الجمعة 14 فبراير 2025
تصنف المجتمعات الأفريقية ضمن المجتمعات المحافظة، خاصة في نصفها الشمالي، الذي تغلب عليه الثقافة العربية والإسلامية، والذي تحتل فيه القيم المرتبطة بالعفة مكانًا عالياً على الصعيد الاجتماعي.
إن مفهوم الشرف في أي مجتمع محافظ يظل محصورا بجسد الفتاة، التي يتوجب عليها أن تكون عذراء حتى موعد زواجها، ليس فقط حفاظاً على قيم خاصة وموجهات نفسية ودينية. ولكن لأن جسدها في المقام الأول لا يخصها لوحدها، بل يخص عائلتها كاملة. وفقاً لهذا، فإن تصرفها بهذا الجسد بشكل منفرد غير مسموح به، سيما إذا كان في هذا التصرف ما يعتبره آخرون إساءة.
في ظل هذا الواقع يبرز سؤال مهم وهو: إن كان هذا هو حال أغلب المجتمعات الأفريقية، التي لا تقبل فيها حتى بائعات الهوى أن يتم وصفهن بالعاهرات، والتي تعتبر فيها الشتائم المرتبطة بشرف الأم أو بأعضاء المرأة الجنسية هي الأكثر قسوة، والتي لا يقبل أحد التسامح بها. إذا كان هذا هو الحال، فمن أين يأتي ذلك المحتوى الكبير للمقاطع والمشاهد الإباحية الأفريقية، الذي يغرق مواقع الأنترنت؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب القول، في المقام الأول، بأن كون المجتمعات الأفريقية محافظة في غالبها، فذلك لا يعني عدم وجود استعداد لدى البعض لنشر محتوى إباحي يخصهم، فكما أنه توجد في هذه المنطقة نساء لا يهتمن كثيراً لما يقال عنهن أو بأن يوصفون بالعهر، يوجد كذلك اللواتي لا يهتمن إذا ما تمت مشاهدتهن في أوضاع إباحية أو متعرية، سيما إذا كان لذلك مقابل مجزٍ.
وجود أولئك النساء ووجود أقاليم داخل القارة تتميز بالتسامح إزاء المسائل الأخلاقية، وانفتاح العلاقات الجنسية من الحقائق التي لا يمكن إنكارها. لكن هذه الحقيقة لا تفسر وحدها وجود ذلك الكم الهائل من المحتوى الإباحي. نضع في الاعتبار هنا أن نسبة من يقومون بنشر مقاطع بغرض تجاري مثلًا، أو بحثاً بشكل طوعي عن الشهرة تظل قليلة جداً، كما يظل من النادر مشاركة ممثلات قادمات من أفريقيا في الأفلام الإباحية الغربية ذات الإنتاج الاحترافي.
يقودنا هذا الوضع لمربط الفرس وهو أن غالب هذه المقاطع، التي يمكن للمرء أن يعثر عليها، مأخوذة بغير إذن أو عن طريق التلصص. لكن قبل التفصيل في ذلك، يجب العودة لتعريف الإباحية، وتوضيح الفروق في المعنى بين الثقافتين العربية والغربية حولها.
من الواضح أن كثيراً من المتحدثين عن هذا الموضوع حين يتطرقون للإباحية يمزجون بينها وبين مصطلح "البورنوغرافية"، الذي يعني بشكل حصري الفن المرتبط بتصوير العلاقة الجنسية الكاملة. بهذا التعريف، فإن أي مشاهد أو أي محتوى لا يصل، أو لا يحتوي، على تلك الذروة يبقى، بحسب التعريف الغربي، غير بورنوغرافي، وبالمعنى غير إباحي.
في الثقافة الغربية أيضاً يتم التفريق بين "البورنوغرافية" و"الإيروتيكية"، ففي حين تكون الأولى متعلقة بالجنس الكامل والواضح حصراً، تشمل الثانية كل عمل فني يحتوي على قدر كبير من الإثارة، لكن دون أن يحتوي بالضرورة على مشهد اكتمال العلاقة بين الشريكين.
في القارة الإفريقية، وخاصة في مجتمعاتها المتأثرة بالثقافة العربية، يبدو الأمر مختلفًا قليلاً، حيث لا تكاد توجد فروق ذهنية بين هذه التعريفات والمصطلحات، لتشمل الإباحية كل شيء ابتداء من الرقص المثير وانتهاء بالأفلام والمقاطع الجنسية، وهنا يبدو تتبع مصادر الإباحية بهذا التعريف الفضفاض أمراً شديد التعقيد.
تمت أمثلة شائعة لتسرب ما يمكن أن يوصف بمشاهد الإباحية، فهناك المثال المتكرر، حينما ترقص الفتيات أو النساء في تجمعات أو حفلات خاصة بهن، ثم تقوم إحداهن بالتصوير بغرض التوثيق أو لأي غرض آخر، فتتسرب الفيديوهات إلى الفضاء الرقمي خالقة مشكلة حقيقية للمشتركات فيها. يُظهر هذا المثال الفروق الثقافية بين المجتمعات الأفريقية المختلفة، فبينما لا يعتبر مشهد الرقص، حتى الأكثر تحرراً وتعرياً منه، من المشاهد الإشكالية في بعض المجتمعات، إلا أنه، وللاختلاف البائن في العادات والتقاليد، فإن مثل هذه الفيديوهات التي تنتشر تحت مسميات الإثارة، يمكنها أن تؤدي بسمعة الفتيات في المناطق، التي يغلب على أهلها الإسلام. وصف هذه الفتاة بالسهولة أو التهتك واتهامها بأنها قصدت أن تنشر مثل هذه المقاطع قد يكون مما يهدد حياتها، إن حدث في تلك الفضاءات، التي تنتشر فيها الجماعات المتشددة.
المثال الثاني هو أيضاً تصوير غير إرادي يتم لشريحة تعد تقريباً بلا حقوق في القارة الأفريقية، وهي شريحة بائعات الهوى، حيث لا يجد كثير من الزبائن حرجاً في التقاط الصور أو الفيديوهات لهن، معتبرين ذلك من حقهم، طالما هم يدفعون مقابل الخدمة. في كثير من الأحيان ينجو هؤلاء الزبائن بفعلتهم، بعد نجاحهم في إخفاء وجوههم وأصواتهم. ربما يتصور البعض أن الأمر لا حرج فيه، وهؤلاء يصعب عليهم التفريق بين العمل الإرادي بالدعارة والفضائح الجنسية المرتبطة ببث فيديوهات قد يشاهدها آلاف، بل ملايين المشاهدين.
تمنع نظرة الاحتقار العامة لبائعات الهوى أولئك النساء، في أغلب الأحيان، من رفع شكاوى في مواجهة منتهكي خصوصيتهن، ما يجعلهن وحيدات أمام من يستغلهن، ومن يحصل عن طريقهم على "ترند" مجاني.
من الأمثلة أيضاً المقاطع التي يتم تصويرها من قبل الأزواج، وهي أيضاً تنقسم إلى قسمين: الأول هو الذي يتم تصويره بالتراضي كنوع من المتعة المباحة بين الزوجين، بغرض مشاهدتها لاحقاً، والثانية هي التي يصورها بعض الأزواج بنوايا سيئة، قد يكون من بينها الابتزاز حال ظهور مشاكل بين الطرفين أو في حالة الانفصال. النوع الأول، الذي يبدأ بنية حسنة، يحدث ألا ينتهي بشكل حسن، فمهما كان حرص الزوجين تظل هناك احتمالات لحصول طرف ثالث على محتويات الهاتف النقال أو جهاز الكمبيوتر، كما يظل هناك احتمال وقوع الجهاز نفسه بين يدي أشخاص منزوعي الضمير سواء عبر التهكير أو السرقة. مثل هؤلاء لن يجدوا حرجاً في توزيع ونشر المقاطع الخاصة، التي سوف تجد طريقها للشبكة العنكبوتية التي لا تحدها حدود.
إن الفيديوهات من هذا النوع للأسف باتت شديدة الانتشار، ويمكن لمن يشاهدها أن يلاحظ في كثير من الأحيان أنها لم تكن معدة بغرض إطلاع الغرباء عليها. ما يجب التذكير به هنا هو أن الحذف العادي لهذه المقاطع من على الأجهزة الرقمية لا يعني أنها محيت بشكل كامل، حيث يمكن لمن يرغب، إذا كان يتمتع بالخبرة اللازمة، استعادة جميع ما تم حذفه.
أما مثال تصوير الرجل لزوجته بغرض الابتزاز، وعلى الرغم من كونه صعب القبول من الناحية العقلية، إلا أنه أيضاً بات من المحتويات المنتشرة. لقد برزت، خلال الأعوام الماضية، للعلن في أكثر من دولة أفريقية،
قضايا من هذا النوع، حاول فيها الزوج الانتقام من حبيبته السابقة أو طليقته، عبر نشر فيديوهات لها في لحظات حميمة.
الخلاصة هي أنه، وعلى عكس ما يظهر للمتصفح السريع، فإن المجتمعات الأفريقية، ومع ما تتمتع به من تحرر ظاهر متزامن مع صيحة تصوير فيديوهات جريئة في مواقع، مثل: "يوتيوب" و"تيك توك"، تظل في مجملها مجتمعات محافظة. كل ما هنالك أن الناس ما يزالون في غالبهم يتعاملون ببساطة وببراءة لا تليق مع الهواتف النقالة، التي يمكنها أن تكون وسيلة للإسعاد والتواصل، كما يمكنها أن تكون أداة للتدمير الكامل.