تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 15 مايو 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

نار تحت الرماد: الصراع في تيجراي ينذر بإشعال القرن الأفريقي

19 أبريل, 2025
الصورة
Geeska Cover
Share

تنبئ كثير من المؤشرات، بأن توقيع اتفاق بريتوريا للسلام، بين حكومة "آبي أحمد" الفيدرالية، و"الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي"، في 2 نوفمبر/تشرين الأول 2022، لم يكن إلا هدنة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق، عاد بعدها الصراع بين المركز والأطراف على أشده، بعدما سعى كل طرف إلى فرض إرادته على الآخر، مستغلا السياقات التي تفرضها البيئة الداخلية والخارجية المحيطة.

ففي الداخل الإثيوبي، لا يزال التباطؤ في تنفيذ بنود اتفاق بريتوريا للسلام، بمثابة بيئة خصبة لتغذية الصراع، بين الحكومة الإثيوبية الفيدرالية و"الجبهة الشعبية لتحرير تجراي"، بما ينذر بالعودة إلى مسار الحرب بينهما مرة أخرى في أي لحظة. وخارجيا، لا يزال اختلاف الرؤى بين إثيوبيا وجيرانها، وبخاصة بين إثيوبيا وإرتيريا، يوفر بيئة محفزة على الدخول في صراع مسلح، قد يجر المنطقة بأكملها إلى أتون حرب واسعة النطاق. ما يجعل الحاجة ماسة إلى الوقوف على أسباب ومحفزات هذا الصراع متعدد الأطراف، من أجل الإعداد لطرح رؤى جديدة، للتحكم في مساراته ومآلاته.

تفكيك الجبهة أو إعادة هيكلتها من أجل السيطرة عليها

على الرغم من استهداف حكومة "آبي أحمد" الفيدرالية، وقف الحرب التي استنزفتها في تيجراي، إلا أنها وضعت نصب أعينها هدفا أو غاية أكبر، وهي وضع "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي" تحت السيطرة. فمن ناحية أولى اشترطت الحكومة بادئ ذي بدء، موافقتها على تشكيل الإدارة الانتقالية التي ستدير الإقليم مرحليا، إلى حين إجراء انتخابات عامة على مستوي الإقليم، لضمان تماهي هذه الإدارة مع سياسات الحكومة القيدرالية.

من ناحية ثانية، تباطأت الحكومة الفيدرالية، في إعادة الاعتراف بشرعية "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي"، حيث رفضت الاستمرار القانوني لها كما كانت قبل الحرب، وقبلت بوصفها حزباً جديداً، وهو الأمر الذي لاقي رفضاً قاطعاً، من كثير من قيادات اللجنة المركزية للحزب (فصيل دبرصيون)، فيما لاقي قبولاً من بعض قيادات اللجنة المركزية للحزب (فصيل جيتاتشو)، وهو ما أجج الصراع بين الفصيلين، وعلى إثر ذلك نظم فصيل "دبرصيون" المؤتمر 14 للحزب، مخالفا بذلك قرارات مجلس الانتخابات الإثيوبي، وهو ما دفع فصيل "جيتاتشو" إلى مقاطعة المؤتمر. وقد كان هذا الانقسام بمثابة فرصة سانحة، للحكومة الفيدرالية لفرض إرادتها على الجميع، فأعلن مجلس الانتخابات الإثيوبي، عدم اعترافة بالمؤتمر (الجمعية العامة)، أو بأي من القرارات الصادرة عنه.

يحاول آبي أحمد التحكم في خيوط هذا الانقسام لتحقيق أهدافه، مع ضبطه حتى لا يتفاقم لدرجة يفلت فيها من يده، فتنفجر الأوضاع بين فرقاء الجبهة، ما قد يشعل صراعاً مسلحاً جديداً في الإقليم

وصل الصراع بين فصيلي الجبهة ذروته، عندما أقدم "دبرصيون" على إقالة "جيتاتشو"، وبعض القادة الآخرين من مناصبهم في الحزب، وهو ما قابله "جيتاتشو"، بإقالة عدد من القيادات المحسوبين على "دبرصيون"، من الإدارة الانتقالية للإقليم، بما في ذلك أربعة أعضاء في مجلس الوزراء.

هكذا، وبسبب هذا الانقسام، امتلك "آبي آحمد" خيوط التحكم، في المسار السياسي في إقليم تيجراي، عبر السيطرة على "الحبهة الشعبية لتحرير تيجراي"، باعتبارها الحزب السياسي الأكبر في الإقليم. ويحاول التحكم في خيوط هذا الانقسام لتحقيق أهدافه، مع ضبطه حتى لا يتفاقم لدرجة يفلت فيها من يده، فتنفجر الأوضاع بين فرقاء الجبهة، ما قد يشعل صراعاً مسلحاً جديداً في الإقليم، وفي سبيل هذا التحكم لجأ "آبي أحمد" إلى تعيين إدارة انتقالية جديدة للإقليم، صَعَدَ فيها اللواء "تادسي وردي"، من منصب نائب رئيس الإدارة الانتقالية، إلى منصب رئيسها، خلفا لـ "جيتاتشو رضا".

نزع سلاح مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي

ثمة قضية أخرى من القضايا الخلافية، بين حكومة "آبي أحمد" الفيدرالية و"الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي"، وهي نزع سلاح مقاتلي الجبهة، وتسريحهم وإعادة إدماجهم في الخدمة المدنية. فعلى الرغم من أن اتفاق بريتوريا للسلام، ينص في مادته (2.1/د) على أن: "نزع الأسلحة الثقيلة سيتم تزامناً مع انسحاب القوات الأجنبية، والقوات غير التابعة لقوات الدفاع الوطنية الإثيوبية، من مناطق الإقليم"، إلا أنه وحتى الآن لم تشرع الحكومة الفيدرالية، في إجلاء القوات المتفق على إجلائها من الإقليم، وفي نفس الوقت لم يتم نزع إلا قدراً يسيراً جداً، من أسلحة قوات "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي".

يكمن الخلاف بين الحكومة المركزية، "والجبهة الشعبية لتحرير تيجراي"، في قضية نزع السلاح، في أن مجلس الأمن القومي الإثيوبي، يرى ضرورة نزع سلاح مقاتلي "الجبهة"، من دون شروط مسبقة، فيما تشترط قيادة "الجبهة"، وبخاصة فصيل "دبرصيون"، أن تنسحب جميع القوات الأجنبية (أي الإريترية)، وجميع القوات غير التابعة للجيش النظامي الإثيوبي الفيدرالي (أي الأمهرية) من الإقليم، قبل إتمام عملية نزع سلاح وتسريح عناصر قوات "الجبهة".

كان هذا الانقسام بمثابة فرصة سانحة، للحكومة الفيدرالية لفرض إرادتها على الجميع، فأعلن مجلس الانتخابات الإثيوبي، عدم اعترافة بالمؤتمر (الجمعية العامة)، أو بأي من القرارات الصادرة عنه

كما أن هناك متغيراً غايةً في الأهمية، يجب وضعه في الاعتبار، وهو أن بعض قوات "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي"، لديها توجهات متنامية للعمل بمعزل عن القيادة المركزية لـ "الجبهة"، وبخاصة أن معظمهم من جهة أولى، يشعرون بمرارات الهزيمة في حربهم ضد الجيش النظامي الإثيوبي، بعد أن كان انتصارهم قاب قوسين أو أدنى، ويعتقدون في خذلان قيادات "الجبهة" لهم، بعقدهم اتفاق بريتوريا، الذي يعدونه اتفاقَ استسلام لا اتفاقَ سلام، وهو ما ينذر بإمكانية استقطاب هذه القوات، من قبل أي قوى خارجية ترغب في محاربة أديس أبابا بالوكالة.

النزاع الحدودي بين تيجراي والأمهرة

ثمة نزاع حدودي قديم، بين إقليم تيجراي وإقليم أمهرة، على منطقتين، وهما: "والقيت" و"راية"، وإبان حرب التيجراي، قامت قوات أمهرية، وتحديدا تلك التابعة لميليشيا "فانو"، باستغلال قتالها بجانب القوات الحكومية الإثيوبية الفيدرالية، ودخلت إقليم تيجراي واحتلت بعض المناطق، ومنها تلك المناطق المتنازع عليها، ولا تزال تحتلها حتى الآن، لا سيما بعد أن انفض تحالفها مع الحكومة الإثيوبية الفيدرالية، ودخولهما في حرب مسلحة، لا تزال دائرة إلى الآن.

ينص اتفاق بريتوريا للسلام، على ضرورة حل الخلافات العالقة حول الحدود، وفق الخيار القانوني، بالاعتماد على الدستور الفيدرالي والقوانين الفيدرالية ذات الصلة، وفي ظل اشتعال حربٍ مسلحةٍ بين حكومة "آبي أحمد" والقوات الأمهرية المتمردة، وفي مقدمتها قوات مليشيا "فانو"، حول مسألة نزع سلاح القوات الأمهرية، وتسريحها وإعادة إدماجها. وقفت حكومة آبي أحمد عاجزة، عن المضي قدما في تنفيذ اتفاق بريتوريا للسلام، بشأن النزاع الحدودي بين إقليمي "تيجراي" و"أمهرة".

تَعتَبِر "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي" قضية الحدود، قضية جوهرية أساسية، يجب حسمها قبل أو بالتزامن مع القضايا الخلافية الأخرى، بينها وبين حكومة "آبي أحمد" الفيدرالية، وتُعَلِق الجبهة، وبخاصة فصيل "دبرصيون"، المضي قدما في باقي القضايا، على إحرازِ تقدمٍ في هذه القضية الحدودية، وهو ما يضع الحكومة الإثيوبية الفيدرالية في مأزق آخر، قد يؤدي تفاقمه إلى إشعال فتيل الحرب من جديد، بينها وبين "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي".

تواجد القوات الإريترية في أراضي إقليم تيجراي

تنفي أسمرة تواجد قوات تابعة لها، في أراضي إقليم تيجراي، بينما يزعم قادة "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي"، تواجد قوات إريترية في إقليمهم، ويعود هذا التضارب إلى أن كلا من الفريقين، يزعم أن الأراضي التي تتواجد فيها هذه القوات هي أراضي تابعة له.

كانت قضية النزاع الحدودي بين إثيوبيا وإريتريا، قد تم تسويته بموجب اتفاق الجزائر، في ديسمبر/كانون الأول عام 2000، بوساطة الاتحاد الأفريقي، وينص الاتفاق على ضرورة تنفيذ قرار لجنة التحكيم الدولية، من خلال اتفاق ثنائي ولجان تابعة للأمم المتحدة، تضع العلامات الفاصلة لترسيم الحدود، وليس عبر السيطرة العسكرية، على المناطق موضع الخلاف. وبالفعل أبدت حكومة "آبي أحمد" نيتها، لتطبيق قرار التحكيم الدولي، المنبثق من اتفاق الجزائر، وإعادة مثلث بادمي الحدودي إلى السيادة الإريترية، إلا أن "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي"، تشترط قبل تنفيذ اتفاق الجزائر، إجراء مفاوضات مباشرة، بينها وأسمرة، وهو أمر ترفضه أسمرة، فضلا عن صعوبة إجرائة في الوقت الحالي، بسبب توتر العلاقات بين أسمرة وأديس أبابا، الناشئ عن توقيع اتفاق بريتوريا بمعزل عن أسمرة، وبسبب الطموحات المعلنة للنظام الإثيوبي، حول امتلاك إلى منفذ بحري على شواطئ البحر الأحمر.

أسباب ومحفزات الخلاف، بين أسمرة وأديس أبابا، لا تزال في تصاعد مستمر، وعلى نفس المنوال لا تزال الحرب الجارية، بين أديس أبابا وميلشيا "فانو" الأمهرية، على أشدها، وينذر هذا كله مجتمعا، باشتعال فتيل الحرب

من هنا تظل قضية الحدود مع إريتريا مثار خلاف، بين الحكومة الإثيوبية الفيدرالية و"الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي"، ويتسبب التراخي في تسويتها، في تصاعد وتيرة الصراع ونبرة الحرب، بين أسمرة وأديس أبابا ومقلي (عاصمة تيجراي)، وفي تهيئة بيئة صراعية، محفزة لتشكيل تحالفات براجماتية وقتية، بين أطراف لا ترغب أديس أبابا في تقاربها، مثل: المتمردين التجراويين والأمهرة وإريتريا، وقد تدخل على هذا الخط دول أخرى، ليست على توافق مع أديس أبابا.

على الرغم من التغييرات التي أجراها "آبي أحمد"، على الإدارة المؤقتة لإقليم تيجراي، لا تزال أسباب ومحفزات الانقسام الداخلي، في "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي" قائمة، خصوصا وأن الرئيس الانتقالي الجديد اللواء "تادسي وردي"، يميل إلى انتهاج نهج سلفه - "جيتاتشو رضا" - الإصلاحي التوافقي مع أديس أبابا، وهو ما يثير فصيل "دبرصيون" المتشدد.

كما أن أسباب ومحفزات الخلاف، بين "الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي" وحكومة "آبي أحمد"، تتفاقم يوما بعد يوم، في ظل تباطؤ هذه الأخيرة أو قُل عجزها، عن تنفيذ بنود اتفاق بريتوريا للسلام، لا سيما في شأن قضايا: نزع السلاح والحدود وجلاء القوات غير المرغوب في تواجدها في الإقليم.

كما أن أسباب ومحفزات الخلاف، بين أسمرة وأديس أبابا، لا تزال في تصاعد مستمر، وعلى نفس المنوال لا تزال الحرب الجارية، بين أديس أبابا وميلشيا "فانو" الأمهرية، على أشدها، وينذر هذا كله مجتمعا، باشتعال فتيل الحرب، بين هذه الأطراف جميعا في أيه لحظة، مما يهد استقرار منطقة القرن الأفريقي جميعها للخطر.

المزيد من الكاتب