تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 24 مارس 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

نيجيريا والبريكس ...آفاق النمو وتحديات الأمن

12 فبراير, 2025
الصورة
geeska cover
Share

في عالم حيث تنشط فيه الاقتصادات الناشئة، وتسعى لإعادة تشكيل ديناميكيات التجارة والقوة العالمية، يشكل إدراج نيجيريا مؤخراً "دولة شريكة" في تكتل البريكس علامة فارقة، ويعيد تعريف المسار الاقتصادي لأفريقيا، باعتبارها أكبر اقتصاد في القارة وأكثرها سكانًا، تفتح هذه الشراكة الأبواب لتعزيز الاستثمارات ونمو النفوذ العالمي لأفريقيا، ولاسيما مع فرص التعاون بين البريكس والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، وعلى جانب آخر يشكل الوضع الأمني المضطرب في نيجيريا تحديا حقيقيا أمام فرص النمو.

اقتصاد نيجيريا وفرص البريكس 

فاجأتْ نيجيريا العالم بإعلان انضمامها لتكتل البريكس، في بيان صحفي لحكومة البرازيل، الرئيس الحالي لتكتل البريكس، في 17 يناير/كانون الأول الماضي، أعلنت إدراج نيجيريا دولة شريكة، ما يشكل منعطفا هاما في شكل الخريطة السياسية والاقتصادية للقارة الأفريقية، حيث توفر هذه الشراكة منصة تستطيع نيجيريا من خلالها تنويع اقتصادها، وتعزيز مكانتها الإقليمية والعالمية، باعتبارها أكبر اقتصاديات القارة، وأكبر كتلة سكانية في القارة، والسادس عالميا، بأكثر من 200 مليون نسمة.

يتكون البريكس من مجموعة من الدول ذات الاقتصاديات الناشئة، تهدف إلى إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي، وموازنة مجموعة السبع ومجموعة العشرين الاقتصادية. انعقدت أول قمة لهذا التكتل الذي يضم الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، عام 2009، ومؤخرًا انضافت كل من مصر وإثيوبيا كأعضاء، وأوغندا دولة شريكة. تركز المجموعة على تعزيز التعاون الاقتصادي والشراكات التجارية، وتدفقات الاستثمار خارج المؤسسات التقليدية التي يهيمن عليها الغرب، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتقدم بنك التنمية الجديد بديلا للتمويل.

بالنظر إلى اقتصاد أبوجا؛ نجد أن نيجيريا تعد أكبر منتج ومصدر للبترول في أفريقيا، وصاحبة سادس أكبر احتياطي عالمي للبترول، حيث يبلغ إنتاجها نحو 1.64 مليون برميل يوميًا. وتبلغ الصادرات من الخام والمكثفات نحو 1.9 مليون برميل يوميًا، مع احتياطات نفطية تقدر ب 36.89 مليار برميل. علاوة على ذلك تمتلك احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي تبلغ 206 تريليونات قدم مكعب، كما تنتج 46 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، موزعة ما بين 18.8 مليون متر مكعب للاستهلاك الداخلي، و27.5 مليون متر مكعب للتصدير.

عانى الاقتصاد النيجيري ضعفًا واختلالات في البنى التحتية الأساسية، وارتفاعا كبيرا في مستويات التضخم، فضلاً عن معاناتها من عجز في الميزانية بلغ نحو 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2019، وفي السنوات القليلة الأخيرة، قامت نيجيريا بعمل إصلاحات اقتصادية توسعية من أجل الخروج من الأزمة، واتخذ منحنى التنمية شكلاً تصاعديًا بعد هذه الإصلاحات، مع توقعات بنمو الاقتصاد النيجيري بمعدل سنوي متوسط ​​يبلغ 3.5٪ خلال الفترة 2023-2026، وفقًا لتقرير البنك الدولي.

من شأن التحاق نيجيريا بمجموعة البريكس أن يعزز اقتصادها بطرق عدة، على سبيل المثال، قد تجتذب العلاقات الوثيقة مع الاقتصادات الكبرى مثل الصين والهند الاستثمارات إلى القطاعات الحيوية في البلد، مثل الطاقة والزراعة. وغالبا ما تتضمن شراكات مجموعة البريكس مبادرات تنموية، مثل تمويل البنية الأساسية، التي من شأنها أن تعالج التحديات التي تواجهها نيجيريا في مجال الكهرباء والنقل. كما يرجح أن تستفيد البلاد من فرص التصدير الأكبر، وخاصة في مجال النفط والغاز الطبيعي، وهو ما يتماشى مع تركيز مجموعة البريكس على الاقتصادات الغنية بالموارد، ومن الممكن أن يكون بنك التنمية الجديد مصدراً مهماً لتمويل الاستثمار في البنية الأساسية والتصنيع والزراعة في نيجيريا.

إيكواس ومسارات التعاون

يشكل انضمام نيجيريا إلى مجموعة البريكس نقطة تحول هامة بالنسبة لغرب أفريقيا والقارة ككل، فهذه الشراكة الاستراتيجية ستوفر للمجموعة مسارات جديدة للتجارة والتنمية والتكامل الاقتصادي، نظرًا لما تمثله نيجيريا بأكثر من 70٪ من الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، مما يجعل شراكتها مع مجموعة البريكس عاملاً محتملاً لتغيير قواعد اللعبة في المنطقة.

ستوسع الاستفادة من الروابط التجارية بين دول البريكس نطاق الوصول إلى الأسواق بالنسبة للدول الأعضاء في الإيكواس، لا سيما في قطاعات مثل الطاقة والزراعة والتكنولوجية. كما يمكن أيضا توجيه التمويل من بنك التنمية الجديد إلى مشاريع إقليمية، مثل مجمع الطاقة في غرب أفريقيا وشبكات الطرق التي تربط الدول الأعضاء.

من ناحية أُخرى، يعد انضمام نيجيريا للبريكس فرصة قوية لالتئام التصدُعات التي أُلحقت بدول الإيكواس في السنوات الأخيرة، والتي أسفرت عن انسلاخ ثلاث دول (النيجر ومالي وبوركينا فاسو) عن الإيكواس، معلنين تكوين اتحاد كونفدرالي بعيدًا عن الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وذلك إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت في المنطقة، ولاحقتها عقوبات سياسية واقتصادية صادمة شنتها الإيكواس بقيادة نيجيريا على النيجر لاستعادة الحكم الديمقراطي للبلاد.

ترفض الدول الثلاث أية محاولات للعودة، على الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في محاولة الجلوس إلى طاولة مفاوضات للعودة مرة أخرى، وتتعدد أسباب الرفض، ومنها؛ تصاعد الاتهامات الموجهة للرئيس النيجيري بولا تيبونو الذي يقود الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، بالتواطئ مع النظام المنقلب عليه للعودة، فضلاً عن تعاونه مع فرنسا العدو اللدود للدول الثلاث؛ لمحاولة إفشال الانقلابات. وظهر ذلك من خلال زياراته التي تكررت أربع مرات لباريس عقب توليه السلطة 2023، كما تُتَهم نيجيريا باحتضان قواعد عسكرية فرنسية، والاستمرار في العمل كقاعدة خلفية، لمحاولة زعزعة استقرار الأمن في نيامي.

مع انضمام نيجيريا إلى البريكس يمكن فتح مسارات جديدة للتعاون بين نيجيريا - الصديق الاستراتيجي للغرب في منطقة الساحل ـ وروسيا أحد أعمدة البريكس، والداعم الأكبر للانقلابات العسكرية في المنطقة، والتي استطاعت أن تجد موطئ قدم لها عن طريق قوات فاجنر الروسية، وبالتالي إيجاد فرص للتعاون، ومحاولة تراجع دول الساحل الثلاث عن قرارتهم، عن طريق وضع فرص التنمية الاقتصادية على رأس الأولويات في المنطقة.

تحديات أمنية قائمة

تُثار توجسات بشأن قدرة الدولة النيجيرية على تحقيق نمو حقيقي من خلال تكتل البريكس في ظل الأزمات الأمنية التي تعاني منها البلاد، من قبيل حالة عدم استقرار الأمن، المتمثل في العمليات الإرهابية، والعمليات اللصوصية المسلحة والاختطاف من أجل الفدية، وقطع الطرق واستهداف المسلحين للمزارعين في القرى والأرياف والمناطق الزراعية في البلاد.

يشتعل شمال نيجيريا ووسطها باستمرار بالعمليات الإجرامية التي يقودها قطاع الطرق، حيث خلّفت جرائم القتل والخطف الجماعي التي يشنها قطاع الطرق بشكل شبه يومي ضحايا، فاقت أعداد العمليات الإرهابية في شمال شرقي البلاد، وتنشط العمليات الإرهابية لجماعة بوكو حرام في شمال البلاد، وتتزايد عمليات الخطف الجماعي على نطاق واسع، وتتفاقم هذه التحديات وتجد القوات المسلحة وقوات الأمن النيجيرية صعوبة كبيرة في احتوائها.

تمتد الأزمات الأمنية المتعددة في نيجيريا إلى البلدان المجاورة، وأصبحت هذه البلدان موطناً للاجئين النيجيريين الفارين من التهديدات الإرهابية واللصوصية في الشمال الشرقي والشمال الغربي، وتشكل بعض جماعات القراصنة التي تعمل من منطقة دلتا النيجر النيجيرية مصدر تهديد للأمن البحري، وخاصة في خليج غينيا حيث تتمتع نيجيريا بمصلحة أمنية رئيسية، ومع استمرار الجماعات المسلحة المختلفة في شن هجمات مدمرة على أهداف مدنية وعسكرية يمكنها تقويض فرص النمو.

تتفاقم العلميات الإرهابية، والجرائم اللصوصية على الحدود التي تجمع نيجيريا بدولة النيجر، وساءت العلاقات بين البلدين اللذين يشتركان في حدود تمتد لأكثر من 1500 كلم، وعلاقات اقتصادية واجتماعية وثيقة، على إثر الخلافات السياسية بين البلدين عقب الانقلاب المذكور، وعلى الرغم من المحاولات التي تقوم بها أبوجا لتحسين العلاقات، إلا أن التوترات الأمنية ما زالت حاضرة، وبقوة في المشهد. لكن العلاقات قد تتخذ منحنى إيجابي إثر الانضمام للبريكس، نظرًا للعلاقات الوثيقة بين النيجر وروسيا، ومن المرجح تعزيز التعاون الثنائي في محاربة العمليات الإرهابية، وتطويق الجرائم اللصوصية القائمة على حدود الدولتين.

ختامًا؛ يمثل الانخراط النيجيري في تكتل البريكس فرصة كبيرة لنمو تلك الدولة التي تمتاز بإمكانيات اقتصادية وديمغرافية هائلة، بمقدورها أن تصبح قوة إقليمية ودولية مؤثرة، وعلى الرغم من علاقتها الوثيقة مع الغرب، إلا أنها تحاول الموازنة مع دول تشكل 40٪ من اقتصاديات العالم، والمضي قدمًا في تنويع مصادر تمويلها الاقتصادي وأيضًا العسكري، لمواجهة التحديات الأمنية التي تشهدها البلاد.

المزيد من الكاتب