تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الأحد 9 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
رأي

ماذا تعني هزيمة داعش في بونتلاند؟

1 أكتوبر, 2025
الصورة
ماذا تعني هزيمة داعش في بونتلاند؟
Share

تشكل هزيمة تنظيم داعش الوشيكة في جبال علمسكاد محطة فارقة في تاريخ بونتلاند الحديث، فقبل اندلاع عملية "هلاع" راودت الأوساط السياسية والعشائرية شكوك عميقة حول نوايا الإدارة، ولم يتوقع كثيرون أن تقدم فعلا حربا استنزافية ضد واحد من أخطر التنظيمات الجهادية التي عرفها العالم، حتى في نهاية العام الماضي، حين زار سعيد دني مدينة غالكعيو، ظل معظم زعماء العشائر غير مقتنعين بقرب اندلاع معركة شاملة ضد "داعش"، وذلك لشح المعلومات المتوفرة لدى المجتمع والدوائر الأمنية عن خطر "داعش" القادم في الصومال، و خططهم المستقبلية في المنطقة القرن الأفريقي.

بعد مرور عشرة شهور منذ اندلاع الحرب في نهاية العام الماضي، سجلت سلسلة جبال علمسكاد تطورات عسكرية وأمنية غيّرت خريطة التواجد داعش في علمسكاد، وقد كشفت هذه التطورات للمجتمعين المحلي والدولي حجم خطورة التنظيم، وسعيه المحموم للسيطرة على الأقاليم الشرقية في بونتلاند، في محاولة لجعلها نقطة انبعاث جديدة للتنظيم على مستوى العالم.

غير أن نتائج العمليات العسكرية جاءت على نقيض هذا الطموح؛ إذ ضعفت قوة التنظيم في فترة وجيزة، وفقد السيطرة على معظم القرى التي كان يهيمن عليها قبل بدء العملية، ولا تزال فلول التنظيم متحصنين في وادي بالدي الملاصق لمدينة بوصاصو الاستراتيجية.

بداية داعش في بونتلاند

وقع انتقال تنظيم داعش إلى جبال علمسكاد بصورة سلسة، دون أن تطلق بونتلاند أيّ صافرات إنذار، بخلاف محاولة حركة الشباب ولوج وادي سُوج عام 2016 في جنوب بونتلاند. وقد نجحت الولاية في حشد قواتها، وتعبئة المجتمع، مما عجل بفشل عملية التوغل الكبير لدى الشباب في المنطقة. وفعلا، قد ارتكبت الحركة - آنذاك- خطأ استراتيجيا حين سعت إلى توسيع خريطة نفوذها في المناطق الشرقية من الصومال، الأمر الذي أدى إلى فشل مسعاها، وإضعاف حضورها في بونتلاند.

تظهر تجربة بونتلاند أن جيشا محدود العدة والعدد يمكنه أن يحقق النصر على أخطر الجماعات الإرهابية العابرة للحدود

لم يكن انتقال عبد القادر مؤمن إلى جبال علميسكاد في 2013 خطوة اعتباطيا، بل كان خيارا مدروسا واستراتيجيا، فالرجل ينحدر أصلا من تلك الجبال، الأمر الذي سهل قبوله، والنظر إليه كأحد أبناء المنطقة. علاوة على ذلك، فإن سلسلة جبال علمسكاد التي ترتفع قممها أكثر من 2000 متر فوق مستوى سطح البحر، وتضاريس مثالية لحرب العصابات، حيث توجد في داخلها مواقع دفاعية طبيعية، وشيدوا هناك معسكرات تدريبية ومخابئ أسلحة داخل الكهوف الجبلية الوعرة. والأدهى من ذلك، أنهم طوروا طائرات بدون طيار انتحارية، وقد استخدمت في بداية الحرب، قبل أن يتم ضبطها من قبل قوات الأمن المشاركة في عملية "هلاع".

ارتفع عدد مقاتلي تنظيم داعش في السنوات الأخيرة بعد أن حصلوا على سيولة مالية داخل منطقة بونتلاند، وقد صرّح الرئيس سعيد دني مؤخرًا بأن عددهم وصل إلى 2000 مقاتل، قبل بدء العملية الأخيرة. وتشير التقديرات إلى أن الغالبية العظمى من هؤلاء هم مقاتلون أجانب فرّوا من العراق وسوريا واليمن، بالإضافة إلى عناصر أخرى من إثيوبيا ودول الأفريقية مختلفة. وكانت أبرز نواياهم السيطرة على مدينة بوصاصو الاستراتيجية حتى تكون مقرا لعملياتهم في القرن الأفريقي والعالم، وشهدت المدينة في السنوات الأخيرة نشاطا استخباراتيا متزايدا للتنظيم، غير أن توقيت انطلاق عملية "هلاع"، التي بدأت في لحظة فارقة، نجحت في إضعاف التنظيم، وإفشال خططه الرامية إلى السيطرة على بوصاصو.

"هلاع" نموذج لهزيمة الإرهاب

استدعى القضاء على مقاتلي تنظيم داعش من العراق وسوريا تعاونا دوليا واسعا شاركت فيه من أكثر من ثلاثين دولة، وعلى خلاف كثير من التنظيمات الإرهابية الأخرى، يضم داعش في صفوفه خبراء يمتلكون القدرة على ابتكار أسلحة متطورة وفتّاكة وبتكاليف منخفضة، ما جعله واحدا من أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم. ومع ذلك، تظهر تجربة بونتلاند أن جيشا محدود العدة والعدد يمكنه أن يحقق النصر على أخطر الجماعات الإرهابية العابرة للحدود.

قبل ديسمبر/كانون الأول الماضي، زار الرئيس دني عددا من المدن الرئيسية في الولاية، والتقى شيوخ العشائر والمشايخ الدينيين، بهدف تجهيز الحاضنة الشعبية لحملة "هلاع"، واستقر أخيرا في مدينة "عرمو" التي كانت نقطة انطلاقة للحرب على تنظيم داعش. وبعد أيام من اندلاع المعركة الأولى في علمسكاد، تبرّع السكان المحليون بسخاء بالماشية والطعام للجنود، وساهم المغتربون بملايين الدولارات للمساعدة في تمويل العملية. من جانبهم، استخدم الزعماء الدينيون منابرهم للإشادة بعملية الحكومة لمكافحة الإرهاب. هذه التعبئة الشعبية والمعنوية، سواء للجنود أو للمجتمع بشكل عام، أضفت الحرب بعدا آخر، بأنه حرب "وجودي": إما الهزيمة على تنظيم داعش أو سقوط دولة بونتلاند نهائيا.

ارتكبت الحركة - آنذاك- خطأ استراتيجيا حين سعت إلى توسيع خريطة نفوذها في المناطق الشرقية من الصومال، الأمر الذي أدى إلى فشل مسعاها، وإضعاف حضورها في بونتلاند

هاجمت داعش في صبيحة 31 من ديسمبر/كانون الأول، منطقة درجالي-شرق علمسكاد، حيث أطلقت الرصاصة الأولى للحرب، في محاولة لإفشال الحملة قبل بدايتها، وشارك في العملية الانغماسية 12 مقاتلا أجنبيا، وقد وصف خبراء الأمن بأنه أول هجوم من نوعه يشنه التنظيم داخل الصومال.

شكل الهجوم نقطة التحول في مسار الحرب، فقد تحدثت القنوات الإعلامية العالمية عن حرب قادمة ضد داعش في بونتلاند، وسلطت المحطات الإخبارية المحلية والإقليمية الأضواء عن تحركات الحرب. وفي المقابل، واجهت القوات بونتلاند تحديات كبيرة، أبرزها صعوبة التنقل بين الجبهات القتالية، نتيجة وعورة التضاريس وغياب الطرق المعبدة داخل الجبال، ما أجبر قوات بونتلاند على قطع مسافة تقدّر بأكثر من 300 كلم سيرا على الأقدام.

هذا التعقيد الطبوغرافي جعل الحاجة إلى الدعم الجوي الأمريكي أمرا ملحا، حيث افتتح الأمريكيون مكتبا ميدانيا متنقلا في مطار بوصاصو لتزويد قوات بونتلاند بالمعلومات الاستخباراتية في عمق الجبال. كما دخلت الإمارات على خط المواجهة، مساندة الجهود الجوية بما يتماشى مع الدعم الأمريكي، في إطار تنسيق مشترك يهدف إلى القضاء على تنظيم داعش في بونتلاند.

ما يميز نموذج محاربة بونتلاند في مكافحة الإرهاب هو اعتماده على القدرات الذاتية، واعتبار المعركة ضد الجماعات المتطرفة حربا وجودية لا تحتمل المساومة. ويختلف هذا النهج جذريا عما يجري في جنوب الصومال، حيث شكلت المساعدات والتدخلات الأجنبية الركيزة الأساسية في مواجهة الإرهاب، في ظل انعدام ثقة القبائل بالحكومة الفيدرالية أصلا، فهذا الواقع أدى إلى انقسام ولاء المجتمع بين الحكومة وحركة الشباب، مما يجعل المواجهة في الجنوب أقرب إلى احتواء نفوذها والحد من انتشارها، لا إلى اجتثاثها كما هو الحال في حملة "هلاع" ببونتلاند.

الهزيمة ومعنى الانتصار

إن هزيمة تنظيم داعش في جبال علمسكاد، برغم التضحيات الجسيمة، ستبعث برسالة قوية إلى عناصر حركة الشباب المتمركزة في الجهة الأخرى من الجبال، مفادها أن الدور قادم عليهم في الشهور المقبلة، وذلك وفق ما أعلنته قيادة قوات مكافحة الإرهاب في بونتلاند. وعلى رغم من الخسائر المادية والبشرية الكبيرة التي تكبدتها القوات المشاركة في العملية، فإنهم اكتسبوا خبرة عسكرية أوسع في مواجهة الجماعات الإرهابية النشطة في المنطقة. من جهة الأخرى، فإن توقف العمليات العسكرية ضد الحركة الشباب نتيجة لتراجع القوات الصومالية، وضعف المكاسب الميدانية التي تحققت خلال العامين الماضيين، يجعل من هزيمة داعش درسا مهما ينبغي الاستفادة منه، والعمل على وضع استراتيجية وطنية أكثر فاعلية لمواصلة مكافحة الإرهاب.

يختلف هذا النهج جذريا عما يجري في جنوب الصومال، حيث شكلت المساعدات والتدخلات الأجنبية الركيزة الأساسية في مواجهة الإرهاب، في ظل انعدام ثقة القبائل بالحكومة الفيدرالية أصلا

فضحت عملية "هلاع" التأثير السياسية المقيت على المصالح الوطنية العليا، حيث لم تُراع فيلا صوماليا الاعتبارات الأمنية والاستراتيجية للوطن، بل طغت عليها الحسابات السياسية الضيقة، ورغم الخلاف السياسي القائم مع بونتلاند إلا أن عملية مكافحة الإرهاب الجارية تستدعي على فصل بين القرار العسكري والمناكفات السياسية العقيمة التي لا تخدم المصلحة الوطنية، بل تساهم في تمزيق وطن لم يلتئم بعد من ندوب الحرب الأهلية.

إن هزيمة تنظيم داعش في جبال علمسكاد، إن اكتملت، في الأسابيع القادمة، لن تكون مجرد انتصار عسكري، بل اختبار حقيقي لمدى جدية الدولة الصومالية في خوض معركة الإرهاب بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة. لقد أثبتت بونتلاند أن الإدارة المحلية، حين تتكامل مع التعبئة الشعبية والجهود الميدانية، قادرة على تحقيق إنجازات نوعية دون انتظار فيلا صوماليا، والمعركة المقبلة ستكون في جبال علمدو الواقعة بمنطقة سناغ، وهناك سيتضح ما إذا كان القرار السياسي الصومالي مرهون بصراع النخب السياسية.