الاثنين 28 أبريل 2025
تشهد العلاقات المصرية الكينية نموًا ملحوظًا منذ عام 2014، بعد وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للسلطة، والذي افتتح عهده بتحديات أفريقية، تمثلت في قضية سدّ النهضة الإثيوبي، والعلاقات مع دول حوض النيل بشكل عام.
تكللت جهود البلدين بالاتفاق على رفع مستوى العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية والشاملة، خلال زيارة الرئيس وليام روتو إلى القاهرة، أواخر يناير/ كانون الثاني 2025، ما يضع البلدين أمام تحدي لتحويل هذه الشراكة إلى نموذج بناء للتعاون بين دول القارة.
حملت الزيارة أهمية كبيرة، فهي أول زيارة دولة لرئيس كيني إلى القاهرة منذ تدشين العلاقات الدبلوماسية، عقب حصول كينيا على الاستقلال عن بريطانيا عام 1964. اتفق رئيسا البلدين على رفع العلاقات الثنائية إلى مستوى شراكة استراتيجية وشاملة، ترتكز على القيم المشتركة والاحترام المتبادل. كما وقعا 12 اتفاقية تعاون في العديد من المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتدريب الفني والتكنولوجيا والابتكار والأمن ومكافحة الإرهاب.
جاءت الزيارة في وقت يواجه فيه البلدان تحديات اقتصادية كبيرة، حيث ارتفاع معدلات التضخم، وتراجع أسعار صرف العملة المحلية، وصعوبة تدبير الدولار للإيفاء بحاجة البلدين من الواردات. كما يعانيان من خلل مزمن في الميزان التجاري، نتيجة الفارق الكبير بين الواردات والصادرات، حيث تمثّل الواردات أضعاف الصادرات، ما يعمق من أزمة نقص السيولة الدولارية.
كانت هذه الأزمة أحد الدوافع الهامة لتعزيز التقارب بين الرئيسين؛ السيسي وروتو، حيث أرسل الأول مبعوثا خاصا إلى الثاني، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، للتفاوض على آلية خاصة للتبادل التجاري، تقوم على مقايضة السلع بدلا من الدفع بالدولار، الذي يواجه البلدان نقصًا حادًا في تدبيره. يُذكر أنّ السيسي قام بثاني زيارة دولة مصرية إلى نيروبي في عام 2017، بعد 33 عامًا من زيارة الدولة الأولى عام 1984 في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، كما زادت وتيرة زيارات كبار مسؤولي البلدين خلال الأعوام الماضية.
تتمتع مصر وكينيا بمكانتين كبيرتين على المستوى القاري، وتواجهان تحديات اقتصادية كبيرة، كما يجمعهما تاريخ ممتد من الاحترام المتبادل، حيث تتذكر كينيا الدور المصري الإيجابي إبان مرحلة النضال ضد الاستعمار. تدرك كينيا أهمية قضية المياه لمصر، ولهذا أرجأت التوقيع على الاتفاقية الإطارية للتعاون في حوض النيل (CFA) المعروفة باسم اتفاقية "عنتيبي"، رغم كونها من الدول الأساسية التي شاركت في صياغتها عام 2010. كما تعهدت في العام نفسه بعدم الإضرار بمصر، وحرصها على التعاون بين دول حوض النيل.
يسعى البلدان للبناء على هذه العلاقات القوية، الممتدة إلى مرحلة النضال للتحرر من الاستعمار الغربي، والتي تطورت عبر العقود الماضية، لتشمل مجالات التعاون العسكري، والتجارة البينية، والتجمعات الاقتصادية الإقليمية، كما في السوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا (الكوميسا)، والمجالات الثقافية، والتعاون في بناء القدرات. تقدم العلاقات العسكرية مثالًا لقوة العلاقات بين البلدين، وتعود إلى مرحلة تأسيس الجيش في كينيا، حيث قدمت مصر مساهمات عسكرية لبناء الجيش الكيني، ووقعت الدولتين اتفاقية تعاون عسكري في عام 2021.
مقارنةً بالزخم السياسي والعسكري بين البلدين، لا يزال التبادل التجاري بينهما متواضعًا، ويعود هذا في المقام الأول إلى سيادة نمط الاستهلاك المحلي على اقتصادي البلدين، وهو الأمر الذي يسعيان لعلاجه من خلال الاستفادة من المزايا الاقتصادية لكليهما. تعد مصر ثاني مستورد للشاي من كينيا، ومثّلت وارداتها الكلية نسبة 3.26٪ من حجم الصادرات الكينية خلال عام 2022، وتعتبر كينيا الشريك التجاري الأول لمصر في تجمع دول الكوميسا، بحجم تجارة بينية بلغت حيث 567 مليون دولار خلال عام 2024، مقابل 638 مليون دولار خلال عام 2023. يعود الانخفاض إلى اتجاه البلدين لتقليص الواردات لمواجهة نقص السيولة الدولارية، وهو ما يعزز من أهمية تأسيس منصة تبادلية للسلع التي تتميز بها كل دولة.
تستطيع كينيا توفير جزء من واردات مصر من اللحوم الحية والمصنعة والسلع الغذائية والموارد الخام، بينما تملك مصر ميزة اقتصادية في المنتجات الهندسية والإلكترونية ومواد البناء والأدوية، التي تعتبر من أهم الواردات الكينية.
بإمكان البلدين تقديم نموذج بناء للتكامل الأفريقي، فهما من الرواد في الدعوة إلى التكامل القاري، وشدد رئيسهما على ذلك خلال قمتهما في القاهرة. أشار نصّ الإعلان المشترك بين رئيسي البلدين، إلى عزمهما على بذل جهود إضافية على مستوى الحكومتين، وتشجيع دور أكبر ومساهمة قيادية من القطاع الخاص لزيادة حجم التجارة، وتنويع مجالات التعاون واستكشاف فرص استثمارية جديدة في عدد من القطاعات، باعتبارها قطاعات رئيسية محفزة لخلق فرص العمل والحد من الفقر وتحقيق التنمية المستدامة.
تقود التحديات الاقتصادية مسعى رئيسي البلدين لتعزيز علاقاتهما، حيث يريد كلاهما البحث عن حلول ممكنة داخل القارة، بالاستفادة من اتفاقيات التجارة الإقليمية، والفرص الواعدة التي تزخر بها بلدان القارة. تنظر القاهرة إلى كينيا كمنفذ واعد لصادراتها إلى جنوب ووسط القارة، وتسعى لترجمة هذا من خلال إنشاء مراكز لوجستية في كينيا ونيجيريا ورواندا. وخلال زيارته، حرص الرئيس وليام روتو على الإطلاع على التجربة العمرانية في مصر، وقام بتفقد أحد مشاريع الإسكان الحكومية، والتقى بعدد من مدراء شركات المقاولات والبنية التحتية والطاقة التي تعمل في السوق الأفريقية، وزار الهيئة العربية للتصنيع؛ الذراع الصناعية العسكرية والمدنية للحكومة المصرية.
لكن، يواجه عزم الرئيسين السيسي وروتو على تعزيز التكامل القاري، خاصة في إنفاذ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، تحديات قارية متعددة، بسبب الخلافات السياسية بين دول القارة. ليست القاهرة ونيروبي ببعيدتين عن هذه الخلافات، حيث تقفان على طرفي النقيض في العديد منها، كما في السودان والكونغو الديمقراطية، وتلتقيان في القضايا التي تخص دول جنوب السودان وموزمبيق والأمن في البحر الأحمر وغير ذلك.
كما يزيد الحضور المصري في الصومال من دوائر التقاء البلدين، اللذين يصطفان إلى جانب الرئيس حسن شيخ محمود، ويتشاركان هدف محاربة الإرهاب، ومع هذا فإن الساحة الصومالية شديدة التعقيد قد تؤدي إلى تضارب مصالح مصر وكينيا، لكن الراجح أنّهما لديهما القدرة على إدارة الملفات الخلافية، كما في حالة السودان والكونغو الديمقراطية.
يبقى أمام البلدين العمل على تعزيز علاقاتهما الاقتصادية، وتدشين نموذج تعاون اقتصادي ناجح يكون مثالًا محفزًا للتعاون والتكامل بين بلدان القارة، وهو ما يتطلب ضخ مزيد من الاستثمارات، حيث لا تزال الأخيرة متواضعة، ولم تتجاوز 36.5 مليون دولار استثمارات مصرية في كينيا، وسبعة ملايين استثمارات كينية في القاهرة. كما لا يزال التنسيق السياسي دون المستوى تجاه قضايا القارة، خاصة الأمنية والسياسية وقضايا الحدود، وهي القضايا التي تتطلب عملًا قاريًا جماعيًا بين الدول الرائدة في الاتحاد الأفريقي.
تزخر أفريقيا بالعديد من الفرص الاقتصادية التي تتنافس الدول الكبرى للهيمنة عليها، وتوظيفها لصالح اقتصاداتها المتقدمة، بينما لا يزال التكامل الاقتصادي بين دول القارة حبرًا على ورق، باستثناء نجاحات إقليمية على غرار تجمع الكوميسا، وهو ما يفرض تحديات أمام كينيا ومصر، الدولتين اللتين تواجهان أزمات اقتصادية متشابهة، يمكن لمزيد من التعاون والانفتاح القاري المساهمة في حلهما. وفي هذا السبيل فإن الشراكة الاستراتيجية بين مصر وكينيا تعتبر بمثابة اختبار لقدرة دول القارة على تأسيس نموذج حقيقي للعلاقات الاقتصادية، التي باتت القاطرة للعلاقات الدولية خلال العقود الأخيرة.