تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 9 فبراير 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

ناميبيا وبوتسوانا.. ديمقراطيات مغمورة في أفريقيا

8 ديسمبر, 2024
الصورة
Getty Images
امرأة تدلي بصوتها في مركز اقتراع في ويندهوك في 30 نوفمبر 2024، أثناء التصويت الموسع بعد الانتخابات العامة في البلاد. أعلنت هيئة الانتخابات في ناميبيا في 28 نوفمبر 2024، يومين إضافيين من التصويت في بعض مراكز الاقتراع بعد أن منعت الإخفاقات اللوجستية العديد
Share

شهدت دولتين في الثلث الجنوبي للقارة الأفريقية؛ الشهر الماضي، انتخابات رئاسية وتشريعية، لم تستأثر بما تستحق من اهتمام إعلامي دولي؛ فالتنافسية والسلمية والشفافية التي طبعتها، والأجواء الديمقراطية التي ميَّزتها لم تسترع المتابعة، فالحديث عن هذه الدول أضحى في الإعلام الدولي، بات قرين المجاعات والكوارث والأمراض والأوبئة في صورة نمطية عن بلدان أفريقية.

كانت ناميبيا وبوتسوانا؛ الدولتين المتجاورتين في أقصى جنوب القارة، والعضوين في المجموعة الإنمائية لأفريقيا الجنوبية، على موعد مع انتخابات رئاسية وتشريعية مفتوحة، كأن الأمر يتعلق باقتراع في ديمقراطية عريقة، وليس بدول أفريقية "منسية"، وكانت كلمة الفصل في النهاية للشعب الذي قالها عبر صناديق الاقتراع.

بوتسوانا... الحزب الحاكم إلى المعارضة

تأكد بعد الاقتراع الأخير أن بوتسوانا فعلا واحة ديمقراطية صغيرة (2,6 مليون نسمة)، بنجاحها في تحقيق انتقال سلمي للسلطة بين الحزب الحاكم؛ "حزب بوتسوانا الديمقراطي" الذي ظل في الحكم، منذ تنظيم أول انتخابات في مارس/ آذار 1965، وحزب "مظلة التغيير الديمقراطي". فقد كان مراقبون يرون في تقيد الحزب الحاكم بمواعيد الاستحقاقات الانتخابية، وتنظيمها دوريا وبلا انقطاع، مجرد وسيلة، من زعماء معركة التحرير، لإضفاء الشرعية على البقاء في السلطة.

اختار البوتسوانيون بدورهم وضع حد لأسطورة التحرير، بإحالة حزب ذي مشروعية تاريخية تعود إلى زمن الاستقلال إلى صفوف المعارضة في البرلمان، ومنحهم أغلبية الأصوات لائتلاف "مظلة التغيير الديمقراطي" الذي يُصنَّف على اليسار الديمقراطي، بزعامة المحامي والحقوقي دوما بوكو (54 عاما).

حصد تحالف المعارضة 36 مقعدا في البرلمان، مقابل 4 مقاعد فقط لحزب موكغويتسي ماسيسي، الرئيس المنتهية ولايته، في نتيجة صادمة للطرفين؛ فلا الأخير توقع خسارة بهذه القسوة، بعد 59 عاما في رئاسة البلد منفردا دون تحالفات، ولا الأول انتظر اكتساحا بهذا الحجم، فحزب الرئيس الحالي لوحده نال 19 مقعدا داخل التحالف الثلاثي، بعد 14 عاما من تولي دوما بوكو حزب "جبهة بوتسوانا الوطنية" عام 2010، ثم تشكيله "تحالف التغيير الديمقراطي" بعد عامين من ذلك.

سارع زعيم الحزب الحاكم سابقا إلى الاعتراف بالهزيمة، وتهنئة الحزب الفائز بهذه الاستحقاقات، في مشهد بات مفقودا حتى في الديمقراطيات الغربية. وأضاف موكغويتسي في حفل تنصيب خلفه، "سنكون مسرورين بالانسحاب، لنصبح معارضة بناءة تعمل لمحاسبة الحكومة".

مؤسساتيا، تتبع بوتسوانا نظام حكم شبه رئاسي، يُعين فيه رئيس الجمهورية من الحزب الأكثر تمثيلية في البرلمان، وتتبنى نظام البرلمان الأحادي، المعروف هناك باسم "الجمعية الوطنية" التي تتكون من 69 عضوا، ينتخب 61 منهم بالاقتراع العام السري المباشر لمدة خمس سنوات، ويختار رئيس الجمهورية 6 أعضاء، فيما يكتسب كل من الرئيس والنائب العام الصفة بحكم المنصب.

تعتمد بوتسوانا في التمثيلية أبسط أنماط التعددية؛ أي نمط الفائز الأول، فلدى كل دائرة انتخابية من إجمالي 61 دائرة ممثل واحد عنها في المؤسسة التشريعية، وهو المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات، وليس بالضرورة أغلبية الأصوات في تلك الدائرة. يفتح باب التنافس في وجه المترشحين دون تحديد للعدد، كما أن الانتماء الحزبي ليس شرطا لدخول المنافسة، فهناك إمكانية لترشح المستقلين.

يواجه الوافد الجديد على القصر الرئاسي في غابورون تحديات كبرى، ستجعل خلفيته القانونية وتكوينه الحقوقي الأمريكي على المحك، لعل أكبر على الإطلاق أن بوتسوانا ثاني أكبر منتج للألماس في العالم بعد روسيا، حيث يشكل عماد الاقتصاد البوتسواني؛ 80٪ من الصادرات و1/3 من الموارد المالية و1/4 من الناتج المحلي الإجمالي، تُسجل نسبا عاليا من البطالة تصل إلى 27,6٪، فضلا عن معدلات فقر تقترب من 40٪ من إجمالي سكان البلد.

بعيدا عن معركة "تنويع الاقتصاد" التي تنتظر حكومة بوكو، لضمان الاستجابة لتطلعات الشباب ممن يمثلون 70٪ من سكان البلاد، يواجه الرجل، لكن بشكل شخصي هذه المرة، معركة ترويض بعض الأجهزة في الدولة (مديرية الاستخبارات والأمن) التي توصف بأنها مؤسسة فوق القانون في البلد، استنادا إلى شططها وتجاوزاتها خلال فترة حكم الرئيس السابق.

ناميبيا... سيدة في رئاسة الدولة

استطاع حزب المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا "سوابو" الحاكم في ناميبيا، تفادي تقلبات المشهد السياسي في بوتسوانا، بضمانه البقاء في السلطة، بعد فوزه باستحقاق 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، كما جاء في نتائج اللجنة الانتخابية التي أعلنت نيتومبو ناندي ندايتواه (72 عاما) رئيسة للبلاد، في الجولة الأولى عقب حصولها على 57,31٪ من الأصوات، لتكون بذلك أول امرأة ناميبية تتولى المنصب، منذ الاستقلال عام 1989.

وصف مراقبون سابع محطة انتخابية في تاريخ البلاد، بكونها الأكثر تحديا وأهمية، فشعبية حزب سوابو الذي استمر 34 عاما في السلطة، منذ الاستقلال عن نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، في تراجع مستمر، حيث بلغت 56٪ في رئاسيات عام 2019، بعدما كانت عند حدود 87٪ في انتخابات عام 2014.

تفادى الحزب مصير أحزاب الاستقلال في جنوب أفريقيا وبوتسوانا، مستغلا تشتت جبهة المعارضة في البلد، فهذه المحطة شهدت تنافس 21 حزبا سياسيا على 96 مقعدا في البرلمان، و15 مرشحا للرئاسة. شتت ذلك كتلة الأصوات المعارضة بين الأحزاب السياسية، فأقرب منافس لمرشحة الحزب الحاكم التي كانت في منصب نائبة الرئيس، كان باندوليني إيتولا من حزب "الوطنيين المستقلين من أجل التغيير" الذي حصل على 25,5٪ من إجمالي الأصوات.

في انتخابات البرلمان الذي يتكون من هيئتين: الهيئة العليا؛ المجلس الوطني (26 مقعدا)، والهيئة الدنيا؛ الجمعية الوطنية (104 مقاعد)، حصد الحزب الحاكم 51 مقعدا في هذه الأخيرة، فيما نالت أولى أحزاب المعارضة؛ أي "الوطنيين المستقلين من أجل التغيير"، 20 مقعدا.

تمكن حزب سوابو الحاكم من حماية خزانه الانتخابي نتيجة لذلك، ففي الوقت الذي تفرقت كتلة الشباب التي تمثل القاعدة الانتخابية لقوى المعارضة، حافظ على جذوره القوية في المناطق الريفية، كما ضمن ولاء الفئات العمرية الأكبر سنا بفضل شرعية النضال من أجل التحرر الوطني. ما جعل ناندى ندايتوا، أحد رموز الحزب منذ الستينيات، وخامس رئيس للبلاد، تصرح عقب انتخابها أن "الأمة الناميبية صوتت لمصلحة السلام والاستقرار".

تسجل معطيات البنك الدولي مستويات مرتفعة للفقر في البلد، فأكثر من 64٪ من السكان يعيشون بأقل من 5,5 دولار في اليوم. ويحتاج نحو 48٪ منهم إلى مساعدات غذائية آنية، ونحو 43٪ من الشباب عاطلون عن العمل في واحد من أعلى المعدلات في القارة. لكن ذلك كله لم يمنع الناميبيين من الانتظار في طوابير، ولساعات طويلة بسبب مشاكل لوجيستيكية، فرضت في حالات معينة تمديد عملية التصويت، وذلك من أجل ممارسة حقهم الدستوري، فإيمانهم راسخ بالديمقراطية رغم الويلات والمشاكل التي تتقاذف البلد.

بوتسوانا وناميبيا دولتان في أقصى الجنوب الأفريقي يدود شعبيهما عن الديمقراطية، في استماتة صارت مفقودة حتى في أعرق الديمقراطيات الغربية، وما اقتحام مبنى الكونغريس عقب فوز الرئيس جو بايدن سوى دليلا على ذلك. لكن الإعلام الغربي يتواطأ على تسويق صور نمطية عن دول ومناطق بعينها في القارة، كأنها قدر محتوم لا فكاك منه، فالصومال قرين "المجاعة" ورواندا بالإبادة الجماعية... وهكذا دواليك في قائمة من الإسقاطات التي تثبت استمرار الانحياز ضد أفريقيا.