تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 15 مايو 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

مراكب شراعية ودرونز ودولارات: توسع أنصار الله في الصومال

30 أبريل, 2025
الصورة
Geeska Cover
Share
نُشرت هذه الورقة في مركز مالكوم كير كارنيغي للشرق الأوسط، من كتابة الباحثين: إبراهيم جلال: باحث غير مقيم بالمركز، وتتناول بحوثه، من بين اهتمامات أخرى، الأمن البحري في البحر الأحمر وخليج عدن، واستقطاب الفاعلين من غير الدول ونتائجه على تطبيق جهود الاستقرار، والسياسات الخارجية والدفاعية لدول الخليج والدول الغربية في اليمن. وعدنان الجبرني: صحفي يمني متخصص في الشؤون العسكرية. قام بتغطية الصراع في في اليمن منذ عام 2014، يتولى كتابة تقارير استقصائية ركزت على البناء الداخلي لأنصار الله والمكونات العسكرية المتنوعة في اليمن. نُشر من قبل بمركز مالكوم كير كارنيغي للشرق الأوسط الذي يقدم، منذ تأسيسه عام 2006، تحليلات معمقة حول قضايا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وسعت جماعة أنصار الله اليمنية، المعروفة بالحوثيين، تعاونها عبر الحدود مع فاعلين من غير الدول في الصومال، وتحديدًا جماعة الشباب التابعة للقاعدة والدولة الإسلامية في الصومال، التي ترتبط مع تنظيم الدولة الإسلامية الذي ظهر في العراق وسوريا عام 2014. تتباين تلك الجماعات في الأيديولوجيا والطموح والاهتمام الإقليمي، لكنها تتحد في عدائها للولايات المتحدة وإسرائيل، وسعيها نحو حرب غير نظامية، واعتمادها على اقتصاد التهريب. يهدف مثل هذا التعاون لتقوية سلاسل الإمداد وتنويعها، وتأمين الوصول لأسلحة أكثر تقدمًا، وتحسين الموقف المحلي لتلك الجماعات، وزيادة نطاق حركة أنصار الله وداعمتها الإقليمية الرئيسة إيران، من أجل التأثير على الأمن البحري في خليج عدن ومضيق باب المندب لصالحهما. وأبرز هذا الوضع مصادر عدم الاستقرار في الإقليم الأكثر اتساعًا.

البراغماتية تتجاوز الأيديولوجيا

تكمل أغلب دول القرن الأفريقي، لاسيما دول حوض البحر الأحمر منها، العمق الاستراتيجي لليمن بسبب قربها الجغرافي وسواحلها الطويلة. وقد شكلت هذه العوامل الأنماط التاريخية للهجرة والتبادل التجاري والنفوذ الثقافي والتفاعلات الدينية والاجتماعية. كان تأسيس اليمن لمنتدى تعاون صنعاء عام 2003، الذي تناول ضمن مسائل أخرى السلام في الصومال، ووساطته في الأزمة الصومالية في الفترة 2006-2007، واستضافته أعدادًا كبيرة من الصوماليين تأكيد على الاهتمام اليمني بالدولة الأفريقية.

كما كان اليمن ممر القرن الأفريقي لدول الخليج، ولاسيما المملكة العربية السعودية، خاصة خلال فترات عدم الاستقرار والصراع. فقد أوردت المنظمة الدولية للهجرة عبور نحو 97 ألف فرد خليج عدن إلى اليمن عام 2023؛ بفضل شبكات تهريب البشر لاسيما من إقليمي باري ووقويي حالبيد.

باتت تجارة الأسلحة في البحر الأحمر عاملًا رئيسيا في تجارة أنصار الله مع الصومال. وبالرغم من حظر الأمم المتحدة تصدير السلاح لليمن، فقد وفرت إيران أسلحة بشكل سري لأنصار الله. فيما بين سبتمبر/ أيلول 2015 ويناير/ كانون الثاني 2023 اعترضت سفن حربية تابعة للولايات المتحدة والسعودية وفرنسا وأستراليا 16 سفينة تحمل حوالي 29 ألف قطعة سلاح صغيرة وخفيفة، و 365 صواريخ مضادة للدبابات، إضافة إلى 2.38 مليون طلقة ذخيرة موجهة لأنصار الله. تم نقل أغلب هذه الشحنات عبر القوارب الشراعية المحلية (الدهو) المستخدمة في التجارة الساحلية والصيد. وتوصلت المبادرة العالمية لمواجهة الجريمة المنظمة الدولية عام 2020 إلى أن نسبة من الأسلحة الإيرانية الموجهة لأنصار الله انتهى بها المطاف في الصومال.

أشار تقرير للجنة خبراء بالأمم المتحدة حول اليمن إلى أن أنصار الله كانت تقوم "بتقييم الخيارات لتنفيذ هجمات على البحر من الساحل الصومالي"، وأنها قد نقلت درونز وصواريخ إلى الصومال بالفعل

تطورت علاقة أنصار الله بالفاعلين من غير الدول في الصومال، على مدار العقد الفائت، عبر مهربي السلاح أو الوسطاء. وأصبح هذا التوجه ذو أهمية متزايدة بدءًا من عام 2016، عندما تيقنت أنصار الله من من قدرتها على تقوية موقفها بقدرتها على الحركة في المجال البحري لليمن، سواء عبر مهاجمة السفن أو التورط في عمليات التهريب- وهو الدرس الذي طبقته خلال أزمة البحر الأحمر التي استعرت مع بدء الحرب في غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وكرر عبد الملك الحوثي، زعيم أنصار الله، هذه الرؤية مرة أخرى في يناير/ كامون الثاني 2025 عندما ذكر العمليات البحرية للجماعة من أجل غزة، مع دعم التطورات في "العديد من الدول الأفريقية ضد الهيمنة الأمريكية والأوروبية، والإمبريالية والاحتلال الأمريكي (هناك)". مما ميز اهتمامه بتوسيع أنشطة أنصار الله في أفريقيا.

كانت لإيران صلات ممتدة مع الشباب، ففي عام 2017 سمحت قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني للجماعة بمراوغة العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة باستخدام الموانئ الإيرانية كنقاط لمناولة البضائع من أجل إعادة تصدير الفحم النباتي وتحقيق الدخل. كما ورد تسليح إيران لجماعة الشباب وتمويلها من أجل استهداف المصالح الأمريكية في القرن الأفريقي بما في ذلك كينيا.

كما تطورت علاقة أنصار الله مع (جماعة) الدولة الإسلامية في الصومال منذ عام 2021 على أقل تقدير. وركزت العلاقة في البداية على نقل الأسلحة الصغيرة. وهرَب كل من عبد الرحمن محمد عمر وعيسى محمود يوسف، اللذان أدرجتهما الولايات المتحدة على لوائح عضوية الدولة الإسلامية في الصومال، أسلحة صغيرة من اليمن، مما يشير إلى صلات مسبقة مع أنصار الله. وكان الدافع لذلك الاحتياجات المحلية للجماعة، التي تعمل في إقليم بونتلاند الصومالي، ورغبة أنصار الله في دعم مدخولاتها، ولاسيما بعد هدوء الصراع في اليمن بدءًا من أبريل/نيسان 2022.

سعت انصار الله، عندما بدأت الحرب في غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلى رفع الضغط الدولي من أجل وقف لإطلاق النار، عبر موقف التجارة البحرية في خليج عدن والبحر الأحمر. وفيما بين نوفمبر/تشرين الأول 2023 ومايو/ أيار 2024 أرسلت الجماعة ممثلين إلى شمال شرقي الصومال لتنسيق عمليات جمع المعلومات والموقع الجغرافي للسفن في خليج عدن، وشغل نقاط مخفية عن تغطية الرادارات، مقابل الحصول على درونز انتحارية قصيرة المدى وتدريبًا تقنيًا.

استولت القوة الأمنية الصومالية ببونتلاند على خمسة من تلك الدرونز التي أرسلتها أنصار الله في أغسطس/ آب 2024، وألقت القبض على سبعة أفراد على خلفية اتهامهم بصلات مع الدولة الإسلامية في الصومال والشباب، وفي يناير/ كانون الثاني من العام الجاري ادعت الدولة الإسلامية في الصومال شن هجومين بالدرونز ضد قوات أمن بونتلاند.

توسع مصادر عدم الاستقرار في خليج عدن

تعددت تداعيات تعميق أنصار الله  التعاون مع الشباب والدولة الإسلامية في الصومال، واتسمت بالخطورة على التجارة البحرية والسلم والأمن الدولي. وكان للأطراف المعنية مصالح مشتركة، تتمثل إجمالًا في إعادة تشكيل الديناميات المنية في القرن الأفريقي وجنوبي البحر الأحمر وخليج عدن، إضافة إلى الساحات المحتملة لعدم الاستقرار وتعقيد جهود حظر (انتشار) الأسلحة. وزادت هذه الديناميات أيضًا من الأثر الجيوسياسي لأنصار الله، الأمر الذي استفادت منه إيران، ومنح كلا الجانبين رافعة هامة في ممر بحري دولي رئيسي.

ثمة اهتمام رئيسي لكل من أنصار الله والشباب والدولة الإسلامية في الصومال، وهو استغلالهم لشبكات التهريب، ولاسيما شبكات تهريب الأسلحة والوقود من إيران. في المقابل ترى إيران في هذه الجماعات أداة مساعدة لها في تنويع الوصول لقنوات تمويل وطرق تهريب وقواعد دعم شاطئية. وزادت هذه الأنشطة من موارد الجماعات الثلاثة وقدراتها العملياتية.

توصل تقرير للجنة خبراء الأمم المتحدة حول اليمن إلى أن ثلث هجمات أنصار الله وقعت في مناطق خليج عدن، خارج تغطية رادارات الجماعة، مما يشير إلى تلقي الحوثيون مساعدات خارجية في تحديد المواقع واستهداف السفن

يسر تعاون أنصار الله مع الفاعلين الصوماليين من غير الدول تدفق الأسلحة والموارد الإيرانية من اليمن وإليها. كما نظر أولئك الفاعلون لامتلاك أنصار الله لأسلحة تقليدية مدمرة وقدرات درونز كتطور مغير للعبة على شكل مشجع. وبالنسبة لأنصار الله فإن نقل الأسلحة والتدريب كان جزءًا من حزمة زادت من عائدات الجماعة، ووسعت نفوذها وأمنت لها مساعدات لوجيستية، ورفعت مكانتها في محور المقاومة.

إن سواحل الصومال التي باتت مفتوحة أمام أنصار الله، ظلت ذات أهمية لضمان وصول هذه الجماعة للإمدادات الإيرانية والمعدات الصينية الضرورية لنمو برنامج الدرونز والصواريخ الذي تدعمه إيران. وتدخل أغلب المعدات لأنصار الله عن طريق الصومال وجيبوتي. وتشمل طرق التهريب لليمن الساحل الذي تقع عليه موانئ الحديدة والصليف وراس عيسى، والمخا في محافظة تعز، والشهر ومكلا في محافظة حضرموت، وبلحاف وبير علي في محافظة شبوة، ونشطون وسيحوت في محافظة مهرة. أما على الجانب الصومالي فتشمل موانئ بوصاصو في بونتلاند وسواحل بوروا وهوبيو وباراوي ومركا وقندلة وبربرة في صوماليلاند.

يعتمد الحرس الثوري الإيراني، في تمويل أنصار الله، على شبكات القراصنة الصومالية وجماعة الشباب وتجار الأسلحة في اليمن والصومال. ومن بين من قاموا على تنظيم عمليات أنصار الله في الصومال أبو محمد مرتضى وأبو إبراهيم الهادي، الذين لم يراقبا فقط صفقات التهريب، ولكنهما تابعا توسع التعاون مع قوة القدس.

قدّم تعاون أنصار الله مع الشباب والدولة الإسلامية في الصومال لإيران، على نحو غير مباشر، فرصة لتطوير عمقها الاستراتيجي في الصومال والقرن الأفريقي، وتوسيع حرية عملها في تشكيل بناء الأمن البحري في خليج عدن ومضيق باب المندب. وقد وفر ذلك لإيران، خلال الحرب في غزة، رافعة مميزة لقدراتها على نقل المنتجات الطاقية والسلع الأخرى إلى البحر المتوسط وأوروبا.

أشار تقرير للجنة خبراء بالأمم المتحدة حول اليمن إلى أن أنصار الله كانت تقوم "بتقييم الخيارات لتنفيذ هجمات على البحر من الساحل الصومالي"، وأنها قد نقلت درونز وصواريخ إلى الصومال بالفعل. لكن مثل هذه الهجمات لم تقع، وذلك عائد بالأساس إلى معاناة إيران من تراجعات في صراعها مع إسرائيل في الفترة يوليو/ تموز- ديسمبر/ كانون الأول 2024، وأن طهران خشيت من أن يقود ذلك إلى مزيد من الهجمات على الأراضي الإيرانية.

يسر تعاون أنصار الله مع الفاعلين الصوماليين من غير الدول تدفق الأسلحة والموارد الإيرانية من اليمن وإليها. كما نظر أولئك الفاعلون لامتلاك أنصار الله لأسلحة تقليدية مدمرة وقدرات درونز كتطور مغير للعبة على شكل مشجع

أتاحت صلات أنصار الله مع الشباب والدولة الإسلامية في الصومال لهذه الأطراف أيضًا تنويع أدوات وصولها للمناطق البحرية في الصومال، فيما قادت إلى ترغيب عدد من شركائهم في تعميق التعاون. وعلى سبيل المثال، في نوفمبر/ تشرين الأول 2023، ادعى عبد الملك العجري (من جماعة أنصار الله) استيلاء الأخيرة على سفينة "السنترال بارك"، بينما كان القراصنة الصوماليون هم من استولوا عليها بالفعل بتنسيق مع أنصار الله، الأمر الذي يظهر نفوذهما المشترك. ومن ثم تورط العديد من الفاعلين في الهجمات البحرية في خليج عدن وعلى نحو متزايد، مما أتاح لإيران وأنصار الله الوسيلة لإحداث اضطراب في تجارة البحر الأحمر عندما يكون ذلك في صالحها.

أتاحت صلات أنصار الله مع الجماعات في الصومال لها أيضًا تلقي معلومات من الجانب الآخر من خليج عدن، من أجل توجيه ضربات للسفن المارة بطريق الملاحة. وخلال حرب غزة حثت جماعة أنصار الله حركة الشباب والدولة الإسلامية في الصومال والقراصنة الصوماليين على مهاجمة السفن ومنع مرورها في البحر الأحمر تضامنًا مع الفلسطينيين.

في أكتوبر/تشرين الأول 2024 توصل تقرير للجنة خبراء الأمم المتحدة حول اليمن إلى أن ثلث هجمات أنصار الله قد وقعت في مناطق خليج عدن خارج تغطية رادارات الجماعة "مما يشير إلى تلقي الحوثيون مساعدات خارجية في تحديد المواقع واستهداف السفن". يرجع أن تكون مثل هذه المعلومات قد وفرتها سفينة التجسس MV Behshad روسية الصنع والمملوكة للحرس الثوري الإيراني، أو الشباب، أو القراصنة، أو جماعات صومالية أخرى.    

تجاوب توسع علاقات أنصار الله مع الفاعلين من غير الدولة في الصومال مع أهداف السياسة الخارجية الإيرانية في القرن الأفريقي. وكانت إيران، التي وصف الناطق بوزارة خارجيتها ناصر كناني أفريقيا بأنها "قارة الفرص"، تقوم بمراجعة استراتيجيتها في القرن الأفريقي في السنوات الأخيرة، واستعادة الصلات الدبلوماسية مع السودان وجيبوتي والصومال في 2023-2024.

كان أثر أنصار الله في الصومال ملازمًا لتورط إيران في القرن الأفريقي. علاوة على أنه من المتوقع أن يزيد تركيز أنصار الله على شبكات التهريب الإقليمية بعد تصنيف الولايات المتحدة لها – مرة أخرى- كجماعة إرهابية أجنبية، في فبراير/شباط 2025، وفرضها عقوبات على سبعة من قادتها بتهمة التورط في التهريب ومشتريات الأسلحة.

مع استهداف إيران تحقيق القوة في أرجاء الإقليم وما ورائه؛ فإنها تسعى لأن تكون قادرة على التأثير على التطورات البحرية بعيدًا عن سواحلها. سيظل الاستقطاب والصراع والفقر والتفكك والفساد من الظروف المهيئة لتحقيق مثل هذه الأطماع الإيرانية على المدى المتوسط. لكن علينا ترقب إذا ما كانت الأهداف الأيديولوجية المتناقضة للجماعات الجهادية السنية والشيعية ستنتهي بفصل الإيرانيين وأنصار الله عن الشباب والدولة الإسلامية في الصومال، بالرغم من عداءها المشترك جميعًا للوجود الغربي.