تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 16 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
تحليلات

مستقبل مسروق.. كيف تحول حروب أفريقيا الأطفال لقنابل قابلة للاشتعال؟

4 أكتوبر, 2025
الصورة
مستقبل مسروق.. كيف تحول حروب أفريقيا الأطفال لقنابل قابلة للاشتعال؟
Share

مشاهد ربما لا تراها إلا في مناطق النزاع الأفريقية، صغار يحملون السلاح، وآخرون يهربون من أصوات المدافع، بينما فريق ثالث يستعد للنزوح بعدما هدمت الحرب مدارسهم بفعل الهجمات الطائشة، أو استولى المسلحون على المدرسة وحولوها لمخبأ عسكري، لترسم هذه الوقائع مستقبل قرابة 181 مليون طفل أفريقي يعيشون في مناطق النزاعات المسلحة، الممتدة على بقع هائلة من القارة لا سيما في منطقتي الساحل والقرن الأفريقيين، وليكون الصغار في كثير من الأحيان هم الأكثر تأثرًا بالحروب المشتعلة، وقنابلها الموقوتة التي ربما ينزع فتيلها في المستقبل.

واقع مأساوي وتكلفة لا تُحصى

كثيرة هي التقارير الأممية التي تتحدث عن أوضاع الأطفال في مناطق الصراع الأفريقية، حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وصف هذه الحالة بأن "تكلفتها لا تُحصى" مشيرا إلى أن الضرر الذي تُخلفه الحرب على أجساد وعقول وأرواح الصغار، لا يتوقف عند حد خطر الموت بل يمتد إلى صور شتى من التنكيل من بينها الاختطاف والنزوح القسري والعنف الجنسي والتجنيد في القتال وضياع الفرص، أو العيش بإصابات لا تخفيها الأيام.

بلغة الأرقام تقول التقارير الأممية إنه خلال عامي 2022 و2023، وقع 6000 هجوم على الطلاب والمهنيين والمؤسسات التعليمية في مناطق مختلفة من العالم، وأن أكثر من 10,000 طالب ومعلم قد وقعوا ضحايا لهذه الاعتداءات، وأن كثيرا من هذه الأحداث وقعت في السودان ودول شرق القارة التي تشهد نزاعات مسلحة.

وفقًا للمديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسل، فإن جميع الأطفال تقريبًا في مناطق الصراع المسلح خارج المدرسة بسبب الحرب والعنف، حيث ترصد التقارير الميدانية وقوع 32990 انتهاكًا جسيمًا بحق 22557 طفلًا، بعضهم يعيش في جمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال ونيجيريا والسودان وبوركينا فاسو، وآخرون خارج القارة لا سيما في قطاع غزة الفلسطيني.

مستويات العنف الجنسي ضد الأطفال في شرق البلاد أخذت أبعادًا صادمة، حيث أفادت (اليونيسف) بوقوع آلاف الحالات الجديدة خلال شهرين فقط

إن معظم ضحايا الهجمات المسلحة من الفتيان، تقول الأمم المتحدة، وأنه في كثير من الأحيان كانت القوات الحكومية هي المرتكب الرئيسي لعمليات القتل والإصابات، والهجمات على المدارس والمستشفيات، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، منوهة إلى أن أكثر المخاطر التي تواجه الصغار هو تجنيدهم من قبل أطراف الصراع واستخدامهم لأغراض مسلحة، كما هو الحال في الكونغو الديمقراطية، ومناطق حوض بحيرة تشاد وموزمبيق ومنطقة الساحل والسودان والصومال.

تشير إلى أن معظم الأطفال المتأثرين اختطفوا وجُندوا قسرًا، وأن معظم الفتيات الضحايا تعرضن للاغتصاب والعنف الجنسي، وبيعن وشُرين واتُجر بهن، وهو ما دفع أصوات أممية للمطالبة بتوفير وصول إنساني آمن ودون عوائق للأطفال، وتطبيق القوانين الدولية، والقضاء على المتفجرات واسعة النطاق في المناطق المأهولة بالسكان، وحظر الاستخدام العسكري للمدارس، وحظر الألغام الأرضية المضادة للأفراد والقضاء عليها.

أطفال السودان معاناة لا تصدق

يعد السودان واحدا من أكثر المناطق الأفريقية التي يتعرض فيها الأطفال للانتهاكات والحرمان من التعليم، حيث تشير الأرقام التي رصدتها منظمة "أنقذوا الأطفال" إلى أن حوالي ثلاثة أرباع أطفال السودان خارج المدرسة بسبب الحرب المندلعة في البلاد منذ أبريل/نيسان 2023، إذ حُرم قرابة 13 مليون طفل من الدراسة من أصل 17 مليون يعيشون في البلد الواقع في شمال شرق القارة.

تصف المنظمة السودان بأنه يعيش حاليا واحدة من أسوأ أزمات التعليم في العالم، وأن حوالي سبعة ملايين طفل مسجلين أصبحوا غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة بسبب النزاع أو النزوح، وستة ملايين طفل في سن الدراسة غير مسجلين ومعرضين لخطر فقدان فرصة التعليم تمامًا، كما أن 55٪ من المدارس أصبحت مغلقة، والكثير منها تحول لمراكز إيواء.

الواقع السابق دفع المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) كاثرين راسل للقول بأن السودان يواجه أكبر أزمة إنسانية، وأكثرها تدميراً في العالم، محذّرة من أن البلاد التي يعيش فيها أكثر من 30 مليون شخص - أكثر من نصفهم من الأطفال- باتت في قبضة الفظائع الجماعية والمجاعة والأمراض الفتاكة، وأن الأطفال يتحملون وطأة العنف، بما في ذلك القتل والعنف الجنسي والتجنيد القسري في الجماعات المسلحة.

معظم الأطفال المتأثرين اختطفوا وجُندوا قسرًا وأن معظم الفتيات الضحايا تعرضن للاغتصاب والعنف الجنسي، وبيعن وشُرين واتُجر بهن، وهو ما دفع أصوات أممية للمطالبة بتوفير وصول إنساني آمن ودون عوائق للأطفال

وتشير المسؤولة الأممية إلى أنه ما بين يونيو/حزيران وديسمبر/كانون الأول 2024 فقط، سُجِّلت اليونيسيف أكثر من 900 حالة انتهاك جسيم لحقوق الطفل، 80٪ منها تتعلق بالقتل أو التشويه، مؤكدة أنها استمعت لشهادات مروعة عن حالات اغتصاب، وأن ما يُقدر بنحو 12.1 مليون امرأة وفتاة - وعدد متزايد من الرجال والفتيان - معرضون حاليًا لخطر العنف الجنسي، بزيادة قدرها 80٪ عن العام الماضي.

العنف الجنسي سلاح مسلط على الأطفال

لا يقف الأمر على حد السودان بل تقول التقارير الأممية إن الأطفال في الكونغو الديمقراطية يتعرضون لعنف جنسي متعمد وممنهج، مؤكدة أن مستويات العنف الجنسي ضد الأطفال في شرق البلاد أخذت أبعادًا صادمة، حيث أفادت اليونيسف بوقوع آلاف الحالات خلال شهرين فقط، مما يُشير إلى استخدامه سلاحا ممنهجا وتكتيكا إرهابيا، وأن نحو 45٪ من الضحايا البالغ عددهم 10,000 حالة كانوا من الأطفال خلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2025.

تزامنت الانتهاكات الموجهة للأطفال مع تصاعد التوترات بين متمردي حركة 23 مارس (إم 23) المدعومة من رواندا والقوات الحكومية في جميع أنحاء المنطقة الغنية بالمعادن، وهو ما دفع المتحدث باسم الأمم المتحدة جيمس إلدر للقول إن "هذه الأرقام تقودنا إلى سردية قاسية مفادها أن كل نصف ساعة يُغتصب طفل في شرق الكونغو، وهو ما قد يدمر الأسر والمجتمعات في هذه المنطقة، لاسيما وأن الأرقام المعلنة أقل بكثير من الواقع، إذ أن الوصمة والخوف وانعدام الأمن تجعل الكثيرين لا يبلغون عما تعرضوا له، مما يخلق وباءً خفيًا من العنف الجنسي ستكون له تبعاته في المستقبل".

ليس هذا فحسب بل إن التوقعات تشير إلى أن استمرار الصراعات في الكونغو يعني أنه في عام 2026، سيكون حوالي 100 ألف طفل محرومين من لقاحات الحصبة المنقذة للحياة، ولن يخضع ما يقرب من مليوني طفل لفحص سوء التغذية، وسيُحرم ما يقرب من نصف مليون شخص من الحصول على المياه النظيفة.

لا تعد ظاهرة استهداف الأطفال في أفريقيا حدث عابر أو وقائع حديثة، بل تشير اللجنة الأفريقية للخبراء المعنيين بحقوق الطفل ورفاهيته في تقرير مطول لها إلى أن القارة دأبت على مثل هذه الوقائع، وأن الصراعات الأفريقية مسؤولة عن زيادة بنسبة 50٪ في وفيات الرضع، وأن الأطفال الأفارقة أكثر عرضة للوفاة أثناء النزاع المسلح بسبب المرض والإصابة بمقدار 24 مرة عما هو عليه في وقت السلم، كما تواجه الفتيات على وجه الخصوص تهديدات متزايدة بالاتجار والاستغلال والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

يرصد التقرير واقعا مأساويا في كل من الكونغو والسودان وجنوب السودان والصومال وإثيوبيا وأفريقيا الوسطى، وبعض مناطق نيجيريا، وسيراليون ومالي وليبيا وغيرها من الدول، والتي تسبب النزاع المسلح المستمر فيها دون حصول الأطفال على الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل: الرعاية الصحية والتعليم، إذ تشير البيانات إلى أن أكثر من 45٪ من أطفال غينيا بيساو لا يستطيعون الوصول إلى المدرسة.

الأطفال الذين ولدوا نتيجة اغتصاب أمهاتهن على يد قوات جيش الرب للمقاومة في زمن الحرب في أوغندا، يواجهون أشكالًا مُنهكة من الوصمة، والعنف، والتهميش الاجتماعي والاقتصادي

ليس هذا فحسب بل جرت عمليات تجنيد ضد الأطفال للعمل كمقاتلين وطهاة وأحيانا "زوجات"، وتعرضت كثير من الفتيات للاغتصاب حتى أن بعض الأسر لجأت لتزويج فتياتها في سن صغير لحمايتهن من الزواج من المتمردين، كما أن الفقر وانعدام الأمن جعل بعض الأمهات يُكرهن فتياتهن على البغاء مقابل المال لمساعدة الأسرة.

جروح صامتة تنهش أطفال أفريقيا

الآثار المدمرة على الأطفال لا تقف على ما قد يتعرضون له وقت اندلاع المواجهات المسلحة من موت أو إصابة، بل هي جروح صامتة تبقى لسنوات طويلة على حد وصف دراسة نشرتها مجلة طب الأطفال العالمي، والتي خلصت إلى أن الأطفال المعرضون للحرب يواجهون مجموعةً متنوعةً من المحن التي تتجاوز بكثير التهديدات المباشرة للعنف والنزوح، لأن الضرر الأكثر خبثًا واستمرارًا غالبًا ما ينبع من اختلال العمليات التنموية الأساسية.

تؤكد الدراسة أن للحرب تأثير نفسي عميق على الأطفال، لا يقتصر على الصحة النفسية الفردية فحسب، والتي من بين أعراضها ضعف الذاكرة وتشتت الانتباه، وصعوبة التعلم، بل تُلقي أيضًا بأعباء ثقيلة على الأسر والمدارس وأنظمة الرعاية الصحية، وأن من أكثر النتائج النفسية شيوعًا لدى الأطفال المعرضين للنزاعات المسلحة هي أعراض مثل: الذكريات الاقتحامية والكوابيس المؤلمة واسترجاع الذكريات، والخدر العاطفي وتجنب المحفزات المرتبطة بالصدمة وفرط الإثارة.

ورغم قسوة هذه الأعراض يضيف الباحث دينوف ولاكور، زاوية أخرى من المعاناة تتعلق بالدمج الاجتماعي والوصم الذي قد يلاحق ضحايا الحروب، مشيرا إلى أن الأطفال الذين ولدوا نتيجة اغتصاب أمهاتهن على يد قوات جيش الرب للمقاومة في زمن الحرب في أوغندا، يواجهون أشكالًا مُنهكة من الوصمة والعنف والتهميش الاجتماعي والاقتصادي.

الأطفال يميلون إلى العنف من خلال الملاحظة المتكررة للسلوكيات العنيفة، وأنه يمكنهم تطوير مخططات حول عالم عدائي ومعتقدات معيارية تؤيد العدوان بشكل أكبر

ويقول إن عددا من الناجيات ممن اختُطفن على يد جيش الرب، واحتُجزن لفترات طويلة، وتعرضن للاغتصاب المتكرر والحمل يرون أن زمن الحرب كان أفضل من زمن السلم بسبب الوصمة التي تلاحقهن.

الحرب على الأطفال تدمير للمستقبل

استهداف الطلاب وتدمير مدارسهم وحرمانهم من التعليم لا يمثل كارثة محققة على واقع هؤلاء الصغار وحدهم، بل قد يكون كارثة لمستقبلهم أيضا، إذ تشير مجموعة من الدراسات البحثية إلى أن العنف الذي قد يتعرض له النشء في عمر الصبا والمراهقة، قد يجعلهم أكثر ميلًا للتطرف وانتهاج عنفا مماثلا لما عانوا منه بعد أن يصبحوا راشدين، وهو ما يتطابق مع مفهوم العنف المكتسب الذي طوره المفكر الكندي ألبرت باندورا، والذي يشير من خلاله إلى أن العنف عادة لا يكون سلوكا فطريًا بل مكتسب تشكله البيئة والظروف الاجتماعية المحيطة، وأن الشخص قد يكتسب السلوكيات العنيفة من خلال مراقبة أفعال الآخرين.

تشير هذه النظرية إلى أن الأطفال يميلون إلى العنف من خلال الملاحظة المتكررة للسلوكيات العنيفة، وأنه يمكنهم تطوير مخططات حول عالم عدائي ومعتقدات معيارية تؤيد العدوان بشكل أكبر، حيث تظهر الدراسات التجريبية أن الأطفال الذين شاهدوا أفلاما عن العنف أظهروا عدوانًا جسديًا ولفظيًا، وهو ما قد يكون تأثيره أكبر وأكثر فعالية إذا ما كان الطفل قد عاش بالفعل في دائرة العنف، وليس مجرد التعرض لها بشكل لحظي.

ليس هذا فحسب بل إن وجود المدرسة التي هي أول ما يتعرض للقصف في حروب أفريقيا، قد يمثل مدخلا لتقليل أثار الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في مناطق النزاع، حيث تشير دراسة نشرتها جامعة كامبريدج خلصت إلى أن الترابط المدرسي يمكن أن يكون عاملا أساسيا في حماية الصغار من أثار التعرض للعنف، وأن المدرسة قد تعوض انخفاض مستويات الدعم الاجتماعي في المنزل أو البيئة المحيطة، وهو ما يضع القارة الأفريقية أمام تحديات قد يصعب تجاوزها مستقبلا إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن، وهو ما قد يجعل كثير من الصغار من ضحايا الصراعات قنابل موقوتة تنتظر جر فتيلها.