الأربعاء 9 أكتوبر 2024
في بداية أغسطس، نشر جيثرو نورمان ورقة عمل بمعية زميلين، عبدالرحمن عدل علي وبير تشاوتين (السيد رودبلوك)، تبحروا فيها في عمل نقاط التفتيش في الصومال. كل من سافر عبر البلاد من قبل سيصادفها لأنها منتشرة في كل مكان هذه الأيام. يتم تشييدها أحيانًا بواسطة مجموعة من الشباب، يحملون عادة بنادق من طراز AK47، وتُشيّد بأشكال متنوعة_ من بعض الحجارة الضخمة التي تُوضع في منتصف الطريق، أو السلاسل الضخمة المربوطة بين الأشجار والتي تَمنع المرور بالكامل. يجلس حارس الحاجز في الغالب في ظل قريب، يحتسي الشاي ويدخن السجائر لتمضية الوقت. وعندما تتوقف عندها، وإن كان الحارس في مزاج حَسُنٍ، سيكون ثمة مزاحٌ قبل طلب الرسوم، والتي يجب دفعها.
تنتشر مثل هذه الظاهرة في البلدان التي تكون فيها السلطات ضعيفة. لكن يجادل نورمان وعلي وتشاوتن أن بحثهم وجد أنها، في حالة الصومال، ليست بالضرورة دليل على فشل الدولة أو عقبةً أمام بناءها، بل لها جذور عميقة في علاقة العشائر الصومالية بالأرض وتنظيمهم للمرور باعتباره وسيلة دخل.
الورقة في هذا الرابط، ونشجع كافة القرّاء على الاطلاع عليها. تحدثنا في مقابلة مع أحد المؤلفين، جيثرو نورمان، وهو باحث في مرحلة ما بعد الدكتوراة في المعهد الدنماركي للدراسات الدولية، وعالم إثنوغرافيا له اهتمام متخصص بالصومال.
نورمان: كانت نقاط التفتيش مثيرة للاهتمام بالنسبة لنا لأنها لا تقع بدقة ضمن الفئات التقليدية من سلطات الدولة أو اللا-دولة. مع أنها يمكن أن تعكس الحدود الإدارية واستراتيجيات إيرادات الحكومة، إلا أنها قد تجسد أيضًا مطالبات على أسس عشائرية بالسيطرة على تدفق ومرور الموراد. بدأنا في الأساس بالنظر إلى نقاط التفتيش بمثابة نموذج مصغر للمجتمع الصومالي، والذي يمنحنا عدسة فريدة من خلالها يمكننا دراسة التفاعل المتداخل للعوامل المشكلة للحياة الصومالية. كانت الفكرة أنه بتحليل ما يحدث بالفعل عند هذه النقاط، عوضًا عن النظر إليها فحسب كعقبة أمام بناء الدولة أو دليل على فشلها_ الروايات التي تسيطر على النقاشات_ بوسعنا تطوير فهم أكثر دقة للديناميات السياسية والاجتماعية في الصومال.
نورمان: مع أننا لا نقدم توضيحًا سببيًّا مباشرًا بِشأن هذه الولايات، بيد أن ما نقوله أن هذا التفاعل المتداخل بين مطالب العشيرة بالأرض والهوية والسيطرة على طرق التجارة، كما بان من خلال نقاط التفتيش، شكّل الجغرافيا السياسية الصومالية على نحو له صلة بفهم تطور الولايات الفدرالية المتأسسة على العشيرة.
أولًا، ثمة ارتباط طويل الأمد بين أراضي العشيرة وسيطرتها على طرق التجارة في الصومال. فقد قاد غياب الدولة المركزية في القرن التاسع عشر إلى نظام تحكمت فيه العشيرة بقوة بأراضيها، وفرضت رسوم عبور على القوافل التي مرت من خلالها. أسست هذا السابقة التاريخية نمطًا أصبحت به الهوية والسيطرة على الأرض، لا سيما ذات الأهمية الاقتصادية منها، متداخلة.
شكّل انتشار نقاط التفتيش، لا سيما في أعقاب سقوط نظام سياد بري في 1991، عودة ًإلى هذا النمط. فقد أعادت العشائر سيطرتها، بتفكك الحكومةالمركزية، على أراضيها، باسخدام نقاط التفتيش بمثابة وسيلة لكسب الإيرادات ورمزًا مرئيًّا للسلطة. أكدت هذه الفترة، والتي تسمى أحيانًا بحرب نقاط التفتيش، على الارتباط الوثيق بين العشيرة والهوية والسيطرة على الأرض والوصول إلى الموارد في السياق الصومالي. وتشمل نقاط التفتيش اليوم أحيانًا شبكة معقدة من علاقات المليشيات العشائرية والإدارات المحلية والقوى الفدرالية. وتعكس مرونة نقاط التفتيش وقدرتها على التكيّف نمطًا أوسعًا في السياسة الصومالية، حيث تتداخل أحيانًا البنى الرسمية للدولة وتتنافس مع سلطة الأنظمة القائمة على العشيرة.
في رأيي، ساهمت هذه الديناميات_ حيث أصبحت سيطرة العشيرة على الأرض والموارد ميزة ثابتة للحياة السياسة في الصومال_ بشكل واضح في بروز الفدرالية المتأسسة على العشيرة. في غياب حكومة مركزية قوية بمقدورها فرض سلطاتها على كافة البلاد، من المرجح أن الفدرالية، بتشديدها على قسمة السلطة والحكم لا-المركزي، برزت كتسوية براغماتية تعكس واقع البنى الراسخة للسلطة المتأسسة على العشيرة.
نورمان: للعشائر علاقة بالأرض مختلفة بشكل أساسي عن علاقة الدول الحديثة بالأرض. تتجذر العلاقة بين الهوية والعشيرة والسيطرة على الأرض في الأنماط التاريخية للرعي والتجارة والنزاع، والتي لا تُعتبر فيها الأرض فضاءًا ماديًّا فحسب، بل مكانًا مشبعًا بالأهمية الثقافية والاجتماعية، يشكل الهوية والتنظيم الاجتماعي والديناميات السياسة. على سبيل المثال_ سبقت الممارسات التاريخية للحواجز_ حيث كانت تقوم العشائر بفرض رسوم عبور على القوافل التي تمر عبر أراضيها، الدولة الصومالية الحديثة. ومن جانب آخر، يشير لنا ذلك أن العشائر طالما اعتبرت واستخدمت الأرض بمثابة مورد يجب السيطرة عليه واستغلاله للتكسب الاقتصادي والنفوذ الاجتماعي. مع ذلك، كانت هذه المطالبات بالأرض متغيرة ومتقلبة، ومشروطة بمطالبات جنيولوجية بالأرض.
في المقابل، نميل إلى التفكير في الدولة ومطالباتها بالأرض بمصطلحات الحدود الخطية والمرسومة. نرى بعض من هذه التوترات التي تنشأ اليوم في شمال الصومال بين المطالبات المختلفة لصوماليلاند وبونتلاند بالأراضي جنوب الصحراء المتنازع عليها. تبني صوماليلاند مطالبها على حدود دولة صوماليلاند للمستعمر البريطاني، بينما مطالب بونتلاند جنيولوجية_ أن العشيرة التي تقطن في معظم المناطق هي من ذات عائلة الهارتي. بالطبع، الاختلاف الأساسي هو أنه بمرور الوقت، تتوسع المجموعات الجنيولوجية وتتقلص وتتنقل في الأرجاء. لكن حدود الدولية الجغرافية هي تجريدات خرائطية ساكنة.
في نفس الوقت، من المهم ملاحظة أننا نجادل أيضًا ضد الثنائية التبسيطية بين النُهج المتأسسة على العشيرة وتلك المتمحورة حول الدولة بِشأن الأرض والسلطة. عوضًا عن ذلك، نشدد على مرونة نقاط التفتيش وقدرتها التكيف في الصومال، ونسلط الضوء على الكيفية التي تتمكن بها في ذات الوقت من خدمة كل من مصالح العشيرة وأهداف الدولة.
نورمان: تعاني المجتمعات الهامشية والأقليات في الصومال على نحو غير متناسب من نظام نقاط التفتيش، وتواجه استغلالًا وإقصاءًا من الفرص الاقتصادية. ينبع هذا التهميش من الافتقار إلى النفوذ داخل البنى المهيمنة للعشيرة التي تستند عليها هذه النقاط، والتي تتحكم أيضًا في الوصول إلى الطرق التجارية والموارد.
نسلط الضوء في هذه الورقة مثلًا على كيف أن مجتمعات الأقليات العاملة في الزراعة، مثل البانتو الصوماليين ومجتمعات الرحوين في أودية نهريْ جوبا وشيبيلي، هي معرضة للخطر بشكل خاص. تواجه هذه المجتمعات عادةً شبكةً مكثفةً من نقاط التفتيش على طول طرق النقل، ما يعني تراكم ضرائب عبور كبيرة، والذي يستنزف في الحقيقة جزءًا معتبرًا من أرباحهم، مما يوقعهم في دائرة من الفقر والتبعية.
ما وجدناه أن مزارعي الأقليات يفتقرون إلى علاقات العشيرة الضرورية لعبور نقاط التفتيش بلا خسائر. ونتيجة لذلك، لا يكون بوسعهم عادة نقل منتجاتهم إلى الأسواق بأنفسهم ويضطرون إلى الاعتماد على تجار من عشائر الأغلبية، الذين يستغلون دورهم عبر دفع أثمان بخسة للمزارعين، متحكمين في الوصول إلى المستهلكين من الحضر.
يؤثر أيضًا نظام نقاط التفتيش على نحو غير مباشر على المجتمعات المهمشة من خلال زيادة تكلفة الخدمات والسلع الأساسية. وبما أن نقاط التفتيش منتشرة على طول طرق النقل الرئيسية، فإن التكلفة المرتبطة برسوم العبور تقع على عاتق المستهلكين في شكل أسعار عالية للمستلزمات. يؤثر ذلك بشكل مختلف على مجتمعات الأقليات المفقَرة سلفًا، والتي لها قدرة شرائية محدودة.
وقد تساهم الطبيعة الاستغلالية لنظام نقاط التفتيش، لاسيما بالنسبة للمجموعات المهمشة، حتى في دعم أنظمة بديلة للسلطة، مثل حركة الشباب. وكما هو معلوم للكثيرين، تقوم الشباب كذلك بفرض ضرائب ولها شبكتها الخاصة من نقاط التفتيش، لكنها تقدم نفسها باعتبارها القائمة على "العدالة التوزيعية"، ما قد يكون له صدى لدى المجتمعات التي تشعر بالاستغلال والإهمال من هيمنة النظام المتأسس على العشيرة.
باختصار، لأن نظام نقاط التفتيش يحابي من لهم ارتباطات قوية بالعشيرة، فإنه يعزز اختلال موازين القوى القائم ويُديم تهميش مجتمعات الأقليات.
نورمان: لم نتطرق في هذه الورقة إلى الكيفية التي عبر بها المنخرطون في عمل نقاط التفتيش عما يفعلونه في مقابل ظهور ما ذكرته. لكن، نجادل أن نقاط التفتيش تُعتبر انعكاس ومحرك للانشطار داخل البنى العشائرية الصومالية. يعني ذلك في الأساس أن إمكان التكسب الاقتصادي عبر السيطرة على نقاط التفتيش يحفز تشظي العشائر إلى وحدات أصغر تتنافس كل منها على السيطرة على ضرائب العبور. يُحتمل أن ينظر المنخرطون في عمل نقاط التفتيش، لاسيما تلك التي ترتبط بالمليشيات العشائرية، إلى ما يفعلونه من خلال عدسة مصالح العشيرة وديناميات القوة المحلية، لا عبر العدسة القومية الأوسع. إن إحتمال تعبيرهم الواعي عن ذلك بمثابة عداء للدولة أمر مثير للاهتمام، ويستحق المزيد من البحث. المفترض أن الأمر مختلف على الأرجح من موقع إلى آخر. ولكن ما هو واضح هو أن الاقتصاد السياسي الحالي مُهيكل على نحو تشظٍّ ولا-مركزية أكبر، وهي مشكلة كبيرة لمن يعملون على إعادة بناء دولة مركزية قوية في الصومال.
نخطط في السنوات القادمة لإجراء المزيد من المقابلات والدراسات الإثنوغرافية التي تركز على القائمين على نقاط التفتيش، للحصول على فهم أكثر دقة، بالتحديد عن الكيفية التي ينظر بها الفاعلون إلى ما يفعلونه في مقابل مفاهيم السلطة المركزية والهوية القومية.
نورمان: يشير بحثنا بقوة إلى أن هدف المجتمع الدولي من إحياءٍ لدولة مركزية قوية في الصومال قد لا يتناسب في الأساس مع واقع القوة والسلطة في الصومال. يمثل نظام نقاط التفتيش المتجذر، بتشديده على الهيمنة المتأسسة على العشيرة على الحركة والموارد، عقبة كبيرة لمركزة السلطة. رغم العقود من المجهودات المتكررة لتعزيز الهوية القومية وبناء مؤسسات مركزية، لا تبرح الشبكات والولاءات القائمة على العشيرة تشكيلها توزيع السلطة والوصول إلى الموارد وديناميات التنازع والتعاون. يشير بحثنا، وهو الأمرالأكثر انتشارًا، إلى أن التدخلات الخارجية بغرض دعم بناء الدولة قد تعزز دون قصدٍ ذات بنى السلطة القائمة على العشيرة التي تهدف إلى تجاوزها. فيمكن أن يؤدي تعويل الأطراف الخارجية على شبكات العشائر في التسهيلات اللوجستية والأمن إلى توجيه الموارد عبر هذه الشبكات، ما يعني تدعيم نفوذها وإعاقة تطوير مؤسسات أكثر شمولًا وخضوعًا للمحاسبة.
نحتاج إلى إعادة التفكير في النُهج التقليدية لبناء الدولة في الصومال، بالابتعاد عن الحلول المفروضة من الخارج التي قد لا تناسب الواقع المحلي وديناميات السلطة. تشير المصادر بدلًا من ذلك إلى ضرورة إعطاء الأولوية لمزيد من الجهود الفعالة والمستدامة لبناء الدولة. يعني ذلك في نهاية المطاف الاعتراف بتعقيدات السلطة المتأسسة على العشيرة والتعامل معها، عوضًا عن محاولات فرض نموذج فوقي للحكم. من الناحية النظرية، يتطلب الأمر العمل مع القوى القوية للانشطار، وليس ضدها، مع إعطاء الأولوية كذلك لتسويات سياسية شاملة تعالج هواجس المجتمعات المهمشة وتخفف الجوانب الاستغلالية للانشطار.