الأربعاء 19 فبراير 2025
في أعقاب الانتخابات الحاسمة في جمهورية صوماليلاند المعلنة ذاتيا في 13 نوفمبر 2024، رجحة كفة ميزان التنافس بين تايوان والصين على الاعتراف الدبلوماسي، في منطقة القرن الأفريقي، لصالح الصين. قبل الانتخابات، وفي ضمن استراتيجية إعادة انتخابه، أقام رئيس صوماليلاند موسى بيحي عبدي وحزب كولمية الحاكم شراكة قوية مع تايوان، وتحوط ضد الصين في منطقة البحر الأحمر لحث الدول الغربية على الاعتراف بدولة بصوماليلاند.
وقّع الرئيس عبدي في يناير/ كانون الثاني 2024، مع اقتراب موعد الانتخابات دون الحصول على اعتراف واحد باستقلال صوماليلاند، مذكرة تفاهم مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للحصول على الاعتراف. كانت هذه استراتيجية أخيرة لدفع إثيوبيا التي تستضيف الاتحاد الأفريقي إلى الاعتراف بهرجيسا، سعيا وراء مزيد من الاعتراف بصوماليلاند دولة ذات سيادة. فشلت محاولات تعميق العلاقات مع تايوان، وتوقيع اتفاقية الميناء مع إثيوبيا بحثا عن الاعتراف، في تحقيق أي تقدم في استراتيجيات إعادة انتخاب كولمية.
داخليا، أدت هذه الاستراتيجيات إلى تعميق الانقسامات في صوماليلاند (وسط أعمال عنف بين العشائر في لاسعانود)، وطغت المشاعر القومية الصومالية، ما أدى إلى تأجيج التوترات في مختلف أنحاء المنطقة وخارجها، ما أفضى إلى تشويه صورة صوماليلاند التي كانت تعتبر "واحة من الاستقرار" في منطقة القرن الأفريقي. وبات السعي إلى الحصول على الاعتراف الدولي صعب المنال، مع فقدان ديمقراطية صوماليلاند بريقها.
ساهم تضافر هذه السيناريوهات في الهزيمة الانتخابية للرئيس عبدي وحزبه، حيث تمكن مرشح المعارضة عبد الرحمن محمد عبد الله (عرو) وحزبه وداني من الوصول إلى السلطة، وسط موجة من السخط الشعبي إزاء العلاقات مع تايوان، وبسبب الصراع المميت في الجزء الشرقي من البلاد، واتفاقية الاعتراف بالميناء مع إثيوبيا، وتزايد الأصوات الداعية إلى إعادة التوحيد مع الصومال، وخاصة بين عشائر الأطراف في صوماليلاند.
تتلخص أجندة ما بعد الانتخابات في استعادة صوماليلاند عافيتها، وإنهاء الصراع القبلي، واستعادة الديمقراطية. ولكن عودة دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة السابع والأربعين هي بمثابة بجعة سوداء في الجغرافيا السياسية للقرن الأفريقي. لذا ينبغي للمنطقة أن تستعد لمنافسة جيوسياسية متزايدة، مع تحرك الولايات المتحدة وحلفائها ــ بما في ذلك تايوان ــ لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في أفريقيا، بعد قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي في بكين عام 2024.
يتناول هذا المقال تأثير الاستراتيجيات الرئيسية بين القوى العظمى المتنافسة على انتخابات صوماليلاند، ومستقبل تلك القوى في المنطقة.
إن "استراتيجية الشراكة مع تايوان" التي تبناها الرئيس موسى بيحي عبدي هي أولى الاستراتيجيات التي تبناها قبل الانتخابات. فبعد ثلاثة عقود من إعلان الاستقلال الذاتي عن الصومال في عام 1991، دون الحصول على أي اعتراف دولي، أصبح تحقيق الاعتراف قضية انتخابية رئيسية في عام 2024. في عام 2017، تبنى الرئيس موسى بيحي عبدي عند توليه السلطة، الاستراتيجية التي تتبعها تايوان المتمثلة في إقامة علاقات غير رسمية في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي جعل الدول تتعاون وتدعم جزيرة تايوان بشكل منتظم. وقد شرع بيحي في تأمين نفس "الشرعية غير الرسمية" لبلاده- الشرعية التي تمتعت بها تايوان في جميع أنحاء العالم لعقود من الزمان.
وقع بحلول الأول من يوليو 2020 اتفاقية شراكة مع تايوان، عزز بموجبها شراكة الطرفين، حيث مكن الاتفاق صوماليلاند من فتح "مكتب تمثيلي" في تايبيه عاصمة تايوان. وفي المقابل، أنشأت تايوان مكتبًا في هرجيسا كواحدة من سفاراتها ومكاتبها التمثيلية البالغ عددها 110 في جميع أنحاء العالم.
تهدف الشراكة، وفقًا لألين سي لو، ممثل تايوان في صوماليلاند، بالدرجة الأولى إلى "منع البحر الأحمر من السيطرة الصينية"، وتأمين طريق البحر الأحمر. وفي الفترة 2023-2024، أعطت الشراكة مع تايوان زخمًا لجهود صوماليلاند لكسب اعتراف الولايات المتحدة. سعى الرئيس عبدي بتحوطه ضد النفوذ الصيني في المنطقة، والحفاظ على علاقات وثيقة مع تايوان، إلى تعميق العلاقات غير الرسمية لصوماليلاند مع الولايات المتحدة، بإنشائها مكتبًا تمثيليًا في واشنطن. وبفضل حنكة الدبلوماسية التايوانية، تمكن بيحي من زيارة واشنطن في مارس/ آذار 2022. وقبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، قدمت تايبيه مليوني دولار أمريكي لدعم انتخابات صوماليلاند، ومحاولة إعادة انتخاب الرئيس عبدي، ما أدى إلى تفاقم التوترات مع المعارضة في صوماليلاند، ودعوتها إلى قطع العلاقات مع تايوان.
أعلنت تايوان، في فبراير/شباط 2024، عزمها على إنشاء المزيد من المكاتب التمثيلية في أفريقيا في السنوات القادمة. بعد خروج الرئيس عبدي من السلطة، وتنامي النفوذ الصيني عقب قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي (2024)، التي حضرتها 54 من أصل 55 دولة عضو في الاتحاد الأفريقي، تعترف بـ "مبدأ الصين الواحدة"، باستثناء إسواتيني (سوازيلاند سابقًا)، حليفة تايوان الوحيدة في أفريقيا، ستكون هذه الإستراتيجية أمرا صعب المنال. ومن الممكن القول إن الرئيس عبدي خسر أمام شراكته مع تايوان، وبعد الانتخابات، أصبحت دبلوماسية تايبيه في أفريقيا في موقف دفاعي.
الاستراتيجية الثانية هي اتفاقية "الميناء مقابل الاعتراف" الموقعة بين صوماليلاند وإثيوبيا. مع اقتراب موعد الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني، فشلت استراتيجية الشراكة مع تايوان التي تبناها الرئيس عبدي في تأمين الاعتراف الدولي لصوماليلاند، مما عرض إعادة انتخابه للخطر. سارعت صوماليلاند، بمساعدة المدعي العام البريطاني السابق مايكل إليس، إلى صياغة مذكرة تفاهم بشأن إيجار "الميناء مقابل الحصول على الاعتراف" لإثيوبيا.
وُقِّعَت الاتفاقية مطلع يناير/كانون الثاني 2024، واقترحت منح إثيوبيا، إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر عبر شريط بطول 20 كلم على ساحل خليج عدن الصومالي بطول يبلغ 850 كلم. ضمن استراتيجية لإعادة الانتخاب، كان الهدف من اتفاقية الميناء هو دفع إثيوبيا التي تستضيف مقر الاتحاد الأفريقي، باعتراف صوماليلاند، وأن يحذو حذوها العديد من البلدان الأفريقية والجنوب العالمي.
رغم أن إثيوبيا قدمت لصوماليلاند أرضاً لبناء "سفارتها" في أديس أبابا، فإن اتفاقية الميناء مقابل الاعتراف هي مجرد استراتيجية انتخابية أخرى فاشلة للرئيس عبدي كلفته الانتخابات، بل أشعلت عاصفة واسعة النطاق امتدت عبر منطقة القرن الأفريقي وخارجها. وعلى وجه التحديد، أدت إلى تأجيج التوترات بين اثنين من شركاء الصين الاستراتيجيين في أفريقيا؛ مصر وإثيوبيا، اللتان تزامن دخولهما إلى كتلة البريكس، بصفتها عضوين جديدين، في يناير/كانون الثاني، مع توقيع اتفاقية الميناء.
في أعقاب اتفاقية الميناء، جاءت اتفاقية الدفاع المصرية-الصومالية، وتوريد الأسلحة لجنود مصريين في مقديشو. هز قرار مصر المساهمة بقوات في بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم واستقرار الصومال ،(AUSSOM)كلا من إثيوبيا وصوماليلاند، وقُبيل الانتخابات، شكلت مصر وإريتريا والصومال تحالفًا ثلاثيًا لمنع الطموحات العسكرية الإثيوبية للوصول إلى ساحل البحر الأحمر.
أشعلت المناهضة لعلاقات الرئيس عبدي مع تايوان التوترات داخل عشيرة إسحاق المهيمنة ومع العشائر الأقلية الأخرى، مثل (دارود). كما أشعل استخدامه الجيش للرد على المطالبين بإعادة التوحيد مع الصومال صراعًا عنيفًا في مدينة لاسعانود شرقي صوماليلاند. بحلول أغسطس/ آب 2023، ونتيجة الصراع قتل أكثر من 300 شخص، وشرّد 153000-203000 آخرين. ما جعل صوماليلاند تفقد بريقها، باعتبارها تلك الديمقراطية الصغيرة المستقرة في جنب الصومال التي مزقتها الحروب.
دفع الصراع بشكل أساسي عشيرة دولبهانتي إلى الخروج من النظام الانتخابي، مما جعل انتخابات عام 2024 محصورة داخل عشيرة إسحاق تقريبا. وبعد الهزيمة العسكرية النكراء التي تعرض لها الرئيس عبدي في معركة جوجعادي، كانت هزيمته الانتخابية حتمية تقريبًا.
ألقت تايوان ومعها ممثل الرئيس عبدي في تايبيه، الدكتور محمد حاجي، باللوم في الصراع الذي حدث في لاسعانود على الصين، بسبب "التدخل في السياسة الداخلية لصوماليلاند، وإثارة القلاقل"، وهو ادعاء عززه كتاب في معهد أميركان إنتربرايز بواشنطن (AEI). أنهى صراع لاسعانود، في نظر إدارة بايدن الأمريكية، أسطورة أن صوماليلاند "واحة استقرار" في القرن الأفريقي، كما أدى تأخير الانتخابات مرتين، منذ عام 2022، بسبب الصراع ونقص التمويل إلى تأجيج المخاوف بشأن "التراجع الديمقراطي"، وخفض التفاؤل بشأن صوماليلاند على مستوى العالم.
تفاعلت الصين مع فكرة الشراكة بين صوماليلاند وتايوان باستحضار سياسة "الصومال الواحد"، التي يدعمها أيضًا الاتحاد الأفريقي. وعلى نحو مماثل، ورغم أن إثيوبيا تعد أحد الشركاء الاستراتيجيين الرئيسيين للصين، في منطقة القرن الأفريقي، ودولة محتضنة للعديد من الشركات الصينية والمجموعات الصناعية، فقد ردت بكين على اتفاقية الموانئ مقابل الاعتراف بالتمسك بسياسة "الصومال الواحد"، والدعوة إلى احترام سلامة الأراضي الصومالية.
اتهمت الصين أيضا تايوان بتقويض "سيادة الصومال وسلامة أراضيه"، وجعلت "سياسة الصومال الواحد" أساس تعاونها التنموي مع صوماليلاند. عرضت بكين مثلا، في عام 2020، على حكومة الرئيس عبدي حزمة مساعدات تنموية، لتطوير البنية الأساسية - بما في ذلك المساعدات لبناء الطرق والمطار - بشرط قطع العلاقات مع تايوان، ولكن الرئيس رفض العرض، ما حدا بالصين إلى تجميد أعمالها في صوماليلاند.
عادت الصين بعد الانتخابات، في إطار سياسة "الصومال الواحد"، ضمن اهتمامها بالتعاون التنموي مع منطقة البحر الأحمر. وعلى الرغم من أنها حافظت على وجود عسكري في جيبوتي، منذ عام 2017، إلا أنها اعتبرت ميناء بربرة في صوماليلاند، أحد أكثر الموانئ ازدحامًا في أفريقيا، وكأحد ركائز استراتيجيتها. وقد استثمرت الدول الشريكة الرئيسية للصين، وأعضاء مجموعة البريكس، مثل: الإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا في الميناء، كما اعتبرته الهند بديلاً لميناء جيبوتي المكتظ.
وضعت الصين الإطار اللازم للمساعدة في تأمين السلام والمصالحة في لاسعانود. ويشمل ذلك "نظرة عامة للسلام والتنمية في القرن الأفريقي"، التي أطلقها وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، في يناير/كانون الثاني 2022 للمساعدة في تعزيز السلام والحكم الرشيد، ودعم التنمية. وقد عينت بكين مبعوثًا خاصًا لشؤون القرن الأفريقي، شيويه بينج، لقيادة مبادرات دعم السلام والتنمية والاستقرار في المنطقة، بما في ذلك صوماليلاند. ويمكن أيضًا استخدام هذه الأدوات لمعالجة التوترات التي تنطوي على حلفاء الصين الإقليميين، مثل: إثيوبيا وإريتريا ومصر والصومال في أعقاب صفقة الميناء مقابل الاعتراف.
بلا شك، فإن عودة الرئيس دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة إلى سد الحكم تعتبر البجعة السوداء في الجغرافيا السياسية للقرن الأفريقي؛ وقد تؤدي إلى استعداد لتشكيل مستقبل صوماليلاند بعد الانتخابات. في ولايته الأولى، بعد أن هزته خطوة الصين لإنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي، أقام ترامب علاقات غير رسمية قوية مع صوماليلاند لمواجهة النفوذ الصيني في المنطقة. ومع تسبب الانتخابات في صوماليلاند في ترجيح ميزان القوى هناك لصالح الصين، من المتوقع أن تعمق إدارة ترامب انخراطها في صوماليلاند.
قد يتبنى ترامب خطة بايدن لإنشاء قاعدة عسكرية دائمة في ميناء بربر، ومن المرجح أن تحاول تايوان إقناع واشنطن بإحياء قانون شراكة صوماليلاند المتوقف، والذي تم إنشاؤه في مارس/ آذار 2022 لمراقبة المساعدات الأمريكية لصوماليلاند، وتقييم جدوى إنشاء شراكة بين الولايات المتحدة وصوماليلاند، بما في ذلك التعاون في قضايا الأمن الإقليمي.
يتعرض ترامب بالفعل لضغوط هائلة، وخاصة من جانب جماعات الضغط البريطانية، لحمله على "الوقوف إلى جانب القيم الديمقراطية والاستقرار في صومليلاند" والاعتراف بدولتها. ولكن اعتراف أميركا بصوماليلاند سيظل بمثابة حلم بعيد المنال.