تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

السبت 8 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
تحليلات

عمال في قبضة الخوارزميات.. كيف تسرق الشركات الرقمية الكبرى أحلام ملايين الأفارقة؟

18 أكتوبر, 2025
الصورة
عمال في قبضة الخوارزميات.. كيف تسرق الشركات الرقمية الكبرى أحلام ملايين الأفارقة؟
Share

من نيروبي وكيغالي إلى ليرة الأوغندية ولاغوس النيجيرية وغيرهم من المدن الأفريقية التي باتت تحتضن ما يعرف باسم «أودية السيليكون الأفريقية»، وتُذكر باعتبارها رموزا لنهضة رقمية واعدة، إلا أنه خلف المباني الزجاجية الشاهقة التي يقصدها عشرات الشبان والفتيات كل صباح، والشعارات البراقة عن التنمية الرقمية، يتضاءل المشهد المشرق ليخلق تناقضا مريرا، إذ أن غالبية هذه الشركات ليست سوى وسطاء محليين لعمالقة التكنولوجيا العالميين الذين يجنون أرباح مليونية، بينما يُترك العاملون في مواجهة ظروف عمل هشة وحقوق ضائعة.

في أودية السيليكون الأفريقية التي لم تأخذ من نظيرتها الأمريكية إلا الاسم فقط، يعمل آلاف الموظفين، على تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التي تتعلم الأنماط لتوليد المحتوى والتنبؤ، بالإضافة إلى مراجعة المحتوى المنشور على شبكات التواصل الاجتماعي، وتنقيته من المخالفات، إلا أنهم لا يحصلون إلا على أجور زهيدة للغاية، لا تتعدى دولار أو اثنين عن كل ساعة عمل، مقابل من ثلاثين أو أربعين دولار تعطي لنظرائهم في نفس الأعمال بالولايات المتحدة وبعض مدن أوروبا، كما أنهم لا يتمتعون بعقود عمل تضمن لهم الحقوق المنصوص عليها في قوانين العمل المحلية، ناهيك عن أن الشركات الكبرى التي تحصل على هذه الخدمات لا تعترف بهم موظفين لديها، ولا تتحمل أي مسؤوليات تجاههم.

معاناة تخلقها النقرات

قد تبدو المشكلة بسيطة لمن يطالعها للمرة الأولى، لاسيما إذ ما قورنت بما تحقق على المستوى الكلي في قطاع التكنولوجيا الرقمية بالقارة، الذي حقق نجاحات واسعة، حتى أنه جمّع في يناير/كانون ثاني 2025 فقط 289 مليون دولار، لكن التعمق في القضية يكشف عن حجم هائل من الأضرار النفسية والجسدية التي يعانيها العاملون في معالجة بيانات أنظمة الذكاء الاصطناعي ومواقع التواصل الاجتماعي، إذ تكشف البيانات التي توصلت إليها شركة "إيكويديم" بعد تحقيق معمق نشر في مايو/آيار 2025، أن مُصنِّفي البيانات والمُشرفين على المحتوى يتعرضون لأضرار مهنية ونفسية وجنسية واقتصادية، قد تدفع بعضهم للانتحار بسبب قسوة ظروف العمل.

وفقا لشهادات عشرات من مشرفي المحتوى ومدربي نماذج الذكاء الاصطناعي لمنصات مثل: ميتا وتيك توك وشات جي بي تي... في بلدان مثل كينيا وغانا فإن كثيرا من هؤلاء العمال يعانون من "اضطراب ما بعد الصدمة وإدمان المخدرات، والرغبة في الموت".

ما يحدث مع العمالة الرقمية الأفريقية بأنه "استعمارا رقميا"، وهو شكل جديد من أشكال استخراج الموارد، حيث تستغل شركات التكنولوجيا الكبرى من وادي السيليكون عمالة أفريقيا وبياناتها ومواردها دون تقديم عوائد عادلة.

تشير الشركة إلى أن بيئة العمل التي يعمل فيها العاملون في هذا القطاع تكشف عن بنية صناعية تُطبِّع مع الضرر، وتُخفي الإساءة، حيث تُعهد شركات التكنولوجيا العملاقة بمسؤولية المخاطر عبر سلاسل توريد غير شفافة وغير رسمية، بينما يُكمَم العمال بموجب اتفاقيات عدم الإفصاح، ويُعاقَبون على التعبير عن آرائهم، ويُحرمون من الحماية الأساسية.

مواقع منتشرة في 39 دولة بالقارة

في محاولة لتفكيك هذه الظاهرة تكشف منصة "Rest of World" (وسيلة إعلامية معنية برصد تأثير التكنولوجيا على المجتمعات خارج العالم الغربي)، عن شبكة خفية من العمال الأفارقة الذين يُشغّلون أنظمة الذكاء الاصطناعي، موزعين على 39 دولة أفريقية، يعملون لدى هذه الشركات التي عادة ما يكون مقرها في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا.

تشير المنصة إلى أن الوسطاء المحليين يوظفون هؤلاء العمال في خدمة أنظمة الذكاء الاصطناعي، ولا يلتزمون بشكل كافٍ بالطلبات القانونية للحصول على بيانات العمال، وتميل غالبية هذه الشركات إلى التكتّم عن معلومات موظفيها، وغالبًا ما تلزمهم بعقود قانونية تُقيّد عمليات الإفصاح، مما يسمح لشركات التكنولوجيا الكبرى بالنأي بنفسها قانونيًا وأخلاقيًا عن هؤلاء الموظفين.

تنقل المنصة عن أنطونيو كاسيلي، عالم الاجتماع في معهد البوليتكنيك في باريس، والذي يدرس المساهمين البشريين في الذكاء الاصطناعي، قوله إن هذه الحالة تخلق "دائرة من الغموض حول هذا العمل" مشيرا إلى أن المواقع الأفريقية التي يعمل فيها عمال الظل مرتبطة بشكل أو بآخر بشركات، مثل: "ميتا، وأوبن إيه آي، وسامسونج".

تُظهر عمليات البحث الرئيسية أن أبرز الشركات الأمريكية المتورطة في عمليات استغلال ممنهج للعمالة الأفريقية هي شركة "Sama"، التي أسستها سما ليلى جانا، وهي سيدة أعمال أمريكية من أصل هندي، حيث افتتحت الشركة فروعها الأولى في الهند عام 2008، ثم في كينيا لاحقًا، وزادت من فروعها في مدن أفريقية أخرى بعد ارتفاع أجور العمالة في الهند، ومن بين عملاء الشركة الرئيسيين: جوجل وفورد ووول مارت وسوني وبي إم دبليو وإيباي ومايكروسوفت، وناسا. كما تعمل أيضًا لدى ميتا، المالكة لفيسبوك وواتساب وإنستغرام.

تواجه الشركة دعوى قضائية جماعية في كينيا بتهمة الاستغلال، حيث يطالب المتضررون بتعويضات نظير ما تعرضوا له من محتوى ضار أثر على حياتهم بشكل مروع، إذ يعاني واحد من كل 44 ممن عملوا في هذه المهنة من اضطراب ما بعد الصدمة، بسبب التعديلات التي أدخلوها على محتوى عنيف، ضمن مراجعاتهم لمحتوى رقمي وفق الغارديان.

وفي شهادات حصلت عليها الصحيفة، تقول أم شابة من نيروبي إنها اضطرت على مدار أكثر من عامين لفحص مقاطع فيديو صادمة للغاية، شملت انحرافات جنسية شديدة التطرف، بعضها كان عبارة عن ممارسة الجنس مع الحيوانات، وإساءة معاملة الأطفال والتعذيب وتقطيع الأوصال والقتل، مما تسبب لها في التقيؤ.

العاملون في مراكز الإشراف يتعرضون لقصف مستمر من الصور ومقاطع الفيديو الصادمة، ولا يُمنحون وقتًا لاستيعاب ما يشاهدونه، بل من المتوقع أن يتعاملوا مع ما بين 500 و1000 مخالفة يوميًا

وفقًا لطلب التعويض الذي رفعه 185 من المشرفين الكينيين أمام المحكمة، فقد عملوا بجدّ خلال نوبات عمل ليلية ونهارية في منشأة ذات أضواء هائجة، وتكييف هواء بارد، ومقاعد وشاشات غير مريحة، وتعرضوا لمراقبة أداء دقيقة تؤدي إلى إنهاء عقودهم في حال تراجعهم عن العمل. كما أنه لم يكن لديهم عادةً إلا دقيقة واحدة لتقييم كل جزء من المحتوى، ما يعني مضاعفة التركيز لأطول فترة ممكنة، دون الحصول على حقوقهم كاملة.

وفي هذا الإطار أخبرت امرأة في الثلاثينيات من عمرها أطباء نفسيين أنها عملت على مقطع فيديو يُظهر رجلاً يُقطع إربًا إربًا حتى الموت، وعندما بكت وخرجت من مكتبها لتستعيد رباطة جأشها، تبعها قائد الفريق وطلب منها العودة إلى العمل، ومن بين المحتوى الآخر الذي اضطرت للتعامل معه مقاطع فيديو لعمليات إعدام خلال الحرب الأهلية في إثيوبيا، وما جعلها تتعرض لحالة نفسية سيئة شملت ارتجاع الذكريات والكوابيس، وأصبحت "حزينة وتبكي معظم الوقت بدون سبب، كما أنها أصبحت سريعة الانفعال وتميل إلى الجدال مع زوجها طوال الوقت"، وفقًا لتقييم نفسي.

ليس هذا فحسب بل شُخِّصت مشرفة أخرى برهاب النخاريب، وهو الخوف من رؤية نمط من الثقوب كما في قرص العسل، نتيجة مشاهدتها المتكررة لفيديوهات ليرقات تزحف من ثقوب في يد بشرية متحللة خلال سنواتها الثلاث في الإشراف على محتوى فيسبوك، حيث كانت هذه الصور تظهر بشكل متكرر، وتتسبب لها فرط في التنفس والصراخ والبكاء.

الشهادات المروعة لم تقف عند هذا الحد، إذ كانت العاصمة الكينية نيروبي شاهدت على تفاصيل أكثر قسوة عاشتها فتاة تدعى ميرسي، والتي كانت تعمل مُشرفة محتوى، تتلخص مهمتها في مراجعة المحتوى العنيف الذي يبث على فيسبوك، إلا أنها هذه المرة اضطرت لمراجعة فيديو يوثق تعرض جدها لحادث مأساوي، ورغم انهيارها التام ومحاولتها مغادرة الموقع للاطمئنان عليه، فوجئت بمديرها يطلب منها العودة لاستكمال العمل وإلا سيضطر لخصم راتب اليوم من حصتها.

وفي هذه الأجواء يقول أحد موظفي البيانات الذي هاجر من نيجيريا من أجل هذه الوظيفة: "أنت مُتعب جسديًا، ومُتعب نفسيًا، أنت كزومبي يمشي"، مشيرا إلى أنه لا يمكن لمشرفي المحتوى أن يغيبوا عن الوعي، إذ يتعين عليهم وضع علامات دقيقة على الفيديوهات وفقًا لمعايير صارمة، تنفذ رغم ساعات العمل الطويلة والعائد الضعيف نسبيا.

يشير إلى أن العاملون في مراكز الإشراف يتعرضون لقصف مستمر من الصور ومقاطع الفيديو الصادمة، ولا يُمنحون وقتًا لاستيعاب ما يشاهدونه، بل من المتوقع أن يتعاملوا مع ما بين 500 و1000 مخالفة يوميًا، وهو ما يعود بالسلب على حياتهم النفسية والأسرية، حيث نقلت الغارديان عن موظف سابق قوله: "معظمنا متضررون نفسيًا، حاول البعض الانتحار... ترك بعضنا زوجته ولا يمكننا استعادة حياتنا"، وأمام هذه الموجات الصادمة تخبرك الشركة أنه يمكنك الحصول على استراحة لمدة 30 دقيقة لرؤية "مستشار صحي" - وهو زميل لم يتلقَّ تدريبًا رسميًا كطبيب نفسي.

وفي معرض تعليقها على هذه الأجواء تقول الناشطة الكينية في مجال الحقوق المدنية، نيريما واكو-أوجيوا، إن يأس العمال، في بلد يعاني من ارتفاع معدلات البطالة مثل كينيا، أدى إلى شيوع ثقافة استغلالية بأجور غير عادلة، وانعدام الأمن الوظيفي، مشيرة إلى أنه "من المروع أن نرى هذا العدد الهائل من الشركات الأمريكية التي تخطئ هنا، وهذا أمر لن يفعلوه في وطنهم، فلماذا يفعلونه هنا؟".

ويتفق مع هذا الرأي نفتالي وامبالو، وهو أب لطفلين وحاصل على شهادة جامعية في الرياضيات، والذي يشير إلى أنه كان سعيدًا جدًا بالعثور على عمل في نيروبي في مجال الذكاء الاصطناعي الناشئ، إلا أنه فوجئ بأوضاع قاسية، إذ يقضي وغيره من العاملين الرقميين أكثر من ثماني ساعات يوميًا أمام الشاشة يدرسون الصور ومقاطع الفيديو، ويرسمون مربعات حول الأشياء ويصنفونها، ويعلمون خوارزميات الذكاء الاصطناعي كيفية التعرف عليها.

استعمار رقمي جديد لأفريقيا

في مقابلة مع منصة "ICTworks" المتخصصة في توظيف التقنيات الرقمية في مساعدات المجتمعات الريفية بطرق مستدامة يصف موفاه أوكيني، وهو مشرف محتوى سابق في فيسبوك، والرئيس التنفيذي الحالي لمجتمع عمال التكنولوجيا في أفريقيا (TCA)، ما يحدث مع العمالة الرقمية الأفريقية بأنه "استعمار رقمي"، وهو شكل جديد من أشكال استخراج الموارد، حيث تستغل شركات التكنولوجيا الكبرى من وادي السيليكون عمالة أفريقيا وبياناتها ومواردها دون تقديم عوائد عادلة.

يتجلى ذلك وفق المسؤول السابق في فيسبوك في أربع طرق رئيسية، أولها استغلال العمالة، حيث يتلقى العاملون في قطاع تطوير الذكاء الاصطناعي أجورًا تُقلل بشكل كبير من قيمة مساهماتهم الأساسية في تطوير وتدريب هذه الأنظمة، كما تتآكل الحماية التقليدية للوظائف المستقرة بسرعة، لتحل محلها ترتيبات عمل حر هشة لا توفر سوى القليل من الأمان أو المزايا.

ثاني هذه الطرق الاستعمارية الرقمية هو استغلال الصحة النفسية، إذ يتحمل مشرفو المحتوى عبئًا ثقيلًا للغاية، بما يجعلهم يعانون من صدمة نفسية شديدة نتيجة تعرضهم المستمر للمحتوى المزعج، ويضاف لذلك التدهور البيئي حيث يترك الطابع المكثف للموارد لتطوير الذكاء الاصطناعي بصمة بيئية ثقيلة على المجتمعات، وهو ما يمثل ثالث أداة من أدوات الاستعمار الرقمي وفق أوكيني. ويبقى الاستغلال الاجتماعي والثقافي للمجتمعات الأفريقية رابع هذه الطرق، حيث تضغط شركات التكنولوجيا بنشاط على المسؤولين المحليين لمنحهم معاملة تفضيلية، مما يُكرّس ديناميكيات القوة التقليدية التي تُعطي الأولوية لمصالح الشركات على حساب المجتمع.

"معظمنا متضررون نفسيًا، حاول البعض الانتحار... ترك بعضنا زوجته ولا يمكننا استعادة حياتنا"، وأمام هذه الموجات الصادمة تخبرك الشركة أنه يمكنك الحصول على استراحة لمدة 30 دقيقة

الواقع نفسه ترصده الباحثة سوزي شيفيني، عضو في منظمة "نساء ملونات من أجل تعزيز السلام والأمن وتحويل النزاعات" (WCAPS) والتي تقول في مقال لها "بالرغم من الوجه الدافئ للأنظمة التكنولوجية وتصدير صورة ناصعة عن التزام هذه الشركات بالمعايير الأخلاقية والقانونية، إلا أن واقع الحال يظهر أن غالبية الشركات الكبرى متحيزة وتمارس تميزًا ضد النساء ذوات البشرة الملونة، وأن الأمثلة تبين أن الفضاء الرقمي ليس ديمقراطيًا كما يبدو".

وتشير إلى أن العمليات الخفية لكثير من هذه الشركات تُظهر أنها ملوثة بممارسات مثل عدم المساواة والتحيز، وأن شركة OpenAI، المالكة لروبوت الدردشة الشهير ChatGPT ومولد الفنون DALLE-E، من بين المتورطين في أعمال مشابهة حيث قامت بتوظيف حوالي 200 شخص كيني من مُشرفي المحتوى نظير أجورًا زهيدة للغاية.

توضح أن الأمر لا يقف على حد الاستغلال بل يكرس لأشكال متنوعة من الكراهية والتعصب ففي عالم مفتوح مثل الذكاء الاصطناعي تقوم هذه التطبيقات بتكرار نفس الخصائص السامة للعالم المادي، من خلال إعادة نشر كل ما يحتويه الإنترنت من ردود بذيئة وكراهية وتمييزًا جنسيًا وعنصريًا.

أوضاع تستوجب مواجهة جماعية

في محاولة لتفادي مثل هذه المشكلات يقدم الباحث محمد أمير أنور المحاضر في الدراسات الأفريقية والتنمية الدولية بجامعة إدنبرة نصائح لحماية العاملين في المجالات الرقمية، مشيرا في مقال له إلى أن معالجة مثل هذه القضايا تحتاج إلى وضع لوائح لتنظيم العمليات التجارية، وضمان جودة الوظائف بدلاً من كميتها، وتوفير الحماية الاجتماعية، إضافة إلى تسمية الشركات التي تُسيء معاملة العاملين في مجال البيانات وفضحها.

يقول إن تكرار مثل هذه الشكاوى دفع الحكومة الكينية لطرح لوائح جديدة مثل مشروع قانون الأعمال (المُعدّل) لعام 2024، الذي يستهدف قطاع الاستعانة بمصادر خارجية لعمليات الأعمال والخدمات المُعتمدة على تكنولوجيا المعلومات على نطاق أوسع، مطالبا الحكومات الأفريقية باتخاذ خطوات مماثلة لضمان إنفاذ حقوق العمال، لافتا إلى أن كثير من هؤلاء الموظفين يعملون بعقود قصيرة تصل إلى خمسة أيام، ويتقاضون أجورًا أقل من الحد الأدنى للأجور المحلي، وهو ما يستوجب معاقبة الشركات التي تُثبت انتهاكها لمعايير العمل.

ويشدد على ضرورة وضع أُطر تنظيمية إقليمية أو قارية تُغطّي قطاع العاملين في مثل هذا المجال، مما يحدّ من مساحة استغلال الشركات للعمال الأفارقة، وإعطاء الأولوية لجودة الوظائف لا للكم، كما ينبغي لصانعي السياسات التفكير في خطط التنمية الاقتصادية الوطنية الأوسع، وخاصةً التنويع الهيكلي وتطوير اقتصاداتهم.

ونوه إلى أنه من الضروري السماح للعاملين في المجالات الرقمية بتنظيم نقابات وجمعيات مهنية تدافع عن حقوقهم، مشيرا إلى بعض من هذه الجمعيات بدأت بالفعل الظهور في القارة منها "مجتمع عمال البيانات في أفريقيا"، و"نهوض عمال التكنولوجيا الأفارقة"، و"اتحادات مشرفي المحتوى الأفارقة"، و"رابطة مُصنّفي البيانات"، لافتا إلى أن بعض من هذه المنظمات لازالت تتابع حتى الآن العديد من القضايا القضائية البارزة ضد "ميتا" و"ساما" وغيرهم من الشركات.

يتفق هذا الطرح مع ما دعت إليه الباحثان ميشيل دو الباحثة في مركز الابتكار التكنولوجي، وتشيناسا ت. أوكولو أخصائية سياسات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة بمكتب الأمم المتحدة للتكنولوجيا الرقمية والناشئة، إذ يطالبان بضرورة مواجهة الممارسات اللأخلاقية بشكل جماعي، وتوكدان أن التعاون العابر للحدود بات أمرًا ضروريًا، وأنه ينبغي على الهيئات الإقليمية، مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، والاتحاد الأفريقي، والجماعة الكاريبية (كاريكوم)، العمل على وضع توجيهات مُلزمة بشأن حقوق العاملين في مجال البيانات، مستشهدة بالتقدم الذي حدث في دول مثل الأرجنتين والمكسيك، بما يضمن تحسين ظروف العمل على مثل هذه المنصات.