الاثنين 17 مارس 2025
تعرف منطقة القرن الأفريقي اضطرابات متعاقبة، ولها ارتباطات وثيقة مع ماضي وحاضر منطقة الشرق الأوسط. ولا تقل أهمية من الشرق الأوسط، نظرا لاحتوائها على مياه دولية استراتيجية تربط بين القارات، ما جعلها مسرحًا للتنافس الجيوسياسي بين القوى العظمى واللاعبين الإقليميين، ما قد يؤدي إلى نشوب صراع مدمر للمنطقة وشعوبها.
كانت إريتريا ولا زالت حريصة على المشاركة في تأجيج الصراعات في المنطقة، بدرجات متفاوتة، فقد شاركت في جلّ الصراعات التي شهدتها المنطقة، حيث عانت عدة دولٌ مثل: السودان وجنوب السودان والصومال وإثيوبيا من دسائسها السياسية. يبدو واضحا أن لدى الرئيس الإريتري، منذ عام 1993، غريزة ميالة إلى افتعال الحروب بدل صنع السلام، لذا يسعى إلى إشعالها "مجددًا" دون إدراك منه لعواقبها.
يُعد حكم أسياس أفورقي الذي دام 32 عامًا في إريتريا خطرًا على المنطقة، لافتقاره إلى مقومات الحكم الأساسية مثل: الدستور والبرلمان والخدمة المدنية. فشخص الرئيس في البلاد يمثل كلا من السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية.
يؤدي انتهاج النظام الإريتري الحالي سياسة التخويف والخدمة العسكرية الإجبارية المفتوحة ضد مواطنيه، إلى هروب العديد من الشباب الإريتريين من البلاد نحو دول الجوار وأوروبا بحثا عن ملاذ آمن.
كانت إريتريا ولا زالت حريصة على المشاركة في تأجيج الصراعات في المنطقة، بدرجات متفاوتة، فقد شاركت في جلّ الصراعات التي شهدتها المنطقة، حيث عانت عدة دولٌ مثل: السودان وجنوب السودان والصومال وإثيوبيا من دسائسها السياسية
يكاد يتمثل الهدف الرئيسي للدولة الإريترية في إثارة الصراعات هنا وهناك، من خلال دعم المتمردين أو الحكومات الساعية إلى إحداث الحروب والانقسامات في المنطقة. ويسعى أفورقي، مرة أخرى، للانخراط في مناورة جديدة لإثارة فتيل حرب في المنطقة برمتها.
حاليا، يعمل أفورقي على استغلال الانقسامات الداخلية لجبهة تحرير تيغراي، التي كانت في حالة حرب مع الحكومة المركزية الإثيوبية بين عامي 2020-2022. وللمفارقة، كانت الجبهة العدو اللدود لنظام أفورقي، وصلت إلى حد المواجهات العسكرية بينهما.
تسببت الحرب الطاحنة التي اندلعت بين إثيوبيا وإريتريا، في أواخر التسعينيات، في انقطاع العلاقات بين البلدين حتى أعادها رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي أبي أحمد إلى طبيعتها، وحاز على إثر ذلك بجائزة نوبل للسلام عام 2019. لسوء الحظ، لم تؤت جهود السلام أكلها، بسبب عدم توفر الرغبة الصادقة من قبل النظام الإريتري في تحقيق السلام الدائم، وإنشاء علاقات تُسهم في ربط الجسور بين البلدين من خلال المشاريع التنموية.
حالت اتفاقية بريتوريا للسلام التي وقعت بين جبهة تحرير تجراي والحكومة المركزية الإثيوبية، في أواخر عام 2022، دون تحقيق أفورقي طموحاته الهادفة إلى توسيع نطاق تأثيره في المنطقة، تحت غطاء دعم الحكومة الإثيوبية ضد العصابة العسكرية التغراوية.
لسوء الحظ، لم تؤت جهود السلام أكلها، بسبب عدم توفر الرغبة الصادقة من قبل النظام الإريتري في تحقيق السلام الدائم، وإنشاء علاقات تُسهم في ربط الجسور بين البلدين من خلال المشاريع التنموية
في محاولة لإضعاف حكومة إقليم تيغراي المؤقتة، ومن أجل إبطال اتفاقية السلام، وإبقاء إثيوبيا في دوامة الحرب، قام الرئيس الإريتري بإنشاء تحالف جديد مع الأطراف التيغراوية والأمهرية المعارضة للاتفاقية، في كل من إقليمي أمهرة وتيغراي. تحالف جديد من شأن هذا أن ينعكس سلبًا على أمن واستقرار إثيوبيا والمنطقة.
إن واقع المنطقة لا ينبئ بخير، ففي غرب إثيوبيا تشتعل الحرب الأهلية في السودان. ومن جهة الشرق، تكافح الصومال لإعادة بناء الدولة، بعد عقود من الانهيار التدريجي. وعلى امتداد أنحاء منطقة الساحل، تكتسب الجماعات المتطرفة أراضي جديدة. في هذا السياق، تحتم الضرورة إعادة تقييم احتمال عودة الصراع إلى منطقة تيغراي. فالحزام الفوضوي الممتد من منطقة الساحل إلى منطقة القرن الأفريقي سيكون كارثيًا. ومن شأنه أن يشجع جماعات مثل حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على خلق ملاذات جديدة للإرهاب، ما قد يُسبّب في تعطيل التجارة العالمية عبر البحر الأحمر.
عواقب تجدّد الصراع في منطقة القرن الأفريقي لن تتوقف عند حدود أفريقيا فحسب، بل سوف تجتاح موجات اللاجئين أوروبا. وهذا ما من شأنه أن يزيد من ضعف الأنظمة الهشة، ويرفع من فرص إيجاد الأيديولوجيات المتطرفة أرضا خصبة، وقد يمتد نطاق تأثيرها السلبي إلى الشرق الأوسط.
إن واقع المنطقة لا ينبئ بخير، ففي غرب إثيوبيا تشتعل الحرب الأهلية في السودان. ومن جهة الشرق، تكافح الصومال لإعادة بناء الدولة، بعد عقود من الانهيار التدريجي
لدى القوى العالمية، من واشنطن وبكين إلى بروكسل، مصلحة فيما يحدث في القرن الأفريقي، حيث أن ضمان استقراره مصلحة مشتركة. لذا، يتعين على العالم التحرك لممارسة الضغوط الدبلوماسية ضد الجهات المناوئة للسلام، مثل أفورقي.
كما يجب إنقاذ اتفاق بريتوريا للسلام والتحفيز على التعاون الإقليمي من خلال الاستثمارات في التجارة والبنية التحتية، لأن انحدار القرن الأفريقي إلى الفوضى سيكون له صدى في مناطق مختلفة. وهذه العوامل تحتم التحرك الآن لتجب مزيد من الصراعات في المنطقة.
مُترجم من هذا المصدر