تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 17 مارس 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
رأي

قوننة وسائل التواصل الاجتماعي في الصومال

26 ديسمبر, 2024
الصورة
Geeska cover
Share

تتصدر وسائل التواصل الاجتماعي، مثل: "فيسبوك" و"تيك توك" و"تيليغرام" و"يوتيوب"، قائمة المنصات الأكثر استخدامًا في الصومال، حيث توفر مساحات مفتوحة للمستخدمين من مختلف الأعمار والمشارب. لكن في ظل غياب الضوابط الأخلاقية والتنظيمية والقانونية، يُساء استخدام هذه المنصات، في إثارة وتغذية النعرات القبلية، والابتزاز الرقمي للشخصيات العامة والنساء، لتحقيق أرباح مالية على حساب السلامة العامة.

إثارة النعرات القبلية

يستغل العديد من صناع المحتوى، وخاصة المقيمين في الخارج، الصراعات السياسية والمناطقية والقبلية في جذب الجمهور والمتابعين. واحدة من أبرز هذه الممارسات، ما يُعرف بـ"لعبة المعارك" في تطبيق "تيك توك"، حيث يتنافس شخصان يمثل كل منهما قبيلة معينة، بمشاركة عشرات الآلاف من المتابعين الذين يصطفون لدعم ممثل قبيلتهم، ما يؤدي إلى تبادل الإهانات والإساءات، في أجواء متوترة ومشحونة بالكراهية.  

خلال هذه الألعاب، تحثّ كل مجموعة أبناء عشيرتها على تقديم هدايا افتراضية لدعم ممثلها، ثم يُعلن فوز المؤثر الذي يجمع كما أكبر من الهدايا، في حين يتعين على الخاسر الإقرار بهزيمة عشيرته، مما يُسهم في تأجيج مشاعر الكراهية والعداء بين أبناء القبيلتين؛ المشاركين والمشاهدين على حد سواء.

يلجأ إليها صُنّاع المحتوى إلى طرق أخرى لتغذية الصراعات لتحقيق مكاسب مالية، بقيام أحدهم بالتحريض ضدّ عشيرة متخاصمة مع عشيرته، خصوصًا خلال الأوقات التي تشهد توترًا بين العشيرتين. ويتعمد بعضهم سب وإهانة قبيلة معينة، ليرد عليه مؤثر من القبيلة المستهدفة، فينخرط آلاف المتابعين في هذا الصراع، ليحصد المؤثر مكاسب مالية، بينما تزداد مشاعر البغضاء والعداوة بين أبناء العشيرتين.

تمثّل هذه الممارسات مخاطر كبيرة على السلم الأمني، ففي منتصف 2023، اعتقلت شرطة بنادر 21 من مشاهير منصة "تيك توك"، معظمهم من النساء من عشائر مختلفة، بعد تبادلهن السباب والإهانات والتهديدات، والدعوة للالتقاء في ساحة عامة للتشاجر بأسماء قبائلهن. وجه الادعاء العام إليهن تهمة إثارة الفتن والنزعات القبلية في المجتمع، وأُفرج عنهن بعد دفع كفالة مالية، وتوسط سياسيين من عشائرهن.

يقول عبد الله يري، أحد مشاهير ألعاب "تيك توك"، إن السبب الرئيسي لهذه الممارسات هو كسب المال، من خلال إثارة الحماس والتفاعل بين المتابعين، خاصة من أبناء العشائر المتخاصمة. ويلفت إلى أن المؤثرين على "تيك توك" عندما يطرحون موضوعًا آخر في هذه الألعاب غير التنافس القبلي، لا يحققون الدعم أو التفاعل المطلوب، وبالتالي لا يحققون أرباح تُذكر.  

يُلقي عبد العزيز ريلي، مالك برنامج "إلنتر" المعني بالبحث عن الأشخاص المفقودين، باللوم على المجتمع، الذي يتفاعل مع المحتوى المثير للفتن القبلية، لافتًا إلى أن صُنّاع هذا النوع من المحتوى يسعون أساسًا إلى تحقيق مشاهدات تضمن لهم الربح المالي، لهذا إذا فقدوا الاهتمام الجماهيري، فسينتقلون إلى مواضيع أخرى.

الابتزاز الرقمي

يمثّل المحتوى الذي يشجع على الخروج عن الأعراف والتقاليد الدينية نوعًا آخر من المخاطر، مثل تسليع جسد المرأة من أجل جذب المشاهدين، خاصة على منصة "تيك توك" التي تُعد الوجهة المفضلة للنساء. يجلب هذا المحتوى مخاطر على المجتمع والمرأة، وعلى النساء اللاتي يشاركن فيه، على حد سواء. في حالات عدة قامت أسر بمعاقبة فتياتهن بالقتل؛ لانتشار صورهن على منصات التواصل الاجتماعي، بدعوى حماية شرف العائلة.  

يلجأ بعض المؤثرين إلى ابتزاز مؤسسات وشخصيات عامة، مثل الساسة، لإجبارهم على دفع مبالغ مالية مقابل تجنب تشويه السمعة. تحدث عبد الرحمن عبد الشكور ورسمي، سياسي ونائب في البرلمان الفيدرالي، عن تجربته الشخصية مع الابتزاز الرقمي. ذكر أنه تعرض لمحاولات مستمرة من هذا القبيل، على مدار أعوام، وأكد أنّه اختار عدم الرضوخ، مما أدى في نهاية المطاف إلى توقفها، بعد أن استنفد مبتزوه جميع الوسائل الممكنة لإجباره على الاستجابة لمطالبهم. وأضاف أن الوضع يصبح أكثر سوءًا عندما يستجيب الشخص لتلك الابتزازات، إذ يشجع القائمين عليها.

شكل آخر للابتزاز، يطول النساء على يد الرجال، كقيام رجل بتصوير مقاطع فيديو لإحدى الفتيات، بطريقة سرية أو عبر التحايل، ثم يهدد بنشره إذا لم تدفع له الفتاة المال. وفي بعض الحالات نُشرت مقاطع خادشة للحياء لفتيات رفضن الاستجابة للابتزاز، مما عرضهن لمخاطر من أسرهن والمجتمع.  

 تزيد هذه الممارسات من الحاجة إلى أطر قانونية خاصة بالفضاء الرقمي، لمعالجة قصور القوانين الحالية، ويمكن للحكومة الاستفادة من تجارب دول العالم في هذا الشأن. وينبغي أنّ تتوافق هذه القوانين مع حقوق الإنسان، وألا تتحول لأداة انتهاك لحقوق المواطنين باسم الحفاظ على قيم المجتمع، وهو أمر يجب على الأخير إدراكه.

 حدود التدخل الحكومي  

لم تزد تدخلات الحكومة الفيدرالية إلى اليوم عن توظيف القوة، سواء بالقبض على ناشطين ومؤثرين في الفضاء الرقمي، وبمحاولة إغلاق منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما يكشف عن عجز في إدراك طبيعة المشكلة. في إحدى القضايا، قبضت الحكومة الفيدرالية على بعض مشاهير الفضاء الرقمي، وقدمتهم للمحاكمة بتهم منها، إثارة النعرات القبلية ونشر الفسوق والانحلال الأخلاقي.  

كما أصدرت في أغسطس/ آب 2023 قرارًا بحجب تطبيقي "تيك توك" و"تيليغرام"، بسبب القلق المتزايد من ابتزاز النساء عبرهما، ولدعاوى مثل استخدامهما من حركة الشباب. لم تستطع الحكومة حجب التطبيقين لعدة أسباب، منها معارضة قوى سياسية ومجتمعية، ورفض الشركات المزودة لخدمة الإنترنت التعاون مع الحكومة، وكذا رفض ولايات إقليمية القرار. بشكل عام، فقرار حجب التطبيقات لا يعالج المشكلة، فهو أشبه بمنع استخدام السيارات لأنّ بعض الحوادث تقع، وعلى الحكومة التعامل مع القضية كأمر واقع، بدلًا من محاولات الحجب والمنع، التي لا تزيد عن كونها وضع للعربة أمام الحصان.

لهذا، على الحكومة الاستفادة من تجارب دول العالم في إصدار قوانين خاصة بالفضاء الرقمي، مثل قوانين الجرائم الرقمية والإلكترونية، كون هذه الجرائم تفتقد إلى الشروط التي تتطلبها القضايا المماثلة في الواقع، كما أنّ أدوات ارتكاب الجريمة أو المخالفة مستجدة، وتحتاج لتشريعات ولوائح متجددة، لضمان حقوق جميع الأطراف.

تمثّل وسائل التواصل الاجتماعي تحديًا على مستويات عدة، وفي حالة الصومال فهناك حاجة ملحة لتدارك الفوضى التي تحدث بين مستخدمي هذه المنصات. لتحقيق هذا، ينبغي على الحكومة أنّ تتجنب إصدار قرارات عفوية لحظية، وفتح حوار مجتمعي حول القوانين قبل إصدارها، والاستعانة بخبرات الدول الأخرى. كما يجب الحذر من توظيف الحكومة لمثل هذه القوانين لقمع المعارضة السياسية، التي تعبر عن نفسها من خلال هذه المنصات، وقد سبق للحكومة الفيدرالية أن قامت بتزييف شهادات وفاة لساسة من أجل إغلاق حساباتهم على منصة "فيسبوك".  

يتفق الخبراء على أنه في ظل غياب تدخل حكومي جدي ومدروس، للحد من الانتشار المتزايد للمحتوى الضار اجتماعيًا وثقافيًا وأمنيًا، سيزداد الوضع سوءًا، وقد يشجع صُنّاع هذا النوع من المحتوى على الاستمرار في نهجهم، بل وتقديم محتوى أكثر خطورة وتعقيدًا، مما يُفاقم التحديات، ويُعقّد سبل معالجتها في المستقبل. وينبغي الانتباه إلى أنّ المشكلة لا تتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي في حد ذاتها، لكن في كيفية استخدامها، كشأن أية أدوات أخرى. كما أنّ سياسة الحجب والمنع تعبر عن عقلية إدارية غير قادرة على مواكبة التغيرات التي يشهدها العالم، فضلًا عن كونها غير ممكنة، ومن السهل تجاوزها، وهي في أحد الأوجه تمنح السلطة نفوذًا لا يجوز لها امتلاكه، كونه سينعكس سلبًا على حقوق المواطنين.