الاثنين 28 أبريل 2025
أصدر معهد الاقتصاد والسلام الدولي، مطلع شهر مارس/ آذار الجاري، النسخة الثانية عشر من مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025. يستند التقرير الذي يقدم تحليلا شاملا للاتجاهات والأنماط العالمي المؤثرة على الإرهاب العالمي، والذي صدر لأول مرة عام 2012، على معلومات تجمعها "قاعدة بيانات الإرهاب العالمي التابعة لجامعة ميريلاند الأمريكية.
رصد التقرير في أربعة فصول، تمتد على أكثر من 110 صفحات، ملامح النشاط الإرهابي خلال عام 2024، الذي شهد تطورات مهمة في أكثر من منطقة في العالم، بما في ذلك عودة ظاهرة الهجمات الفردية بقوة إلى داخل عدد من الدول الغربية، مع بقاء منطقة الساحل الأفريقي مركزا عالميا للإرهاب، حيث سجلت 51٪ من إجمالي وفيات الإرهاب عالميا خلال العام المنصرم.
شهد عام 2024 انخفاضا في معدل الهجمات الإرهابية بنسبة 3٪، بإجمالي 3492 هجوما، وبالمثل سجلت الوفيات تراجعا بنسبة 13٪ بمجموع 7555 حالة وفاة. لكن في المقابل، عرف النطاق الجغرافي لهذه الأنشطة اتساعا مقارنة بعام 2023، فعدد الدول التي وقعت بها هجمات ارتفعت من 58 إلى 66 دولة. كما سجل التقرير تدهور وضع النشاط الإرهابي في 45 دولة، وهو أعلى رقم يرصده المؤشر منذ عام 2018.
عودة الهجمات الفردية جديدا في التقرير، حيث قفزت بنسبة 67٪ في الغرب، فنسبة 93٪ من إجمالي الاعتداءات التي شهدتها الدول الغربية نفذها أفراد غير مرتبطين رسميا بجماعات إرهابية، وربما لا احتكاك حسي مباشر بينهم وبين هذه الحركات، ولكنهم يتبنون أفكارا متطرفة عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.
الحديث هنا عن ظاهرة "الذئاب المنفردة"؛ أي تبني الشخص لإيديولوجية متطرفة بشكل ذاتي، ليتحول بعدها إلى تنفيذ عمل إرهابي دون تلقي الدعم أو التوجيه من أي جهة، ما يصعِّب من مهمة تعقبه ومنعه. فخوارزميات المنصات الرقمية تتولى مهمة الاستقطاب بدفع كل باحث عن المحتوى المتطرف نحو محتويات أكثر تطرفا على الأنترنيت.
يثير التقرير في هذا السياق عودة للهجمات إلى ست دول أوروبية (السويد وفنلندا وهولندا والدنمارك وسويسرا وأستراليا) لم تسجل أي هجمات خلال الأعوام الخمسة السابقة. ما يؤكد فرضة التوسيع الجغرافي للنشاط الإرهابي التي تعزى، بحسب معدي التقرير، إلى تنامي مشاعر العداء لإسرائيل بسبب جرائهما الوحشية في قطاع غزة.
سجل التقرير انخفاضا بنسبة 7٪ في الهجمات الإرهابية بمنطقة الشرق الأوسط التي سجلت 618 حادثة، لكن واقع الاستقرار في المنطقة تدهور، بسبب العدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة وانتهاك سيادة لبنان وحتى سوريا، ما أفضى إلى زيادة منسوب التوتر في المنطقة برمتها.
تتصدر الدول الأفريقي قائمة البلدان الأكثر تأثير بالهجمات الإرهابية، فبوركينافاسو في المركز الأول ومعها كل من مالي (4) والنيجر (5) ونيجريا (6) والصومال (7) والكاميرون (10) ضمن العشر دول الأكثر تأثيرا، ما يجعل من أفريقيا بؤرة الإرهاب العالمي. خصوصا منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الذي مركزا عالميا للعام الثامن على التوالي، حيث شهدت لوحدها أكثر من نصف إجمالي الوفيات برسم عام 2024.
تفاهم الخطر الإرهابي في منطقة الساحل التي شهدت ما يزيد عن 19٪ من إجمالي الهجمات، فخمسة من الدول العشر الأكثر تأثرا بالإرهاب متواجدة في هذه المنطقة، ما يعكس عدم الاستقرار المستمر في منطقة الساحل الأفريقي، لا سيما في بوركينافاسو ومالي والنيجر، ما مكن الجماعات المتطرفة من الانتعاش والانتشار.
وهذا ما تؤكده الحصيلة الثقيلة لضحايا هذه الهجمات، بالساحل خصوصا وأفريقيا عاما، فقد بلغت في بوركينافاسو 1532 وفاة، أي 20٪ من ضحايا الإرهاب عام 2024، ووصلت الحصيلة 930 وفاة في النيجر (12٪)، وفي مالي 604 وفاة (8٪). وفي المجمل يفيد التقرير أن ضحايا التطرف في أفريقيا برسم عام 2024 بلغ نسبة 60٪ من إجمالي الضحايا في العالم.
انتعاش التطرف في أكثر من منطقة بأفريقيا عائد بالدرجة إلى هشاشة دول القارة، فالصراع والاقتتال الداخلي والتوترات داخل البلد عناصر تجذب هذه التنظيميات، حيث تنتعش في هذه البيئة وتتقوى أكثر متى كانت في المنطقة معادن أو موارد من يمكن أن تحول إلى مصدر للإمدادات. دون أن ننسى استثمار التناقضات الإقليمية، فهنا يكثر الركون لقاعدة "عدو عدوي صديقي".
يسرد التقرير وضع التطرف في العالم من منظور التنظيمات، معتبرا أن الجماعات الأكثر عنفا في عام 2024، هي: داعش و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، وطالبان باكستان، وحركة الشباب الصومالي، مؤكدا أنها نشيطة حاليا في أكثر من 30 دولة في العالم. وذلك ما تؤكده نسبة الوفيات المنسوبة لهذه الرباعي التي تمثل 80 ٪ حاليا، بينما كانت دون 40٪ في عام 2014.
لا يزال تنظيم داعش الأكثر فتكا بتنفيذه 559 عملية في 22 دولة، أودت بحياة 1805 شخصا، ما يمثل انخفاضا بنسبة 10٪ مقارنة بالعام السابق، حيث تراجع حضوره في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء بشكل كبير، حيث اكتفى 100 هجوما عوضا عن 148 هجوما عام 2023، لكن في المقابل شهد انتعاش ملحوظا في الكونغو الديمقراطية.
اعتبر التقرير "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" ثاني أكثر الجماعات الإرهابية فتكا، فنسبة الوفيات المنسوبة لها (1454 وفاة) زادت ب 46٪؛ وقعت 67٪ منها في بوركينافاسو و22٪ في مالي، فيما ارتفعت هجماتها في المنطقة بأكثر من الربع، بعدما تمددت خارج منطقة الساحل، بتنفيذ هجمات في بنين وتوغو أسفرت عن مقتل 41 شخصا. يبقى أكبر هجوم للتنظيم هو الذي استهدف مليشيات الدفاع الذاتي التابعة للجيش في بوركينافاسو، والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 200 شخصا وإصابة 600 آخرين.
في الشرق الأفريقي، يحظر العنف والتطرف مع حركة الشباب الصومالية التي تهدد أنشطتها استقرار المنطقة برمتها، رغم انخفاض هجماتها بنحو 1/3 حيث قام ب 156 هجوما في العام الماضي، ما انعكس على أعداد الوفيات الناجمة عن عملياتها التي تراجعت بنسبة 25٪؛ من 512 في عام 2023 إلى 387 عام 2024، معظمها كانت في الصومال. يجد هذا الانخفاض تفسيرا له في عمليات مكافحة الإرهاب التي تقودها الحكومة الصومالية والقوات المتحالفة معها ضد الحركة في مناطق عدة في البلاد.
يتأكد بتوالي التقارير سنة تلو أخرى أن كنس البلاد من التطرف يكون برص الصفوف وتوحيد الجبهة الداخلية لتصبح سدا منيعا أمام أي اختراق تنظيمي محلي أو أجنبي. ولنا في العديد من الدول الأفريقية التي استطاعت سحق التطرف، لا سيما المنظم منها (الجماعات)، أكثر من شاهد على ذلك.
خذ على سبيل المثال ليبيا التي كانت تنافس دول القارة الأفريقية في صدارة قوائم احتضان التطرف والإرهاب، قبل أن تتحول إلى دولة خالية من التطرف باحتلالها المركز 53 بجوار السنغال وماليزيا. بذلك يكون الوضع في داخل البلد عنصرا مهما، وحتى حاسما أحيانا، في أي خطوة لمواجهة التنظيمات العابرة للحدود والأوطان.