تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الثلاثاء 11 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
تحليلات

رايلا أودينغا: زعيم غيّر قواعد اللعبة السياسية دون تولي الحكم

17 أكتوبر, 2025
الصورة
رايلا أودينغا: زعيم غيّر قواعد اللعبة السياسية دون تولي الحكم
Share

غيَّب الموت رئيس الوزراء الكيني الأسبق وزعيم المعارضة، رايلا أودينغا، يوم الأربعاء 15 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، عن عمر ناهز 80 عامًا، في مستشفى ديفاماثا بمدينة كوتشي بولاية كيرالا الهندية، بعد إصابته بأزمة قلبية مفاجئة خلال نزهةٍ صباحية.

جاءت وفاة أودينغا في وقتٍ حساس، حيث كان حزبه، الحركة الديمقراطية البرتقالية التي تأسست عام 2005، يستعد للاحتفال بالذكرى العشرين لتأسيسه. هذا الحزب الذي لعب دورًا بارزًا في المشهد السياسي الكيني، وكان من المقرر أن يقيم فعاليات ضخمة في مدينة مومباسا الساحلية، والتي تُعد من أهم المدن الكينية، احتفاءً بمسيرة الحزب، وإنجازاته على مدار العقدين الماضيين. كانت الذكرى مناسبة هامة لجمع القواعد الشعبية والقيادات السياسية لتذكير بتاريخ الحزب، وتعزيز دوره في السياسة الوطنية، قبل أن تستبدل بالاستعدادات لأجواء الحزن والمأتم.

محطات من حياة الزعيم

رايلا أومولو أودينغا سياسي كيني بارز، وُلد في 7 يناير/ كانون الثاني 1945 بمدينة ماسينو في غرب كينيا. ينتمي إلى عائلة سياسية بارزة، حيث كان والده، جاراموغي أوجينغا أودينغا، أول نائب لرئيس لكينيا بعد الاستقلال، درس في ألمانيا الشرقية حيث حصل على ماجستير في الهندسة الميكانيكية عام 1970، وبعد عودته عمل محاضرًا في جامعة نيروبي، ثم اشتغل في الجهاز الحكومي، وتحديدا في الهيئة الكينية للمواصفات الكينية حيث ترقى إلى منصب نائب المدير. ورث رايلا الصراعات السياسية التي شهدتها عائلته. لكنه، بالرغم من ذلك، نجح في توسع مصالح الأسرة التجارية.

انطلق في مسيرته السياسية ناشطا ثوريا يساريا، في ثمانينيات القرن الماضي، حيث بدأ رايلا أودينغا رحلته السياسية في وقتٍ كانت فيه كينيا تحت حكم الحزب الواحد، بقيادة الرئيس دانيال أراب موي، كان من أوائل الشخصيات التي دعت إلى التحول الديمقراطي، وتعدد الأحزاب، وهو ما اعتبرته الحكومة حينها تهديدًا للنظام القائم.

لعب رايلا دورًا محوريًا في الحراك السياسي الذي مهّد لترسيخ التعددية الحزبية في كينيا

سُجن رايلا أودينغا للمرة الأولى عام 1982 على خلفية اتهامه بالمشاركة في محاولة انقلاب فاشلة ضد نظام الرئيس دانيال أراب موي، الذي اشتهر آنذاك بقمع المعارضة عبر السجن والتعذيب والتصفية. قضى أودينغا تسع سنوات خلف القضبان، بينها ست سنوات في الحبس الانفرادي، قبل أن يُفرج عنه ليعود إلى الساحة السياسية باعتباره أبرز الأصوات المطالبة بإنهاء نظام الحزب الواحد، وإطلاق إصلاحات دستورية جذرية.

انضم لاحقًا إلى منتدى استعادة الديمقراطية (FORD)، ومع أول انتخابات متعددة الأحزاب عام 1992، فاز بمقعد البرلمان عن دائرة لانغاتا ممثلًا لحزب المعارضة الذي كان يقوده والده، الزعيم جراموجي أودينغا. وقد لعب رايلا دورًا محوريًا في الحراك السياسي الذي مهّد لترسيخ التعددية الحزبية في كينيا.

واشتهر بلقب "أغوامبو" أي الغامض بلغة اللوو، في إشارة إلى قدرته على بناء التحالفات والتعاون حتى مع خصومه السياسيين. أما أنصاره فكانوا ينادونه ببساطة "بابا"، متمسكين بولائهم له رغم ما وُجّه إليه من اتهامات باستغلال الانقسامات العرقية أو عقد صفقات سياسية مع خصومه طمعًا في الوصول إلى السلطة.

لعب رايلا أومولو أودينغا دورًا محوريًا في تغيير قواعد اللعبة السياسية في كينيا من خلال عدة محاور رئيسية، خصوصًا في دعم الديمقراطية، تعزيز حقوق الإنسان، ومناهضة الفساد.

المعارضة السلمية والوفاء للديمقراطية

رغم أنه لم يتسلّم مقاليد السلطة أكثر من أربعة عقود من النضال السياسي، حيث شارك رايلا أودينغا في الانتخابات الرئاسية خمس مرات بين 1997 و2022، لكنه لم ينجح في الفوز بأي منها. وكانت انتخابات عام 2007 الأبرز، حيث أُعلن فوزه جزئيًا وسط جدل واسع حول النتائج، ما أدى إلى اندلاع موجة عنف شديدة في كينيا، ظل رايلا أودينغا متمسكًا بالكفاح السلمي، رافضًا اللجوء إلى العنف أو الانقلابات. وقد أسهم في ترسيخ قيم الديمقراطية والتعددية السياسية في كينيا، حتى لُقب بـضمير الديمقراطية ورمز المعارضة السلمية، ليس في كينيا فحسب، بل في عموم أفريقيا.

لعب رايلا أودينغا دورًا محوريًا في دعم وإقرار دستور كينيا لعام 2010، الذي شكّل تحولًا جذريًا في الحياة السياسية لبلاده، فقد كان من أبرز المساهمين في صياغته والداعين إلى اعتماده، إذ أرسى الدستور الجديد أسسًا أقوى للفصل بين السلطات، وعزّز الديمقراطية، وقلّص صلاحيات الرئيس. كما ساهم في ترسيخ حماية الحقوق الأساسية وتحسين نزاهة العملية الانتخابية.

أسهم في ترسيخ قيم الديمقراطية والتعددية السياسية في كينيا، حتى لُقب بـضمير الديمقراطية ورمز المعارضة السلمية، ليس في كينيا فحسب، بل في عموم أفريقيا

واصل رايلا أودينغا خوض المنافسات الرئاسية حتى عام 2022، رغم عدم تحقيقه الفوز في أي منها، برز بدور قيادي في المعارضة، حيث ساهم في تهدئة التوترات السياسية من خلال مبادرات بارزة مثل "المصافحة" (Handshake) التي جاءت بعد خلافات حادة، إضافة إلى جهود الإصلاح عبر برنامج "بناء الجسور 2" ((Building Bridges 2، كما ترشح أودينغا لمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، لكنه لم يحظَ بالفوز.

إرث سياسي ثقيل

يُعد رحيل رايلا أودينغا خسارة كبيرة للمشهد السياسي في كينيا، حيث كان أحد أبرز المهندسين للتحالفات الوطنية، ومهداً للحياة السياسية الحديثة في البلاد، فقدت فيه كينيا وأفريقيا رمزاً سياسياً كبيراً، ورجلًا آمن بأن الديمقراطية تتطلب الصبر والتضحية، وترك إرثًا من النضال السلمي، ورؤية لأفريقيا تحتفي بالتنوع وتعتمد على قوة السياسة بدلاً من العنف. لقد فعل الابن تماما مثل ما فعل والده، كفاح سياسي سلمي، لكنه توفي قبل أن يحقق أمنيته الكبرى بحكم البلاد، والتربع على كرسي الرئاسة.

يقدم نضال رايلا دروسًا جوهرية للأجيال القادمة، تتمحور حول الإصرار والثبات في مواجهة التحديات، وأهمية القيادة القوية في توحيد الصفوف، إلى جانب ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية

يفتح رحيل رايلا الباب أمام تساؤلات جوهرية، أبرزها: من سيكون القادر على حمل الراية بعده؟ وهل هناك من يمتلك رؤية وإرادة تستمر في مسيرة النضال دون تراجع أو استسلام؟ ومن سيجني ثمار هذا النضال في ظل التحديات الراهنة؟ وهل ستنجح المعارضة في الحفاظ على وحدتها وقضيتها الحيوية في غياب زعيمها التاريخي؟ وهل يمكن أن يظهر قائد جديد يجمع الكلمة ويعيد الأمل؟ أم أن الفراغ الذي تركه سيعصف بمستقبل الحركة بأكملها؟

يقدم نضال رايلا دروسًا جوهرية للأجيال القادمة، تتمحور حول الإصرار والثبات في مواجهة التحديات، وأهمية القيادة القوية في توحيد الصفوف، إلى جانب ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية. كما يؤكد نضاله أن طريق التغيير ليس سهلاً، ويتطلب استمرار النضال والتصميم دون استسلام. هذه الدروس تشكل ركيزة أساسية لأي حركة تسعى إلى تحقيق تغيير حقيقي ومستدام، ويحمل هذا النضال في طياته درسًا عالميًا عن الإيمان بالقضية والثبات على المبدأ.