تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

السبت 8 نوفمبر 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
  • youtube
  • whatsapp
رأي

ما بعد بيا؟ اقتراعٌ يرسم مصير الكاميرون

11 أكتوبر, 2025
الصورة
ما بعد بيا؟ اقتراعٌ يرسم مصير الكاميرون
Share

في يوليو/تموز 2025 نشر الرئيس بول بيا منشوراً بسيطاً على منصة X قال فيه: "أنا مرشّحٌ للانتخابات الرئاسية… اطمئنّوا أنّ عزيمتي على خدمتكم توازي جدّية التحديات التي نواجهها… الأفضل لم يأتِ بعد". وإذا صدّقنا مريديه، فإن دافع رئيسٍ "في الثانية والتسعين من عمره" إلى خوض السباق لم يكن سوى الاستجابة لنداء الشعب -على الأقل نداء أنصاره المخلصين. غير أنّ ما لفت الانتباه أكثر كان التأكيد على وسيلة الإعلان نفسها: وسائل التواصل الاجتماعي. فقد قدّم معسكر الرئيس لجوء بيا إلى منصة X بوصفه دليلاً على صلته بالشباب الكاميروني، الأكثر نشاطاً على هذه المنصّات، ويشكّلون نحو 60٪ من سكان البلاد. والمفارقة أنّ شباب الكاميرون ظلّوا على امتداد أكثر من أربعة عقود من حكم بيا مهمّشين ومُبعَدين عن المشاركة السياسية الفاعلة وصنع القرار.

بعد أكثر من أربعة عقود من حكم بيا، تبدو الكاميرون وكأنّها تتراجع. فالبنية التحتية العامة تتداعى، وانعدام الأمن والفساد يتصاعدان، وبطالة الشباب في تزايد، والحكومة غارقة في الديون، ويظلّ شبح الانفصال في الكاميرون الناطقة بالإنجليزية ماثلاً. وإزاء هذا الوضع الهشّ، شاع بين الكاميرونيين وصف الاستحقاق المقبل بـ"الانتخابات الأخيرة في الكاميرون" لأسبابٍ عدّة، من أبرزها أنّ فوز الرئيس الحالي سيجعله يقترب من المئة عند نهاية ولايته الثامنة.

كنا قد توقّعنا في وقتٍ سابق من هذا العام أنّ فوز بيا سيكون مضموناً إذا قرّر الترشح مجدداً لمنصب الرئاسة، لكن أموراً كثيرة تغيّرت على الأرض. فقد صدم شخصان من حلفائه القدامى البلاد بإعلان استقالتيهما: وزير التشغيل والتكوين المهني السابق عيسى تشيروما بكاري، ووزير السياحة والترفيه الأسبق بيلو بوبا مايغاري. الاستقالات في عهد بيا ليست جديدة، إلا أنّ مغادرة هذين الاسمين بالذات كانت لافتة -فالتوقيت والخلفية الجغرافية والكتلة الانتخابية التي يؤثّران فيها تفتح حواراً غير مسبوق حول تفويض رئيسٍ طاعنٍ في السن. وكلاهما قادمٌ من الأقاليم الشمالية ذات الغالبية المسلمة -أداماوا والشمال والشمال الأقصى- حيث توجد قاعدة ناخبة كبيرة تمثّل نحو 32٪ من المسجّلين. ومن ثمّ، قد يُحدث تشيروما ومايغاري اضطراباً ملموساً في الانتصارات العريضة المعتادة لبيا، وربما يدفعانه خارج السلطة.

باتت الإمكانية الحقيقية الوحيدة لهزيمة الرئيس القائم رهن قيام ائتلافٍ معارض -لكن السؤال عمّن سيقوده ما يزال بلا جواب، وتاريخ الكاميرون الطويل مع تشرذم المعارضة يجعل حلم «الواجهة الموحّدة» غير مرجّح

كان الأمين العام لرئاسة الجمهورية في الكاميرون، فرديناند نغوه نغوه -الذي يُنظر إليه كثيراً على أنّه القائد بحكم الأمر الواقع أو «رئيس الظلّ»- قد حوّل القصر في وقتٍ سابق إلى ما يشبه مركز حملةٍ خاص به. استقبل وفوداً من مختلف الشرائح: زعماء دينيين وممثلين للشباب ونخباً سياسية، قدّموا في المقابل تعهّداتٍ بدعم الرئيس القائم. أما بيا، الذي يغيب في الأغلب عن تفاصيل السياسة اليومية، فقد فوّض "سلطة التوقيع" إلى نغوه نغوه؛ وهي خطوةٌ غذّت امتعاضاً متزايداً لدى أقسامٍ من النخبة السياسية تتّهمه باغتصاب صلاحيات "رئيسٍ منتخب ديمقراطياً".

قال عيسى تشيروما -الذي بات اليوم مرشحاً في الانتخابات المقبلة- معلناً قطيعته: "لا يمكن لدولةٍ أن توجد في خدمة رجلٍ واحد". ويضيف واصفا حكومة بيا بأنّها "مكسورة". وبرأيه، فشلت المركزية. وفي مفارقةٍ لافتة، فإنّ تشيروما -الذي كان قد وصل بين الفدرالية والانفصال حين طالب بها الأنغلوفونيون- يقترح الآن النظامَ نفسه باعتباره "العصا السحرية" لإخراج الكاميرون من أزمتها. وفي خطابٍ بمدينته، دعا أبناء منطقته إلى الإمساك بمصائرهم قائلاً: "لم نحلّ مشكلاتكم القديمة. لكن إن اتحدنا الآن، نستطيع حلّها نهائياً". وأضاف: "حان وقت الفعل. وعندما يحين الموعد، ضعوا في أظرفتكم ما سينهي شقاءنا".

قبل انضمامهما إلى حكومة بيا، كان تشيروما ومايغاري من ضحاياها. فقد كان مايغاري أول رئيس وزراء لبيا بين 1982 و1983، بعد وقتٍ قصير من وصول الأخير إلى السلطة. لكنّه اضطر إلى المنفى عام 1984 بعد اتهامه بالضلوع في محاولة انقلاب فاشلة، قادها مقرّبون من الرئيس السابق أحمدو أهيدجو، ومعظمهم من الشمال. عاد لاحقاً وأسس «الاتحاد الوطني من أجل الديمقراطية والتقدم» (UNDP)عام 1992. وظلّ الحزب متحالفاً مع بيا حتى 2025 حين بدأ مايغاري يظهر اهتماماً صريحاً بالرئاسة.

أما تشيروما، فخلافاً لمايغاري، لم يتمكّن من الفرار بعد محاولة الانقلاب. فقد اعتُقل وقضى ست سنوات في السجن. وفي أثناء احتجازه تعلّم الإنجليزية التي ستشكّل لاحقاً مساره السياسي. بعد الإفراج عنه، انضمّ إلى (UNDP) مع مايغاري، لكنه غادره عام 2007 ليؤسس حزبه الخاص، «جبهة الخلاص الوطني الكاميرونية» (FNSC). وعلى غرار (UNDP)، ظلّ حزبه في "زواج مصلحة" مع نظام بيا حتى أعلن هو أيضاً عزمه خوض السباق إلى المنصب الأعلى.

ما يميّز تشيروما ومايغاري عن معظم حلفاء بيا السابقين الذين انفضّوا عنه امتلاكُ كلٍّ منهما قاعدةً سياسيةً راسخة. فهما ليسا من الحزب الحاكم، بل يقود كلٌّ منهما حزباً مستقلاً له امتدادٌ جماهيري حقيقي، ولا سيما في الشمال. وطوال سنوات، طالبا بأن "تعود السلطة إلى الديار" باعتبار أنّ الشمال قدّم أول رئيس للكاميرون. ويبدو أنّ صبر هذين العرّابين السياسيين الشماليين قد نفد.

غير أنّ تشيروما ومايغاري ليسا وحدهما الساعيين إلى إنهاء حكم بيا الممتد 43 عاماً. فقد أجازت هيئة الانتخابات مشاركة عشرة مرشحين آخرين. إجمالاً، تقدّم رقمٌ قياسي بلغ 83 شخصاً بطلبات الترشّح للرئاسة، لم يُقبل منها سوى 13، بينهم بيا. الغائب الأبرز: البروفيسور موريس كامتو، المنافس الرئيس لبيا الذي حلّ ثانياً في آخر انتخابات بأكثر من 14٪ من الأصوات. وقد تحطّم حلمه بالترشّح من جديد بعد أن رفضت هيئة الانتخابات (ELECAM) ترشّحه عبر «الحركة الإفريقية من أجل الاستقلال والديمقراطية الجديدة» (MANIDEM)، وهي خطوةٌ اعتبرها الكاميرونيون على نطاقٍ واسع مناورةً سياسية من الطبقة الحاكمة لإقصاء أخطر منافسٍ محتمل لبيا.

لن تكفي الائتلافات وحدها لإصلاح نقص الثقة المتجذّر في الهيئات المشرفة على الانتخابات. فمع تعيين أعضائها مباشرةً من الرئيس، يصعب على الكاميرونيين الركون إلى حيادها، الأمر الذي يعمّق انخفاض نسب المشاركة

يُلقّب كامتو في الكاميرون بـ«بابا القانون». فيما يرى منتقدوه في اللقب سخريةً من "الأستاذ العارف بكل شيء" الذي تفوّق عليه نظام بيا. أما أنصاره، فيُبرزون دوره المحوري في الحكم التاريخي الصادر عام 2002 عن محكمة العدل الدولية الذي منح الكاميرون السيادة على شبه جزيرة باكاسي الغنية بالنفط، والمتنازع عليها مع نيجيريا. وقد عزّزت سمعته الدولية كمحامٍ وجرأته في تحدّي نظام بيا، خصوصاً بعد انتخابات 2018، رصيده السياسي؛ كما أنّ خدمته السابقة في حكومة بيا منحته معرفةً داخليةً بالنظام الذي يعارضه اليوم. حرّك كامتو أنصاره للاحتجاج على ما سمّاه انتخاباتٍ مزوّرة، فأُوقف وقضى تسعة أشهر قيد الاحتجاز بتهمة «التمرّد»، وهو ما زاد -في نظر كثيرين- من مصداقيته رمزاً للمقاومة. والمرشّح الذي سينال تأييده سيكتسب ميّزة كبرى، إذ سيوظّف نفوذ كامتو والدعمَ المالي الكبير لدى قبيلته ليصبح في مقدّمة السباق. وقد وضع كامتو شروطاً صارمة: لن يمنح دعمه إلا لائتلافٍ يضمّ تشيروما ومايغاري، وإلا فقد دعا الناخبين إلى «اتّباع ضمائرهم».

مع خروج «بابا القانون» من السباق، باتت الإمكانية الحقيقية الوحيدة لهزيمة الرئيس القائم رهن قيام ائتلافٍ معارض -لكن السؤال عمّن سيقوده ما يزال بلا جواب، وتاريخ الكاميرون الطويل مع تشرذم المعارضة يجعل حلم «الواجهة الموحّدة» غير مرجّح. وبينما تناقش أحزاب المعارضة هذه الفكرة -وقد انسحب بالفعل اثنان من أصل ثلاثة مرشحين منحدرين من الكاميرون الناطقة بالإنجليزية لصالح مايغاري- فإن شخصياتٍ محورية مثل مايغاري، وجوشوا أوسي من «الجبهة الديمقراطية الاجتماعية» (SDF)، وكابرال ليبي، السياسي الشاب الذي حلّ ثالثاً في الانتخابات الرئاسية الماضية، أعلنوا أنّهم لن يكونوا جزءاً من أيّ ائتلاف. ورغم تقديم تشيروما ومايغاري نفسيهما بوصفهما "من أبناء النظام" القادرين على إزاحة بيا، فإن الكاميرونيين لا يبدون ثقةً كبيرة، ويتّهمهما كثيرون بأنهما تمتّعا بمزايا الحكم سنواتٍ طويلة، ولم ينقلبا عليه إلا عندما اقتضت طموحاتهما ذلك. وقد وصف المعارض سيلستان دجامان الرجلين بأنهما "انتهازيان ظرفيان، مستفيدون، ومرتزقة سياسة".

تدفّقت الوعود الانتخابية سريعاً وبشمولٍ لافت. تعهّد جوشوا أوسي بحلّ الأزمة الأنغلوفونية خلال مئة يومٍ من دخوله المنصب. ووعد مايغاري بعقد حوارٍ وطني شامل خلال ستة أشهر من رئاسته، ومنح عفوٍ لكلّ "سجناء الضمير" في إطار مصالحة وطنية. كما يدعم كابرال ليبي الحوار مع قادة الأنغلوفونيين مهما كانت مواقفهم، واقترح حتى نقل مؤسسة الرئاسة إلى إحدى المنطقتين الناطقتين بالإنجليزية بوصفه إشارة وحدة. أما تشيروما، الذي كان قد وصف المحتجّين الأنغلوفونيين بـ"الإرهابيين" حين كان وزيراً للاتصال، فيُرجع الأزمة اليوم إلى النظام شديد المركزية في عهد بيا، ويرى أنّ الفدرالية هي الحلّ الدائم الوحيد.

هل هذا بالفعل شفقُ حكم بيا، أم مجرّد فصلٍ جديد في سرده الذي لا ينتهي؟ وبينما تبدو الكاميرون وكأنّها تتراجع، برز طيفٌ من المتحدّين يأملون إدخال البلاد في طورٍ تالٍ

بينما يصعب على المعارضة الاتفاق على مرشحٍ واحد في مواجهة الحزب الحاكم، فإنّ كثيراً من أفكارها تتقاطع في قضايا الدولة الكبرى. فجميع المرشّحين يتعهّدون بمحاربة الفساد -السمة الأبرز لعهد بيا- وبإصلاح مؤسساتٍ مفصلية. يخطّط تشيروما لإجراء "تدقيقٍ شامل للدولة" مع بداية ولايته، بينما يقترح مايغاري تقليص الولاية الرئاسية من سبع سنوات إلى خمس قابلة للتجديد مرة واحدة، وخفض سنّ التصويت من 20 إلى 18 عاماً، وضمان استقلال القضاء. ويقترح تشيروما وأوسي وكابرال ليبي نظاماً فدرالياً لمعالجة سؤال "شكل الدولة". غير أنّ كابرال ليبي يقدّم نموذجاً يسميه «الفدرالية المجتمعية» -مستلهَماً جزئياً من إثيوبيا، وإن كان يقارنه ببلجيكا وجنوب أفريقيا. أما مايغاري فيفضّل ترك الحسم للكاميرونيين عبر مشاورةٍ وطنية. ومع تزايد السخط من عقودٍ من الحكم المركزي، يميل المزاج العام اليوم إلى الفدرالية.

يخيّم على كتلةٍ ناخبةٍ شديدة التطيّف سؤال الأزمة الأنغلوفونية المتفاقمة. فالمنطقتان الناطقتان بالإنجليزية في الشمال الغربي والجنوب الغربي - حيث يقيم نحو 20٪ من السكان- عالقتان في حربٍ انفصالية مع الحكومة المركزية منذ قرابة تسع سنوات. وقد توعّد المقاتلون الساعون إلى إقامة دولة يسمّونها «أمبازونيا» بتعطيل الانتخابات الرئاسية المقبلة. والمفارقة أنّ هذا الاضطراب يصبّ في مصلحة الحزب الحاكم، الذي تُمكّنه سيطرته على الأجهزة الأمنية من حماية ناخبيه الموالين، وإدارة العدد المحدود من مراكز الاقتراع التي ستفتح في مناطق النزاع -وهو نمطٌ موثّق في انتخاباتٍ سابقة.

قبل الأزمة، كانت الكاميرون الناطقة بالإنجليزية معقلاً لـ(SDF)، لكن تدهور الأمن سمح لـ«الحركة الديمقراطية الشعبية الكاميرونية» (CPDM) التابعة لبيا بالهيمنة سياسياً هناك. ولتفوز المعارضة اليوم في معقلٍ صار محسوباً على بيا، ينبغي أن تنتهي الأزمة؛ فهي ببساطة لا تملك التمويل الكافي لتحفيز وحماية مؤيّديها المستعدين لمخاطرة التصويت.

لسوء حظّ المعسكر المعارض، لن تكفي الائتلافات وحدها لإصلاح نقص الثقة المتجذّر في الهيئات المشرفة على الانتخابات. فمع تعيين أعضائها مباشرةً من الرئيس، يصعب على الكاميرونيين الركون إلى حيادها، الأمر الذي يعمّق انخفاض نسب المشاركة، ويغذّي اللامبالاة السياسية. ومع تعطّش الكاميرونيين الحقيقي للتغيير، ظلّ الإقبال على صناديق الاقتراع مخيّباً قياساً بعدد المؤهلين للتصويت. ففي الانتخابات الرئاسية لعام 2018، سُجّل نحو 6.6 ملايين ناخب، لكن قرابة 3.5 ملايين فقط صوّتوا -من أصل تعدادٍ يقارب 27 مليوناً. ولم تكن انتخابات 2011 مختلفة كثيراً: سجّل 7 ملايين، لكن نحو 5 ملايين فقط أدلوا بأصواتهم. جزءٌ من المشكلة هو الثقة -أو غيابها. فضعف الثقة في هيئة الانتخابات يغذّي نبوءةً ذاتية التحقّق قوامها تبدّلٌ طفيف -إن وجد- في السلطة التنفيذية.

مع اقتراب 12 أكتوبر/تشرين الأول، يبقى السؤال معلّقاً: هل هذا بالفعل شفقُ حكم بيا، أم مجرّد فصلٍ جديد في سرده الذي لا ينتهي؟ وبينما تبدو الكاميرون وكأنّها تتراجع، برز طيفٌ من المتحدّين يأملون إدخال البلاد في طورٍ تالٍ: بعضهم يعد بـ«س»، وآخرون يعدون بـ«ص». ولكي تحظى الكاميرون بفرصةٍ لتجاوز عقودٍ من كآبة «العمل كالمعتاد»، سيلزم أن يولد من هذا التنافر ائتلافٌ يعالج التطيّف المناطقي، وإهمالاً ذي طابعٍ استعماري جديد، وسخطاً شبابيّاً متنامياً. بدون ذلك، قد تظلّ البلاد عالقةً في دائرةٍ مفرغة من الوعود المعلّقة.

المزيد من الكاتب