تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 15 مايو 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

مزاعم إسرائيلية ملفقة: صوماليلاند مستعدة لاستقبال الغزيين مقابل الاعتراف

20 مارس, 2025
الصورة
Geeska cover
Share

عادت التقارير الإعلامية التي تروج لفكرة توطين الفلسطينيين في صوماليلاند إلى الواجهة، مع نشر هيئة البث الإسرائيلية تقريرًا استند إلى كل من وكالة رويترز وصحيفة فايننشال تايمز مطلع الأسبوع الجاري. ذكر التقرير أن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين أجروا اتصالات مع ثلاث دول أفريقية هي : السودان والصومال وصوماليلاند، في إطار مقترح ترامب الهادف إلى بحث إمكانية نقل فلسطينيين من قطاع غزة وتوطينهم في هذه الدول، وفق ما نقلته أيضًا وكالة أسوشيتد برس خلال الأيام الماضية.

أفادت المصادر بأن كبار المسؤولين في هذه الدول، خاصة في السودان والصومال، لم يُبدوا اهتمامًا يُذكر بهذه الفكرة، بل أعربوا عن رفضهم الصريح لها. أما بخصوص صوماليلاند، فقد نفى وزير خارجيتها عبد الرحمن ضاهر أدن باكال وجود أي محادثات مع أي طرف حول هذا الملف، مؤكدًا في تصريح لوكالة رويترز أن "أهم أولوياتنا تظل نيل الاعتراف الدولي، بعدما أثبتنا للعالم أننا دولة محبة للسلام وديمقراطية مستقلة منذ 33 عامًا".

رغم نفي صوماليلاند وجود أي محادثات بشأن توطين الفلسطينيين، فإن هيئة البث الإسرائيلية فسّرت هذا الموقف على أنه لا يُغلق الباب أمام نقاشات مستقبلية حول هذا الملف، معتبرة ذلك فرصة للترويج لمقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن توطين سكان غزة خارج أراضيهم. وذكرت الهيئة في تقريرها: "في الواقع، ألمح وزير خارجية صوماليلاند إلى أنه إذا ما اعترفت الإدارة الأميركية، ومن ثم دول أخرى، بدولته، فسيكون بالإمكان مناقشة كل شيء، حتى لو لم يذكر صراحة مسألة استيعاب الغزيين".

غير أن هذا التفسير يبقى اجتهادًا تلفيقيًا من الهيئة الإسرائيلية، ولا يعكس موقفًا رسميًا لصوماليلاند التي تؤكد دعمها الثابت للحقوق الفلسطينية، وسط تأييد واسع للقضية الفلسطينية داخل الرأي العام هناك. لكن مع ذلك، سارعت عدة وسائل إعلام عربية كبرى إلى تحريف رواية هيئة البث الإسرائيلية، حيث نشرت قناة الجزيرة عبر منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، صياغة تُفيد بأن: "صوماليلاند منفتحة علي بحث استقبال الغزيين مقابل الاعتراف"، وهي عبارة لم ترد صراحة في تقرير الهيئة الإسرائيلية، ولا في تصريحات أي مسؤول من صوماليلاند.

وعلى خلاف ذلك، جاء تصريح وزير خارجية صوماليلاند أنه: "لا نريد التكهن بأمور لم تُطرح للنقاش بعد. وعلى جميع الدول الراغبة في مناقشة قضايا محددة معنا أن تبدأ أولًا بتأسيس علاقات رسمية، وفتح بعثات دبلوماسية في بلدنا". 
 

محاولات إعلامية لربط صوماليلاند بإسرائيل

منذ طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي في البيت الأبيض، يوم 4 فبراير/ شباط من العام الجاري، خطة تقضي بنقل سكان قطاع غزة إلى مناطق أخرى، توالت التقارير والتحليلات في وسائل الإعلام الغربية بشأن احتمالات تنفيذ هذه الخطة في منطقة القرن الأفريقي. وتفاوتت التكهنات بين الحديث عن الصومال أو إقليم بونتلاند التابع للحكومة الفيدرالية الصومالية، وصولًا إلى صوماليلاند الذي أعلن انفصاله عن الصومال منذ عام 1991.

ركّزت غالبية التحليلات على صوماليلاند باعتبارها الوجهة "الأكثر ترجيحًا" ضمن هذا السيناريو، مستندة إلى تقارير قديمة تطرقت إلى مزاعم حول نية إقامة قاعدة عسكرية إسرائيلية على سواحلها، لهدف مواجهة جماعة الحوثيين المدعومة من إيران. تعود بداية هذه المزاعم إلى مقال نشرته صحيفة إسرائيلية في يوليو/ تموز الماضي، دعا كاتبه حكومة بلاده إلى بناء علاقات رسمية مع صوماليلاند، تمهيدًا لإقامة وجود عسكري إسرائيلي على ساحل جنوب البحر الأحمر، لمواجهة النفوذ الإيراني المتصاعد في اليمن، حيث تشارك جماعة أنصار الله (الحوثيون) في دعم جبهة الإسناد العسكري لغزة.

في صبيحة يوم الأمس، عادت هيئة البث الإسرائيلية "كان"لترويج مزاعم تدعي فيها أن وزير خارجية صوماليلاند لم يستبعد استضافة لاجئين فلسطينيين من قطاع غزة، مقابل حصول بلاده على اعتراف دولي. ونقلت الهيئة عنه قوله: "الأولوية بالنسبة لنا هي نيل الاعتراف الدولي، لإثبات أننا دولة محبة للسلام وديمقراطية، بعدها يمكننا مناقشة أي قضايا أخرى".
 


رغم أن الوزير لم يُشر صراحة إلى مسألة استيعاب سكان غزة، إلا أن الهيئة فسّرت تصريحه على أنه "قبول ضمني" بالخطة، وهو ما تكرر في بعض حسابات رواد السوشيال ميديا في العالم العربي، وهو تفسير يفتقر إلى سند مباشر من تصريحات المسؤول الصوماليلاندي، ويدخل ضمن البروباغندا الإعلامية الإسرائيلية.

في ردّه على هذه التكهنات الإعلامية، كتب وزير خارجية صوماليلاند ظهر اليوم تغريدة قال فيها: "إن بلاده لم تُجرِ أي مناقشات أو اتفاقيات بشأن الفلسطينيين، وإن سعيها لنيل الاعتراف الدولي يستند إلى تاريخها الفريد، وديمقراطيتها، وعقود من الحكم الذاتي".

من الواضح أن المسألة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمساعي صوماليلاند الممتدة منذ عقود للحصول على اعتراف دولي بها كدولة مستقلة، وهي مساعٍ تحاول بعض التحليلات الصحفية الربط بينها وبين إسرائيل، في محاولة لجرّ قضية صوماليلاند إلى النقاشات حول الموقف عن إسرائيل داخل العالم العربي وفي إفريقيا.
لكن ما يثير الاستهجان حقاً هو اكتفاء المسؤول عن خارجية صوماليلاند بالتصريح بأنهم "منفتحون على النقاش مع إدارة ترامب مقابل الاعتراف"، في وقت أبدى فيه كلٌّ من الصومال والسودان موقفاً واضحاً برفض أي ابتزاز من هذا النوع. حيث لا يجب أن يكون أي مسؤول صومالي "منفتحًا" لمناقشة التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية لضحايا الاستعمار، وخاصةً الاستعمار الإسرائيلي الأمريكي الذي تجدد في غزة هذه الأيام. وكان يجب أن يكون موقفه واضحاً، وبلا لبس، أن تقرير المصير التي تسعى إليه صوماليلاند يجب ان لا يكون للمساومة تحت قبول التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني.

من يروج للفكرة؟

ترتبط هذه المزاعم الجديدة بسلسلة تقارير سابقة حاولت مرارًا ربط صوماليلاند بإسرائيل، خصوصًا منذ وصول إدارة دونالد ترامب إلى السلطة، حيث تكررت روايات تزعم أن تل أبيب تسعى إلى تطوير علاقاتها مع الإقليم بهدف إنشاء قاعدة عسكرية على خليج عدن.

غير أن هذه التقارير تفتقر إلى مصادر موثوقة، وتعتمد في الغالب على إعادة تدوير معلومات من بعضها البعض، دون الاستناد إلى أي تصريحات رسمية من مسؤولي صوماليلاند أو الحكومة الإسرائيلية. وقد بدأت هذه الموجة من التكهنات من منابر إعلامية صغيرة، مثل: Emirates Leaks و(Middle East Monitor (MEM، إذ نشر الأول ما وصفه بـ"تقرير حصري" زعم فيها أن الإمارات العربية المتحدة عرضت تمويل إقامة قاعدة عسكرية واستخباراتية إسرائيلية في صوماليلاند، مستندًا إلى مصادر دبلوماسية مجهولة قالت: "اقترحت الإمارات سرًا إنشاء قاعدة لإسرائيل في صوماليلاند، على أن تتكفل أبوظبي بتمويلها".

لاحقًا، تناقلت بعض وسائل الإعلام هذه المزاعم، لتجد طريقها إلى تقرير نشره موقع صحيفة هآرتس الإسرائيلية الليبرالية، حيث كتب الصحفي نادان فيلدمان مقالًا استعرض فيه سبب تصاعد الاهتمام الإعلامي الإسرائيلي والإقليمي بصوماليلاند. واستند فيلدمان إلى تقرير سابق في جيروزالم بوست، الذي بدوره استقى معلوماته من "إماراتي ليكس".

لكن التقرير وقع في سلسلة أخطاء مهنية فادحة، إذ نسب إلى طالب دكتوراه تركي يُدعى أحمد فيفا ريندي قوله إنه أبلغ الصحيفة بوجود اتصالات مباشرة بين هرجيسا وتل أبيب، وهو ما اتضح لاحقًا عدم صحته. كما ادعى التقرير بشكل مغلوط أن صوماليلاند تحكمها "عشيرة عيسى المسلمة"، في حين أن عشيرة إسحاق تُعد الأكبر في الإقليم. بل إن بحثًا بسيطًا كان كفيلًا بنفي هذه المزاعم، فضلا على أنه لا تُدار صوماليلاند عن طريق العشائر.
 


تأتي عودة هذه المزاعم إلى التداول متزامنة مع طرح إدارة ترامب خطة نقل سكان غزة إلى خارج القطاع، وهي الخطة التي قوبلت بإدانة واسعة من المجتمع الدولي، ورفض قوي من الدول العربية والقوى الأوروبية والقيادات الفلسطينية. وعبّرت كل من السودان والصومال، العضوين في جامعة الدول العربية، عن رفضهما الصريح للفكرة، إذ نقلت فاينانشال تايمز عن مسؤول صومالي قوله: "غزة ملك للفلسطينيين وستبقى لهم. موقف الصومال ثابت".

في المقابل، بدأ موقف الرئيس الأميركي نفسه متناقضًا حيال مصير سكان غزة، إذ عاد ليصرّح الأسبوع الماضي بأنه "لن يُطرد أي فلسطيني من قطاع غزة"، في تراجع واضح عن موقف سابق دعا فيه إلى تهجير الغزيين إلى الدول العربية المجاورة، تمهيدًا لتحويل القطاع إلى ما وصفه بـ"ريفييرا الشرق الأوسط"، بعد حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على القطاع.


قد تُغري فكرة الاعتراف الأميركي حكومة صوماليلاند، لكن أي اتفاق يتضمن استضافة لاجئي غزة من شأنه أن يُهدد استقرار الإقليم القائم بحكم الأمر الواقع، رغم أن سيناريو كهذا لا يبدو واقعيًا أو قابلًا للتنفيذ في المدى المنظور. والأهم مما أغفلته وسائل الإعلام الإسرائيلية وغيرها، ممن أعادت نشر الرواية ذاتها، هو النفي الصريح من رئيس صوماليلاند المنتخب حديثًا، عبد الرحمن محمد عبد الله "عروو"، الذي أكد عدم وجود أي محادثات بين حكومته والولايات المتحدة بشأن توطين فلسطينيين من غزة، مشددًا على ضرورة إيجاد حل يحظى بإجماع عربي ودعم دولي حقيقي للقضية الفلسطينية.

رفض رسمي قاطع من دول القرن الافريقي

 من جهته، أكد وزير الخارجية الصومالي، أحمد معلم فقي، في تصريح لوكالة رويترز أن بلاده "ترفض بشكل قاطع أي مقترح من شأنه تقويض حق الشعب الفلسطيني في العيش على أرضه"، مشددًا على أن مقديشو لم تتلقَّ أي عرض بهذا الخصوص، وتعارض بشدة استخدام أراضيها لإعادة توطين أي طرف، بما في ذلك المهجّرون من غزة. وفي موقف مماثل، نقلت رويترز عن مسؤول حكومي سوداني بارز التأكيد على أن بلاده لم تتلقَ أي عرض أميركي بشأن توطين الغزيين، وأن "أي مقترح من هذا النوع غير مقبول تمامًا" بالنسبة للخرطوم.
 


في السياق ذاته، أكد وزير خارجية صوماليلاند، عبد الرحمن ظاهر أدان، في تصريح لوكالة رويترز، "أن حكومته لم تتلقَ أي مقترح رسمي، ولم تدخل في أي مفاوضات مع أي جهة دولية بشأن إعادة توطين الفلسطينيين". يؤثر طرح مثل هذه الفكرة على موقف الإقليم في سعيه لتقرير المصير، وهو حق تكفله المواثيق الدولية. كما يكشف عن تجاهل المجتمع الدولي لقضية الإقليم، على مدار العقود الماضية، ثم محاولة ربطها بشروط، مثل التطبيع مع إسرائيل، ليثبت أن الأمر ضرب من الابتزاز.

إن التقارير الإعلامية المتداولة منذ أكثر من شهرين مجرد مزاعم إعلامية بلا سند رسمي، إذ لم يصدر عن أي جهة صومالية أو دولية معنية ما يؤكد وجود خطة لنقل الغزيين إلى أراضٍ صومالية، رغم ترويج وسائل إعلام إسرائيلية لتلك المزاعم، بهدف خلق جدل داخلي في الصومال والمنطقة.

وثمة محاولات من بعض الأوساط الصومالية تحاول استغلال هذه التقارير لإعادة إحياء خطاب ربط صوماليلاند بإسرائيل، ومشاريع "تفتيت الأمة الإسلامية" الموجه ضد صوماليلاند. يُذكر أن الحركة الإسلامية في الصومال (الإخوان المسلمون) كانت أول من روج لهذه الرواية، في بيان صدر عن مكتبها في كندا عام 1991، اتهمت فيه إسرائيل وإثيوبيا بالوقوف خلف انفصال صوماليلاند، دون تقديم أي دليل، وفق نص البيان المؤرخ في 10 يونيو/حزيران 1991.

المزيد من الكاتب