تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الخميس 23 يناير 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
سياسة

ما سر اهتمام الصحافة الإسرائيلية بصوماليلاند؟

30 نوفمبر, 2024
الصورة
Berbera
أفراد الأمن في صوماليلاند يقفون أمام حاويات الشحن المخزنة في ميناء بربرة في 31 أغسطس 2021. (تصوير ED RAM/AFP عبر Getty Images)
Share

زاد حضور صوماليلاند – الجمهورية المُعلنة من طرف واحد – في الصحافة الإسرائيلية، منذ دخول جماعة أنصار الله المعروفة بالحوثيين على خطّ المواجهة مع إسرائيل، بعد وقت قصير من العدوان على قطاع غزة العام الماضي. تروج الصحافة الإسرائيلية منذ أشهر لمقاربة تتضمن عدة عناصر هي: الأهمية الإستراتيجية لموقع صوماليلاند في التصدي لخطر الحوثيين وإيران، وتشابه وضع إسرائيل وصوماليلاند من حيث الديمقراطية والمحيط المعادي والتطلع للغرب، وحضور الإمارات شريكا قويا للطرفين، وانفتاح إدارة ترامب على الاعتراف بصوماليلاند.

يأتي مقال نادان فيلدمان " كل العيون تتجه نحو صوماليلاند: الدولة الأفريقية الصغيرة التي تشكل مفتاح حرب إسرائيل على الإرهاب الحوثي" في "هآرتس" كأحدث ما نُشر في هذا السياق، ويطنب المقال الحديث عن المصالح الأمنية التي ستحقق لإسرائيل من إقامة علاقة مع صوماليلاند. مصالح من شأنها إقناع الرئيس المنتخب دونالد ترامب بضم صوماليلاند لاتفاقيات إبراهيم، وتفصيل صفقة أمريكية معها، تتضمن الاعتراف باستقلالها مقابل شكل من التطبيع، يمنح الأولى امتيازات لمواجهة الحوثيين وإيران من أراضي صوماليلاند.

خصم مزعج لإسرائيل

تفترض المقاربات المروجة في الصحف الإسرائيلية أنّ أمن إسرائيل يتطلب الاعتراف بصوماليلاند دولة مستقلة، مقابل الحصول على قاعدة عسكرية في سواحلها، بهدف استخدامها منطلقا لاستهداف الحوثيين في اليمن، والذين أثبتوا أنّهم خصم مزعج لإسرائيل. بدأ الترويج لهذه الطرح بعد حرب غزة، بمقال للكاتب الهولندي مايكل أريزانتي، المقرب من دول خليجية وإسرائيل، في صحيفة "تايمز أوف إسرائيل". دعا فيه إسرائيل إلى الاعتراف بصوماليلاند، وحاجج أنّ ما سيعود على إسرائيل هو "تعزيز أمنها القومي، ومواجهة التهديدات الإقليمية، وخلق فرص اقتصادية جديدة، وتحسين العلاقات الدبلوماسية، ودعم الحكم الديمقراطي في المنطقة".

لا يعتبر هذا الحديث جديدًا في الصحافة الإسرائيلية، فقد نشرت " جيروزاليم بوست" مقالًا نسبته إلى كاتب من صوماليلاند؛ يرجح أن يكون اسم الكاتب مستعار، فلا أثر له في مجتمع الصحافة، في عام 2018 روج للفكرة ذاتها. يحصى المنافع التي ستعود على الطرفين، ويستدل بأنّ إسرائيل كانت واحدة من الدول التي اعترفت بصوماليلاند دولة بعد استقلالها عن بريطانيا في 1960، قبل وحدتها مع الصومال. لكن القضية على يبدو لم تلق اهتمامًا في الأوساط الإسرائيلية، حتى أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وما تبعها من حرب وحشية على غزة، ومن ثم دخول الأذرع المحسوبة على إيران من حزب الله والحوثيين وميليشيات شيعية عراقية في الحرب.

منحت الجغرافيا صوماليلاند موقعًا إستراتيجيًا، يطل على مدخل البحر الأحمر عند باب المندب، في مواجهة السواحل اليمنية التي يسيطر الحوثيون على بعضها، لهذا السبب تهتم الصحافة الإسرائيلية بالجمهورية المعلنة من طرف واحد.

يتبع الحوثيون الذي يحكمون مساحة كبيرة من اليمن نهجين لاستهداف إسرائيل، الأول؛ مهاجمة السفن والناقلات البحرية المملوكة لشخصيات وشركات إسرائيلية، أو التي تكون وجهتها موانئ إسرائيلية، والثاني؛ استهداف العمق الإسرائيلي بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية. حققوا بذلك نتائج تخطت تبعاتها الشرق الأوسط، لتؤثر سلبًا على حركة التجارة العالمية، وتدخل بإثره تحالف غربي بقيادة الولايات المتحدة، بهدف حماية حركة الملاحة الدولية، ودعم الأمن الإسرائيلي. كما قامت الطائرات الإسرائيلية بشن غارات جوية واسعة على ميناء ومطار الحديدة؛ المدينة الاستراتيجية التي يسيطر عليها الحوثيون. لكن ذلك لم يوقف هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية، ولم يؤثر في قدرتهم على استهداف إسرائيل.

يشير فيلدمان في مقاله إلى أنّ "إسرائيل تدرك أنّها لن تتمكن من إرسال طائراتها المقاتلة في غارات طويلة ومكلفة على اليمن، في كل مرة تنفجر فيها طائرة حوثية بدون طيار، بقيمة 20 ألف دولار داخل البلاد، خاصة مع الاعتقاد بأنّ الحوثيين يمتلكون أحد أكبر مخزونات الطائرات بدون طيار في العالم". ودعا إلى البحث عن بدائل أكثر كفاءة، وعلى رأسها الحصول على قاعدة عسكرية في صوماليلاند.

تقاطع مصالح؟

وجدت الأماني الإسرائيلية طريقها إلى بعض الصحافة العربية، فنشر موقع يُدعى "إمارات ليكس" معلومات على لسان مصادر دبلوماسية مجهولة عن تمويل أبو ظبي إقامة قاعدة عسكرية لإسرائيل في صوماليلاند. شهرين بعدها، نشر موقع "ميدل إيست مونيتور" الذي يديره صحفيون تجمعهم علاقة بجماعة الإخوان المسلمين تقريرًا عن الموضوع ذاته، استنادًا لمصدر مجهول أيضًا. حديث تلقفه عددٌ من صناع المحتوى السياسي على موقع "يوتيوب"، ومرروه إلى جمهورهم بصيغ وعناوين على شاكلة "إسرائيل تتحدى مصر وتتجه لتوقيع اتفاقية مع أرض الصومال لدعم إثيوبيا وأبي أحمد يحتفل".

يستند الزعم السابق الذي اشتهر مع تقرير "ميدل إيست مونيتور" إلى تحليل غير جديد حول أهمية الموقع الجغرافي لصوماليلاند، الذي يطل على الساحل الغربي لخليج عدن، حيث باب المندب الذي يعتبر المدخل الجنوبي للبحر الأحمر. ينتقل بعد ذلك للحديث عن العلاقات بين الإمارات وصوماليلاند، ويزعم أنّ الأولى تملك قاعدة عسكرية على سواحل الثاني، وهو زعم غير صحيح، ثم ينتقل بعدها لموضوع التطبيع بين الإمارات وإسرائيل. ويخرج بنتيجة استلزامية، بما أنّ الإمارات دولة مُطبعة، وبما أنّ إسرائيل مهتمة بوجود عسكري قرب باب المندب، فالدولتان تعملان معًا من أجل تحقيق ذلك.

بعيدًا عن التناول الموجه للقضية، أثبت الحوثيون أنّهم خصمٌ لا يُستهان به لإسرائيل، ولا يمكن مجابهته بالإمكانات والقدرات العسكرية الحالية لإسرائيل، لأسباب عدة، أولها؛ عدم وجود اتصال جغرافي بين الطرفين، وثانيها؛ الموقع الإستراتيجي لليمن المتصل بإيران بطرق تهريب بحرية وبرية من الصعب قطعها، وثالثها؛ التكلفة الكبيرة لاستخدام القاذفات بعيدة المدى ضد الحوثيين. أضف لذلك القدرات المادية والبشرية والسياسية والعسكرية الكبيرة التي يملكها الحوثيون، الذين هم في حكم سلطات الأمر الواقع في مساحة كبيرة وهامة من دولة اليمن، وهي قدرات وظروف لم يملكها حزب الله، أقوى الأذرع المحسوبة على إيران.

في مقابل ذلك، تبرز أهمية صوماليلاند، التي تُبعد سواحلها في ميناء بربرة عن ميناء الحديدة نحو 531 كلم، بينما تصل المسافة بين الأخير وميناء إيلات نحو 1826 كلم. زيادة على تميز صوماليلاند بشيء آخر، وهو العلاقات القوية التي تجمعها بالإمارات، وبحسب مقال فيلدمان فهناك تعاون بين تل أبيب وأبو ظبي ضدّ الحوثيين وإيران، من قاعدة إماراتية في جزيرة سقطرى، التي تبعد نحو 1190 كلم عن ميناء الحديدة.

يحضر تقرير "ميدل إيست مونيتور" ثانيةً، فقد زعم على لسان مصادره المجهولة أنّ الإمارات تمول بناء قاعدة عسكرية إسرائيلية على سواحل صوماليلاند، ما يطرح سؤالًا حول دوافع أبو ظبي التي سحبت معظم قواتها من اليمن في 2019، وخفضت وتيرة انخراطها في الحرب التي دخلت مرحلة الجمود منذ 2022. من منظور أشمل، يبدو أنّ الأزمة في اليمن استنفدت خياراتها العسكرية، ويتجلى هذا في قبول جميع أطراف الصراع، وعلى رأسهم السعودية، بالوضع القائم، لهذا لا يبدو منطقيًا أنّ تورط الإمارات نفسها ثانيةً في صراع مباشر مع الحوثيين وإيران.

تعقيدات جيوسياسية

يبقى ما سبق قيد الأطروحات الصحفية، ويحتاج إلى مناقشة مواقف بقية الأطراف الفاعلة في منطقة جنوب البحر الأحمر، لتبيان واقعية هذا الطرح، دون التطرق لمصداقيته التي لا تدعمها أية أدلة بعد. تشمل هذه الأطراف صوماليلاند صاحبة الأرض، ودولة الصومال صاحبة السيادة الاسمية، وفق القانون الدولي، والمستهدفين من إيران والحوثيين، والوسيط الإماراتي المزعوم، ودول الإقليم الفاعلة مثل مصر وإثيوبيا، واللاعب القوي في المنطقة تركيا، وأخيرًا الحليف القوي لإسرائيل الولايات المتحدة.

بدايةً بصوماليلاند التي عبّرت شعبيًا ورسميًا عن مواقف ثابتة داعمة للحق الفلسطيني، وقال موسى بيحي عبدي الرئيس المنتهية ولايته، "كصوماليلانديين، فإننا نقف متضامنين مع فلسطين، ونقدم دعمنا بقلوبنا وعقولنا". علاوةً على هذا، فالزج بإسرائيل في قضية استقلال صوماليلاند ليس بجديد، وظهر لأول مرة عام 1991 مع إعلان الاستقلال، على لسان الحركة الإسلامية في الصومال المعروفة باسم "حركة الإصلاح"، المرتبطة بفكر جماعة الإخوان المسلمين.

أما الحوثيين وإيران، باعتبارهم الطرف المستهدف، فسيمثلان خطرًا على صوماليلاند، إذا ما سمحت لإسرائيل باستخدام أراضيها لاستهدافهما. كما عقب متابعون ومثقفون صوماليون عن موقف رافض لما جاء في مقال "هآرتس"، الذي أعادت صحيفة "أديس ستاندرد" الإثيوبية نشره.

عربيا، ليس من مصلحة مصر الاستراتيجية تأسيس وجود إسرائيلي في جنوب البحر الأحمر، وهي المنطقة التي تنظر إليها باعتبارها امتدادا لأمنها القومي. يتشابه موقف الصومال الفيدرالي، الرافض لأية خطوة تقرب صوماليلاند من نيل الاعتراف الدولي، وفي الوقت ذاته لن يتردد في توظيف أي تقارب مع إسرائيل لتشويه وتحجيم تطلعات شعب صوماليلاند العادلة.

من جهتها، تبدوا الإمارات من تجربتها المريرة في حرب اليمن أنّ الأسلم لها تهدئة الصراع مع الحوثيين، القادرين على استهداف أراضيها مرة ثانيةً، وهي في غنى عن معاداة إيران بعد التهدئة الواسعة بين الأخيرة ودول الخليج.

أما عن تركيا التي تتشارك مع مصر في دعم السيادة الاسمية للصومال على صوماليلاند، كما أنّ علاقاتها توترت كثيرًا مع إسرائيل بعد حرب غزة، وبالإضافة إلى مصالحها الكبيرة في الصومال، فمن الصعب أنّ تقبل بحضور إسرائيلي يزيد التعقيد في المنطقة، ويجعلها مسرحًا للصراع بما يهدد مصالحها.

موقف الولايات المتحدة، التي تخوض فعليًا حربًا مباشرةً مع الحوثيين، ويجمعهما عداء سيتزايد مع تولي إدارة ترامب السلطة مطلع العام المقبل. دعمت واشنطن إسرائيل في غاراتها الجوية ضد الحوثيين. قد تستفيد إسرائيل من عداء ترامب الشديد لإيران، خاصة مع تهدئة الجبهة الشمالية بعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، ومرجح أنّ توظف قدراتها في مناطق أخرى مثل سوريا والعراق، وربما الحوثيين وإيران.

في سياق غير بعيد، صدرت إشارات حول انفتاح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب على الاعتراف بصوماليلاند، لا ترتبط بحرب غزة، فهي أقدم من ذلك، حيث تعود إلى جهود حكومة صوماليلاند مع إدارة ترامب السابقة. مع هذا، لا يمكن التنبؤ بنوايا ترامب، خاصة في قضية بالغة التعقيد مثل الاعتراف بصوماليلاند، وربما يدفع هذا إلى افتراض أنّ التعاون مع إسرائيل قد يكون مفتاحًا لصوماليلاند لنيل الاعتراف الأمريكي بالاستقلال.

من جهتها، تعول صوماليلاند على صداقتها بالغرب وخصوصًا الولايات المتحدة، وتقدم نفسها كحليف في مواجهة النفوذ الصيني، وذلك بإقامتها علاقة دبلوماسية مع تايوان بعد إنشاء القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي.

تأسيسًا على ما سبق، لا يتعدى الطرح السابق كونه تنظيرًا في الصحافة الإسرائيلية، ولم يصدر عن صوماليلاند؛ رسميًا وشعبيًا تغيرًا - ولو طفيف - في الموقف الثابت والداعم للحق الفلسطيني، ولم تحاول حكومة صوماليلاند استخدام الورقة الإسرائيلية على الرغم من ظهور التهديد الحوثي - الإيراني في جنوب البحر الأحمر منذ 2014. كما أنّ جردة المكاسب والخسائر ليست في صالح القبول بشكل ما من التعاون مع إسرائيل، كونه يجعل من صوماليلاند طرفًا في صراع الشرق الأوسط، وعرضةً للاستهداف من الحوثيين والجماعات المصنفة إرهابيةً. كما أنّ صوماليلاند تضع تطوير موانئ حديثة تعمل كممر داخل القارة في أولوياتها التنموية، وهو ما يتطلب سياسة حكيمة مع جوارها، لتجنب تضرر حركة الملاحة الدولية، ولا يمكن تحقيق هذا إذا قبلت بأي وجود إسرائيلي.

وفي المحصلة، يفتقد الحديث المزعوم عن إقامة قاعدة إسرائيلية في صوماليلاند لأي معلومة صلبة أو منطق سليم، ولا توجد مصلحة للقبول بمثل هذا العرض إن وجد أصلًا، فضلًا عن أنّ صوماليلاند تتبنى موقفًا داعمًا للحق الفلسطيني، على البعدين الرسمي والشعبي.