تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الثلاثاء 24 يونيو 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
رأي

نهر أومو: كيف تهدد التنمية الإثيوبية الحياة في كينيا؟

17 مايو, 2025
الصورة
نهر أومو
Share

تشهد العلاقات المائية بين دول حوض نهر أومو تحولاً استراتيجياً خطيراً مع توسع إثيوبيا في إنشاء سلسلة من السدود على النهر، مهددةً بذلك الأمن المائي لكينيا؛ وخاصةً بحيرة توركانا. فقد عمدت إثيوبيا إلى إنشاء خمسة سدود على نهر واحد (بعضها قائم والبعض الآخر قيد الإنشاء)، مما تسبب في انخفاض منسوب المياه في بحيرة توركانا الكينية، وإحداث تغييرات جذرية في النظام البيئي للبحيرة، وسبل عيش السكان المحليين المعتمدين عليها. 

في غياب اتفاقيات ملزمة لتنظيم استخدام المياه العابرة للحدود، تواصل أديس أبابا سياسة فرض الأمر الواقع، مستفيدةً من حالة الصمت الكيني التي تثير تساؤلات حول مدى قدرة نيروبي على حماية مصالحها المائية أو احتمالات وجود تفاهمات ضمنية بين الدولتين على حساب المجتمعات المحلية.

طموح الطاقة وتحديات بحيرة توركانا

يُعد نهر أومو أحد أهم الأنهار في إثيوبيا، وهو يتميز بكونه الأكثر ملاءمة لتشييد مشروعات مائية تخزينية كبرى، وفقاً للتقييمات الهيدرولوجية الإثيوبية. ينبع النهر من المرتفعات الإثيوبية، ويتدفق جنوباً ليصب في بحيرة توركانا الواقعة في شمال كينيا، مشكلاً شريان حياة لمئات الآلاف من السكان على جانبي الحدود. 

تعتبر بحيرة توركانا أكبر بحيرة صحراوية دائمة في العالم، وتعتمد على نهر أومو بنسبة تصل إلى 90٪ من تدفق مياهها، مما يجعل أي تغيير في تدفق النهر، يؤثر بشكل مباشر وحاد على البحيرة ونظامها البيئي الفريد.

تمثل أزمة نهر أومو وبحيرة توركانا نموذجاً للتحديات المائية المعقدة التي تواجه القارة الأفريقية في ظل تنامي التنافس على الموارد المائية المحدودة

قامت الحكومة الإثيوبية بتطوير استراتيجية مائية طموحة على نهر أومو، تتمثل في إنشاء سلسلة من السدود الضخمة لتوليد الكهرباء، تشمل "جيبي 1" بقدرة إنتاجية تبلغ 184 ميجاوات، و"جيبي 2" بقدرة 420 ميجاوات، و"جيبي 3" وهو الأضخم بقدرة تصل إلى 1870 ميجاوات. كما تخطط إثيوبيا لمزيد من التوسع من خلال إنشاء سد "جيبي 4" الذي من المتوقع أن تصل قدرته إلى 2000 ميجاوات، وسد "جيبي 5" الذي لا تزال تفاصيله قيد التطوير.

تأتي هذه المشروعات في إطار استراتيجية أوسع لإثيوبيا لزيادة إنتاج الطاقة الكهرومائية، كما يتضح من إعلانها الأخير عن بناء سد "أجما شاشا" في إقليم أمهرة، بتكلفة تصل إلى 125 مليون دولار، وقدرة تخزينية تبلغ 55 مليون متر مكعب من المياه.

تبرر إثيوبيا هذه المشاريع بضرورات التنمية الاقتصادية، وتلبية الاحتياجات المتزايدة من الطاقة الكهربائية، فضلاً عن تطوير مشاريع الري الزراعي. فمثلاً، من المتوقع أن يساهم سد "أجما شاشا" في تطوير 7 آلاف هكتار من الأراضي، وأن يستفيد منه أكثر من 28 ألف أسرة، وتعزز إثيوبيا هذه الخطط من خلال شراكات دولية. كما يتضح من تنفيذ شركة الهندسة المدنية الصينية (CCEC)  لمشروع سد "أجما شاشا"، وشركة ساليني الإيطالية التي تقوم ببناء مشروع كويشا للطاقة الكهرومائية بتكلفة 2.5 مليار يورو.

يرجح أن تكون كينيا قد قبلت ضمنياً التضحية بمصالح المجتمعات المحلية في شمال البلاد مقابل الحفاظ على علاقات جيدة مع أديس أبابا، خاصة وأن منطقة توركانا تعتبر هامشية في الاقتصاد والسياسة الكينية

أدت إقامة سدود جيبي وامتلاء خزاناتها بالمياه إلى تأثيرات سلبية خطيرة على بحيرة توركانا، سواء على المستوى الكمي المتمثل في انخفاض منسوب المياه، أو النوعي من حيث جودة المياه وتركيبتها الكيميائية والبيولوجية. وتكمن خطورة هذه التداعيات في طابعها الممتد زمنياً، حيث تشير الدراسات إلى أن الأضرار البيئية الناجمة عن تعديل التدفق الطبيعي للنهر قد تستمر لعقود قادمة، مؤثرة على التنوع البيولوجي الفريد للبحيرة وقدرتها على دعم الأنظمة البيئية المحيطة.

على المستوى الإنساني، أصبحت المجتمعات المحلية التي تعتمد على بحيرة توركانا لكسب قوتها تواجه تحديات معيشية قاسية. فمع تراجع منسوب المياه، وتغير نمط الفيضانات الموسمية، تقلصت مساحات الزراعة الموسمية التي كانت تعتمد على ترسبات الطمي الخصبة، كما تأثرت الثروة السمكية التي تمثل مصدر البروتين الرئيسي لسكان المنطقة. والأخطر من ذلك هو تصاعد النزاعات بين المجتمعات المحلية حول الموارد المائية والرعوية المتناقصة، مما يهدد النسيج الاجتماعي الهش في هذه المنطقة الحدودية.

الاستراتيجية الإثيوبية الصامتة

تكشف سياسة السدود الإثيوبية عن استراتيجية أوسع لاستخدام المياه كأداة للنفوذ الإقليمي، وهو نمط مشابه لما تتبعه أديس أبابا في نزاعها مع مصر والسودان حول سد النهضة. فمن خلال إقامة سلسلة من السدود على نهر أومو، تُحكم إثيوبيا سيطرتها على تدفق المياه نحو كينيا، مما يمنحها ورقة ضغط سياسي واقتصادي يمكن استخدامها في أية مفاوضات مستقبلية حول قضايا ثنائية أو إقليمية.

يبرز بوضوح غياب الاتفاقيات الملزمة التي تنظم استخدام مياه نهر أومو، مما يتيح لإثيوبيا فرض سياسة الأمر الواقع. فعلى عكس حالة نهر النيل حيث توجد اتفاقيات تاريخية (وإن كانت محل خلاف)، فإن حوض نهر أومو يفتقر للإطار القانوني الدولي الذي يضمن الاستخدام العادل والمنصف للمياه العابرة للحدود. ويعكس هذا الوضع طموحاً إثيوبياً للهيمنة المائية في منطقة القرن الأفريقي، كجزء من رؤية أوسع للتحول إلى قوة إقليمية.

الصمت الكيني أمام سدود إثيوبيا

يثير الموقف الكيني إزاء المشاريع الإثيوبية على نهر أومو العديد من التساؤلات، فرغم التداعيات السلبية الواضحة على بحيرة توركانا، لم تتخذ نيروبي موقفاً حازماً يحمي مصالحها المائية، ويدافع عن حقوق مواطنيها في شمال البلاد. يمكن تفسير هذا الصمت الكيني من خلال عدة فرضيات، أولها ضعف القدرة التفاوضية الكينية مقارنة بالنفوذ الإقليمي المتصاعد لإثيوبيا التي تمتلك أكبر قوة عسكرية في المنطقة، وتحظى بدعم دولي ملحوظ.

من جانب آخر، قد تكون هناك تفاهمات ضمنية بين البلدين في إطار مصالح اقتصادية وأمنية أوسع، خاصة مع تنامي دور إثيوبيا كشريك تجاري مهم لكينيا، وحليف في مكافحة حركة الشباب الصومالية. يرجح أن تكون كينيا قد قبلت ضمنياً التضحية بمصالح المجتمعات المحلية في شمال البلاد مقابل الحفاظ على علاقات جيدة مع أديس أبابا، خاصة وأن منطقة توركانا تعتبر هامشية في الاقتصاد والسياسة الكينية.

يفتقر حوض نهر أومو للإطار القانوني الدولي الذي يضمن الاستخدام العادل والمنصف للمياه العابرة للحدود. ما يعكس طموحاً إثيوبياً للهيمنة المائية في منطقة القرن الأفريقي، كجزء من رؤية أوسع للتحول إلى قوة إقليمية

في ظل هذه التحديات، تبرز الحاجة إلى مقاربة متوازنة تراعي حقوق جميع الدول المشاطئة لنهر أومو وبحيرة توركانا، فبينما تمتلك إثيوبيا الحق في تطوير مواردها المائية لتحقيق التنمية الاقتصادية، إلا أن هذا لا يجب أن يكون على حساب الأمن المائي والغذائي للمجتمعات في كينيا. ولعل تجارب أحواض الأنهار الدولية الأخرى تقدم دروساً مفيدة حول إمكانية التعاون المشترك في إدارة الموارد المائية العابرة للحدود، وتبرز هنا أهمية تطوير إطار قانوني ملزم لإدارة حوض نهر أومو وبحيرة توركانا، يستند إلى مبادئ القانون الدولي للمياه، خاصة مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول، ومبدأ عدم التسبب في ضرر جسيم للدول الأخرى. كما أن المنظمات الدولية والإقليمية يمكن أن تلعب دوراً هاماً في تسهيل الحوار بين إثيوبيا وكينيا حول إدارة الموارد المائية المشتركة.

ختامًا، تمثل أزمة نهر أومو وبحيرة توركانا نموذجاً للتحديات المائية المعقدة التي تواجه القارة الأفريقية في ظل تنامي التنافس على الموارد المائية المحدودة، ورغم استخدام إثيوبيا للمياه كأداة للنفوذ الإقليمي، إلا أن المستقبل المستدام للمنطقة يتطلب تجاوز سياسات الهيمنة نحو شراكة مائية حقيقية تراعي مصالح جميع الأطراف فعلى المدى القصير، يتعين على كينيا تبني سياسة مائية أكثر حزماً لحماية بحيرة توركانا والمجتمعات المعتمدة عليها، مع تفعيل الأطر الدبلوماسية والقانونية للتفاوض مع إثيوبيا. 

ينبغي على المدى المتوسط والطويل، تطوير آليات إقليمية لإدارة الموارد المائية المشتركة في شرق أفريقيا، بما يضمن التوزيع العادل للمنافع والمخاطر بين دول المنبع والمصب، ويحقق الأمن المائي والغذائي المستدام لجميع شعوب المنطقة.