الثلاثاء 11 نوفمبر 2025
يسابق رياك مشار، النائب الأول المعطَّل في جنوب السودان، الزمن لتحويل محاكمته بتهم الخيانة والقتل وجرائم ضدّ الإنسانية إلى منصة تعبئة لأنصاره، فيما تبدو حظوظ البراءة ضعيفة حتى في تقدير مقربين منه. بدأت أولى الجلسات في جوبا يوم 22 سبتمبر/أيلول، بعد أشهر من وضعه قيد الإقامة الجبرية وتعليق مهامه، وتستند الاتهامات إلى هجمات نُسبت إلى «الجيش الأبيض» في نصير خلال مارس/آذار الماضي. يشدد دفاع مشار على حصانته الوظيفية، وعلى أن الاختصاص ينعقد للمحكمة الهجينة المنصوص عليها في اتفاق السلام لعام 2018، لا لمحكمة خاصة داخلية، وهو ما يجعل الملف اختبارًا علنيًا لمعادلة السلطة والعدالة في الدولة الفتية.
المشهد القضائي نفسه بات جزءًا من الصراع السياسي: المحكمة الخاصة رفضت وقف المحاكمة، وضيّقت على فريق الدفاع متذرعةً برُخص المحامين، ما دفع الجلسات إلى التأجيل أكثر من مرة. هذه الإجراءات الإجرائية -من الطعن في الاختصاص إلى إقصاء محامين- تغذّي سردية المعارضة بأن القضية مُسيّسة، وتُقابلها سردية حكومية تربط الملف بمذبحة نصير التي قُتل فيها مئات الجنود، وتسبّبت بتهجير واسع. النتيجة أن قاعة المحكمة تحوّلت إلى مسرحٍ للتنازع على الشرعية أكثر من كونها ساحةٌ لإثبات الوقائع الجنائية.
إقليميًا ودوليًا، تُراقَب المحاكمة بوصفها لحظة مفصلية في تماسك اتفاق 2018 الهشّ؛ إذ تخشى عواصم الجوار والجهات الدولية من أن يؤدي كسر التوازن بين سلفا كير ومشار إلى ارتداد أمني يعيد تدوير الحرب الأهلية. التحذيرات الغربية والإقليمية تركز على معايير المحاكمة العادلة، وعلى ضرورة ألا تتحول الإجراءات إلى أداة إقصاء سياسي، لأن إقصاء أحد قطبي الحكم من خارج صندوق التوافق سيقضم ما تبقى من الثقة بين الشريكين.
في حسابات مشار، قد لا تكون المحكمة بوابة نجاة قانونية بقدر ما هي رافعة تفاوضية لإعادة تدوير مكانته داخل السلطة أو خارجها؛ أما في حسابات الرئاسة فإن استمرار المحاكمة يبعث برسالة «استعادة هيبة الدولة» مع ضبط المخاطر. بين سرديتين متنازعتين، يبقى معيار الحسم هو قدرة جوبا على صون مسار قضائي شفاف ومتّسق مع اتفاق السلام، وإلا فإن الحكم -أيًا كان-سيُقرأ سياسيًا قبل أن يُقرأ قضائيًا، بما يهدد بتوسيع شقوق النظام الانتقالي كله.