تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 28 أبريل 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
رأي

موريتانيا: مشكلة المهاجرين غير النظاميين إلى أين؟

24 مارس, 2025
الصورة
Geeska cover
Share

كانت موريتانيا وجهة للمهاجرين الأفارقة، وبالرغم من المشاكل التنموية الجمة التي تعانيها البلاد، تستقطب دوما مواطني دول الجوار للعمل فيها لأسباب متعددة. أولها، أن الشباب الموريتاني أصابهم عزوف كبير عن الأعمال اليدوية التي تتطلب جهدًا بدنيًا، وهو أمر عائد إلى نظرة بعض الموريتانيين المتعالية نحو هذه الأعمال. هذا العامل جعل موريتانيا بحاجة ماسة إلى اليد العاملة في القطاعات غير المصنفة، الأمر الذي استفاد منه الأجانب بشكل كبير، فتراهم بين بناءٍ وسباكةٍ وبيعٍ متجولٍ وصيدٍ، إلى آخره من المهن التي وجد فيها المهاجرون فرصتهم. أما السبب الثاني للهجرة إلى موريتانيا، فهو اعتبارها نقطة عبور إلى الحلم الأوروبي، نظرًا لقربها الشديد من جزر الكناري الإسبانية. 
كلا السببين جعلا آلاف المهاجرين غير الشرعيين يتواجدون على الأراضي الموريتانية، ما أدى إلى احتدام النقاش في الرأي العام حول كيفية التعامل معهم. ينقسم الموريتانيون بين من يدعو إلى معاملتهم بشدة، وترحيلهم في أسرع وقت. وبين من يدافع عنهم، ويرى أن موريتانيا بحاجة إلى الأجانب لتوفير اليد العاملة. 
يحاجج المدافعون عن بقائهم بأن موريتانيا تُعد من بين أكثر الدول الأفريقية التي هاجر مواطنوها بطرق غير شرعية، خلال السنوات الخمس الأخيرة، فقد هاجر أكثر من 12 ألف موريتاني إلى الولايات المتحدة عبر الحدود المكسيكية، وفقًا لتصريح القنصل الأمريكي بنواكشوط عام 2023. ويتساءل أصحاب هذا الرأي: كيف نرضى بأن يهاجر أبناؤنا إلى الدول الأخرى، بينما لا نقبل استقبال مهاجرين في أرضنا؟ أليس هذا منطقًا غير سوي وغير مستقيم؟
أفاد رئيس حكومة جزر الكناري، في تصريح لافت، بوجود 500 ألف مهاجر غير نظامي على الأراضي الموريتانية، محملًا الاتحاد الأوروبي مسؤولية هذا الوضع، مضيفا بأن موريتانيا تُركت وحيدة لمواجهة هذا الكم الهائل من المهاجرين، رغم وضعها الداخلي الذي لا يتحمل أعباء نصف مليون مهاجر. 
يعيدنا هذا التصريح إلى ضرورة تناول اتفاقية الاتحاد الأوروبي مع موريتانيا بشأن المهاجرين غير النظاميين، وهي حتى الآن اتفاقية ضبابية غير واضحة المعالم. بعض الخبراء يعتبرونها مأساة لموريتانيا، حيث ستجعلها موطنًا بديلًا يُرحَّل إليه المهاجرون العالقون في أوروبا. وقد أثارت هذه الاتفاقية جدلًا واسعًا في الأوساط الموريتانية بين ساخطٍ على الحكومة بسببها، ومن يلتمس لها العذر باعتبارها مساهمة في مكافحة الهجرة.


كيف نرضى بأن يهاجر أبناؤنا إلى الدول الأخرى، بينما لا نقبل استقبال مهاجرين في أرضنا؟ أليس هذا منطقًا غير سوي وغير مستقيم؟


على الرغم من تأكيد الحكومة أن موريتانيا لن تكون وطنًا بديلًا للمهاجرين، فإن الأوساط الإعلامية الموثوقة تشير إلى أن مسودة الاتفاقية مائعة، تحتمل عدة تأويلات قد تكون لها عواقب وخيمة. يزداد الشك لدى المتابعين، خاصة بعد تصريح وزير الداخلية الموريتاني في المؤتمر الصحفي الأسبوعي للحكومة، قائلًا: "إذا كانت الاتفاقية ستؤدي إلى تجنيس أي مهاجر، أو إلى اعتبار موريتانيا وطنًا بديلاً لهم، فلترموني بحجر!". يأتي هذا بينما يصرح رئيس حكومة جزر الكناري مرارًا بأن موريتانيا تواجه خطرًا محدقًا بسبب تدفق المهاجرين، الذين ذكرنا الأسباب التي تدفعهم للهجرة إلى موريتانيا.
يشهد الوضع الاقتصادي في موريتانيا أزمات مستفحلة، والبطالة منتشرة بشكل كبير بين الشباب، والحريات في تراجع ملحوظ. هذا يعني أن البلاد ليست في وضع يسمح لها باستقبال مشكلة كبيرة عجزت دول أوروبية ذات اقتصاد متين عن حلها. فإذا تفاقمت أزمة المهاجرين غير الشرعيين، فقد تدخل موريتانيا في أزمة لا تُحمد عقباها. 


أفاد رئيس حكومة جزر الكناري بوجود 500 ألف مهاجر غير نظامي على الأراضي الموريتانية، محملًا الاتحاد الأوروبي مسؤولية هذا الوضع، ومعتبرًا أن موريتانيا تُركت وحيدة لمواجهة هذا الكم الهائل من المهاجرين


لكن يبدو أن الحكومة أدركت خطورة الموقف، وبدأت حملة واسعة ضد المهاجرين غير الحاصلين على إقامات قانونية، حيث رحّلت العشرات منهم إلى مالي والسنغال، وهما من أكثر الدول، التي يهاجر مواطنوها إلى موريتانيا بحثًا عن أعمال يدوية مدرة للدخل.
موريتانيا ليست الدولة الوحيدة التي تواجه مشكلة تدفق المهاجرين، فدول مغاربية أخرى تعاني من الوضع نفسه. فمثلا، وصلت الأزمة في تونس إلى مواجهات مباشرة بين التونسيين والمهاجرين، مما أدى إلى انفلات أمني في بعض الأحيان. 
أعتقد أن مشكلة الهجرة غير الشرعية يجب أن تُطرح في مؤتمرات تُحلَّل فيها الظاهرة من منظور سوسيولوجي، إذ تحولت من مجرد طموح فردي لبعض الأشخاص إلى أزمة اجتماعية تؤرق الدول. الحلول الإجرائية مطلوبة وضرورية، لكن الأكثر جدوى هو دراسة هذه الأزمة العابرة للقارات دراسة علمية، ينجزها خبراء مختصون، للوقوف على الأسباب الحقيقية التي تدفع هذا العدد الهائل من الأشخاص إلى الهجرة غير الشرعية.
من المفارقات العجيبة أن الهجرة تتم من دولة من العالم الثالث إلى دولة أخرى من العالم الثالث! وبالعودة إلى تفاعل الشارع الموريتاني مع تدفق المهاجرين غير الشرعيين، نجد أن الداعين إلى ترحيلهم يعتبرون أن أغلبهم متورطون في جرائم مخالفة للقانون، وأنهم السبب الأول وراء الانفلات الأمني الذي تشهده العاصمة نواكشوط بين الحين والآخر. في المقابل، يرى المدافعون عنهم أن هذه النظرة عنصرية، ويعتبرون أن أغلب منتقدي المهاجرين ينتمون إلى فئة معينة من ذوي البشرة الفاتحة. 
تحول النقاش حول قضية حساسة كهذه للأسف إلى جدل عرقي، تبادل فيه الطرفان الاتهامات، حيث يصف كل طرف الآخر بالعنصرية. هذه الإشكالية قد تؤدي إلى خروج القضية عن سياقها الطبيعي، وتحويلها إلى صراع لوني قد يؤثر، في أفضل حالاته، على تماسك النقاش في الفضاء العمومي الموريتاني، وفي أسوأ حالاته على التماسك بين مكونات الشعب متعدد الأعراق.


الوضع الاقتصادي في موريتانيا يشهد أزمات مستفحلة، والبطالة منتشرة بشكل كبير بين الشباب، والحريات في تراجع ملحوظ. هذا يعني أن البلاد ليست في وضع يسمح لها باستقبال مشكلة كبيرة عجزت دول أوروبية ذات اقتصاد متين عن حلها


أعتقد أن موريتانيا بحاجة إلى التعامل مع هذا الملف باستراتيجية واضحة، تطمئن المواطن الموريتاني على مستقبل بلده. فالمهاجرون غير الشرعيين يمثلون تحديًا كبيرًا أمام الحكومة، يُضاف إلى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تثقل كاهل البلاد. وكما أسلفت، فإن نسب البطالة مرتفعة نسبيًا، إذ تبلغ 11٪، ومتوسط دخل الفرد لا يتجاوز 41 دولارًا شهريًا، وفقًا للتقرير السنوي الذي أعده فريق الاقتصاد والسياسة في مجلة Ceoworld عام 2024.
تحتل موريتانيا المرتبة 191 عالميًا في متوسط دخل الأفراد، وهي مرتبة متأخرة جدًا. ومع ذلك، يبقى السؤال المطروح: كيف يستقطب بلد بهذا الوضع الاقتصادي والاجتماعي مئات الآلاف من المهاجرين؟ وهنا لا نتحدث عن أولئك الذين يريدون العبور إلى أوروبا، بل عن الذين يستقرون في موريتانيا ويجعلونها موطنًا دائمًا لهم.
في الختام، أود أن أؤكد أن مشكلة المهاجرين غير الشرعيين هي أزمة عالمية أثقلت كاهل الدول الكبرى ذات الاقتصادات المتطورة، فكيف سيكون الحال في بلد من العالم الثالث يعاني مواطنوه الفقر والبطالة وانعدام الأمن وينهشه الفساد المالي والإداري ؟
لذلك، فإن الصرخة التي أطلقها عدد من الناشطين الموريتانيين ضد الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي هي صرخة في محلها، وكذلك الأصوات التي نادت بضرورة تسوية أوضاع المهاجرين قانونيًا أو ترحيلهم، فلكلا الموقفين وجاهته الكبيرة.
كأن الحكومة الموريتانية، بعد هذه الصرخات، أدركت أنه لا مجال للعب بالنار في موضوع حساس قد يدخل البلد في أزمات غير معروفة العواقب. فموريتانيا مقبلة على جني ثمار الاكتشافات الهامة المتعلقة بالغاز. ففي هذه السنة، بدأ تصدير الغاز المسال في موريتانيا، وبالتأكيد لن يحتمل البلد أزمة كأزمة المهاجرين غير الشرعيين، التي من شأنها أن تعكر صفو هذا الزهو الاقتصادي الذي يعلق عليه الموريتانيون آمالاً كبيرة، مختلفة عن آمالهم الأخرى التي كانت معقودة على الثروة المعدنية من ذهب ونحاس وحديد، وثروة سمكية. كل هذه الثروات موجودة، والمواطنون، أغلبهم، يرزحون تحت وطأة فقر مدقع نتيجة لفساد مستحكم ينخر الدولة الموريتانية منذ استقلالها إلى اليوم.