تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 15 مايو 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

نفوذ شركة "موانئ دبي العالمية" في شرق أفريقيا

27 أبريل, 2025
الصورة
DP
Share

تشهد القارة الأفريقية سباقًا محمومًا تقوده دولة الإمارات العربية المتحدة للسيطرة على الموانئ الاستراتيجية، عبر استثمارات ضخمة تُقدّر بملايين الدولارات، تستهدف تأمين موطئ قدم دائم في القرن الأفريقي وجنوب الصحراء الكبرى. وقد رسخت الإمارات نفوذها المتنامي في القارة من خلال مشاريع بنى تحتية طموحة، في مقدمتها قطاع الموانئ الحيوي، الذي يمثل شريانًا أساسيًا للتجارة والاقتصاد.

 تتصدر شركة موانئ دبي العالمية هذا التوسع، إذ تُدير أكثر من 07 ميناءً ومركزًا لوجستيًا في نحو 40 دولة، بينها 12 ميناءً أفريقيًا. غير أن هذه الاستثمارات لا تخلو من الجدل، حيث تلاحقها اتهامات تتعلق بالفساد المالي، وخرق السيادة الوطنية، والتورط في صراعات سياسية، لا سيما في منطقة القرن الأفريقي التي تشكل نقطة وصل محورية بين آسيا وأفريقيا.

التوسع الاستراتيجي لشركة موانئ دبي العالمية في أفريقيا

يرتبط التوجه الاستراتيجي لدولة الإمارات العربية المتحدة نحو القارة الأفريقية ارتباطًا وثيقًا بطموحاتها الاقتصادية وتطلعاتها الجيوسياسية. انطلاقًا من رؤيتها لتنويع اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد على النفط. تستهدف الإمارات السيطرة على سلسلة الموانئ للوصول إلى الاقتصادات والأسواق الأفريقية، في وقت يلعب ميناء جبل علي في دبي دورًا مركزيًا في الربط بين أفريقيا وآسيا.

في العقد الأخير، برزت القارة الأفريقية محور تركيز استراتيجي نشط للشركة، باعتبارها سوقًا واعدة، وبها مجالات استثمارية واسعة وفرصة قوية لتواجد الإمارات في القرن الأفريقي ودول القارة بشكل عام. هكذا استطاعت الإمارات أن ترسخ قدمها في أفريقيا، وأن تصبح رابع أكبر مستثمر في القارة بعد الصين والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.

 ارتفع عدد الشركات الأفريقية المسجلة لدى غرفة دبي بنسبة 15.5٪ منذ 2019 لتصل إلى 28.8٪ عام 2021، وتمثل أفريقيا 10٪ من إيرادات شركة موانئ دبي العالمية، متحكمة بـ 10٪ من حركة الحاويات عالميًا، حيث تتعامل مع 70 مليون حاوية يتم جلبها من نحو 70 ألف سفينة سنويًا، لتتصدر قائمة مشغلي الموانئ في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، وتوظف الشركة اليوم أكثر من 27 ألف موظف في جميع أنحاء القارة.

برزت القارة الأفريقية محور تركيز استراتيجي نشط للشركة، باعتبارها سوقًا واعدة، وبها مجالات استثمارية واسعة وفرصة قوية لتواجد الإمارات في القرن الأفريقي ودول القارة بشكل عام

تمتلك موانئ دبي العالمية المملوكة بشكل غير مباشر لحكومة دبي، شبكة واسعة من الاستثمارات في الموانئ الأفريقية، حيث تسيطر على عدد كبير من المنافذ البحرية الاستراتيجية. وتدير موانئ ومراكز لوجستية في تسع دول أفريقية: الجزائر وأنغولا وجيبوتي ومصر وموزمبيق ونيجيريا ورواندا والسنغال وجنوب أفريقيا، بالإضافة إلى جمهورية صوماليلاند المُعلنة من طرف واحد. كما تعتزم شركة موانئ دبي العالمية استثمار 3 مليارات دولار أمريكي في البنية التحتية للموانئ الجديدة في أفريقيا، على مدى السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، وفقًا لما صرّح به محمد أكوجي، الرئيس التنفيذي والمدير العام لموانئ دبي العالمية في أفريقيا جنوب الصحراء.

صفقات مشبوهة

على الرغم من النجاح الاقتصادي التي تتلقاه الشركة في أفريقيا، إلا أنها تركت بصمة سوداء في مخيلة الشعوب الأفريقية، نتيجة للممارسات المثيرة للجدل والانتهاكات في حقوق العمال، حيث تزايد شكوى العمال في عدة موانئ تحت إدارة شركة دبي في أفريقيا بانخفاض الأجور، وساعات العمل الطويلة، فضلاً عن غياب الضمانات الاجتماعية.

لا تقتصر الأمور على ذلك، فانتشار الفساد والرشوة أصبحت سمات أساسية للشركة عند إبرام صفقاتها مع الدول. كما لحقت بالشركة اتهامات واسعة حول دعمها لجماعات مسلحة في مناطق مثل السودان؛ لضمان مصالحها الاقتصادية هناك. علاوة على ذلك، يرتبط الوجود الاقتصادي للشركة في دول أفريقيا بالوجود العسكري لدولة الإمارات، وإن كان بشكل غير مباشر، حيث غالبًا ما تقيم الإمارات علاقات عسكرية مع الدول الأفريقية نفسها التي تدير فيها البنى التحتية التجارية البحرية، مثل التعاون الدفاعي والمشتريات العسكرية والتدريب.

تتلقى الاتفاقيات التي تبرمها الشركة مع الدول الأفريقية انتقادات حادة من قبل النشطاء السياسين في تلك الدول، متهمين السلطات بالتواطئ مع الشركة لسرقة البلاد. يعتبر ما حدث في تنزانيا، مثالا على ذلك، حيث أثارت الاتفاقية التي أبرمتها شركة موانئ دبي العالمية مع الحكومة التنزانية لإدارة ميناء دار السلام عام 2023 موجة من الانتقادات الواسعة. فقد اعتبر عدد من الفاعلين السياسيين والمجتمعيين أن الاتفاقية تخدم مصالح الشركة أكثر مما تخدم مصالح تنزانيا وشعبها. ورغم تصديق البرلمان عليها في 10 يونيو/حزيران 2023، إلا أن الحكومة وجدت نفسها مضطرة للدفاع عن صفقة اعتبرها البعض تفريطًا في السيادة الوطنية، ومحاولة لبيع البلاد للأجانب، وهو اتهام نفت السلطات صحته بشدة.

يرتبط الوجود الاقتصادي للشركة في دول أفريقيا بالوجود العسكري لدولة الإمارات، وإن كان بشكل غير مباشر، حيث غالبًا ما تقيم الإمارات علاقات عسكرية مع الدول الأفريقية نفسها التي تدير فيها البنى التحتية التجارية البحرية

ازدادت حدة الاعتراضات في أغسطس/آب من العام نفسه، حين شهد محيط السفارة الأمريكية مظاهرات سلمية مناهضة للصفقة، رفع خلالها المتظاهرون صوتهم رفضًا لما وصفوه باتفاق مشبوه يحتوي على بنود مجحفة تتجاوز حدود السيادة الوطنية. وقد وثقت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تعرض ما لا يقل عن 22 شخصًا للتهديد أو الاحتجاز بسبب مواقفهم المعارضة للاتفاقية. ومع ذلك، مضت السلطات التنزانية قدمًا في تنفيذ الاتفاق، متجاهلة الأصوات الشعبية الداعية إلى التراجع عنه.

لا يختلف الأمر كثيرًا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فقد واجهت شركة موانئ دبي اتهامات بالضلوع في فساد مالي. إذ أشارت منظمات مدنية إلى أن الحكومة الكونغولية تلقت أموالاً غير مشروعة من الشركة مقابل منحها مشروع بناء ميناء ضخم في المياه الإقليمية للبلاد، بتكلفة تقدّر بمليار دولار أميركي.

وقد أثار هذا المشروع موجة من الغضب والشكوك حول مدى شفافية العقود والصفقات المتعلقة بثروات البلاد السيادية.

القرن الأفريقي تحت قبضة موانئ دبي

لم تسلم منطقة القرن الأفريقي من انتهاكات الشركة الإماراتية، ويعد أبرز نموذج للانتهاكات الإماراتية في أفريقيا عمومًا، والقرن الأفريقي خصوصًا، هو النزاع مع جيبوتي حول ميناء دوراليه. ففي 2006، وقَّعت موانئ دبي عقد امتياز لمدة 30 عامًا لإدارة الميناء، التابع لشركة ميناء جيبوتي، لكن في 2018، ألغت جيبوتي العقد، حيث تنبهت جيبوتي عام 2012 إلى أن عقد الامتياز الممنوح لشركة موانئ دبي يتضمن بنودًا مجحفة، من بينها منع بناء موانئ جديدة قبل انتهاء مدة العقد.

فضلاً عن سياسات الشركة التي تحد من السيادة الاقتصادية لدولة جيبوتي، فقد استحوذت الشركة الإماراتية على قرار إدارة ميناء دوراليه رغم تملك الهيئة الجيبوتية حصة الأغلبية. ناهيك عن أنّ حصص التملك المتفق عليها لم تتطابق مع نِسب توزيع الأرباح. كما تم الكشف لاحقًا أن نسبة 20٪ من الأرباح كانت تذهب إلى كل من عبد الرحمن بوري، مدير الموانئ الجيبوتية سابقًا (مهندس الصفقة والمقيم بالإمارات حاليًا)، وسلطان أحمد بن سليم رئيس مجلس إدارة موانئ دبي العالمية.

كل هذه الشروط المجحفة والممارسات غير المشروعة التي جاءت بها الشركة في جيبوتي ما كانت سوى إنذارا للدولة للتملص من هذه الشركة، مما حدا بها أن ترفع قضية لرد حقها عام 2012. حاولت شركة ميناء جيبوتي نقل الملكية إلى هيئة الدولة أثناء النزاع القانوني القائم، إلا أن شركة موانئ دبي تمكنت من محاذاة القضاء إليها، وتلقت جيبوتي، العام الماضي، ضربة قانونية قوية عندما أمرت محكمة دولية مقرها لندن الدولة بدفع 385 مليون دولار تعويضا لشركة موانئ دبي العالمية.

توصلت شركة موانئ دبي العالمية إلى اتفاق لإدارة ميناء بربرة في جمهورية صوماليلاند لمدة 30 عامًا؛ تبلغ نسبة الاستثمارات فيه حوالي 442 مليون دولار، وتزويد الميناء برافعات جسرية حيث تتطلع دولة الإمارات إلى تحويله لمركز تجاري إقليمي، وإنشاء منطقة حرة؛ تساهم في تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين صوماليلاند ودولة الإمارات. وبالفعل نجحت الإمارات في تحويل هذا الميناء إلى أفضل وأهم الموانئ في منطقة القرن الأفريقي في السنوات الأخيرة، حيث ارتفع مركزه في مؤشر الحاويات التابع للبنك الدولي مقارنة بميناء جيبوتي ومومباسا المجاورين.

تتّبع شركة موانئ دبي الانقسامات الداخلية في الدول والعرقلات السياسية لتنفيذ أغراضها الاقتصادية، ويظهر ذلك بشكل جلل في حالة الصومال، حيث بصمت الشركة بصفقاتها المثيرة للجدل على الصومال، من خلال استغلال الوضع السياسي الحرج بها لتنفيذ أجندتها الاقتصادية

في السودان، تكررت الصورة ذاتها، حيث واجهت شركة موانئ دبي العالمية احتجاجات حادة من المواطنين عقب الإعلان عن صفقة جديدة عام 2021، تسمح لها بإدارة محطة حاويات الميناء الجنوبي في بورتسودان. واعتبر الناشطون المدنيون أن هذه الصفقة تصب في دعم أجندة اقتصادية أجنبية على حساب المصالح الوطنية السودانية، محذرين من تداعيات التنازل عن إدارة مرافئ حيوية لشركة أجنبية، ارتبط اسمها بصفقات مشبوهة في أكثر من بلد أفريقي.

في ضوء ما سبق، نجحت شركة موانئ دبي العالمية في ترسيخ حضورها داخل القارة الأفريقية، مستفيدة من الفراغات الاقتصادية والسياسية لتحقيق مكاسب استراتيجية ضخمة. غير أن هذا التمدد لم يكن بريئًا أو محايدًا، بل جاء محمّلاً بانتهاكات لحقوق العمال، ودعم لانقسامات سياسية تهدد استقرار الدول الأفريقية.

إن نموذج الاستثمار الذي تقدمه الشركة، وإن بدا واعدًا ظاهريًا، يكشف عند التمحيص فيه عن ممارسات استعمارية جديدة، تتخفى خلف شعارات التنمية والتحديث. أمام هذا الواقع، بات لزامًا على الدول الأفريقية إعادة تقييم شراكاتها مع الجهات الأجنبية، لضمان ألا يتحول السعي نحو التنمية إلى بوابة جديدة للاستغلال وفقدان السيطرة على الموارد السيادية للبلاد.