الاثنين 28 أبريل 2025
دخلت الأزمة بين رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام، الشهير بأحمد مدوبي، والحكومة الفيدرالية فصلًا جديدًا لصالح الأول، بعد تمكن قواته من هزيمة وطرد القوات الفيدرالية في منطقة رأس كامبوني القريبة من الحدود مع كينيا، والتي أرسلتها مقديشو كورقة ضغط على مدوبي.
انفجرت الأزمة بين الطرفين بعد تنظيم مدوبي انتخابات الولاية البرلمانية والرئاسية، وفق النظام العشائري على خلاف رغبة الحكومة الفيدرالية، التي تسعى لتنظيم انتخابات عامة مباشرة. يعيد الصراع ذكرى أخرى مشابهة، حدثت بين أعوام 2019 إلى 2022، بين مقديشو ومدوبي، مع اختلاف هوية سيد فيلا صوماليا. خاض الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو الأزمة ذاتها التي يخوضها الرئيس الحالي حسن شيخ، وانتهت لصالح مدوبي، ودفع الثمن بخسارة ترشحه لعهدة رئاسية ثانية، وعلى ما يبدو فنفس المصير ينتظر حسن شيخ.
تحكي قصة الخلافات بين مدوبي وسيد فيلا صوماليا – القصر الرئاسي – جانبًا هامًا من مأزق بناء سلطة شرعية مستدامة في الصومال، في فصلها الأهم الذي بدأ في عام 2012، بعد التحول من الحكومة الانتقالية إلى الحكومة الفيدرالية، وما صاحبها من تبني الدستور الانتقالي، وإجراء الانتخابات وفق النظام العشائري المعروف بـ"4.5".
لم يكن الرئيس حسن شيخ على وفاق مع مدوبي، في عهده الأول (2012 - 2017)، بسبب انفراده بالسلطة في جوبالاند، منذ تحريرها من قبضة حركة الشباب بمساعدة القوات الكينية في عام 2012. دعمت مقديشو خصومه القبليين حتى عام 2013، ثم تصالحت معه ورعت تأسيس ولاية جوبالاند، واُختير مدوبي رئيسًا انتقاليًا لمدة عامين. فاز الرجل في أول انتخابات للولاية في 2015، وحين حلّ موعد انتخابات 2019 وجد خصمًا جديدًا، هو الرئيس السابق فرماجو (2017 - 2022). عقدت الولاية الانتخابات الثانية في 2019، وفاز مدوبي بعهدة رئاسية ثانية، لكن مقديشو رفضت القبول بالنتائج، بسبب رغبتها في الانتقال لانتخابات مباشرة، وأرسلت قوات فيدرالية إلى إقليم جدو. استهلكت الأزمة التي كانت جزءًا من معارضة سياسية واسعة العامين الأخيرين من عهد فرماجو، الذي اضطر للتراجع والقبول بتنظيم الانتخابات الفيدرالية بعد امتناع لأكثر من عام، وخسر المنافسة لصالح حسن شيخ.
عاد حسن شيخ ثانية إلى فيلا صوماليا في مايو/ أيار 2022، وسرعان ما أعلن عن تبنيه مشروع سياسي يستهدف تعديل الدستور، مكررًا خطة سلفه فرماجو، على الرغم من رفضه لها حين كان الأخير في السلطة. ساير مدوبي الرئيس في خطته، ووقع على اتفاقيات المجلس الاستشاري الوطني، التي تضمنت مراجعة الدستور الانتقالي، وإقرار دستور دائم، واستبدال النظام الانتخابي العشائري بنظام الانتخاب العام المباشر، وتبني نظام تعددية حزبية، يقتصر على ثلاثة أحزاب. بدا أنّ مدوبي تخلى عن حلفائه الدائمين في المعارضة، التي تضم رؤساء سابقين ورئيس ولاية بونتلاند وغيرهم، لكنه كان يمهد لخطة بديلة، نفذها تحت أعين وسمع الرئيس، الذي توهم أنّه أمن جانبه.
مضى الأخير في خطته التي تضمنت تعديل مادتين في دستور الولاية، في أغسطس/ آب 2022، لتصبح مدة رئاسة ولاية الرئيس والبرلمان خمس سنوات بدلاً من أربع، مانحًا تمديدًا لنفسه وللبرلمان لمدة عام، بذلك تنتهي ولايته في أغسطس/ آب 2024 بدلًا من 2023. أكمل تدبيره بتعديل دستوري ثان في يوليو/ تموز الماضي، حذف فيه المادة التي تقصر حقّ الترشح لمنصب رئيس الولاية على عهدتين، مانحًا نفسه الحق للترشح لولاية ثالثة جديدة.
لم يبق أمام الرجل لتحقيق خطته سوى التنصل من تعهداته للرئيس حسن شيخ، فاستغل عقد اجتماع المجلس الاستشاري الوطني للتباحث بشأن الانتخابات في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي منبرا للعودة إلى صفوف المعارضة. حضر مدوبي الاجتماع في مقديشو، ثم أعلن بعد أيام الانسحاب والعودة إلى كسمايو، مبررًا موقفه بعدم إشراك ولاية بونتلاند، وما يُعرف بإدارة خاتمة.
شرع مدوبي في تنفيذ خطة انتخابه لولاية ثالثة، وأعلن عن قطع العلاقات مع مقديشو، ثم نظم انتخابات البرلمان والرئاسة في أقل من أسبوع، ليحوز فترة رئاسية ثالثة. ردت الحكومة الفيدرالية من جهتها بإعلان رفض إجراء أية انتخابات غير مباشرة، وعدم الاعتراف بما جرى في جوبالاند، وبدأت في نقل قواتها عبر الجو، من مقديشو إلى منطقة رأس كامبوني في إقليم جوبا السفلى في الولاية.
تتابعت الأحداث، وأصدرت محكمة إقليم بنادر أمر قبض بحق مدوبي، بعد اتهامه بالخيانة وانتهاك الدستور، وأرسلت نشرة إلى الإنتربول تطلب القبض عليه. أصدرت حكومة جوبالاند بدورها أمر قبض بحق الرئيس حسن شيخ محمود، وأعلنت القطيعة مع مقديشو. كما تحدث مدوبي متهمًا حسن شيخ بانتهاك الدستور، ودعا أصحاب المصلحة من الولايات والساسة إلى الاجتماع، ووجه تحذيرًا إلى القوات الفيدرالية مطالبًا إياها بالانسحاب من رأس كامبوني في غضون 15 يومًا.
ميدانيًا، أعلنت الحكومة الفيدرالية انضمام نحو 300 جندي من قوات جوبالاند إلى قواتها، ونشرت على لسان الجنود شكاوى عن سوء المعاملة، وضعف وعدم انتظام الرواتب، وردت الولاية باتّهام القوات الفيدرالية بارتكاب أعمال عنف واغتصاب وقتل مدنيين في رأس كامبوني. بهدف تفكيك قوات الولاية، أعلنت مقديشو عن استيعاب الجنود والضباط الذين ينشقون عن مدوبي في الجيش الوطني، ومنحهم رواتب ورتب عسكرية وترقيات.
إلى هذا، لم تصرح مقديشو باستخدام القوة للقبض على مدوبي، وبررت خطوتها العسكرية بالاستعداد لاستلام المهام الأمنية من بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية "أتميس"، ومطاردة عناصر حركة الشباب في الولاية. بدورها، رفضت حكومة جوبالاند وجود القوات الفيدرالية، واتهمت في بيان الأخيرة بزعزعة الاستقرار في المنطقة، ونفت وجود قوات تابعة لأتميس فيها. وتنفيذًا لتحذيره، قامت قوات الولاية القادمة من كسمايو بمهاجمة القوات الفيدرالية في المنطقة، وتمكنت من إيقاع هزيمة ثقيلة بها، وسقط عدد من الجنود بين قتيل ومصاب، كما فرّ العشرات من القوات الفيدرالية إلى كينيا. بهذا، فقدت مقديشو ورقة الضغط العسكرية ضد مدوبي، وتسببت الهزيمة التي لحقت بالجيش الوطني في اهتزاز مكانة حسن شيخ وحكومته، فيما تتعالى الأصوات بضرورة تحمله المسؤولية.
حاولت الحكومة الفيدرالية اتباع ثلاثة محاور متوازية للتعامل مع الأزمة، وهي؛ العسكري، ودعم المعارضة الداخلية، وكشف الغطاء الكيني عن مدوبي. في البداية، حققت الحكومة تقدمًا في المحور العسكري، من خلال السيطرة على رأس كامبوني، لكنها فقدت هذه الورقة بعد تعرضها لهزيمة ثقيلة على يد قوات مدوبي.
وفي المحور الثاني الأكثر أهميةً، والذي يعمل بمثابة غطاء قبلي داخلي، لعب رئيس الوزراء حمزة عبدي بري دورًا كبيرًا. ينحدر بري من قبيلة أوغادين في جوبالاند، مثل خصمه مدوبي، وشغل عدة مناصب في مدينة كسمايو التي وُلد فيها، ويتولى قيادة جهود الحكومة الفيدرالية في مواجهة مدوبي، سواء في مرحلة المحادثات المباشرة معه، والتي كان مصيرها الإخفاق، أو في إدارة الأزمة مع الجانب الكيني.
في السياق ذاته، تحظى مقديشو بدعم من إقليم جدو، الذي ينحدر منه الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو، بعد إعلان محافظ الإقليم اصطفافه إلى جانب الحكومة الفيدرالية، وتابعه في الموقف ذاته محافظ منطقة بادهادهي في إقليم جوبا السفلى، القريبة من تمركز القوات الفيدرالية في رأس كامبوني.
مقارنة بالمحورين الأوليين، لم تحقق مقديشو اختراقًا في الموقف الكيني الداعم لمدوبي، وبحسب مصادر صحفية أجرى رئيس الوزراء زيارة غير معلنة إلى كينيا، في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني، للتباحث مع المسؤولين حول الأزمة، وسبقتها عدة زيارات ولقاءات مع وفود كينية، دون نجاح في كسب نيروبي لصالحها.
يبدو للمرة الثالثة أنّ الحظ لم ينفد من مدوبي، الذي أثبت تفوقه السياسي على حسن شيخ وحمزة بري، وتمكن بالمبادرة بالهجوم العسكري من سحب ورقة التهديد بالقوة من يد الحكومة الفيدرالية. في سياق أعم، يقف مشروع حسن شيخ السياسي في مهب الريح؛ فبخسارة الصراع أمام مدوبي لن يتمكن من إجراء الانتخابات العامة المباشرة التي عدل لأجلها الدستور، كما أنّ موقفه بات أضعف أمام بقية الولايات الفيدرالية والمعارضة. يشبه هذا الموقف ما حدث مع الرئيس السابق فرماجو، الذي اضطر في نهاية المطاف إلى العزوف عن مشروعه السياسي، والعودة إلى الانتخابات العشائرية تحت ضغط المعارضة.
في المجمل، يمثّل الصراع مع مدوبي عرضًا لأزمة بناء الدولة في الصومال، التي لا تزال تراوح مكانها، سواء بتكرار نفس الأزمات أو نفس الوجوه. ولئن كانت تلك خطيئة الممسكين بزمام الأمور، فمعارضيهم ليسوا بأحسن حالًا؛ فالجميع منخرط في ألاعيب التنافس على السلطة والموارد، فيما يدفع الشعب وحده الثمن من الأرواح والمستقبل والآمال.