوا دون مليو (71 عاما)، ما حدا بزعيم "الحزب الديمقراطي" تيجان تيام، أحد أبرز المستبعدين من المنافسة، إلى وصف الانتخابات بموعد "مراسيم تنصيب" لحسن واتار الذي يحكم منذ 15 عاما.

تفيد هذه المؤشرات بأن النظام في أبيدجان يسخر ما يتمتع به من آليات قانونية وأدوات مؤسساتية لضمان استمراريته، وقد نجح بحسب مراقبين في ذلك، بتحويله موعدا انتخابيا إلى لحظة "مبايعة" لرئيس في عقده الثامن، طوّع الدستور والمؤسسات حتى يضمن البقاء في السلطة أطول مدة ممكنة. لكن المخاوف تظل قائمة من احتمالية خروج انفلات الأوضاع، فالذاكرة الجماعية لا محفوفة بأحداث حرب أهلية عام 2000، وأخرى عام 2010، استمرت خمسة أشهر، بين أنصار المرشحين بعد رفض غباغبو الاعتراف بالهزيمة، وانتهت بدخول واتار القصر الرئاسي.

حين يصبح الاقتراع شرارة حرب

عمد النظام إلى ضبط مسبق للسباق الرئاسي بما يتوفر عليه من أدوات، تفاديا لتكرار سيناريو محطات انتخابية سابقة، تحولت فيها صناديق الاقتراع إلى شرارة لحرب أهلية أتت على الأخضر واليابس في البلاد، وانقلب ثقافة التنافس عبر الصناديق إلى دوامة من الاحتراب والعنف أودت بحياة الآلاف. بذلك تصبح العملية الانتخابية نفسها مصدر تهديد لوحدة الدولة، بدلا كونها ضمانة للاستقرار السياسي.

خوفا من ذلك، شرع نظام واتار مبكرا في التحضير للمسألة بقيامه بتعديل دستوري عام 2016، خوله تصفير التعداد الرئاسي، على اعتبار أن الدستور يحصر البلاد في ولايتين فقط، حتى يضمن لنفسه ولايتين إضافيتين في الرئاسة بشكل "قانوني"، دون اتهام بعدوى التمديد لولاية إضافية (الثالثة/ الرابعة) التي أصابت ديمقراطيات غرب أفريقيا.

إن الرهان في أبيدجان اليوم، ليس على من سيفوز الذي لن يكون غير لحسن واتار، حتى لو تطلب الأمر دورة ثانية، بل على نسبة المشاركة التي تشكل تحديا كبيرا للرئيس والحزب والنظام معا

شكل التحضير للانتخابات فرصة مثالية لرسم المشهد بدقة مع الحفاظ على "القالب الديمقراطي" بالحفاظ على العملية الانتخابية في آجالها القانونية، حتى لا ينعت النظام بالاستبدادي والديكتاتوري، فاستبعد من سباق التنافس الأسماء الثقيلة ذات الامتداد الجماهيري في المجتمع، درء لأي مفاجئة قد تخلط الأوراق، وتعقد مهمة السعي نحو ولاية جديدة للرئيس. في المقابل، اكتفى بمرشحين على المقاس لا يقضون مضجع الرئيس، بل إنهم يضفون الشرعية على اللعبة الانتخابية، ما يفسح المجال أمام واتار لخلافة نفسه بسلاسة وهدوء.

إن الرهان في أبيدجان اليوم، ليس على من سيفوز الذي لن يكون غير لحسن واتار، حتى لو تطلب الأمر دورة ثانية، بل على نسبة المشاركة التي تشكل تحديا كبيرا للرئيس والحزب والنظام معا؛ ففي انتخابات 2021 فاز بأكثر 90٪، فعبر فقط سيفهم النظام الرسالة التي أراد الإيفواريون إيصالها لرئيس حاربوا من أجل أن يتولى الحكم قبل 15 عاما.

واتار.. الأداء الاقتصادي وكفى

يحاول الرئيس لحسن واتار استثمار وزنه في ساحل العاج، وتسويق نفسه باعتباره الشخص الوحيد الضامن لاستقرار، فالبلاد - كما ردد في حملته الانتخابية – تحتاج إلى ذوي الخبرة لتجاوز المرحلة التي تمر بها، فضلا عن مواصلة المشاريع والخطط التي أطلقها خلال فترة حكمه، فالأداء والإنجاز عند الرجل مرتبط ب"أشخاص" وليس المؤسسات.

لا خلاف في حن إدارة الرئيس للاقتصاد، فالاقتصاد الإيفواري من أسرع الاقتصاديات نموا في القارة بعد توليه الرئاسة، وسجل الناتج المحلي الإجمالي نموا بمعدل سنوي يقارب 6٪، مدفوعا باستثمارات ضخمة في البنية التحتية، واكتشافات نفطية جديدة. وحافظت البلاد على معدل تغطية مرتفع نسبيا في الطاقة (88٪) مقارنة بالمتوسط في أفريقيا جنوب الصحراء. وارتفعت الاستثمارات في الطاقات المتجددة لتشكل 30٪ من المزيج الطاقي عام 2024، بعد دخول محطة بونديالي كأول مشروع من نوعه في البلاد.

من شأن هذه الأرقام التأثير في الناخب الإيفواري، مع قائمة الأسماء المتاحة بين يديه للاختيار، فلا شك أنه سينحاز نحو كوت ديفوار مزدهر، وإن كان الثمن هو التراجع الديمقراطي، بتسييس المؤسسات وتآكل سيادة القانون، وإضعاف مبدأ الفصل بين السلطة، فمن عاش سنوات الحرب الأهلية التي لم تندم جراحها في الذاكرة، سوف يفضل الاستقرار بالتصويت لصالح منح الرئيس لحسن واتار ولاية أخرى.

تفيد المؤشرات بأن النظام في أبيدجان يسخر ما يتمتع به من آليات قانونية وأدوات مؤسساتية لضمان استمراريته، وقد نجح بحسب مراقبين في ذلك، بتحويله موعدا انتخابيا إلى لحظة "مبايعة" لرئيس في عقده الثامن

تعزز المعارضة من جهتها حظوظ الرجل، فالتصريحات النارية من هذا المعارض أو ذاك لم تترجم في قرار يدعمها في المشهد، فالرئيس السابق لوران غباغبو مثلا يعتبر ما يحدث حاليا "انقلابا مدنيا... وسطوا انتخابيا" بعد إقصائه، وتحفظ عن دعن أي مرشح آخر، في تكرار لسيناريو انتخابات 2016، مؤكدا أن القرار يعكس رفضه لديناميكية الانتخابية برمتها، "نحن لا ندعم أحدا، ولا ندعم حتى هذه العملية الانتخابية".

أحسن نظام لحسن واتار استغلال أدائه من ناحية وتعثر المعارضة في تقديم المرشح أو حتى الإجماع على برنامج واحد، ما ساعده على رسم أقصر الطرق نحو ولاية رابعة، وحسم مسألة الفوز مبكرا، بعيدا عما سوف تفرزه الصناديق، في ممارسة ظاهرها ديمقراطي وباطنها الاستبداد والسلطوية، وما موجة الاعتقالات (700 فرد) التي تخللت الحملة الانتخابية سوى دليلا على ذلك.

النظام يقوض نفسه

مفعول خطة النظام في ساح العاجل فعال على المدى القريب، لكن يمثل مؤشرا على هشاشة الثقة بين المواطن والسلطة، فتسخير أدوات الدولة ومؤسساتها من أجل تطويع الديمقراطية حتى تخدم مصالح شخص أو فئة أو حتى طائفة، يخلف شرخا اجتماعيا في الوعي الجمعي أيا تكن نتائج تلك الانتخابات.

فضلا عن أن هذه التطورات، مع ما تحمله من أوراق رابحة حاليا، تثير قلق المستثمرين، لا سميا من يعملون في قطاعات تتطلب استثمارات طويلة الأجل، بشأن الاستقلال المؤسساتي ومصداقية الاستقرار المزعوم في البلاد، ما يهدد بحرق ورقة الأداء الاقتصادي التي اعتمد عليها الرئيس لحسن واتار بقوة في هذه المحطة الانتخابية.

أحسن نظام لحسن واتار استغلال أدائه من ناحية وتعثر المعارضة في تقديم المرشح أو حتى الإجماع على برنامج واحد، ما ساعده على رسم أقصر الطرق نحو ولاية رابعة

بمقدور النظام في أبيدجان التحكم في العملية، من خلال ضبط مخرجاتها وذلك بتحكمه في جملة من العوامل، لكنه حتما لن يقدر على ضبط الشارع بعد إعلان النتائج، فذاكرة الإيفواريين تتذكر أنهم السبب وراء تولي واتار الحكم قبل عقد ونصف، ما يجعل خيار الاحتجاج لطرده قائما، لا سميا مع الأداء الجيد ل"جيل زد" في أكثر من منطقة بأفريقيا آخرها مدغشقر حيث أجبر الرئيس على التنحي.

فرضية تزداد واقعية بإلقاء نظرة على المعضلة الديمغرافية التي تظهر بادية للعيان في ساحل العاج، فالنمو الديموغرافي المتسارع في البلاد يرخى بظلاله على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، فخلال العقود الماضية تضاعف سكان البلاد من 14 مليون نسمة (1994) إلى 31 مليون نسمة (2024) مع توقعات ببلوغها 59 مليون نسمة بحلول عام 2054. وهذا ما تكشف الأرقام حيث تراجعت معدلات الفقر في المدن (من 24.7٪ إلى 22.2٪)، فيما ظلت شبه مستقرة في البوادي والأرياف.

خلافا للنظام الذي يحاول تسويق انتخابات ساحل العاج 2025 على أنها مجرد استحقاق رئاسي في مسار مألوف، يظهر أن الأمر يتعدى مجرد استحقاق رئاسي نحو اختيار شرعية النظام في أبيدجان، ومدى صحة ما يسوقه النظام عنه نفسه. الجواب في القادم من الأيام بعد إعلان النتائج النهائية للاستحقاق الانتخابي.