تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاثنين 24 مارس 2025

  • facebook
  • x
  • tiktok
  • instagram
  • linkedin
رأي

علاقات صوماليلاند وتايوان: ميدان مواجهة بين الولايات المتحدة والصين

28 يناير, 2025
الصورة
Geeska cover
Share

بعد يوم من زيارة نائب وزير خارجية تايوان، فرانسوا تشيه تشونج وو، لصوماليلاند لحضور حفل تنصيب الرئيس الجديد، عبد الرحمن محمد عبد الله عرو، صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، إن بكين تعارض الاتصالات الجارية بين تايوان وصوماليلاند مطالبا جميع الأطراف على "التمسك بمبدأ الصين الواحدة"، معربا عن امتنانه لمقديشو لامتثالها لهذا المبدأ.  

في الأسبوع التالي، بعد اجتماع مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، أدلى المبعوث الصيني الخاص إلى منطقة القرن الأفريقي، شيوي بينج، بتصريح اعتبر من أكثر التصريحات عدائية من جانب مسؤول صيني بشأن هذه القضية، حيث قال في مقابلة مع وكالة الأنباء الوطنية الصومالية: "لن نتهاون في التعامل بصرامة إذا تجرأ أحد على القيام بأي شيء يمس بالسيادة الوطنية وسلامة أراضي الصين". وطمأن المسؤولين في مقديشو بشأن دعم بكين لوحدة الأراضي الصومالية، مكررًا التحذير للمسؤولين التايوانيين بعدم المُضي قدمًا في تعزيز العلاقات مع هرجيسا.

تعتبر هذه التطورات أحدث مؤشر على كيفية امتداد تأثيرات التوترات بين الصين وتايوان على العلاقات بين الصومال وصوماليلاند، وتعقدها أكثر. فبسبب موقفها من العلاقات بين صوماليلاند وتايوان أصبحت بكين أكثر حزما في تعاملها مع هرجيسا. حزم لم يثن كل من صوماليلاند وتايوان من تعزيز علاقاتهما، رغم رفض الصومال والصين لذلك.  

أعلنت تايوان عن بناء مركز طبي في هرجيسا بتكلفة 22 مليون دولار، وعرضت أيضًا منحًا دراسية لضباط عسكريين لتحديث القدرات العسكرية لصوماللاند. كما وقعت صوماليلاند مع تايوان اتفاقية تعاون في مجال الطاقة والموارد المعدنية في عام 2022، بموجبها ستسمح لتايوان بالاستكشاف والحفر بحثا عن موارد الطاقة والمعادن. فكيف يمكننا تفسير هذه الديناميكيات في ظل الولاءات الجيوسياسية المتغيرة في المنطقة، وقدوم إدارة ترامب والتكهنات حول زيادة الانخراط مع صوماليلاند كجزء من المنافسة الجيوسياسية الأوسع مع الصين؟

منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين صوماليلاند وتايوان في عام 2020، كانت الصين صريحة في معارضتها للعلاقة الجديدة، فقد وصفتها بالمنتهكة لسلامة أراضي الصين وسيادتها. وعززت بكين لاحقًا علاقاتها مع الحكومة الفيدرالية الصومالية، التي ترفض انفصال صوماليلاند. أدى ذلك إلى زيادة التعاون الدبلوماسي بين بكين ومقديشو، وشهدت توقيع العديد من الاتفاقيات التي تهدف إلى تعزيز العلاقات بين الطرفين. ويرمي هذا -إلى جانب أمور أخرى- مواجهة صوماليلاند وتايوان معا.

شرعت الصين في دعم الصومال في المحافل الدولية، بما في ذلك التوقيع على قرار الأمم المتحدة برفع حظر الأسلحة المفروض عليها. كما زودت مقديشو بمعدات الدعم العسكري للمساعدة في مكافحة الإرهاب، وإعادة بناء جيشها. كما أعربت بكين عن معارضتها لمذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وصوماليلاند بشأن الوصول إلى البحر. وفي أعقاب اجتماع مع شي جين بينج، على هامش منتدى التعاون الصيني الأفريقي الماضي، حصل حسن شيخ محمود على منحة قدرها 28 مليون دولار. كما تبرعت بكين ب 1300 طن من المساعدات الغذائية في سعيها لتعزيز رؤيتها ودعمها للصومال.

رغم أن الصين ليست الجهة الفاعلة الوحيدة التي تدعم الصومال في هذه الأمور، إلا أن خطاب السيادة والسلامة الإقليمية في التعاملات الثنائية استخدام من قبلها بشكل متكرر. تعكس سياسة "الصومال الواحد" في الأساس استراتيجية "الصين الواحدة"، المؤطرة في علاقاتها الدولية، في محاولة من البلدين حماية حدودهما المزعومة. وقال ديفيد كيووا، المتخصص في العلاقات الأفريقية الصينية، والأستاذ في جامعة نوتنغهام في نينغبو، لصحيفة "ذا نيو عرب": "الصومال لا يزال يدعم سياسة الصين الواحدة، وبكين ترد بالمثل".

قطعت مقديشو بالفعل العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي سعت علنًا إلى قبول صوماليلاند ككيان مستقل، بهدف إجبار هذه الدول الامتثال لوجهة نظرها المعارضة للاستقلال. فعلى سبيل المثال، منذ عام 2020، قطعت الصومال علاقاتها مع كينيا وغينيا والإمارات العربية المتحدة بسبب تقاربهم مع صوماليلاند. ومؤخرًا، هددت مقديشو شركات الطيران بالطرد من الأسواق الصومالية، ما لم تحذف اسم صوماليلاند من مواقعها الإلكترونية وموادها الترويجية.  

وبالمثل، دخلت الصين في مشاكل مع الهند وإستونيا ودول أخرى بسبب ارتباطها بتايوان، ومثل هذا الأمر أولوية دبلوماسية مهمة في سياساتها الخارجية. كانت ناورو، وهي جزيرة في ميكرونيسيا، أحدث دولة تقطع علاقاتها مع تايبيه لصالح بكين، وانضمت إلى 10 دول أخرى قامت بنفس الخطوة، منذ عام 2016، من بينها بوركينا فاسو التي قطعت علاقاتها مع تايبيه عام 2018.

وفي انتكاسة حديثة للتواجد التايواني في القارة، طلبت جنوب أفريقيا من تايبيه نقل سفارتها من العاصمة السياسية للبلاد، بريتوريا، إلى العاصمة التجارية، جوهانسبرغ في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مبررة بذلك أن إعادة تسمية المكتب ب"المكتب التجاري في تايبيه وجوهانسبرغ ... هو انعكاس حقيقيٌّ للطبيعة غير السياسية وغير الدبلوماسية للعلاقة بين جمهورية جنوب إفريقيا وتايوان".

تسعى كل من هرجيسا وتايبيه إلى كسر عزلتهما الدبلوماسية، فمنذ مجيء الحزب الحاكم السابق إلى السلطة في هرجيسا عام 2010، اتبعت صوماليلاند استراتيجية دبلوماسية ذات نهجين: يتركز الأول على إقامة علاقات ثنائية مع الدول في أفريقيا وآسيا والغرب، من خلال التعاون الأمني ​​والشراكات التجارية والمبادرات المماثلة. بينما يتمثل النهج الثاني من هذه الاستراتيجية في الانخراط في مفاوضات مع الحكومات في مقديشو لتحقيق الاعتراف الدولي.

أدى هذان النهجان المدفوعان بضغوط غربية، وخصوصًا من المملكة المتحدةــ إلى قلب الوضع القديم لدى صوماليلاند المتمثل بالتركيز في الانخراط في محادثات بينية مع الصومال، وهو الموقف الذي انتهجته إدارتا الرئيسين الأسبقين محمد عيغال (1993-2002) وطاهر ريالي كاهين (2003-2010).

لكن نوعا من الإحباط نجم عن هذه المحادثات لأسباب منها: عدم احراز أي تقدم في الجهود الدبلوماسية، وفشل الجولات المتعاقبة من المحادثات مع الحكومات الصومالية، مما دفع صوماليلاند نحو قرار إقامة علاقات دبلوماسية مع تايوان. وبدورها، سعت تايوان (جمهورية الصين رسميًا) إلى تعزيز علاقاتها مع صوماليلاند كجزء من استراتيجيتها الرامية إلى التوسع في أفريقيا.  

لقد حافظت تايوان على علاقات دبلوماسية مع القارة الأفريقية منذ أوائل الخمسينيات، قبل أن تتولى جمهورية الصين الشعبية مقعد الصين في الأمم المتحدة في عام 1971، وأصبحت الممثل الوحيد للصين في المحافل الدولية.  لعبت الدول الأفريقية بشكل عام دورًا رئيسيًا في استبدال تمثيل تايوان في الأمم المتحدة بمسؤولين من الحزب الشيوعي الصيني في بكين. على سبيل المثال، نشرت صحيفة جلوبال تايمز، التي تديرها صحيفة الحزب الشيوعي الصيني اليومية، مقالاً يسلط الضوء على جهود المسؤولين الصوماليين، من محمد إبراهيم عيجال إلى عبد الله عيسى، لتأمين عضوية بكين في الأمم المتحدة.

وجدت تايوان حليفاً تتقاسم معه وضعاً سياسياً مماثلاً في صوماليلاند، ويتشارك النظامان الحكم الديمقراطي، والأهم من ذلك أنهما يسعيان إلى تأمين علاقات أوثق مع الولايات المتحدة. لذلك رأت تايوان صوماليلاند مكاناً مثالياً يمكنها أن تقدم نموذجاً بديلاً للتنمية، يقوم على التعاون والديمقراطية، على النقيض مما تعتبره "نموذج الحكم السيئ للصين في أفريقيا".  

بهذه الطريقة، سعت إلى موازنة نفوذ الصين المتزايد في أفريقيا من خلال السعي إلى إقامة شراكات تعاونية، بدلاً من العلاقات غير المتكافئة التي تخلق التبعية. وصرّح ممثل تايوان في صوماليلاند ألين لو: "نحن هنا لتعليم الناس كيفية صيد الأسماك، وليس مجرد إعطائهم السمك".

تتسم العلاقات بين كل هذه الجهات استخدام لغة عدوانية وحازمة. على سبيل المثال، توظف صوماليلاند خطاباً مؤيداً للغرب لتأكيد معارضتها للنفوذ الصيني في المنطقة. وقد رفض الرئيس السابق موسى بيحي حزمة مساعدات تنموية صينية مشروطة بقطع العلاقات مع تايوان. وأكدت الزيارات رفيعة المستوى المتبادلة بين صوماليلاند وتايوان، مثل زيارة وفد صوماليلاند إلى تايبيه في عام 2022، على تحديهما لدعوات الصين والصومال للتخلي عن العلاقة مع تايوان. وعندما سُئل وزير خارجية صوماليلاند السابق عيسى كايد عن العلاقات بين البلدين قال: "لقد ولدنا أحرارًا، ولا تستطيع الصين أن تملي علينا علاقاتنا".

ترامب وعرو وتايوان

ستكون منطقة القرن الأفريقي في قلب التنافس الجيوسياسي المتزايد في المستقبل المنظور، وستحافظ صوماليلاند وتايوان على علاقاتهما، فيما يرجح أن تكثف الصين والصومال سياساتهما الخارجية لمواجهة هذه العلاقات. انتُخِب في صوماليلاند في نوفمبر/تشرين الثاني عبد الرحمن عرو كرئيس جديد، وعلى الرغم من أنه شكّك سابقًا العلاقات مع تايوان سابقًا داعيًا إلى علاقات أوثق مع الصين، إلا أنه عكس موقفه لاحقًا، وتعهد بتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع تايوان. من جانبها، تهدف تايوان إلى تعميق علاقاتها مع صوماليلاند من خلال وعود بتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني.

على صعيد آخر، تلعب الولايات المتحدة أيضًا دورها في المنطقة. فقد أشاد مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض في ظل إدارة ترامب، علنًا بالعلاقة بين صوماليلاند وتايوان. تسعى صوماليلاند إلى الاستفادة من علاقاتها مع تايوان لتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، وهي استراتيجية أثبتت نجاعتها. وقد دعا مشرعون محافظون في الكونجرس ومجلس الشيوخ إلى زيادة الانخراط مع صوماليلاند، مشيرين إلى موقعها الاستراتيجي، وتبنيها النظام الديمقراطي وارتباطاتها بتايوان.

إذن، هنالك مؤشرات على أن الولايات المتحدة تؤيد العلاقة بين صوماليلاند وتايوان، ومن المرجح أن تشجعها خلال فترة ولاية ترامب الثانية. يتضح ذلك من زيارة السفير الأمريكي في الصومال، في ديسمبر/كانون الأول، هرجيسا مرتين، لتعزيز العلاقات مع الرئيس الجديد في هرجيسا.

في الوقت نفسه، كثفت الصين ضغوطها على صوماليلاند مع تعزيز التعاون الأمني ​​مع أفريقيا. وتبرز منطقة القرن الأفريقي ساحة محورية في التنافس الدولي بين الولايات المتحدة والصين. ففي يناير/كانون الثاني 2022، عينت الصين مبعوثًا خاصًا لمنطقة القرن الأفريقي لتعزيز مصالحها في المنطقة، وخاصة من خلال مبادرة الحزام والطريق، التي وقعت عليها الحكومة الصومالية. ومؤخرًا، استضافت الصين ما وصفته السفارة الصينية بـ "الأصدقاء" من منطقة لاسعانود؛ وهي منطقة متمردة على حكم هرجيسا وخارجة عن سيطرتها، منذ أغسطس/آب 2023. وقد اعتُبر هذا الأمر بمثابة تهديد مباشر يستهدف صوماليلاند، خصوصا أنه يتزامن مع سعي صوماليلاند تعميق علاقاتها مع تايوان.

تهدف الصين إلى الحفاظ على علاقات قوية مع منطقة القرن الإفريقي التي تتميز بعدم الاستقرار الداخلي. يعد هذا اختبارًا لمدى قدرة اللاعبين الخارجيين على الحفاظ على سياسات متماسكة يمكن التنبؤ بها تجاه الدول التي تبدو صديقة في لحظة ومعادية في اللحظة التالية وراغبة في تجنيد الدعم من الخارج. وبالتالي، فإن الحفاظ على علاقات دبلوماسية قوية في المنطقة يتطلب مزيدًا من الحذر والبراغماتية حيث تؤدي التطورات الجيوسياسية باستمرار على تحولات دراماتيكية. ومع ذلك، بموجب مفهوم "الأمن القومي الشامل" الجديد الذي طرحه شي لمشاركات الصين العالمية، تتبني بكين نهجًا أكثر طموحًا مما كانت عليه في الماضي، في محاولة لتشكيل واقع جيوسياسي جديد بدلاً من مجرد تقديم المساعدة الإنمائية.

لقد استضافت بكين مبادرة السلام في القرن الأفريقي التي تهدف إلى تعزيز السلام والحكم والتنمية في المنطقة، على الرغم من عدم وجود مناقشة بشأن حلحلة الصراعات الإقليمية. صرح مبعوث بكين إلى القرن الأفريقي، شيويه بينج: "هذه هي المرة الأولى التي تلعب فيها الصين دورًا في أمن المنطقة".

يعكس هذا، كما يزعم البعض، التحديات المعقدة لتحقيق الاستقرار الدائم في القرن الأفريقي. ومع ذلك، فإنه يسلط الضوء أيضًا على حدود الدبلوماسية الصينية في المنطقة، حيث سعت غالبًا إلى دعم القائمين على السلطة أو الدول المتورطة في صراعات إقليمية. على سبيل المثال، دعمت الصين الحكومة المركزية لإثيوبيا في حربها على تيغراي، فضلاً عن اتخاذ مواقف مماثلة في الصراعات في السودان وجنوب السودان. ونتيجة لذلك، أضحت الجهات الفاعلة غير الحكومية أو المعارضة تنظر إلى الصين على أنها ليست لاعباً إقليمياً محايداً.