السبت 19 أبريل 2025
لا تزال تداعيات الأزمة بين الجزائر ومالي مستمرة، بدخول فعاليات المجتمع المدني على الخط، حيث احتج مواطنون ماليون أمام السفارة الجزائرية في العاصمة باماكو، تعبيرا عن عضبهم من تدمير طائرة مسيرة تابعة للقوات المسلحة والأمن المالي من قبل قوات الجيش الجزائري، مرددين شعارات تطالب باحترام سيادة أراضي الدولة المالية.
تحدثت مصادر إعلامية لإذاعة مونت كالو الدولية عن عزم الطرفين نقل خلافاتهما، حول تحطيم الجيش الجزائري لطائرة المسيرة عند الحدود بين البلدين، إلى مجلس الأمن، بعدما تجاوزت تداعيات الأزمة العلاقات بين البلدين، لتمتد إلى تحالف "مجموعة دول الساحل" الذي دخل على الخط لمؤازرة مالي ضد الجزائر في الواقعة.
بدأت أولى فصول الأزمة بعد إقدام القوات الجزائرية، ليلة 31 مارس/ آذار الماضي، على إسقاط طائرة بدون طيار، اختلف الطرفان في تحديد موقعها في الأجواء على الحدود، فباماكو تتحدث عن "عمل عدواني متعمد" من النظام الجزائري ضد الطائرة، في منطقة تينزوانين التابعة لدائرة أبييبرا في إقليم كيدال. فوفق البيان الرسمي تحطمت الطائرة على بعد 9,5 كلم جنوب الحدود المالية الجزائرية، بعدما فقد الاتصال بها على بعد 10,2 كلم من الحدود، ورجحت التحقيقات تعرضها لهجوم صاروخي.
تطور الموضوع بعد قيام النيجر وبوركينافاسو؛ العضوين الأخرين في كونفدرالية الساحل (AES)، بإصدار بيان عن مجلس رؤساء دول اتحاد دول الساحل، وصف إسقاط الطائرة بالعمل العدائي
ترفض الجزائر هذه الرواية التي تعتبرها مجرد ادعاءات تفندها بيانات الرادار، التي تظهر، حسب بيان الحكومة الجزائرية، اختراق طائرة بدون طيار المجال الجوي الجزائري بمسافة 1,6 كلم، بعد منتصف الليل بثمان دقائق (00:08)، ثم خرجت من المجال، وفق ذات البيان، قبل أن تعود إليه في مسار هجومي، ما شكل مناورة عدائية صريحة ومباشرة، دفع قيادة الدفاع الجوي عن الإقليم إلى إصدار الأمر بإسقاطها.
تطور الموضوع بعد قيام النيجر وبوركينافاسو؛ العضوين الأخرين في كونفدرالية الساحل (AES)، بإصدار بيان عن مجلس رؤساء دول اتحاد دول الساحل، وصف إسقاط الطائرة التابعة للقوات المسلحة والأمن المالي تحمل رقم التسجيل TZ-98D بالعمل العدائي، وذكر بيان التحالف أنه تقرر استدعاء سفراء الدول الأعضاء المعتمدين في الجزائر للتشاور.
كانت لهجة بيان المجلس حادة حيث وظف عبارة "النظام الجزائري" في معرض تذكيره بالقرار الصادر في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2024 الذي يعتبر المجال الكونفدرالي مسرحا موحدا للعمليات العسكرية، بذلك يكون "إسقاط الطائرة المسيرة عدوانا يستهدف كافة الدول الأعضاء في الكونفدرالية، ومحاولة خبيثة لدعم الإرهاب والمساهمة في زعزعة استقرار المنطقة".
رد الجزائر لم يتأخر بقرارها إغلاق المجال الجوي أمام الملاحة الجوية القادمة أو المتوجه إلى مالي، معربة عن امتعاضها من الاتهامات الخطيرة ضدها. لذلك قررت تصعيد لهجتها معتبرة أن "هذه الادعاءات الباطلة، رغم خطورتها، لا تمثل إلا محاولات بائسة ويائسة لصرف الأنظار عن الفشل الذريع للمشروع الإنقلابي القائم، والذي أدخل مالي في دوامة من اللا أمن واللا استقرار والخراب والحرمان".
في سياق متصل، أعرب بيان الدبلوماسية الجزائرية عن "أسفه الشديد للانحياز غير المدروس لكل من النيجر وبوركينافاسو غير المدروس للحجج الواهية التي ساقتها مالي" مستغربة من "اللغة المشينة وغير المبررة" ضد الجزائر، ما يضطرها نحو "تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، واستدعاء سفيريها في مالي والنيجر للتشاور، وتأجيل تولي سفيرها الجديد في بوركينافاسو لمهامه".
بلغ التصعيد الجزائري دروته بالهجوم المباشر على المجلس العسكري في باماكو بوصفه ب "الطغمة الانقلابية المستأثرة بزمام السلطة في مالي"، التي تبحث عن مشجب تعلق عليه فشلها الذريع على كافة المستويات، مؤكدا أن "النجاحات الوحيدة التي يمكن لها التباهي بها، هي إرضاء طموحاته الشخصية على حساب تطلعات الشعب المالي، وضمان بقائها على حساب أمن البلاد، وافتراس الموارد الضئيلة على حساب تنمية هذا البلد الشقيق".
أضافت الجزائر فيما يشبه محاولة لتبرير خشونة اللهجة، بأن هذا ليس أول انتهاك من جانب مالي، حيث تم تسجيل حالتين مماثلين خلال الأشهر القليلة الماضية، كانت الأولى بتاريخ 27 أغسطس/ أب 2024، والثانية في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2024.
الخلاف بين الجزائر ومالي ليس بالشيء الجديد في السنوات الأخيرة، فقد سبق للطرفين أن تبادلا سحب السفراء أواخر عام 2023، بعد اتهام باماكو الجزائر بالتدخل في شؤونها الداخلية، عند استقبال الرئيس الجزائري الإمام محمود ديكو المعارض للمجلس العسكري في باماكو بمعية قيادات من الحركة الأزوادية، وتكرر استقبال الزعيم الديني مجددا في الجزائر بعد أشهر قليلة من الأزمة، في شهر أبريل/ نيسان 2024.
كما يسجل تباين في وجهات النظر حول الطريقة المثلى للتعامل مع الجماعات المسلحة في المنطقة، فالجزائر تفضل حلولا سياسية فيما تميل مالي إلى الخيار العسكري. تباين كان السبب وراء إعلان المجلس العسكري في مالي، أواخر يناير/ كانون الثاني 2024، إنهاء العمل بأثر فوري لاتفاق السلام الذي تم توقيع في الجزائر عام 2015، لإنهاء القتال بين الانفصاليين والحكومة المالية آنذاك.
الخلاف بين الجزائر ومالي ليس بالشيء الجديد في السنوات الأخيرة، فقد سبق للطرفين أن تبادلا سحب السفراء أواخر عام 2023، بعد اتهام باماكو الجزائر بالتدخل في شؤونها الداخلية
بدلا عن ذلك اختيار المجلس مقاربة أخرى، يسعى من خلالها لنيل شرعية على الأرض تغطي على الشرعية الانقلابية التي أوصلتهم إلى الحكم، خصوصا بعد ظهور بوارد انهيار الاتفاق بتجدد القتال بين المتمردين والقوات الحكومية في شهر أغسطس/ آب 2023، في سياق سعي الطرفين لسد الفراغ الذي خلفه انسحاب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
تحرص الجزائر على إبقاء باماكو في صفها، فدول الساحل تدخل في نطاق تأمين الأمن الإقليمي لها، لذا كانت من الأصوات الرافضة لمقترح استخدام الإيكواس القوة في النيجر لاستعادة الحكم المدني هناك. زيادة على ذلك، كانت مالي تتمتع بعلاقة خاصة ثنائية خاصة مع الجزائر، لا سيما خلال حكم الرئيس موديبو كيتا الذي يتقاسم التوجهات الاشتراكية مع زعماء الجزائر. مكانة سمح له بالسعي نحو إنهاء التوتر بين الرباط والجزائر بعقده قمة خاصة بين البلدين عام 1968.
تصر الجزائر على الدفع بمالي نحو الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الحركة الأزوادية، ما دفع باماكو إلى اتهام الجزائر بتوظيف الحركة ورقة تسمح لها بالتدخل في الشؤون الداخلية لمالي. لا سيما بعد قرار مالي تصنيف الحركة كيانا إرهابيا، وهو ما ترفضه الجزائر بشكل مطلق، لضمان الحفاظ على علاقتهم بالحركة التي تتراوح، حسب ما يقتضيه السياق، بين الوساطة تارة والدعم والتأييد تارة أخرى.
يرى حكام الجزائر أن هذا التأويل بعيد عن الواقع، فالقادة العسكريون في مالي يبحثون على عدو خارجي يحققون به الإجماع الداخلي، وقد وجدوه في الجزائر، وذلك بعد نجاحهم في تعبئة الرأي العام في مالي ضدها بدعوى دعم الحركة الأزوادية. بينما الحقيقة – حسب السردية الجزائرية – أن الإرهاب الحقيقية هو الذي تستعين به مالي، ممثلا في مجموعة فاغنر الروسية، للقضاء على عرقية في شمال البلاد.
لا شك أن أفريقيا تعاني من ويلات تكالب القوى الكبرى عليها، لكن أكبر خطر يتهدد القارة هو تكالب الأنظمة الحاكمة على شعوبها، فلا تكاد منطقة؛ في الشمال كما في الجنوب، وفي الشرق كما في الغرب والوسط، تخلوا من مشاكل وصراعات بين دول متجاورة
تذهب الجزائر في تأويل التوتر المستمر مع باماكو بعيدا، بحديث أصوات قريبة من دوائر القرار في قصر المرادية عن ارتهان الحكام في مالي إلى أجندة المغرب الذي يحاول زعزعة استقرار الجزائر، وتحديدا الحدود الجنوبية للبلاد، ردا على دعم وتأييد مطالب جبهة البوليساريو. وما الانتهاكات المتلاحقة للسيادة الجزائرية بطائرات مسيرة سوى دليلا قاطعا على ذلك. يستند هذا التأويل على انخراط مالي بمعية دول الساحل (تشاد والنيجر وبوركينافسو) في المبادرة الأطلسية التي أطلقها المغرب، في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وذلك لتقويض الأمن الإقليمي في للجزائر.
لا شك أن أفريقيا تعاني من ويلات تكالب القوى الكبرى عليها، لكن أكبر خطر يتهدد القارة هو تكالب الأنظمة الحاكمة على شعوبها، فلا تكاد منطقة؛ في الشمال كما في الجنوب، وفي الشرق كما في الغرب والوسط، تخلوا من مشاكل وصراعات بين دول متجاورة. سرعان ما تتحول إلى حاجز أمام فرصة للتعاون الاقتصادي وتكبح قطار التنمية في المنطقة عن الإقلاع.