السبت 19 أبريل 2025
بدأت العلاقة بين دولة جنوب السودان والإمارات العربية المتحدة مع استقلال الدولة الحديثة عن جارتها السودان في 2011، فقبل الإعلان عن دولة جنوب السودان، قام رياك مشار نائب الرئيس سلفاكير بزيارة إلى الإمارات، حيث أقام مؤتمرا صحفيافيدبي، بتاريخ 28 يونيو/حزيران 2011، صرح فيه بأن أول سفارة لدولة جنوب السودان في الخليج ستكون في الإمارات العربية المتحدة، وسيتم افتتاح مكتب تجاري اقتصادي في دبي، يكون بمثابة مكتب إقليمي في منطقة الخليج، يسهم في دعم النشاط الترويجي التجاري لجنوب السودان.
تعتبر جنوب السودان وجهة غنية للاستثمار الخليجي، فقبل إعلان استقلالها في عام 2010 دخلت شركة "توتال" الفرنسية في مفاوضات مع شركة قطر للبترول الدولية حول إمكانية دخولها في مشروع مشترك في مجال الاستكشاف عن النفط وإنتاجه، في منطقة امتياز تصل مساحتها إلى 118 ألف متر مربع جنوب السودان، عملت الشركة في جنوب السودان حتى إنهاء حكومة جنوب السودان عقدها مع الشركة، في بيان صادر عن وزارة النفط في يوليو/تموز 2018، دون تقديم أي تفسيرات حول الأسباب.
ناقش الرئيس سلفاكير عقب زيارة قام بها إلى أبوظبي، في أبريل/نيسان 2019، مع نظيره سموه الشيخ محمد بن زايد أمورا تتعلق بتشجيع الاستثمار بين البلدين، ونتج عن ذلك توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين الإمارات وجنوب السودان، تتمثل في اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب الضريبي، واتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار، وكذا مذكرة تفاهم للتعاون الفني في مجال تدريب الدبلوماسيين بين أكاديمية الإمارات الدبلوماسية ووزارة خارجية جنوب السودان، ومذكرة تفاهم الإعفاء من متطلبات تأشيرة الدخول، واتفاقية المجال الجوي والأجواء المفتوحة التي تم توقيعها من قبل سيف محمد السويدي، المدير العام للهيئة العامة للطيران المدني بدولة الإمارات والمهندس ويندي آدي كيني المدير العام لسلطة الطيران المدني في جنوب السودان في يونيو /حزيران من نفس العام بدبي.
صرح السويدي بأن الإمارات أول دولة في الشرق الأوسط تقوم بتوقيع اتفاقية مع جمهورية جنوب السودان بشأن سياسة الأجواء المفتوحة بين البلدين، على نحو يواكب نمو الحركة الجوية وحركة الركاب والبضائع المتزايدة بين الدولتين، مشيرا إلى أن مثل هذه الاتفاقيات تسهم في تطوير التعاون، وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الإمارات ودول العالم التي تعتبر استراتيجية بالنسبة إليها، بما يسهم في استكشاف الفرص الاستثمارية وتعزيز عملية التبادل التجاري.
يفيد المخطط الموجود في موقع OEC مرصد التعقيد الاقتصادي لعام 2022، في توضيح بيانات التجارة بين الإمارات العربية المتحدة وجنوب السودان، حيث يعرض قيمة وحجم الصادرات والواردات بين البلدين. فقد وصل إجمالي صادرات جنوب السودان إلى الإمارات حوالي 49.5 مليون دولار، ما يجعلها خامس أكبر وجهة تصدير لجنوب السودان من بين 52 دولة، مع تصدر الذهب قائمة المنتجات الرئيسية بقيمة 20.4 مليون دولار.[2]
نقلت وكالة الأنباء الإماراتية التقاء وزير الدولة شخبوط بن نهيان آل نهيان، بالرئيس سلفاكير في العاصمة جوبا في نوفمبر/تشرين الثاني من العام المنصرم، حيث بحث الطرفان سبل تعزيز العلاقة بين البلدين في مجالات مختلفة، مع تأكيد الجانبين على أهمية التعاون فيما يحقق المصالح المتبادلة.
هذا وقد نشرت وسائل إعلامية عالمية أخبار حول اتفاقية نفط مبرمة بين حكومة جنوب السودان وشركة إماراتية، تمتد لعشرين عاماً، فوفقاً لموقع بلومبيرغ فإن شركة غير معروفة يديرها أحد الأقارب البعيدين للعائلة المالكة في أبو ظبي عادل العتيبة، المعروف بـ حمد بن خليفة آل نهيان، وافقت على إقراض جنوب السودان 12 مليار يورو (12.9 مليار دولار) مقابل السداد بالنفط، لمدة عشرين عاما، مما يجعلها واحدة من أكبر صفقات النفط مقابل النقد على الإطلاق.
هناك تقرير غير منشور، أعدّه فريق من المحققين المعينين من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، واطلعت عليه بلومبرغ، يفيد بأن "إدارة مشاريع حمد بن خليفة" (HBK DOP)، وممثل جنوب السودان آنذاك، وزير المالية باك برنابا وشاول، قد وافقا على شروط القرض في وثائق تم توقيعها بين ديسمبر/ كانون الأول 2023 وفبراير/ شباط 2024.
تنص الاتفاقية على بنود تخص البنية التحتية، بالشركة المعنية ستقوم بإنشاء خط أنابيب جديد ومصفاة لتكرير البترول بجنوب السودان. كما يشير التقرير إلى أن 70٪ من فوائد الإتفاق ستعود للبنية التحتية في البلاد، بينما تذهب 30٪ لرأس المال العامل في البلاد.
تأثر اقتصاد جنوب السودان بظروف الحرب القائمة في السودان الآن، والتي بدأت منذ 15 أبريل/نيسان بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وكانت الحكومة السودانية قد دفعت وقتها باستخدام القوة القاهرة، في مطلع عام 2024، فيما يخص اتفاقية النفط المبرمة بينها وبين جنوب السودان، والتي تسمح لجنوب السودان بتكرير نفطها في السودان، وتصديرها عبر ميناء بورتسودان. في آخر اتفاقية نفط أبرمت بين الطرفين، في فبراير/شباط 2022، تتحصل الحكومة السودانية على مبلغ 13 دولاراً (نحو 61.7 مليون دولار سنويا) مقابل كل برميل من النفط الخام المنتج يتم نقله.
يعلق المحلل السياسي أجو لول على هذا، معتبرا أن جنوب السودان فقدت لا يقل عن 900 مليون دولار في أقل من عام، بسبب الضرر الذي لحق بخط الأنابيب الشرقي، جراء قصف الطيران الحربي لمحطة رقم 4 بالعيلفون، وأضاف بأن الوضع قد تفاقم أكثر بسبب فشل كل المبادرات لإحلال السلام بين طرفي النزاع في السودان.
من جهة أخرى، يكشف المسح الذي قام به "platts O PEC" نسب إنتاج جنوب السودان للبترول في الفترة التي تلي الحرب في السودان، حيث بلغت نسبة الإنتاج 150 ألف برميل في اليوم في فبراير/شباط عام 2024، ثم انخفضت إلى 60 ألف برميل في اليوم في شهر أبريل/نيسان من نفس العام، بسبب حدوث تلف في خطوط الأنابيب.
منذ انفصال جنوب السودان، تسعى الحكومة هناك إلى البحث عن خيارات بديلة لنقل البترول، خاصة بعد توقف إنتاج النفط لفترة بسبب الخلافات مع الخرطوم حول رسوم العبور، وقد كان أحد المشاريع المقترحة هو مد خطوط أنابيب البترول عبر منطقة بحيرة توركانا وصولاً إلى ميناء لامو في كينيا، أو عبر إثيوبيا نحو جيبوتي، ضمن مشروع لامو- جنوب السودان- إثيوبيا للنقل، وكان من المفترض أن يتم تنفيذ المشروع عام 2017.
إن من فوائد هذه الصفقة التي لم يعلن عنها من قبل الإمارات وجنوب السودان حتى الآن بأي صورة رسمية، امتلاك جنوب السودان مصفاة خاص بها. وهذا ما فشلت حكومة الرئيس سلفاكير، وفقاً لأجو لول، في تحقيقه منذ عشرين عاما. ما سوف يفتح المجال الآن أمام شراكات جديدة مع الصين التي تستحوذ على إنتاج النفط في البلاد، كما يشرع أبواب أسواق جديدة أمام النفط الجنوب سوداني.
لكن المخاوف تتنامى من هذه الصفقات المقترنة بالنفط، لكونها تغرق الدول بالديون، خصوصا وأن تقريرا نشره محققون من قبل الأمم المتحدة حول جنوب السودان في عام 2021، يفيد بأن مقابل قرض بقيمة 446 مليون دولار، دفعت الدولة 95 مليون دولار فقط كرسوم وفوائد. وقد أدى ذلك إلى خسارة نحو 25٪ من الإيرادات الحكومية، مقارنة بما إذا تم بيع النفط من خلال عقود المناقصات الفورية.
تواجه جنوب السودان تحديات اقتصادية كبيرة بسبب اعتمادها شبه الكامل على عائدات النفط، وهو ما يجعل اقتصادها هشاً، ويضعه في مهب التقلبات العالمية والأزمات، كما حدث مع حرب السودان التي أثرت على عمليات تصدير النفط. لذا تحتاج البلاد لضمان اقتصاد مستقر تنويع استثماراتها في قطاعات أخرى، مثل التعدين والطاقة المتجددة والثروة الحيوانية والزراعة... وقد سبق للأمم المتحدة في أغسطس/أب 2023 أن دعت جنوب السودان إلى تنويع وزيادة استثمارها، حتى تتجنب الدولة أزمة غداء كارثية.
ختاما، نشير إلى أن نجاح أي استثمار في البلاد يجب أن يكون مقترنا بتفعيل أجهزة المحاسبة والشفافية، لضمان استفادة المواطنين من العائدات الاقتصادية، مع وجود قوانين لمكافحة الفساد والرقابة المالية في البلاد، فمن الضروري العمل على تعزيز تطبيقها لضمان إدارة الموارد الوطنية بطريقة تخدم التنمية الشاملة بدلا من أن تكون عرضة لسوء الإدارة والفساد وخدمة المصالح الخاصة.