الخميس 15 مايو 2025
الخرطوم حرة"، أعلنها عبد الفتاح البرهان من أروقة القصر الرئاسي بعد ساعات من استعادة الجيش مطار المدينة من يد قوات الدعم السريع. كاشفا ذلك، في مقطع فيديو تم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر فيه يتجول في أرجاء القصر بصحبة جنوده، مرددا "انتهى الأمر، الخرطوم حرة، حرة، حرة". أنهى إعلان تحرير الخرطوم أسبوعًا زاخرًا بالأحداث في المدينة، ففي يوم الاثنين (24 مارس/ آذار) استولى الجيش أيضا على القصر الرئاسي، وهو حدث له أهمية سياسية وعسكرية كبيرة، نظرا لقيمته الرمزية في الحرب التي استطالت نحو عامين مع قوات الدعم السريع.
استولت قوات الدعم السريع، منذ بدء الحرب الأهلية في أبريل/ نيسان 2023، على القصر والمناطق المحيطة به، بما فيها العديد من الوزارات الحكومية، وأجزاء من وسط المدينة التي كانت –بدورها- مناطق تجارية حيوية. وقد عكس تقسيم العاصمة هذا بين الفصيلين مدى الصراع على السلطة في السودان. أضيفت هذه الحالة القائمة لتعقيد الشرعية الملتبسة لادعاء قوات الدعم السريع أنها فاعل جاد في السودان، وأن الشكوك تحيط أكثر محمد حمدان دقلو –المعروف بحميدتي- كشخصية سياسية هامة، وليس مجرد إجابة ملتوية لمفهوم المسؤول الأمني الروسي (Russian silovik)، وهو نوع من بريجوزين السوداني الذي كاد أن ينجح تمرده.
وصف فريق من الصحفيين من جريدة النيويورك تايمز، الذين زاروا القصر بعد استعادة الجيش له، "أكوام الردم الملطخة بالدم على درجات القصر". كما انتشرت الأشلاء خارج القصر، فيما "اقتلعت" الأشجار المؤدية إليه، "وقذفت المساجد بالنيران"؛ وتم نهب جامعة الخرطوم؛ وهي واحدة من أفضل جامعات أفريقيا. وتم حرق مقار الوزارات الحكومية تمامًا- ما عُد أثرًا ختاميًا ملائمًا تمامًا لجميع ما اقترفته قوات الدعم السريع بحق السودان، منذ تكوينها على يد نظام عمر البشير في مطلع الألفية الحالية.
في منشور على منصة إكس قالت كاتبة العمود البريطانية السودانية نسرين مالك، أن قوات الدعم السريع قد خلفت وراءها "أكبر مجاعة ومقتلة ونهب لعاصمة أفريقية في التاريخ الحديث". وكان هناك بكل تأكيد قدر من الشماتة مع بث قناة العربي لقطات مصورة بدرون تظهر مقاتلي قوات الدعم السريع يفرون من المدينة.
تحدث ديلاكن والش، رئيس مكتب أفريقيا بالنيويورك تايمز الذي زار القصر، لأحد ضباط القوات الخاصة الذي قدم بدوره إجابة مروعة عندما سُئل عن حجم الضرر: "لن نترك بلدنا بأي حال من الأحوال للمرتزقة". ولم يفعلوا بالفعل.
بدا الجيش السوداني متأخرًا في أغلب فترات الصراع، مع تمكن قوات الدعم السريع الأكثر قدرة على الحركة السريعة من السيطرة على أغلب إقليم دارفور، ثم بدئها الانتشار في جنوب شرقي البلاد. وبحلول ديسمبر/ كانون الأول 2023، استولت على ود مدني؛ ثاني أهم مدن السودان وعاصمة ولاية الجزيرة، والتي كانت تستضيف مئات الآلاف من اللاجئين الذين فروا من الخرطوم.
قام حميدتي بعدها بجولة في عدد من دول جوار السودان، وتم استقباله فيها كأنه رئيس للدولة. وبدا أن الجميع قد بدأوا عملية تطويق السودان. لكن في سبتمبر/ أيلول الماضي، فيما كان البرهان في نيويورك لحضور الدورة العامة للأمم المتحدة، شن الجيش السوداني هجومًا مضادًا جريئًا في الخرطوم انطلاقًا من أم درمان، مدينتها التوأم. وبعد ثمانية أشهر نتحدث الآن عن خرطوم محررة، مع أمل الكثيرين في خفض حجم قوات الدعم السريع.
اعتبر كثيرون هزيمة قوات الدعم السريع ضربة أخرى لاستراتيجية الإمارات التخريبية في إقليم البحر الأحمر وشمال شرق أفريقيا. فقد دعمت أبو ظبي الفاعلين من دون الدول ومن غير الدول على امتداد الهلال من شرقي ليبيا مرورًا بالقرن الأفريقي وحتى اليمن، وبناء النفوذ معهم ثم الاعتماد عليهم لاحقًا كوكلاء لنفوذها.
نشر جريج كارلستورم، مراسل الإيكونومست في الشرق الأوسط، على منصة إكس: "مشروع سياسة خارجية آخر ينتهي بخزي للإمارات العربية المتحدة، على نحو يشبه كثيرًا جهودها لمساعدة خليفة حفتر للاستيلاء على طرابلس، وإقناع الجميع بتطبيع الصلات مع بشار الأسد". وليس واضحًا (بعد) ما هي نهاية لعبة الإمارات مع السودان؛ الذي لا يزالون يؤملون فحسب للتوصل لتسوية مع دولة عاطلة، حيث يتم إضعاف مناوئيهم الأيديولوجيين (إسلاميو السودان) وأن يكون استمرار تدفق الذهب إلى الإمارات كافيًا، أو أنهم يوقنون فعلًا بأن حميدتي كان ليظهر كمرشح جاد لقيادة البلاد.
قدم أنس القماطي، مدير معهد الصادق (مركز تفكير ليبي)، صورة أكثر تعقيدًا لكيفية عمل الإمارات بين ليبيا والسودان، واصفًا عملياتها في مقابلة مع "جيسكا" بأنها "مقامرة بالغة بلعبة جينجا جيوسياسية" حيث يكون "كل لاعب- سواء في الخرطوم أم بنغازي أم أبو ظبي- داعمًا هامًا وكذا نقطة سقوط محتملة".
لقد نمت سلطة حميدتي بتقديمه المرتزقة للإمارات من أجل حربها في اليمن، وبعدها بدأ نجمه في السطوع في الإقليم. وطور في النهاية علاقة نفع متبادل مع حفتر في شرقي ليبيا، الذي شن بدوره –على نحو مماثل- حربًا عنيفة ضد السلطات في العاصمة الليبية طرابلس، والذي دعم أيضا محاولته لاقتناص السلطة في السودان. وهو المسعى الذي خاب، بإعادة سيطرة الجيش السوداني على القصر الرئاسي ووسط مدنية الخرطوم.
أشار خليل تشارلز، الصحفي البريطاني المخضرم في الشأن السوداني، إلى أن القصر ظل لفترة طويلة رمزا للسيادة في البلاد، والذي سعى حكامها دائمًا لترسيخ وجودهم فيه. وقد بُني القصر بالأساس على يد الإمبراطورية العثمانية، بعد مد نفوذها من مصر على طول مجرى نهر النيل. وعندما سقطت الدولة المهدية في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، احتل البريطانيون القصر قبل تسليمه في النهاية لإسماعيل الأزهري، الذي أعلن بلاده دولة مستقلة في 1956. "بأي حال لن يكون القصر شاهدًا على الاستقلال فحسب، كما يلاحظ تشارلز، "بل سيكون أيضًا مسرحًا لانقلابات وأحداث دموية غير مسار تاريخ السودان."
جاء السودان، في تاريخه الوجيز دولة مستقلة لسبعين عامًا خلت، في قمة قائمة أفريقية لأكثر الانقلابات الناجحة ومحاولات الانقلاب برقم بلغ الثمانية عشر، ما يعني في المتوسط انقلابًا أو محاولة انقلاب كل ثلاثة أعوام. وكان أحدث هذه الانقلابات عندما تعاون الجيش مع قوات الدعم السريع لإسقاط حكومة الاقتصادي عبد الله حمدوك التي وصفت بالجمود وعدم التأثير، مما مهد الأرض للوضع الذي علقت فيه البلاد لنحو عامين. في البداية قاوم الشعب السوداني، واحتج ضد إسقاط حمدوك، دفاعًا عن الفرصة الضئيلة للحكم المدني الذي مثلته فترة حكمه الوجيزة. لكن 100 فرد لقوا مصرعهم في هذه المظاهرات، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021، والتي تم قمعها في نهاية الأمر. ونتج عن ذلك ترك عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني والحاكم الفعلي للبلاد، في مواجهة حميدتي، قائد قوات الدعم السريع.
بدأ الصراع على جدول زمني يقدر وفقه دمج قوات الدعم السريع (والتي تمثل جماعة مسلحة عاملة خارج نطاق الدولة، وتزداد بشكل ملحوظ ثروة وقوة عبر صلاتها مع الإمارات وتعدين الذهب) في المؤسسات المدنية الرسمية في الدولة. لكن ذلك لم يجدي نفعًا، حيث وصل مناخ عدم الثقة البالغ إلى قتال مفتوح في منتصف أبريل/نيسان 2023.
قالت المحللة السودانية خلود خير للجارديان في يوم بدء القتال: "سيكون قتالًا حتى النهاية، ولن ينجو أيًا من أطرافه من الأذى"، وقد ثبت صحة توقعها، باستثناء أن الجيش وقوات الدعم السريع لم يكونا فقط من لم يسلما من الأذى، ولكن كانت البلاد بأكملها كذلك.
وفقًا للأرقام المتوفرة لدينا، فإن حجم الدمار من الصعب المساءلة عنه، كما أنه مرتفع جدًا. وقد وصفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين السودان بأنه (يشهد) "أكبر أزمة إنسانية وتشرد وحماية في العالم"، بوجود أكثر من 10 ملايين فرد في عداد المشردين داخليًا، منهم 4 ملايين طفل. كما تأكد فرار مليون فرد إلى دول الجوار. وكانت لأزمة التشرد تحديات بالغة تتعلق بالأمن الغذائي، مع إعلان هيئات متنوعة المجاعة في أنحاء متفرقة من السودان. وقالت السلطات في معسكر زمزم بدارفور في بداية فبراير/ شباط 2024 أن ثمة طفلا يموت من الجوع أو المرض كل ساعتين.
تبدو عملية تقدير الخسائر مراوغة تمامًا بالنسبة للمنظمات والهيئات التي تحاول القيام بذلك. فعلى سبيل المثال أقرت الأمم المتحدة التقدير المحافظ بمقتل 20 ألف فرد (في الصراع الدائر منذ عامين)، فيما أكد تقرير صادر عن مدرسة لندن للصحة والطب الاستوائي مقتل أكثر من 60 ألف فرد في ولاية الخرطوم وحدها. وقال كاتبو التقرير: "نوقن أن تقديراتنا محافظة للغاية".
في يناير/ كانون الثاني عام 2024، أشار تقرير لخبراء بالأمم المتحدة إلى مقتل 15 ألف فرد في مدينة الجنينة بدارفور على يد قوات الدعم السريع. وقد أدانت إدارة بايدن أفعال قوات الدعم السريع في دارفور بحق جماعة المساليت ووصفتها بالإبادة، وجاءت الإدانة عقب انتشار لقطات فيديو مروعة عن قيام مقاتلي الدعم بتنفيذ إعدامات سريعة للمدنيين، وحرق قرى بنشوة، بل ونشرهم فيديوهات على الإنترنت بأنفسهم. وفي شهادته أمام الكونجرس وضع توم بيريللو رقمًا للضحايا أكبر بكثير مشيرًا إلى أنه يمكن أن يكون أكثر من 150 ألف شخص.
أسفت نسرين مالك على نحو صائب لحقيقة أن من يشيرون للسودان بأنه "حرب منسية" لا يوضحون عادة لماذا الأمر كذلك. وتقر بأنه فيما ركزت أغلب الصحف على حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، كان هناك عدد قليل للغاية من الصحفيين الدوليين داخل السودان لتقديم معلومات مهمة لمنافذهم الإعلامية المعنية؟ بأي حال فإن "البقية، حسبما أشك، قد ارتضت بما لن يبدو ملحوظًا للغالبية: تلك مجرد دولة أفريقية أخرى تنقاد لصراع عصي".
أما من يقاربون الصراع فإنهم يفعلون ذلك بقدر من التهكم. قام ديفيد لامي، وزير خارجية المملكة المتحدة، مثلا بجولة إلى منطقة الحدود بين تشاد والسودان، حظيت بدعاية ضخمة في بداية فبراير/ شباط لرفع الوعي بالتحديات الإنسانية هناك. واعتبرت خطوته في بعض الأرجاء محاولة لرفع عبء الضغط على حكومته لجمود موقفها نحو أزمة غزة، أو ما تسميه خلود خير "بالتلاعب الإنساني".
لقد سمتها استراتيجية منحرفة عن المسار "لمناقشة السودان على حساب غزة، لكن لا تقوم بأية التزامات" نحو أيًا منهما. وسألته زاراه سلطانة، عضو مجلس البرلمان عن حزب العمال الذي ينتمي له لامي، إن كان قد اكترث كثيرًا بشأن السودان، فما الذي سيقوم به لوقف الإمارات، شريك المملكة المتحدة الأمني وثيق الصلة، عن مواصلة تقديم الأسلحة لقوات الدعم السريع. ومرة أخرى لم يملك لامي، الذي اكتفى بإثارة مناوشة عن دور روسيا في الحرب خلال اجتماع لمجلس الأمن، شيئًا قويًا لقوله، واكتفى بمجرد التأكيد على ضرورة مثول الجميع على المائدة (للتفاوض).
عندما لا يتم استخدام السودان في تعزيز أوراق اعتماد الساسة الذين يرغبون في الظهور بمظهر أبطال العمل الإنساني، فإن الآخرين يبدون ببساطة بعيدين تمامًا عما يحدث على الأرض. وحتى مع إدانة المجتمع الدولي لقوات الدعم السريع بإعلانها تكوين "حكومة موازية" في السودان، ومع ملاحقة الجيش نهاية الشهر الجاري لفلول مجموعة الميليشيا المتورطة في الإبادة، فإن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا تزالان تدعوان لوقف لإطلاق النار ومحادثات.
استغل البرهان العقوبات الأمريكية (التي كانت مبررة) لرفض المحادثات بصدر رحب. لكن دعوات وقف القتال، ومغادرة قوات الدعم السريع كانت بشكل لا لبس فيه سيئة التوقيت. وقال كاميرون هدسون، المحلل السابق بالمخابرات المركزية الأمريكية، والذي يتابع الشأن السوداني، إنني "أنظر إلى ذلك كتحيز واضح لصف قوات الدعم السريع، الذين يتحفزون حاليًا للدفاع، وكمحاولة للانتقاص من انتصار القوات المسلحة السودانية"، حسب منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي.
يوقن هدسون أن السيطرة على القصر الرئاسي، وتحرير الخرطوم ككل يمثل مرحلة جديدة في حرب السودان، والتي يملك الجيش فيها بكل جلاء اليد العليا. وأن الجيش بات مسلحًا على نحو أفضل بمسيرات من تركيا وإيران، وطائرات مقاتلة من روسيا والصين، ونجح في تجنيد مزيد من مقاتليه مقارنة بعدوه. والأسئلة الكبرى هي هل سيسمح الجيش لقوات الدعم السريع بالبقاء في دارفور، أم أنه سيلاحقهم هناك؟ على نحو يهدد بصراع يمتد خلف خطوط إمداداتهم، في أراضي يرجح أن يكون لقوات الدعم السريع فعالية أكبر. وسيتطلب ذلك غزوًا بريًا كاملًا، والذي ستكون له بالتأكيد عواقب إنسانية خطيرة في الإقليم الأكثر تأثرًا بهذه الحرب. "عن ما سنحصل عليه سيكون مزيدًا من القصف الكاسح والقتل الجماعي للمدنيين"، حسبما ذكر هدسون على منصة إكس.
هنا تكمن اللحظة الحلوة المرة في هذا الانتصار الهام الذي حققه الجيش. إن كثير من السودانيين ممن يدعمون الجيش في هذا الصراع المصيري من أجل دولتهم، يقومون بذلك دون منفعة خاصة، وليس بمقتضى حماسة أيديولوجية. وتتمثل الخيارات في جيش معطوب يمثل في أقل الأحوال مؤسسة رسمية للدولة، وميليشيا آثمة وحاقدة متهمة بالإبادة، يدعمها قادة مجردون من المبادئ في الإمارات العربية. وقد يبدو ذلك خيارًا سهلًا لكنه ليس سعيدًا. وبالأمس فقط انتاب العالم هلع بمعرفة ضربة جوية قام بها الجيش في مدينة الفاشر في شمالي دارفور، يعتقد أنها أسفرت عن مقتل المئات، ووصفتها "مجموعة محامو الطوارئ" (ELG) "بالمذبحة المروعة". وفي حالات أخرى قام الجيش بتحويل المساعدات لسلاح.
إضافة إلى المشكلات المرتبطة بالطرف المخول بتخليص البلاد من قوات الدعم السريع (والذي كونها في منتصف العقد الأول من اللفية الحالية في المقام الأول)، فإن حالة البلاد بعد عامين من الحرب تمثل مسألة أخرى. وقد أظهرت اللقطات المصورة القادمة من الخرطوم مبانِ مدمرة بأكملها، وأحياء منهوبة وغارقة في الفوضى، وتحول الناس لهياكل عظمية نحيفة خلال مسعاهم الحثيث للانتقال.
إن الوقت اللازم لإعادة البناء، في ضوء القيود التي يواجهها السودان ماليًا، قد يستغرق عقودًا لإعادة البلاد لما كانت عليه في مطلع الألفية حال عدم تلقي السودان دعمًا كبيرًا. من أين سيأتي مثل هذا الدعم؟ فقد ترك عمر البشير للسودان نظامًا معاقبًا، وعددا قليلا من الأصدقاء الذين وثقوا فيه بصدق. تريد أوروبا إعادة تسليحه من أجل حرب محتملة ضد روسيا؛ وتريد السعودية بناء مدينة مستقبلية؛ فيما ستركز تركيا على استقرار سوريا المحررة حديثًا مع تقدم إسرائيل في جنوب شرقها؛ أشك أن البرهان سيتصل بمحمد بن زايد الآن؛ فيما لم تظهر روسيا ولا الصين قدرة كبيرة (أو رغبة) في القيام بالمشروعات المطلوبة، لتمكن دولة مثل السودان من العودة للوقوف على قدميها.
إن المشكلة الأخيرة، والأكثر خطورة، هي أن الاستيلاء على الخرطوم لا يعني انتهاء الحرب في السودان. "أو حسبما أوردت هبة الله مورجان، مراسلة قناة الجزيرة في السودان، في تقرير لها من الخرطوم: "بعد رؤية نهاية المعركة هنا في الخرطوم، يرجح أن نرى المزيد والمزيد من القتال هذه المرة في إقليم دارفور الغربي وجنوب غرب السودان".
تشير كافة الدلائل إلى أنه من المرجح استمرار القتال هناك، إذا تعقب الجيش عدوه في معقله، ومن ثم ستستمر معاناة المدنيين. وفي الأسبوع الماضي وحده، انضم 15 ألف شخص لقائمة السكان المشردين في دارفور، فرارًا من مدينة المالحة قرب الفاشر عاصمة شمال دارفور، بعد استيلاء قوات الدعم السريع على الأولى. وبشكل أوسع، على مستوى الدولة، تذكر الأمم المتحدة تشرد 600 ألف شخص إضافي، منذ أبريل/ نيسان 2024، وبات نحو مليون فرد يسعون للجواء في الفاشر، آخر معاقل حكومة الخرطوم في دارفور، والتي تستهدفها قوات الدعم السريع بانتظام بقذائف الهاون والمدفعية. وهناك ستة مناطق في الولاية معزولة تمامًا، وتتعرض لخطر المجاعة.
يحق للشعب السوداني الاحتفال بهذه اللحظة الهامة، والتي يؤمل أن تميز بداية مسار محتمل لإنهاء القتال في البلاد. ويمكن أن تتدفق المساعدات الإنسانية التي باتت أكثر إلحاحًا داخل المدينة، وبدء جهود التعافي. لكن مع تداعي النشوة، لا زالت هناك تحديات خطيرة تنتظر السودان. لقد أعلن البرهان "لقد انتهى الأمر" عندما دخل القصر، لكن الأمر لا يزال بعيدًا عن الانتهاء.