الاثنين 24 مارس 2025
يشهد إقليم تيغراي في شمال إثيوبيا حالة من الاستياء بين المواطنين المسلمين، بعد قرار مدارس ثانوية في مدينة أكسوم التاريخية، منع دخول 159 طالبة مسلمة، لرفضهن الالتزام بقرار محلي يمنع ارتداء حجاب الرأس داخل المدارس.
تختلف التحليلات حول الدوافع وراء القرار، بين من يراها استمرارًا لنهج تمييزي بحقّ المسلمين والأقليات المسيحية غير الأرثوذكسية، داخل المدينة التي يُنظر إليها كبقعة مقدسة لدى المسيحيين الأرثوذكس الإثيوبيين، ومن يراها توظيفًا سياسيًا من فصيل جبهة تحرير شعب تيغراي، المناوئ للإدارة المؤقتة للإقليم.
مثّل حجاب الطالبات في مراحل التعليم المختلفة جدلًا في إثيوبيا، حيث تتكرر حوادث منع الطالبات المسلمات من دخول مدارس وجامعات بسبب ارتدائهن الحجاب، في العديد من مناطق البلاد، على الرغم من عدم وجود سياسيات تميزية بحق المسلمات على المستوى الرسمي. منعت عدة مدارس ثانوية عامة في مدينة أكسوم دخول 159 طالبة، في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2024، بعد رفضهن التخلي عن الحجاب، بحسب المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في تيجراي.
بدأت القضية في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، حين أصدر مكتب التعليم في المدينة قرارًا بمنع دخول المدارس بالحجاب، ثم أرجأ التنفيذ بناءً على طلب من المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ثم عاود العمل به قبيل أيام من نهاية العام الماضي. رفضت إدارات المدارس محاولات الطالبات التوصل إلى حلّ للمشكلة، من خلال توحيد ألوان الحجاب مع الزي المدرسي، ونظمت الطالبات وقفات احتجاجية.
بدوره، لجأ المجلس الإسلامي إلى رفع دعوى قضائية بحق المدارس الخمس، بعد استنفاد كافة السبل لتسوية الأزمة سلميًا، وأمرت المحكمة بتعليق قرار منع الطالبات من حضور المدارس بالحجاب، لكن مكتب التعليم والمدارس لم يستجيب للقرار، ما تسبب في حرمان الطالبات اللاتي يدرسن في الصف الثاني عشر من التسجيل في الاختبارات الوطنية، بعد إغلاق التسجيل في 14 يناير/ كانون الثاني الماضي.
أثارت القضية استياءًا واسعًا بين المسلمين في إثيوبيا، وأصدر المجلس الأعلى لشؤون الإسلامية بيان إدانة، اعتبر ذلك انتهاكًا للحقوق الدينية. ونظم المجلس الإسلامي، في إقليم تيغراي، مسيرة احتجاجية في مدينة مكيلي عاصمة الإقليم، في 21 من يناير/ كانون الثاني الماضي، شارك فيها الآلاف. كما أدانت شبكة المدافعات عن حقوق الإنسان للنساء الإثيوبيات منع الفتيات المحجبات من دخول المدارس، معتبرة ذلك تمييزًا على أساس الدين، واستهدافًا للنساء اللاتي يواجهن العديد من المعوقات أمام إكمال تعليمهن. وذكر بيان الشبكة أنّ 53٪ فقط من الطالبات يُكملن تعليمهن الابتدائي في إثيوبيا، و25٪ فقط منهن يكملن تعليمهن الثانوي، و10٪ فقط من يتمكن من الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي.
لم تواجه الطالبات المسلمات تمييزًا لارتدائهن الحجاب في مدارس المدينة خلال الأعوام الماضية، كما لم تصدر قرارات تتعلق بالزي المدرسي عن الإدارة الإقليمية للتعليم. يواجه الإقليم تحديات كبرى في مجال التعليم، بسبب الحرب التي استمرت لعامين بين 2021 إلى 2022، وأدت إلى حرمان نحو 1.2 مليون طفل من الالتحاق بالمدارس، بحسب تقرير منظمة "يونيسيف".
بدوره، التقى جيتاشو رضا، رئيس الإدارة المؤقتة للإقليم بممثلي المجتمع المسلم، بعد المسيرة الاحتجاجية التي شهدتها مدينة مكيلي، وقال خلال الاجتماع: "لا ينبغي منع الطالبات المسلمات من دخول المدرسة بسبب الحجاب." وأضاف: "موقفنا كحكومة واضح: لا ينبغي أن يكون هذا ضمن الأجندة في المقام الأول". يظل السؤال حول المسؤول عن القرار، وعن التوقيت قائمًا.
ذهب الإعلامي المُقرب من جبهة تحرير شعب تيغراي، دانيال برهاني، إلى وجود صلة مع الخلافات الداخلية في الجبهة، بين فصيل جيتاشو رضا، وفصيل دبرصيون ميكائيل. واعتبر أنّ توقيت الأزمة يثير العديد من التساؤلات، خاصة أنّها تأتي في وقت يشهد توترًا كبيرًا بين الطرفين، كما أنّ قرار منع الفتيات المحجبات من المدارس لم يصدر عن إدارة التعليم الإقليمية، بل عن جبهة تحرير تيغراي، وفق مقطع فيديو بثه عبر قناته على "يوتيوب".
ادعى برهاني أنّ القرار صدر عن فيتلورك جبريجزيابهر، التي تشغل منصب رئيسة مكتب الجبهة، منذ انتخابها في المؤتمر العام الرابع عشر، الذي نظمه فصيل دبرصيون ميكائيل، ورفض فصيل جيتاشو رضا مخرجاته. كما وجهت صفحة إعلامية على "فيسبوك" قريبة من المجتمع المسلم في تيغراي الاتهامات ذاتها إلى جبريجزيابهر، وعدد من المسؤولين المحليين في أكسوم، الذين عُينوا في مناصبهم قبل الحرب، حين كان دبرصيون ميكائيل على رأس السلطة في الإقليم.
كما اتّهم "تحالف تيغراي للخلاص الوطني" المؤلف من ثلاثة أحزاب سياسية جبهة تحرير تيغراي بتوظيف قضية الطالبات المسلمات في أكسوم. وجاء في البيان: "ينبغي أنّ تُحلّ هذه القضية البسيطة من خلال الحوار. إن استخدامها للاستهلاك السياسي الجماعي هو مناورة سياسية غير مسؤولة وغير مقبولة على الإطلاق. كما أن إبعاد الناس عن أجنداتهم الوطنية وإشراكهم في حالة من الارتباك والانقسام غير المرغوب فيه، يعد عملاً شنيعاً للغاية."
اتصالًا بما سبق، حدث تطور لافت في صراع الجبهة الداخلي بعد يومين من احتجاجات المسلمين في مكيلي، حيث أصدر قادة في قوات الجبهة المسلحة المحسوبين على فصيل دبرصيون بيانًا يدعو إلى حلّ الإدارة المؤقتة، متهمين إياها بالسعي لتمديد ولايتها، وعرقلة تطبيق اتفاق بريتوريا، داعين إلى إجراء تغييرات في قيادتها وإعادة تنظيم مهامها. وردت الإدارة المؤقتة في تصريح عن مكتبها، وصف بيان العسكريين بأنّه "إعلان واضح عن انقلاب"، وحذرته من أنّه "يعرض اتفاق بريتوريا للخطر"، وحملت فصيل دبرصيون المسؤولية عن جرّ الإقليم إلى الفوضى والخطر.
لا يمكن الجزم بوجود أهداف سياسية خلف قضية منع الفتيات المسلمات من دخول المدارس بالحجاب، خاصة أنّ حوادث عديدة مشابهة دائمة التكرار، وكان أحدثها حظر طالبات مسلمات منتقبات من دخول جامعة دولو. لكن ما حدث في مدينة أكسوم يثير مخاوف أكبر، حيث يعاني المسلمون من التمييز على أساس ديني، وكذلك المسيحيون من غير الطائفة الأرثوذكسية، التي تنظر إلى المدينة باعتبارها مكانا مقدسا. يواجه المسلمون تمييزًا واسعًا في ممارسة عقائدهم الدينية في المدينة، حيث يُحظر عليهم بناء مساجد، ويضطرون للصلاة في الخلاء أو بيوت مستأجرة أو خارج المدينة.
تثير القضية مخاوف أكبر من تبعاتها على المجتمع المسلم الذي يمثّل نحو 10٪ من سكان المدينة، وبحسب مصادر مسلمة محلية، تعرض المسلمون إلى استهداف في العديد من المناسبات الدينية، ولهذا فإن قضية حجاب الفتيات قد تأخذ أبعادًا دينية أوسع، ومن الممكن توظيفها سياسيًا.
يرى الأكاديمي الإثيوبي في جامعة وولو، كامل عبدو عمر، أنّ هناك توظيف لقضية الحجاب يتكرر كثيرًا، وتتنوع المبررات التي تُساق لأجلها، مثل؛ الحفاظ على الثقافة العامة، والحاجة إلى الحفاظ على العلمانية، واحتياجات الأمن العام. ويذهب في مقالته في صحيفة "أديس ستاندرد"، إلى أنّ ارتداء الحجاب مقبول ثقافيًا في غالبية المجتمع الإثيوبي بغض النظر عن الدين، كما أنّ الدستور والقوانين الإثيوبية تضمن الحقوق الدينية للمواطن. وبحسبه، فإنّ قرارات حظر الحجاب لا تصدر عن المسؤولين المختصين أو بطريقة قانونية، بل عن أفراد لا صفة لهم، وتنبع من دوافع تميزية بحق الفتاة المسلمة.
تعيش إثيوبيا أوضاعًا سياسية وأمنية مضطربة، على خلفية الصراعات العسكرية بين الحكومة والحركات المسلحة في الأقاليم، والتي خلقت أوضاعًا هشة تهدد بالانزلاق إلى مزيد من الفوضى. كما يشهد إقليم تيغراي أوضاعًا إنسانية سيئة، وتزداد المخاوف من اندلاع صراع مسلح بين الفصيلين المتناحرين داخل جبهة تحرير تيغراي، وهو ما يتطلب من الحكومة الفيدرالية تدخلًا لحلّ أزمة الفتيات المسلمات في مدينة أكسوم، لمنع تفاقهما أو توظيفها في ظل حالة الهشاشة التي يعشيها الإقليم والبلاد بشكل عام.