تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 24 مارس 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

مستقبل حركة الشباب بين طالبان وهيئة تحرير الشام

23 يناير, 2025
الصورة
geeska cover
Share

حين سقطت العاصمة الأفغانية كابل بيد حركة طالبان في أغسطس/ آب 2021، ظهرت مخاوف من تكرار سيناريو شبيه في الصومال، في ظل تعثر حرب الحكومة الفيدرالية ضدّ حركة الشباب. جاءت المفاجأة من سوريا، حين أطاحت هيئة تحرير الشام، التي كانت نواتها الصلبة جزء من تنظيم القاعدة وداعش، بنظام الأسد، وفرضت سلطة الأمر الواقع على غرار طالبان.

تبددت المخاوف بعض الشيء بشأن الصومال، حيث لم تستفد الحركة من الدفعات المعنوية بعد سقوط كابل ودمشق بيد جماعتين قريبتين في الأيديولوجيا والأهداف، لكنها لم تختف بالكلية، في عالم عسير على التوقع، وفي ظل وضع داخلي مضطرب.

تمايز الحركات الثلاث

تنفرد كل واحدة من الحركات الثلاث؛ طالبان وهيئة تحرير الشام وحركة الشباب، بخصائص وسمات، تنبع من اختلاف حواضنهم الجغرافية، وطبيعة تكوين ونشأة وتاريخ كل منهم، ويجمعهم تشابه في المنطلقات الفكرية. يوفر سبر أوجه الالتقاء والافتراق بين الحركات الثلاث مدخلًا لفهم المستقبل الذي ينتظر حركة الشباب، التي تسيطر على مساحات غير قليلة في وسط وجنوب الصومال الفيدرالي، منذ تأسيسها عام 2006، بعد تفكك الجناح العسكري لنظام المحاكم الإسلامية، نتيجة الغزو الإثيوبي للبلاد في العام ذاته.

تجتمع الحركات الثلاث على أيديولوجيا الجهاد، وتختلف الهيئة والشباب عن طالبان في كون الأخيرة تتبنى فكرًا جهاديًا محليًا منذ نشأتها، في حين تأسست الهيئة والشباب في بيئة مشبعة بأيديولوجيا الجهاد العالمي، التي تطورت مع أسامة بن لادن، وتنظيم القاعدة، الذي كان له دور كبير في تأسيس الهيئة والشباب على النقيض من طالبان. 

جسدت طالبان الطابع المحلي في الأهداف والنشأة والبنية، فيما اُعتبرت هيئة تحرير الشام مثالًا للعولمة الجهادية، فقد ظهرت فكرتها من العراق، ولم تكن يومًا حكرًا على السوريين، وتقع حركة الشباب في المنتصف بينهما، فهي حركة محلية على صلات محدودة بالحركة الجهادية العالمية.

ساد نموذج طالبان بين الحركات الجهادية الكبيرة، باستثناء داعش، حيث أصبحت الهيئة والشباب بمرور الوقت حركات محلية الطابع، تستهدف إسقاط الأنظمة المحلية، وتبتعد عن استهداف الغرب، بخلاف رؤية تنظيم القاعدة حول الجهاد العالمي.

اشتركت الحركات الثلاث في مواجهة حكومات وطنية وقوات أجنبية، وفي حالتي الهيئة وطالبان كان انهيار الحكومة الوطنية تابعًا لتخلي الحلفاء الأجانب عنها، وهو الأمر الذي تجنبته الحكومة الفيدرالية الصومالية على المدى القريب. بالإضافة إلى هذا، يفرق تقبل المجتمع بين الحركات الثلاث، حيث تأتي الهيئة في الترتيب الأول من حيث الشعبية الجارفة التي تتمتع بها، بعد نجاحها في إسقاط نظام الأسد، بينما لم تحظ حركة طالبان بنفس الشعبية، وأحدثت انقسامًا حادًا في المجتمع، وفي حالة الصومال لا تحظ الشباب بشعبية كبيرة، فقد فقدت الدعم بعد الانسحاب الإثيوبي من البلاد عام 2009، ونتيجة تحولها إلى استهداف المدنيين والتضييق عليهم.

الدولة في الميزان

يتشابه الصومال مع سوريا وأفغانستان في كونهم من الدول الأكثر هشاشة عالميًا، واحتل الصومال المرتبة الأولى، وجاءت سوريا في المرتبة الرابعة، وحلت أفغانستان في المرتبة السابعة، وفق تصنيف عام 2024. قد يبدو مقياس الهشاشة في غير صالح الصومال نظريًا، لكن في الواقع عززت هذه الحالة من المواجهة ضدّ حركة الشباب؛ حيث لا تتمركز السلطة بيد الحكومة الفيدرالية في مقديشو، وتوجد قوى محلية متعددة لديها مصالح في هزيمة حركة الشباب، مثل حكومات الولايات الإقليمية والميليشيات العشائرية وميليشيات دينية على غرار أهل السنة والجماعة الصوفية. ما يعني أنّ حالة اللامركزية التي تقترب من الفوضى السياسية صعّبت الحرب على الشباب، فالحكومة الفيدرالية ليست وحدها في المعركة.

تشترك الدول الثلاث في محورية العامل الخارجي في صمودها، حيث جمعته علاقة طردية مع بقاء الحكومات؛ فكلما زاد حضوره حافظت الدولة على وجودها في مواجهة الحركات الجهادية، وكلما انخفض دوره تقدمت الثانية على حساب الدولة. سقطت الدولة في أفغانستان مع تخفيض الولايات المتحدة وحلفائها من وجودهم العسكري، وتكرر الأمر نفسه مع سوريا، التي تهاوت أمام الهيئة بعد تخفيض الوجود العسكري الروسي، وانشغال إيران وحزب الله في الصراع مع إسرائيل.

على النقيض من هذا، يحافظ الوجود الأجنبي على حضوره في الصومال، ويتميز بالإجماع على الخصومة مع حركة الشباب، وإن لم يخلّ من التنافس البيني، بخلاف سوريا التي عرفت حضورًا أجنبيًا أكبر وأعقد. لكنه لم يتفق ضدّ هيئة تحرير الشام، التي جمعتها علاقات بحكومات دول كبيرة. 

حدث الأمر نفسه مع طالبان، التي كانت لها علاقات مع دول خلال فترة حكمها الأولى بين أعوام 1996 إلى 2001، وجمعتها علاقات بأجهزة استخبارات في دول الجوار، بينما لم تحظ حركة الشباب بعلاقات قوية مع الدول المجاورة، ولم تجد داعمين خارجيين على غرار طالبان وهيئة تحرير الشام.  

ساهم التدخل الأجنبي في الصومال في صعود حركة الشباب في مناسبتين؛ الأولى حين برز دور جماعة معسكر صلاح الدين التي تشكلت الحركة حولها، وذلك إبان عملية "التحالف من أجل استعادة السلام ومكافحة الإرهاب" التي مولتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، للقبض على أعضاء تنظيم القاعدة في الصومال. وبرزت الجماعة أيضا من خلال تصديها لأمراء الحرب المتعاونين مع الوكالة، ثم خلال قيادتها توسع المحاكم الإسلامية وسيطرتها على العاصمة.

تأسست حركة الشباب عام 2006، ونضجت كحركة مستقلة عن المحاكم الإسلامية بعد الغزو الإثيوبي للبلاد في العام نفسه، واستفادت من رفع شعارات مقاومة المحتل الأجنبي في نيل الشعبية، واستقطاب المجندين. 

مستقبل الشباب

يأخذ نشاط ونفوذ حركة الشباب منحى تنازلي، بخلاف طالبان وهيئة تحرير الشام، اللتين حافظتا على منحى تصاعدي لنشاطهما ونفوذهما، قبيل أعوام عدة من انتصارهما. تمكنت طالبان من استيعاب وامتصاص هزيمتها عام 2001، وأعادت رص صفوفها حتى تمكنت من الانتصار، ونجحت هيئة تحرير الشام منذ تأسيسها في التكيف مع التغيرات الداخلية، وإدارة علاقاتها باحترافية مع جميع الفرقاء.

تبدو حركة الشباب الأقل قدرةً على التكيف بين الحركات الثلاث، فلا هي تتمتع بالمرونة النسبية التي تتسم بها طالبان، ولا تكيفت على غرار الهيئة التي قطعت علاقاتها بتنظيم داعش والقاعدة. تعيش حركة الشباب معضلة اعتناق أيديولوجيا جهادية عالمية، فيما الحركة غارقة في المحلية على المستوى العملياتي.

ميدانيًا، خسرت الحركة مساحات واسعة ومدن إستراتيجية لصالح القوات الفيدرالية وحلفائها العشائريين، منذ إعلان الرئيس حسن شيخ الحرب الحاسمة ضدها في أغسطس/ آب 2022، ثم تأقلمت نسبيًا مستفيدة من تباطؤ عمليات الجيش الفيدرالي، بسبب الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، على خلفية التعديلات الدستورية المثيرة للجدل. 

لا يُتوقع أنّ تتمكن الحركة من تحقيق إنجاز عسكري كبير، يمكنها من تغيير معادلة الوضع القائم في البلاد، فحتى مع تراجع العمليات الهجومية لقوات البعثة الأفريقية، لم تستطع الحركة الاستيلاء على مساحات جديدة. كما تفتقد الحركة إلى الخبرات الإدارية التي تملكها طالبان وهيئة تحرير الشام، فلم تتمكن من تقديم نموذج للحكم في المناطق التي تسيطر عليها، على غرار ما قدمته الهيئة في محافظة ومدينة إدلب في شمال غرب سوريا، على مدار أعوام قبل إسقاط نظام الأسد.

يختلف وضع الشباب في الصومال عن الهيئة في سوريا وطالبان في أفغانستان قبيل سيطرتهما على السلطة في البلاد، ويمكن تلخيص هذا فيما يلي:

أولًا، تفتقد حركة الشباب إلى داعمين إقليميين، ويتفق جوار الصومال على ضرورة محاربتها. 

ثانيًا، لا يوجد مشروع دولي أو إقليمي يدعم الحركة، ولا يعمل أحد على توظيفها لتحقيق مكاسب سياسية كبيرة، وبالأحرى لا يوجد تصور حول وضعها في مستقبل الإقليم.

ثالثًا، يتعزز التواجد العسكري الأجنبي في الصومال، بخلاف تراجعه في أفغانستان وسوريا قبيل سقوط حكومتيهما. ونجحت الحكومة الفيدرالية في تعزيز التعاون العسكري الدولي مع الشركاء التقليدين، مثل: الولايات المتحدة وتركيا، كما عززت علاقاتها مع دول جديدة مثل مصر. 

رابعًا، لا تزال حركة الشباب منغلقة على تناقضاتها الأيديولوجية، حيث لم تتكيف مع التحولات الواسعة التي عرفتها البلاد، فلم تنخرط في مناقشة القضايا السياسية من منظور واقعي، ولا تزال على رؤيتها الأيديولوجية القائمة على التمايز المزعوم بين الكفر والإيمان. 

خامسًا، تدفع البنية القلبية للمجتمع الصومالي نحو التخلص من حركة الشباب، كما في ولايتي هرشبيلى وغلمدغ، حيث تشكلت ميليشيات عشائرية معروفة بـ"معويسلي" للقتال ضد الحركة، وطردها من أراضي القبائل.

لئن كانت المؤشرات في غير صالح الحركة، إلا أنّها لا تزال قادرة على البقاء، مستفيدة من الصراعات السياسية والقبلية، وتأزم بناء الدولة الفيدرالية، وسوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية. لكن لا يبدو أنّ الحركة قادرة على إحراز نصر كبير على غرار طالبان وهيئة تحرير الشام، حيث لا يزال العامل الخارجي يحافظ على دعمه القوي للحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية، ويساعد القوات الفيدرالية في حربها ضدّ الحركة. أيضًا لا يبدو في الأفق تغير في المحيط الإقليمي نحو توظيف الحركة، ويمكن القول إنّ الحركة تعيش في محيط معادي؛ داخلي وخارجي. 

استنادًا إلى هذا، ستظل الحركة على إستراتيجيتها الرامية إلى إسقاط النظام الفيدرالي، وطرد جميع القوات الأجنبية، دون قدرة على إحداث اختراق كبير يغير الوضع لصالحها، ومن غير المرجح أنّ تنخرط في محادثات سياسية مع الحكومة الفيدرالية، نظرًا لتناقضاتها الأيديولوجية، وعدم قدرتها على التكيف مع ممارسات السياسة الحديثة، واستمراراها على علاقتها بتنظيم القاعدة، بخلاف هيئة تحرير الشام التي أعلنت قطيعة مع التنظيم بعد أعوام قليلة من تأسيسها، وتبنت خطابًا متصالحًا مع النظام الدولي.