تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأربعاء 19 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
تحليلات

"منتدى أفريقيا–إسرائيل الاقتصادي"… منصة لتبييض سمعة تل أبيب ومحاولة فكّ عزلتها الدولية

25 أكتوبر, 2025
الصورة
"منتدى أفريقيا–إسرائيل الاقتصادي"… منصة لتبييض سمعة تل أبيب ومحاولة فكّ عزلتها الدولية
Share

يُعقد في أواخر أكتوبر/تشرين الأول منتدى أفريقيا–إسرائيل الاقتصادي (AIEF 2025) بوصفه لقاءً تنفيذيًا يجمع مسؤولين حكوميين ومديري صناديق ومصرفيين ورؤساء شركات، تحت شعارات تعبئة رأس المال وتقوية الشراكات و"فتح سوق أفريقيا البالغة 3 تريليونات دولار". ورغم البريق التسويقي، فإن الطبيعة الانتقائية المغلقة للحدث وتوقيته -ولو أنه يأتي بعد توقّف القتال في غزة خلال الأيام الأخيرة- يجعلان المنتدى حدثًا سياسيًا بامتياز لا مجرّد منصة اقتصادية محايدة، بالنظر إلى الإرث الحقوقي والقانوني الثقيل المتصل بحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة وما ترتب عليها.

تقدّم مواد المعهد المنظِّم على موقعه وعودًا واسعة من قبيل: "شراكات تسريع النمو" و"نماذج استثمار مستدام" و"تعزيز المرونة اللوجستية". تفيد منشورات متكرّرة على منصة لينكندان وفيسبوك بانعقاد المنتدى في 30 أكتوبر/ تشرين الأول في تل أبيب، بالشراكة مع جهات اقتصادية إسرائيلية وبقوائم دعوات محدودة. غير أن غياب قوائم علنية للمتحدثين والمشروعات وآليات الحوكمة يفتح أسئلة أساسية: من يوقّع هذه العقود وبأي شروط؟ وكيف تُدار مخاطر تضارب المصالح في قطاعات حساسة مثل البنى الرقمية والطاقة والري الذكي؟ هذه الفجوات في الشفافية تُضعف حجّة "المنفعة التنموية"، وتُعزّز الانطباع بأننا أمام منصة علاقات عامة أكثر من إطار شراكة اقتصادية. وفي هذا السياق، تبدو الرسائل الدعائية الإسرائيلية محاولة لإعادة تسويق تل أبيب نفسها "شريكا تنمويا" لأفريقيا، عبر قاعة مغلقة تتجاوز الأسئلة الحقوقية المعلّقة المرتبطة بحرب الإبادة على غزة.

تأتي القمة فيما يزال ملف غزة حاضرًا بقوة على طاولة القانون الدولي، ففي 26 يناير/كانون الثاني 2024 أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل باتخاذ تدابير فورية لمنع أعمال قد تندرج ضمن الإبادة وضمان وصول المساعدات، ثم عادت في 24 مايو/أيار 2024 لتأمر بوقف الهجوم على رفح وتوسيع الوصول الإنساني، مع إلزام إسرائيل بتقديم تقارير امتثال دورية. وبناءً على ذلك، لا يُقرأ انعقاد قمة "فتح الأسواق" بمعزل عن هذه الأطر القضائية الملزِمة؛ بل يُفهم بوصفه تحركًا اقتصاديًا يجري في ظل التزامات قانونية دولية قائمة، ومحلّ متابعة مستمرة من مؤسسات الأمم المتحدة.

يبدو المنتدى أقرب إلى أداة علاقات عامة لتلميع الصورة منه إلى منصة تنموية، بما يضاعف المخاطر السياسية والسمِعية لأي وفود تختار المشاركة دون شروط علنية واضحة

ومع إعلان انتهاء العمليات القتالية مؤخرًا، إلا أن ملف الإبادة في غرة لم يُطوَ قانونيًا أو سياسيًا. فقد أصدرت محكمة العدل الدولية خلال عام 2024 أوامر مؤقتة طالبت فيها إسرائيل باتخاذ تدابير لمنع أفعال قد تندرج ضمن الإبادة، ووقف عمليات عسكرية بعينها، وتوسيع الوصول الإنساني، مع إلزام بتقارير امتثال دورية. وبمعنى أدق، فإن استئناف الفعاليات الاقتصادية لا يُقرأ اليوم بمعزل عن تلك الأطر القضائية الملزِمة، لأن التوقف الميداني للحرب لا يُسقط أسئلة المساءلة، ولا يبدّد مطالب التحقيق والتعويض وحماية المدنيين في أي ترتيبات لاحقة.

على الضفة الأفريقية، لم يكن المشهد أقل وضوحًا. فمطلع 2025 صدرت صياغات نقدية صريحة من الاتحاد الأفريقي دعت إلى وقف التطبيع والتعاون مع إسرائيل "حتى إنهاء الاحتلال ووقف العدوان"، بل وذهب بيان الاتحاد إلى وصف ما يجري بـ"الإبادة" وضرورة المساءلة الدولية. ضمن هذا الإطار، يظهر حضور نخبٍ سياسية واقتصادية أفريقية في تل أبيب على طرف النقيض من المواقف القارية المُعلنة، بما يعرّضها لاتهامات "تبييض" سياسات طرفٍ يخضع لإجراءات قضائية دولية غير مسبوقة.

التطبيع الأكاديمي والاقتصادي مع طرفٍ صدرت بحقه أوامر من محكمة العدل الدولية خلال الحرب ليس "تفصيلًا" يمكن الالتفاف عليه بديكور الابتكار والتمويل السريع

وعلى مستوى الرأي العام العالمي، باتت كلفة السمعة لأي تعاون مع مؤسسات إسرائيلية عالية. فقد شهدت جامعات ونقابات وهيئات بحثية حول العالم موجات من المقاطعة الأكاديمية والمؤسسية، وصولًا إلى تعليق أو قطع أشكال متعددة من الشراكات مع جامعات إسرائيلية على خلفية الحرب. ورغم تفاوت المواقف بين مؤسسة وأخرى، يكشف المنحى العام عن أثرٍ سمعةٍ ملموس لأي جهة تقدّم تل أبيب كوجهة أعمال "طبيعية" من دون مساءلة حقوقية. في هذا الإطار، يبدو المنتدى أقرب إلى أداة علاقات عامة لتلميع الصورة منه إلى منصة تنموية، بما يضاعف المخاطر السياسية والسمِعية لأي وفود تختار المشاركة دون شروط علنية واضحة.

داخل النقاش الأفريقي، برز مثال الباحث الصومالي–الكيني رشيد عبدي الذي روّج علنًا لمشاركته في المنتدى عبر منصة "إكس"، معتبرًا أن دعوات المقاطعة "إضرار ذاتي" بأفريقيا، ما أثار ردودًا ناقدة من ناشطين من القرن الأفريقي رأت أن المشاركة تمنح شرعية مجانية لحكومة متهمة أمام القضاء الدولي. الجدل حول عبدي يختزل انقسامًا أوسع في الأوساط الأفريقية: ففي حين يرى البعض إسرائيل "شريكًا تكنولوجيًا" قادرًا على تقديم حلول أمنية وزراعية؛ يحاجج كثيرون بأن أي شراكةٍ تتجاهل الإطار القانوني والأخلاقي للنزاع الفلسطيني ستنتهي إلى تعميق التبعية، وإلى خسائر سمعة لا تقل كلفة عن المكاسب الموعودة.

اقتصاديًا، تُظهر الخبرة أن قمم "الفرص التريليونية" غالبًا ما تنتهي بركام من "مذكرات تفاهم" يفوق بكثير ما يتحوّل إلى استثمارات على أرض الواقع، فالحصيلة تدور في العادة حول صفقات صغيرة لرأس المال المخاطر أو تجارب تجريبية في الزراعة الدقيقة والطاقة اللامركزية والألياف الضوئية، ثم تُسَوَّق لاحقًا كقصص نجاح ضخمة. ومن دون اشتراطات صريحة لنقل المعرفة ونِسَب توظيف محلي وآليات شفافية قابلة للتدقيق، تميل العوائد إلى التحوّل إلى ريعٍ سياسي للنخب المشاركة أكثر من كونها مكاسب عامة للمجتمعات.

تُظهر الخبرة أن قمم "الفرص التريليونية" غالبًا ما تنتهي بركام من "مذكرات تفاهم" يفوق بكثير ما يتحوّل إلى استثمارات على أرض الواقع

تبقى الاعتبارات الأخلاقية محكّ الشرعية ومعيارها، فالتطبيع الأكاديمي والاقتصادي مع طرفٍ صدرت بحقه أوامر من محكمة العدل الدولية خلال الحرب ليس "تفصيلًا" يمكن الالتفاف عليه بديكور الابتكار والتمويل السريع. وعليه، يرى كثيرون أنّ توظيف احتياجات القارة في المياه والغذاء والتحوّل الرقمي تحوّل إلى مدخلٍ عملي لتلميع صورة حكومة تواجه اتهامات جسيمة، بدل العمل على استجابات حقيقية لأولويات التنمية. وبالمنطق نفسه، يغدو انخراط بعض الشخصيات الأفريقية في منتديات مغلقة غطاءً لروايةٍ سياسية تسعى إسرائيل إلى دفعها بعد تعرضها لموجات من العزل الدولي في الآونة الأخيرة، الأمر الذي يربك - في نظر طيف واسع من المراقبين- الحدود الفاصلة بين التعاون الاقتصادي/الأكاديمي والتبييض السياسي. وبقدر ما تحتاج أفريقيا إلى استثمارات، فهي تحتاج بالقدر نفسه إلى شراكاتٍ تُوازن بين العائد الاقتصادي والالتزامات الحقوقية والإنسانية، بما ينسجم مع إرثها التضامني التاريخي مع الحقوق الفلسطينية.

خلاصة الصورة أنّ "منتدى أفريقيا–إسرائيل الاقتصادي" ليس حدثًا اقتصاديًا أو أكاديميًا خالصًا، ولا هو منفصلٌ عن حربٍ تخضع لإجراءات قضائية دولية غير مسبوقة؛ بل يقع في دائرة "التبييض السياسي" الذي تحتاجه إسرائيل بعد تلطّخ سمعتها في إبادة غزة. وفي لحظة تتّسع فيها المقاطعات الأكاديمية والمؤسسية وتتوالى قرارات المحاكم الدولية، تبدو -في تقدير واسع- مشاركة شخصيات أفريقية في هذه القمّة أداة تلميعٍ سياسي أكثر منها منصة تنموية.