الأربعاء 12 نوفمبر 2025
وُلدت ليلى أبو العلا في القاهرة، ونشأت في الخرطوم، ثم غادرت السودان إلى اسكتلندا عام 1990، حيث بدأت مسيرتها في الكتابة. أبو العلا روائية وكاتبة مسرح وقصص قصيرة، وكانت أول فائزة بجائزة كين للكتابة الأفريقية عام 2000 عن قصتها القصيرة "المتحف" (The Museum). ومن رواياتها "المترجم" (1999) و"منارة" (2005) و"دعوة الطير" (2019)، وهي أعمال تنسج تجارب الشتات السوداني في المملكة المتحدة من منظور نساء مسلمات.
أما أحدث رواياتها التاريخية "روح النهر" ( (River Spiritفي 2023 التي تجري أحداثها في السودان، وتستعيد حقبة الحرب/الثورة المهدية. وعلى الرغم من الحرب المستمرة، بل كنوع من التحدّي لها، صدرت الترجمة العربية للرواية عام 2024 عن «دار المصوّرات» في الخرطوم بترجمة الأستاذ الدكتور بدر الدين الهاشمي. ومنذ عام 2023 صارت أبو العلا زميلة في «الجمعية الملكية للأدب»، وحصدت أعمالها عدداً من الجوائز الأدبية، منها «Scottish Book Awards» لفئة الرواية و««Saltire Fiction Book of the Year Award.
في يوليو/تموز، مُنحت جائزة "PEN Pinter"، وهي جائزة أدبية من منظّمة English PEN هنا حوار معها للتعرّف أكثر إلى أعمالها وإنجازاتها.
ليلى أبو العلا: البشر مدهشون في قدرتهم على خداع أنفسهم والإنكار، وعلى حجب ما لا يروق لهم. لطالما راقت لي فكرة أن تكون الرواية مساحةً نتناول فيها ما لا يُقال عادةً في المجتمع. بوصفي مهاجرةً إلى بريطانيا حملتُ مشاعر متداخلة إزاء الانتقال: إحساساً بالإهانة، وإحساساً بفرصة، وامتناناً، وخشيةً من الفوات، وقلقاً على مستقبل أبنائي. كثير من المهاجرين يشاركون هذه التعقيدات، لكنهم لا يرغبون في الخوض فيها. وكان يُنظر إلى الحديث عن الحنين إلى الوطن بوصفه ضرباً من الترف. يمنحنا السرد مكاناً لهذه الحقائق كي تُقال وتنكشف؛ يتخطّى الخطوط الرسمية وقوالب الإعلام وحتى «الإجابة الصحيحة» عن السؤال. الحقيقة، في الغالب، ما تُربكنا؛ إنها بديهيةٌ لكنها تجري في تيارٍ خفي.
أبو العلا: الكتّاب الشجعان اليوم هم الصحفيون الفلسطينيون الذين يخاطرون بحياتهم -ويُقتَلون - لتغطية الإبادة في غزة. إنهم ينقلون ما يجري في أقسى الظروف، ومع ذلك يحافظون على معايير مهنية عالية في أوضاع بالغة القسوة. تنبع قيمة عملهم من أنهم لا يكتفون بكشف ما يحدث الآن على وجه السرعة، بل يؤدّون أيضاً دور الشاهد ويقدّمون مصادر أولية للسجلّ التاريخي. بعض الكتّاب السودانيين بقوا في السودان أثناء الحرب، واختاروا عدم الفرار حفاظاً على مكتباتهم الخاصة. هذا موقف مؤثّر وشجاع. وستكون مذكّرات هؤلاء شهادة بالغة الأهمية عمّا كانت عليه الحياة في السودان خلال الحرب.
أبو العلا: أتصوّر إلهامي حوضاً مثلثاً: إحدى زواياه الإسلام، والأخريان اسكتلندا والسودان. أتنقّل دائماً داخل هذا الحوض؛ ورغم أن حدوده واضحة فإن عمقه بلا قرار. هناك الكثير مما يفتنني، وطرائق لا حصر لها للكتابة عن الإسلام والسودان واسكتلندا. للحنين والاقتلاع أيضاً معانٍ كثيرة. ومؤخراً أفكّر كثيراً في الشيخوخة، وكيف ينبغي لكبار السن أن يفسحوا المجال ليتقدّم الشباب إلى مركز المسرح. هذا أيضاً شكلٌ من أشكال الاقتلاع.
أبو العلا: أحاول قدر الإمكان مقاومة إغواء «الكتابة ردًّا على»، أي أن أشرح أو أبرّر أو أجادل. لا أنطلق بنية تفكيك الصور النمطية أو مجابهة سرديات الإسلاموفوبيا، مع أن العمل ينتهي إلى ذلك. أبدأ على نحوٍ عضوي؛ أقود بدلًا من أن أستجيب. لا أريد أن أظلّ أنظر من فوق كتفي؛ فهذا يجعل الكتابة متكلّفة. لطالما كان مهمًّا لي أن أُركّز الإسلام في السرد وأن أكتب عن شخصيات تمارس دينها. أريد أكثر من تقديم الإسلام بوصفه «ثقافة»؛ أريده أن يتخلّل الرواية ويمنحها منطقها ومعناها الأعمق.
ليلى أبو العلا: لم أكن في السودان حين بدأت احتجاجات 2018/2019، فتابعتها من بعيد. كان زمنًا مُلهِمًا ومفعمًا بالتفاؤل، كأن الجدران تتهاوى والسودان يعاود الالتحاق بالعالم. كان البلد خاضعًا لعقوباتٍ لعقود، ومن النتائج الإيجابية للانتفاضة رفعُ هذه العقوبات، ما شكّل سببًا للتفاؤل الاقتصادي. تاريخيًّا واجه السودان معضلة الهوية، فلا هو «أفريقي بما يكفي» ولا «عربي بما يكفي، وغالبًا ما طغت عليه ثقافاتٌ أكثر هيمنة كالمصرية والإثيوبية. غيّرت الانتفاضة هذا التصوّر وأظهرت أن للسودانيين ثقافةً وتاريخًا مميّزين، فتأكّد على المسرح العالمي حضورُ الهوية السودانية.
عبّر الشباب أيضًا عن إبداعهم وطموحهم إلى حكومةٍ مدنيةٍ ديمقراطية. لكن كل تلك الأحلام والجمال تكسّرت. كانت الانتفاضة مخاطرةً لم تؤتِ أُكلها، ووقع أسوأ سيناريو: حربٌ ونزوحٌ ومجاعةٌ على نطاقٍ واسع. كان ذلك كارثيًّا. في الخرطوم، حيث نشأتُ، يجري اليوم بناءٌ بطيءٌ وإصلاحٌ لما خلّفته الحرب. ناشري السوداني «دار المصوّرات» أعاد فتح مكتبته. وعلى فيسبوك أشاهد مقاطع لطلابٍ متطوّعين يزيلون الركام من المستشفيات والمدارس والجامعات. إنهم يحملون روح الانتفاضة الجمعية؛ لم تُكسر عزيمتهم.
الحوار مترجم من هذا المصدر