الاثنين 24 مارس 2025
تشتد المعارك بين ولاية بونتلاند وتنظيم داعش المتمركز في جبال علمسكاد بمحافظة بري شرق الولاية، مع اقتراب الدخول في شهرها الثالث. يخوض الطرفان مواجهات شرسة، حيث تسعى بونتلاند إلى تحقيق تقدم ميداني، يمهّد لهزيمة التنظيم وإنهاء وجوده، في حين يحاول الأخير إفشال الحملة عبر شنّ هجمات معاكسة لمنع القوات من إحراز أي تقدم على الأرض.
جاءت هذه العملية العسكرية، وهي الأولى من نوعها التي تشنها الولاية على التنظيم منذ بروزه، من حيث الكثافة والأهداف، في توقيت حساس، على وقع تقارير تؤكد تضاعف أعداد المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيم خلال العام الماضي، ومعظمهم من إثيوبيا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، إضافة إلى بعض دول شرق أفريقيا. كما زادت المخاوف مع تصاعد الحديث عن اختيار عبد القادر مومن، زعيم فرع التنظيم في الصومال، "خليفةً عامًا له"، إلى جانب ما تردد عن نية التنظيم اتخاذ الصومال مركزًا له، مما أثار قلقًا واسعًا بشأن احتمالية تمدد نفوذه في المنطقة والقارة بأكملها، مستغلًا حالة عدم الاستقرار والصراعات المتفاقمة في أكثر من منطقة فيها.
لم تتوقف العمليات العسكرية والاشتباكات بين الطرفين منذ انطلاق الحملة قبل نحو شهرين، إلا أن بعض المواجهات أصبحت استثنائية من حيث شدة القتال وحجم الخسائر التي تكبدها الجانبان، ما عكس ضراوة المعارك الدائرة بينهما، وجسد على أن كلا الطرفين ينظر إليها كحرب مصيرية ووجودية، لا خيار فيها سوى تحقيق الانتصار على الآخر.
بعد أيام قليلة من انطلاق الحملة، وتحديدًا في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، شن مقاتلو التنظيم هجومًا على معسكر طرجالي، أحد أهم معسكرات قوات الولاية حينها، مستهلًا الهجوم بتفجيرات استخدمت فيها سيارات مفخخة، أعقبها اشتباكات عنيفة بين الطرفين. لكن القوات تمكنت من تثبيت دفاعاتها رغم الخسائر التي تكبدتها. أراد التنظيم من خلال هذا الهجوم توجيه ضربة استباقية، تهدف إلى إرباك صفوف القوات، وإثارة الصدمة، والتأثير على معنويات أفرادها لمنع أي هجمات محتملة.
دون أن تتوقف الاشتباكات المتقطعة والعمليات العسكرية طوال الأيام والأسابيع التي تلت، شهد الرابع من فبراير/شباط الجاري معارك دامية بين الطرفين. لكن هذه المرة كانت قوات الولاية هي من بادرت بالهجوم، مستهدفة معسكرات التنظيم، وقد تكبد الطرفان خسائر كبيرة، حيث أكدت الولاية أنها قتلت 57 عنصرًا، معظمهم من الأجانب، ناشرة صورا لجثث بعضهم، فيما فقدت الولاية خلال تلك المواجهات العشرات من جنودها، بينهم عدد من الضباط الميدانيين وقادة بعض الوحدات. وخلال هذا الهجوم، أحرزت قوات الولاية تقدمًا ميدانيًا كبيرًا في عدة محاور، مؤكدةً سيطرتها على مواقع دفاعية وقرى عدة، واعتبرت ذلك بداية لهزيمة التنظيم.
وعلى غرار الهجوم الأول، شن التنظيم فجر 11 فبراير /شباط الجاري هجومًا مباغتًا على الدفاعات الأمامية للقوات، مستهلًا بتفجيرات نفذتها دراجات وعناصر مفخخة، أعقبها اشتباك مباشر بين الطرفين أسفر عن خسائر فادحة، وأكدت الولاية مقتل 27 جنديًا من قواتها خلال القتال، في حين أعلنت تصفية أكثر من 80 عنصرًا من التنظيم، ومع ذلك استطاعت القوات التمسك بمواقعها رغم الخسائر المتكبدة.
عكست تلك المواجهات ومسارها المتمثلة في إصرار الولاية على تحقيق تقدم ميداني يمهّد الطريق لهزيمة التنظيم، مقابل مقاومة عنيفة من التنظيم من خلال شنّ هجمات استباقية، ولجوئه إلى تكتيكات أشد عنفًا ودموية لإلحاق الخسائر بقوات الولاية. تؤكد هذه الديناميكية أن الحرب تمثل لكلا الطرفين معركة وجودية، حيث تعني الخسارة في الميدان لكل منهما الزوال عاجلًا أو آجلًا، غير أن معنى الخسارة يختلف بين الطرفين؛ ففشل الولاية في القضاء على التنظيم يعني خسارتها للحرب، في حين أن هزيمة التنظيم تعني فقدانه لمناطقه بالكامل، مما سيدفع عناصره إما إلى الفرار عبر البحر إلى اليمن أو الاستسلام لقوات الولاية.
يسيطر المقاتلون الأجانب على التنظيم، حيث يتولون المهام الرئيسية فيه، بما في ذلك التخطيط والقتال، وتشير التقديرات إلى أن نسبتهم تبلغ نحو 80٪ من إجمالي مقاتلي التنظيم، الذين يتراوح عددهم بين 600 و1000 عنصر، معظمهم من شمال أفريقيا وإثيوبيا وتنزانيا والشرق الأوسط. في هذا السياق، أكد رئيس ولاية بونتلاند، سعيد عبد الله دني، أثناء حديثه عن هيمنة الأجانب داخل التنظيم، أنهم لم يعثروا على أي جثة لصومالي بين أكثر من 100 قتيل سقطوا في المواجهات.
يراهن التنظيم في تصديه للهجمات على أسلوب المباغتة والكر والفر، بهدف إطالة أمد الحرب واستنزاف قوات الولاية، وتساعد ذلك الطبيعة الجبلية الوعرة للمنطقة، مما يقلل من احتمالات حسم الولاية للمعركة سريعا، رغم وعودها المتكررة بتحقيق ذلك قبل حلول شهر رمضان المبارك.
في الأسابيع الأولى من انطلاق الحملة، لم تحظَ بالاهتمام والمتابعة المطلوبة من الشارع المحلي في الولاية، ولا على المستوى الصومالي بشكل عام. كما لم تلقَ اهتمامًا من الحكومة الفيدرالية، لكن مع مرور الوقت، بدأ التفاعل والاهتمام يظهران تدريجيا، نتيجة الإنجازات الميدانية التي حققتها القوات في مواجهاتها ضد التنظيم، والتي عززت الثقة بقدرتها على تحقيق الانتصارات اللازمة لهزيمته، مما وفر للحملة زخمًا ماديا ومعنويا.
حظيت الحملة في مناطق الولاية بزخم ودعم كبير على المستويين الشعبي والسياسي، حيث شهدت بعض مدن الولاية مظاهرات مؤيدة، إلى جانب حملات لجمع التبرعات لدعم القوات، كما دعا سياسيون وشخصيات اجتماعية، من علماء ووجهاء، إلى مساندة حكومة الولاية في الحرب، مما انعكس إيجابًا على معنويات القوات، وساهم في استمرار العمليات العسكرية.
وعلى المستوى الفيدرالي، لم يكن التفاعل مع الحملة أقل مما هو عليه في الولاية، إذ سارع سياسيون معارضون إلى الإشادة بالعملية، داعين الشعب الصومالي والمجتمع الدولي إلى دعمها، كما أبدى الوجهاء والشخصيات الاجتماعية ورواد مواقع التواصل الاجتماعي تأييدهم، مما عزز شرعية الحملة وجسدها حربا وطنية، تهدف إلى تخليص البلاد من خطر الإرهاب وجماعات لا تميز بين أرض أو إنسان أو دين.
رغم الاتهامات الموجهة للحكومة الفيدرالية بتغاضي الطرف عن العمليات العسكرية في الولاية وعدم تقديمها الدعم اللازم، أشاد مجلس الوزراء لاحقًا بما وصفه بـ"الانتصارات المتتالية" ضد تنظيم داعش، مؤكدًا في الوقت نفسه ضرورة أن تتحمل كل مؤسسة مسؤولياتها في دعم شعب وقوات الولاية، أعقب ذلك تصريح للرئيس حسن شيخ محمود أكد فيه تأييده لموقف المجلس.
فهذا الدعم، رغم تواضعه من الناحية المادية مقارنة بحجم المواجهات، يمثل من الناحية المعنوية دافعًا قويًا لحكومة الولاية، ويمنحها طابعا من الشرعية الوطنية قد تنعكس إيجابًا على استمرارية الحملة ونتائجها المتوقعة، غير أن نجاح هذه الحملة لا يخلو من عوائق، أبرزها الأزمة الراهنة بين الحكومة الفيدرالية وحكومة الولاية، والتي تلقي بظلالها السلبية عليها، وتعيق أي دعم مادي كان يمكن أن تقدمه الحكومة الفيدرالية.
مع ذلك، لم يغب الدعم الدولي عن الميدان، خاصة في مجالات الإسناد الجوي والمساعدة اللوجستية، إضافة إلى نقل الحالات الحرجة من المصابين إلى الخارج، ففي 2 فبراير الجاري، وبتوجيه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نفذت قيادة القوات الأمريكية (أفريكوم) غارات جوية عنيفة، استهدفت أنفاقًا ومواقع حيوية كان يختبئ فيها عناصر وقيادات التنظيم، مما أسفر عن سقوط عدد من مقاتليه، سبقتها غارات نفذتها الإمارات أكثر من مرة، التي تدعم أيضا الولاية باستمرار عبر المساهمة في نقل المصابين، وتسهيل تنقل الإمدادات اللوجستية.
رغم صعوبة تحقيق الولاية انتصارًا حاسمًا في هذه الحرب، نظرًا لتعقيد الطبيعة الجغرافية للمنطقة، وما تمثله المواجهة للتنظيم كمسألة وجودية، تفرض عليه خيارين لا ثالث لهما: القتال والصمود أو الهزيمة وتفرق عناصره بين القتلى والمستسلمين، فإن احتمال انتصار الولاية يظل قائمًا في ظل إصرار حكومتها على الحسم، مدعومةً بالتضامن الشعبي والزخم المتزايد.
في حال انتصار الولاية وهزيمة التنظيم، ستكون لذلك انعكاسات كبيرة على المستويين السياسي والأمني، إذ سيعيد تشكيلها ككيان فريد في الصومال، نجح في دحر تنظيم داعش من مناطقه دون دعم من القوات الأجنبية أو الجيش الفيدرالي، مما سيمنحها أوراق قوة إضافية في خلافها مع الحكومة الفيدرالية، ويعزز موقفها أمامها، إضافة إلى لفت انتباه دول المنطقة والعالم إليها.
والأهم من ذلك، أن هذا الانتصار سيمنح رئيس ولاية بونتلاند، سعيد عبد الله دني، الذي يُرجَّح أنه مرشح في الانتخابات الرئاسية الفيدرالية القادمة، فرصًا وحضورًا قويًا في السباق الرئاسي، فمن شأنه أن يعزز صورته في نظر الشارع الصومالي كقائد قوي قادر على مواجهة الإرهاب، بما في ذلك حركة الشباب، وتحقيق الاستقرار المنشود في البلاد.
لا يقتصر المكسب من هزيمة التنظيم على الولاية والصومال فحسب، بل يمتد تأثيره إلى المنطقة والعالم، إذ يشكل التنظيم تهديدًا للأمن الدولي لقرب منطقة نشاطه من الممرات البحرية الحيوية، مثل خليج عدن وباب المندب، كما يبدو أنه يسعى إلى اتخاذ الصومال، وتحديدًا جبال علمسكاد، نقطة ارتكاز ومقرًا، تمهيدًا لانتشاره في دول المنطقة والقارة بأكملها، مستفيدًا من البيئات الخصبة والجاذبة له نتيجة عدم الاستقرار التي تشهد بعض مناطقها، إضافة إلى الاحتمال المتزايد لإمكانية تحالفه مع الحوثيين في اليمن، مما قد يفاقم التحديات الأمنية الإقليمية.
عموماً، يؤكد المراقبون على أن هذه الحملة جاءت في توقيت مناسب، لاعتبارات عدة، أبرزها الطبيعة المعقدة للمنطقة التي يتحصن فيها عناصر التنظيم، مما يجعل استئصاله أكثر صعوبة كلما ازدادت قدراته، وأن التنظيم كان يعمل على تطوير تكنولوجيا الأسلحة، لا سيما أنظمة الطائرات بدون طيار، لتمكينه سريعاً من شن هجمات على المرافق الحيوية في الولاية، بما في ذلك المطارات وميناء بوصاصو، مما يشكل تهديداً كبيراً للولاية وللصومال بشكل عام، إلى جانب ذلك، كان يسعى بجهود مكثفة لاستقطاب المقاتلين الأجانب بهدف التمدد والانتشار بوتيرة أسرع.