تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الثلاثاء 11 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
راهن

مسعد بولس: مهندس دبلوماسية ترامب في أفريقيا

21 أكتوبر, 2025
الصورة
مسعد بولس: مهندس دبلوماسية
Share

كشفت مجلة "أفريقيا إنتليجنس" أنّ مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب لشؤون أفريقيا، يتحرّك منذ أشهر كـ"وكيل حر" يسعى إلى ترسيخ نفسه مهندسًا أول لسياسة واشنطن في القارة، من كينشاسا إلى طرابلس مرورًا بليبروفيل، في وقت تتزايد داخليًا التساؤلات حول موثوقيّته، وطبيعة اتصالاته مع دوائر أعمال مؤثرة. التقرير الذي نُشر اليوم قدّم ملامح نشاطٍ دبلوماسي مكثّف بعيدًا عن الأضواء، لكنه أوضح كذلك أن دوائر رفيعة داخل الإدارة تتابع تحرّكاته عن كثب، وتناقش حدود تفويضه وأدواته.

وبحسب المجلة، فإن جولات بولس الأخيرة شملت عواصم ومحاور أساسية في الشمال والوسط والغرب الأفريقي، مع تركيز خاص على ملفات الطاقة والبنى التحتية والتسويات السياسية الهشة، لا سيما في ليبيا حيث تتداخل الحسابات النفطية بالنزاعات المؤسسية. ما يعكس رغبة في إعادة صياغة مقاربة أميركية تقوم على صفقات ومشروعات نوعية، بدل التركيز التقليدي على المساعدات والإغاثة قصيرة الأمد، وهي مقاربة سبق أن لمح إليها بولس في مناسبات علنية. غير أن الجدل الداخلي حول أسلوبه وشبكة علاقاته يفرض، وفق المصدر ذاته، رقابة متزايدة ومساءلة مستمرة داخل الإدارة الأمريكية.

يأتي ذلك فيما يحاول بولس، منذ تعيينه، في ربيع العام الجاري، مستشارًا رفيعًا لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، تكريس حضوره في واجهات دبلوماسية متعددة، من إحاطات رسمية إلى لقاءات على هامش اجتماعات دولية، مقدّمًا نفسه بوصفه قناة مباشرة لسياسة البيت الأبيض تجاه العواصم الأفريقية، وهو دور أكدته إفادات ومواد رسمية صادرة عن الخارجية الأميركية.

في المقابل، يسعى بولس إلى صياغة خطابٍ ثلاثي الركائز: "السلام والشراكات والازدهار"، يراه أفقا عمليا لإعادة تموضع واشنطن في القارة، مع التشديد على الانتقال من منطق "المعونات" إلى منطق "الاستثمار والتجارة"، وعلى دعم مشروعات ممرات ولوجستيات استراتيجية تربط مناطق التعدين بالأسواق العالمية. وقد قدّم هذه العناوين في مقابلة صحفية مطلع الشهر، مؤكدًا أن السياسة الجديدة توازن بين عدم التدخل في الشؤون الداخلية، والدفع نحو تكامل إقليمي وفرص اقتصادية ملموسة.

يرى المتابعون لملف بولس أن شبكته العابرة للقارات، بوصفه رجل أعمال لبناني المنشأ ارتبطت عائلته لسنوات بالاقتصاد النيجيري، تمنحه قدرة على التواصل مع أطراف غير حكومية ومجموعات نفوذ اقتصادية محلية، ما يفسر تركيزه على قطاعات الطاقة والبنية التحتية والتعدين في دول مثل: الكونغو الديمقراطية والغابون وليبيا.

ورغم أن قرب بولس العائلي من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بوصفه والد مايكل بولس، زوج تيفاني ترامب، أكسبه حضورًا سياسيًا متزايدًا منذ الحملة الانتخابية، فإن أسئلةً ظلت تتردد في الإعلام الأميركي حول توصيفاتٍ مبالغ فيها لمسيرته المهنية وثروته، وهو ما غذّى الجدل الحالي حول حدود دوره الرسمي وغير الرسمي. غير أن المعيار الحاكم داخل الإدارة، كما تفيد تقارير التعيين والمهام، يظل مرتبطًا بنتائج ملموسة على الأرض، وقدرة هذا المسار الشخصي-السياسي على تحويل الوعود إلى اتفاقات واستثمارات.

في المستوى السياسي، يواجه نهج بولس اختبارًا مركّبًا؛ فمن جهة، يحتاج إلى طمأنة شركاء أفارقة بأن التحول من "المعونة" إلى "الشراكة الاستثمارية" لن يعني فراغًا تمويليًا في قطاعات حيوية مثل: الصحّة والطاقة؛ ومن جهة أخرى، عليه إدارة حساسياتٍ داخلية أميركية إزاء الشفافية وتضارب المصالح المحتملين عندما تتقاطع الدبلوماسية مع شبكات الأعمال. وقد ظهرت هذه المعضلة مؤخرًا في نقاشات عامة أثارتها انتكاسات مرتبطة ببرامج مساعدات، قبل أن تُعلن واشنطن جسور تمويل مؤقتة لمعالجة فجوات حادة في بعض البلدان (وإن كان ذلك خارج نطاق اختصاص بولس المباشر)، ما يبرز صعوبة التحول السريع في أدوات النفوذ الأميركي في القارة.

حتى الآن، تبدو وجهة البوصلة الأميركية في أفريقيا قيد التشكل: حضور تفاوضي نشط يتقدمه مستشارٌ نافذ، مقابل حذرٍ بيروقراطي يوازن بين الطموح والضوابط. وستبيّن الأسابيع المقبلة ما إذا كانت جولات الرجل ستُترجم إلى مبادراتٍ مؤسسية راسخة واتفاقات قابلة للحياة، أم ستبقى ضمن حراكٍ شخصي عالي الوتيرة قليل الرسوخ المؤسسي. وفي الحالتين، تظل الملفات الساخنة في كل من ليبيا والكونغو والغابون مسرحًا مفتوحًا لاختبار قدرة المقاربة الأميركية الجديدة على المواءمة بين ضرورات الاستقرار ومقتضيات الاستثمار.